15 الامام الحسن المجتبى وتفسير القرآن
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/9/1440 هـ
تعريف:

الإمام الحسن المجتبى وتفسير القرآن


تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال

نهنئ مولانا رسول الله (ص) والعترة الهادية بذكرى ميلاد السبط الأول، والإمام الثاني، والمعصوم الرابع، من المعصومين الأربعة عشر، ونسأل الله سبحانه وتعالى الذي أكرمنا بمعرفته، في هذه الدنيا، أن يتحفنا بشفاعته في الآخرة، وأن يرزقنا مرافقته، ومرافقة العترة الطاهرة، إنه على كل شيء قدير.
حديثنا هذه الليلة، يتناول شيئا من تفسير الإمام الحسن المجتبى (ع)، للقرآن الكريم، ليجمع هذا الحديث، بين المناسبتين، مناسبة ميلاد الإمام الحسن (ع)، ومناسبة أن أحاديثنا في هذه الشهر، تتناول موضوع القرآن الكريم، المعجزة الخالدة لنبي الإسلام.
ينبغي أن نشير إلى أن مثل هذا الموضوع، قلما يطرح ويذكر، وذلك، لأنه في الغالب، يركز المتحدثون، وأحيانا الكتاب، على الدور البارز والعنوان الظاهر للمعصوم في حياته، حتى لقد تشكلت صورة خاصة عن كل معصوم في أذهان الناس، فمثلا عندما يذكر الإمام الصادق، يتبادر إلى الذهن، قضية العلم، والفقه، والأحاديث، وما شابه ذلك، دون سائر كمالات الإمام الصادق (ع).
وعندما يذكر الإمام الكاظم مثلا، يتبادر إلى الذهن صورة الصبر والسجن والأذى، وما شابه ذلك، وكظم الغيظ، دون سائر كمالاته، وهكذا عندما يتحدث عن الإمام الحسين (ع)، تأتي إلى الذهن صورة المقاومة، ورفض الظلم، وإباء الضيم، دون سائر الكمالات. وعلى هذا المعدل، فإن الصورة التي هي في أذهان كثير من الناس، عن الإمام المجتبى، هي صورة الكرم، والحلم، والمصالحة، وأمثال ذلك، وكل هذه الصور لا ريب أنها من كمالات المعصوم، لكنها ليست كل كمالات المعصوم. فإن كل معصوم من المعصومين، له كمالات في مختلف المجالات.
غاية الأمر، أن الإمام ينظر إلى الواقع، على أساس ذلك الواقع، يتحرك. فإذا رأى في الأمة مثلا مشكلة أخلاقية وبعدا عن الله عز وجل، ركز عليه، في صورة الدعاء وما يرتبط به. وإذا رأى أن المشكلة الأعظم، هي مشكلة سياسية، وأن الإسلام مهدد ينهض كما نهض الحسين (ع)، وإذا رأى حاجة الأمة، إلى النشر العلمي، والثقافي، حدث وبلغ علم رسول الله (ص)، من دون أن يخلو وتخلو حياته، من سائر الكمالات والصفات، قد يكون لهذا السبب، قليلا من يتناول الجانب العلمي في حياة الإمام المجتبى (ع): تفسير القرآن، يراه الإمام الحسن (ع).
سوف نتعرض هذه الليلة، إلى بعض الجوانب في هذا الموضوع، بعد الصلاة على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد.
من الأحاديث في المنهج القرآني، ما يروى عن الإمام الحسن في قضية التفسير بالرأي، فقد نقل عنه: "من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ"، من الكلمات العجيبة، لو أن إنسانا جاء وفسر القرآن برأيه، تحدثنا في ليلة مضت عن أن التفسير بالرأي مذموم ومنهي عنه بخلاف التدبر في القرآن وأنه مطلوب ومرغوب، وبينا الفرق بينهما، لو أن إنسانا جاء وفسر القرآن برأيه، وصادف أن ذلك التفسير بالرأي، هو الحق، وهو الصحيح، الإمام الحسن (ع) في هذا الحديث كما روي عنه، يقول: هذا أيضا أخطأ. من قال في القرآن برأيه، فأصاب، ما أخطأ، فأصاب، فقد أخطأ، ليش؟
الإمام (ع)، هنا يريد أن يضرب منهجا خاطئا، أن يحذف منهجا خاطئا. القرآن الكريم لا ينبغي أن يسلك له، بمنهج خاطئ، حتى وإن صادف في بعض الأحيان، الإصابة. المطلوب في القرآن الكريم، أن يتم السلوك إليه بمنهج صحيح، لا يقوم على أساس احتمال أن يصيب الإنسان، لعله يصل إلى الحق، لا، هذا غير مطلوب، مثال ذلك: أن أنت تجي تسلك طريق، هذا الطريق طريق منهي عنه، يقال لك: أن هذا الطريق غير موصل إلى النقطة اللي تريدها، أنت مع ذلك تسلك فيه، صادف أن أحدا بشكل مؤقت قد أبعد الحواجز وأنت وصلت للنقطة اللي تريدها، هنا يقال لك: لا تستخدم هذا المنهج وهذا الطريق في القرآن الكريم، لأنه لو استعمله الإنسان صدفة أصاب، سيطمع أن يستعمله مرة أخرى، وثالثة، ورابعة، والقرآن لا يتحمل أن يسار إليه بمنهج خاطئ، لذلك قال: من قال في القرآن برأيه، من فسر القرآن برأيه، والتفسير بالرأي منهج خاطئ، حتى لو أصاب ووصل إلى الواقعي، هذا مخطئ، لأجل أنه استعمل منهجا خاطئا، ولو تحول إلى طريق دائم، سيكون منهج ضلال.
فأولا في أصل المنهج الذي يصار إليه ويستعمل في القرآن الكريم، إمامنا الحسن (ع)، يقول: لا تفسر بالرأي، حتى لو فرضنا أنك أصبت في بعض الأحيان، 10% ستصيب، 5% ستصيب، هذا المنهج مرفوض.
شبيه هذا، ما ورد في موضوع القضاء، وهو موجود عند الفريقين من المسلمين، أن من القضاة الذين هم في النار، كما عبرت عنهم الأحاديث، من قضى بشيء وهو لا يعلم أنه الحق، فصادف إصابة الحق. تارة الإنسان يقضي بالحق ويعلم أنه الحق، معتمد على قرآن، على حجة، طيب، هذا قضاؤه سليم ولا غبار عليه، شخص يقضي بالباطل ويعلم أنه باطل، هذا في النار ومخطئ، واحد آخر لا يعلم أن هذا حق، قال: ياللا خلنا نشوف الموضوع شلون يصير، حكم بحكم، فيما بعد تبين أن هذا الحكم، مصادف إلى الواقع، هذا أيضا يقول الحديث الموجود عند الطرفين، يقول: هذا قاض خاطئ في النار، ليش؟ لأنه إذا اتبع هذا المنهج، يقول: خلينا نشوف نحكم على هذا بقطع الرأس، يمكن ما يكون هذا يستحق ذلك، راحت نفس مؤمنة، وأنت قضيت بالصدفة هكذا. كذلك بالنسبة إلى التفسير بالرأي، هذا المنهج منهج خاطئ، حتى لو فرضنا أنه يصيب الواقع أحيانا وبالصدفة. فالإمام يقول: حتى لو أصاب الحق، والمعنى الواقعي، فهو مخطئ، هذا كلام منقول عن الإمام الحسن (ع).
فيما يرتبط ببعض المواضيع العقائدية في القرآن، موقع القرآن الكريم بالنسبة إلى المسلمين، أكو عندنا حديث سبق أن ذكرناه عن نبينا محمد (ص)، شبيه به أورده الإمام الحسن (ع). الحديث عن النبي: فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار"، نفس هذا المعنى بصياغة أخرى وشرح أكثر، يقوله الإمام الحسن (ع)، يقول: "إن هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا" ذكرنا في وقتها الفرق بين: يقوده إلى الجنة ويسوقه إلى النار، نفس المعنى هنا، حيث أن المنبع واحد، هذا لسان رسول الله (ص)، "يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا، يقود قوما إلى الجنة أحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه"، المتشابهات ما يشكك فيها، وإنما يؤمن بها، كما نزلت. الحلال يتعامل معه على أنه حلال، والحرام يجتنبه، فهذا القرآن يجيء معه قائدا. "ويسوق قوما إلى النار ضيعوا حدوده وأحكامه واستحلوا محارمه". وهذا نفس الكلام الذي قاله رسول الله (ص)، في تعيين منزلة القرآن ومكانه.
فيما يرتبط بأعداء أهل البيت، ويش موقعهم، ولماذا صاروا هكذا، ينقل ابن شهراشوب، في كتابه: مناقب آل أبي طالب، بسند إلى ابن عباس، في قول الله عز وجل، مخاطبا الشيطان: (وشاركهم في الأموال والأولاد)، ينقل هذه الحادثة ابن عباس: جلس الحسن بن علي ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان، لعل هذا في السنوات التي جاء معاوية ومعه يزيد إلى المدينة، قبل شهادة الإمام الحسن المجتبى، أراد أن يعمل تسويق معاوية ليزيد، أنه ترى هذا يزيد، شخص، يعني ما شاء الله عليه، يصلح إلى الخلافة، وهذا تشوفه طول بعرض حسب التعبير، فلعل هذه الجلسة كانت في إحدى تلك السفرات، فقال يزيد: "يا حسن، إني منذ كنت أبغضك". من يوم أنا انخلقت وأنا أبغضك، مو لشيء، أنه أنت تنافسني في السلطان أو في الشخصية أو كذا. هالسا هذي أنت تأمل فيه أن واحد يجلس مع شخص، أول ما يواجهه بمثل هذا الكلام، وهذا مثل الحسن بن علي سبط النبي (ص)، وهو من هو علما وحلما وتقى وشخصية، ويزيد ذاك الوقت، يفترض أنه في العشرينات، لأنه هلك على أبواب الثلاثينات، يعني 32، 33 سنة. فقال له: إني منذ كنت أبغضك. من انخلقت وأنا أبغض لك. فقال الحسن (ع): "اعلم يا يزيد، إن إبليس شارك أبيك في جماعه، فاختلط الماءان، فأورثك ذلك عداوتي" وهذا طبيعي، ليش؟ لأنك شرك شيطان. فليس من الطبيعي أن الشيطان أن يحبني، فإذا جزء منك هكذا، السبب هو هذا. مثل ما أن جدك قد شاركه الشيطان، فأنجب أباك، يعني أباك الأكبر، وعادى رسول الله (ص)، نفس الكلام. هذا يجيبونه في قضية مشاركة الشيطان للأب في ولده. وهذا ترى المعنى موجود في الفريقين، غاية الأمر، مثل هالرواية موجودة في مصادر الإمامية، لكن في غيرها من الروايات، مثل ما ورد عن رسول الله (ص): "إن الله يبغض الفاحش المتفحش الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه، فإنه شرك شيطان"، أكو قسم من الناس، حاشا من يسمع، هذا إنسان بذيء اللسان، وسخ الكلام، فاحش، متفحش، يواجه الناس بمثل هذا، أنه أنا منذ أن خلقت أبغضك، ماكل مال أبوك مثلا، ماخذ ميراثك، طيب. لا سمح الله ولا قدر، إذا الإنسان صار فاحش، بذيء اللسان، هذا فد مرض من الأمراض المدمرة، يؤثر عليه في العمل، يؤثر عليه في الأسرة، أكو قسم من الناس هكذا، لا سمح الله، يسب، يهتك، مو مهم عنده، يتهم، يفتري، طيب. وفوق هذا أيضا ما يهمه هذا الشيء، أكو قسم من الناس، الناس العاديون، حريص لا يقول كلمة تنحسب عليه، حريص لا يتصرف تصرف بعدين يعرف عنه، من قبل الناس، هذا أبدا، لا يبالي ما قال، ولا ما قيل فيه، جلد تمساح، ما يؤثر فيه شيء.
يقول: الله يبغض هذا، الفاحش المتفحش في حديث رسول الله (ص)، الذي لا يبالي ما قال وما قيل فيه، ليش يبغضه هذا؟ وشاللي خلاه بهالطريقة هذي؟  واحد من الأسباب: أنه شرك شيطان. هالسا شرك شيطان، شلون صار، هذا يحتاج إلى بحث خاص.
الإمام الحسن (ع)، طبق هذه الآية المباركة: (وشاركهم في الأموال والأولاد)، على يزيد بن معاوية. والذي عمله يزيد في حياته لا يعدو عن هذا، لا يعدو عن هذا، طبعا هذا ما يسلب مسؤولية الإنسان، ما دام هذا الشيطان شارك أباه فيه، لازم يطلع هكذا، لا، هو مسؤول ومعاقب. هذا فيما يرتبط بأعداء أهل البيت (ع).
في تفسير الآية المباركة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). اللهم صل على محمد وآل محمد. أن الإمام الحسن (ع)، في خطبة من خطبه، ذكر أن رسول الله تعلم من ربه، وعلم الناس جملة أمور، ومن جملتها قال: "وعلم رسول الله الناس الصلوات فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، فحقنا على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة فريضة واجبة من الله"، وهذا كما تعلمون، يقر به عموم المسلمين، في التشهد، لا بد من الصلاة على النبي وعلى آله، سنة وشيعة، وإليه أشار الشافعي محمد بن إدريس:
يا آل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن أنوله
كفاكم من عظيم الشأن أنكم
من لم يصل عليكم لا صلاة له
اللهم صل على محمد وآل محمد، هذا فيما يرتبط بقضية ولاية أهل البيت، وعداوة عدوهم. وأيضا المودة في القربى، قال الله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا)، الإمام الحسن (ع)، قال: "الحسنة حبنا ومودتنا أهل البيت". حبنا ومودتنا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.
فيما يرتبط بذكر بعض الآثار، للسور والآيات أكثر الإمام الحسن المجتبى من التأكيد على تكرار سورة القدر: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، فقد جاءه رجل وشكا إليه ضيق الحال، فأمره بالاستغفار وقراءة سورة: (إنا أنزلناه)، ما استطاع إلى ذلك سبيلا. أيضا الآيات الأخيرة من سورة الحشر، اللي هي في كثير من الآثار، من آيات الحفظ، من آيات الحراسة، في آخر سورة الحشر: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون). الآيات اللي بعدها الثلاث: (هو الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هو الله الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)، ورد في ذيلها عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه قال: "من قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر"، اللي هي هاي الآيات الثلاث، "إذا أصبح فمات"، الله يطول عمركم جميعا في خير وعافية إن شاء الله وسعة رزق، بس لو صادف ذلك، "فمات من يومه ذلك طبع بطابع الشهداء، وإن قرأ إذا أمسى فمات في ليلته طبع بطابع الشهداء"، هذا مما ذكر في فضائل السور والآيات.

لا نزال في موضوع العقائد من خلال تفسير القرآن الكريم، على يد الإمام الحسن المجتبى (ع)، الآية المباركة: (وشاهد ومشهود)، في الرواية: أن رجلا دخل إلى المسجد، مسجد رسول الله (ص)، فوجد حلقا، كل حلقة فيها متحدث، فأقبل على أول حلقة، فسأل من كان فيها، المدرس، قال له: قول الله عز وجل (وشاهد ومشهود) من يعني وماذا يعني؟ فقال: أما الشاهد فهو يوم الجمعة، وأما المشهود فهو يوم عرفة. هذا الجواب من الحلقة الأولى، يقول: فجزته، رحت للحلقة الثانية، سألته نفس السؤال، هذا المتصدي للحديث والتدريس، (وشاهد ومشهود)، ماذا يقصد بذلك؟ فقال: أما الشاهد فيوم الجمعة، فأما المشهود فيوم النحر، يوم العيد من ذي الحجة. فجزته وذهبت إلى رجل أو غلام كأن وجهه الدينار، يعني دينار الذهب شلون صفاء وجمال، كذلك. وهو يحدث عن رسول الله، فقلت: أخبرني عن (وشاهد ومشهود) ماذا يقصد؟ فقال: أما الشاهد فالنبي محمد (ص)، أما قرأت قول الله عز وجل: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا)، فالقرآن وصفه بماذا؟ بالشاهد. وأما المشهود فيوم القيامة، أما قرأت قول الله عز وجل: (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود). فسألت عن الأول، قيل: ابن عباس، أول حلقة، ابن عباس، عالم كبير، لكن أين هو من الإمام الحسن (ع). وسألت عن الحلقة الثانية من قيها؟ قالوا: عبد الله بن عمر، وسألت عن الحلقة الثالثة، فقيل أن فيها الحسن بن علي بن أبي طالب، بن فاطمة بنت محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد.
أيضا تحدث الإمام المهدي (عج)، تحدث الإمام الحسن، عن قضية الإمام المهدي (عج)، وفسر بعض آيات القرآن بذلك، كما ورد في قول الله عز وجل: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فقال الإمام الحسن (ع): "يجتمع إليه – يعني أي القائم - من أصحابه، عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر من أقاصي الأرض"، جعلنا الله وإياكم من أنصار الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ملاحظة هنا: قضية الإمام المهدي بتفاصيلها، قبل قرنين ونصف وأكثر، تحدث عنها المعصومون. لا يجي واحد يقول: ترى الشيعة على أثر الإحباط اللي صار إلهم السياسي، كان يحتاج إليهم أمل ونافذة ضياء، فتمسكوا بقضية المهدي. الإمام الحسن المجتبى وفاته قبل 200 سنة وشيء من ولادة الإمام المهدي، وهو يتحدث مو عن أصل القضية، عن تفاصيلها، عن أنه يجتمع إليه هالعدد، ومن أقاصي الأرض، ويطبق على ذلك بعض آيات القرآن الكريم، فضلا عن حديث أمير المؤمنين، وحديث رسول الله (ص). هذا كله في إطار ما يرتبط بالأصول العقائدية، نسميها: تفسير الإمام الحسن (ع) آيات من القرآن الكريم، ترتبط بالمسائل العقائدية.
هناك تفسيرات ترتبط بالمسائل الفقهية، نورد بعض الأمثلة منها، الآية المباركة، ويورد هذا التفسير، الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه، في كتابه: تهذيب الأحكام، قال: سئل الإمام الحسن المجتبى (ع) عن هذه الآية: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)، أن الإمام الحسن المجتبى (ع) سئل عن تفسير هذه الآية، وبالذات، في كلمة: الباغي والعادي، من هو العادي؟ ومن هو الباغي؟ قال: العادي هو السارق، الذي يتعدى ويعتدي على غيره، شخص ذهب إلى مكان للسرقة، انقطع به الطريق، بحيث لم يجد ما يأكله، إلا مثل الميتة، ميتة مو يعني إلا جيفة، لا، دجاج ساديا إذا لم يكن مذبوحا على الطريقة الشرعية المكرتن، المنظف، أيضا يعتبر ميتة غير جائز الأكل، هل يستطيع هذا السارق أن يأكل من هذا. لا يجوز له ذلك، هالسا ولو هو سارق، بعد ما يبالي بهالأمور، لكن لا تكون له رخصة، لأن مثل هذه الأمور، هي ترخيص، السفر العادي، هدية من الله عز وجل، إلى المسافر، التخفيف عليه في الصيام، والتخفيف عليه في الصلاة بالقصر والإفطار، إلا إذا كان سفر معصية، سفر عدوان، سفر سرقة، وأمثال ذلك، وأيضا في مثل الاضطرار إلى المحرم، الاضطرار للميتة، إذا لم يكن عاديا، لم يكن سارقا، يستطيع أن يأكل بمقدار ما يمسك نفسه ولا يتلف، ولا يكون آنئذ قد ارتكب حراما، فمن اضطر فلا إثم عليه، إلا أن يكون عاديا أو باغيا، فهذا الإنسان السارق لا مجال له.
وهذا الآخر الباغي، الباغي في هذه الرواية إلها تفسير، في روايات أخر، إليها تفسير آخر، وكلاهما صحيح، في بعض الروايات الأخر، الباغي، يتجه بالمنحى السياسي، الخارج على الإمام الحق، إنسان قام ببغي وجور ونهضة ضد الإمام الشرعي، هذا من البغاة. هذا لو انقطع به الطريق، واضطر إلى أكل الميتة، لا يجوز له أن يأكل.
هنا في كلام الإمام المجتبى (ع)، يقول: "الباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا. لا ليعود به على عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة". فالإنسان يأخذ إلك سيارة بأربعة مائة ألف ريال، وياخذ لك صقر ما أدري بمائة ألف ريال، ويروح لك الصحراء حتى يصيد أرنب بخمسين ريال، طيب. بطرا، ترفا، وبعضهم لا لغرض، يجي يجرب قدرته على القنص في هذه الحيوانات، التي خلقها الله لفائدة ما من الفوئد، هو يجي يجرب بالمسدس، أو بالسهام أو غير ذلك، ثم يستعرضها، أنه أنا هالقد قتلت. طيب هذه الحيوانات لها حق الحياة، مثلما لك أنت. نعم، الله شرفك وقال إذا احتجت إلى أكلها، كل منها بمقدار ما تمسك نفسك، أما تسويها ملعبة وتمارس هذا الإفساد في البيئة والطبيعة، وتحرم هذه الحيوانات، وهذه الطيور، من نعمة الحياة التي وهبها الله إليها، من دون مبرر، أنت تعاقب بأنك لو اضطررت لأن تأكل الميتة، لا يحق لك، وهذا أيضا من الموارد، التي يذكر فيها أنه من السفر الذي لا يقصر فيه.
واحد يروح إلى البحر، ويكيف، أنه لما يذب هذه المفرقعات في البحر، يشوف شلون، الأسماك تموت أمام عينه، هذا بطر، هذا ترف، لا لحاجة نفسه، ولا لعياله، وإنما ترف في ذلك، يقول له هنانا: أنت لا تقصر في السفر، لأن القصر هدية الله إلى المسافر، ومراعاة لحاله، وأنت ما تستحق هذه الهدية، بهذا البطر، وهذا الترف اللي عندك.
اضطرار، اضطررت أنت إلى أن تأكل الميتة، المسعى اللي أنت ماشي فيه، مسعى مترف، متبطر، باغي، في غير محله. هذا ما ذكر من تفسيرات الإمام الحسن المجتبى (ع)، للآية المباركة، (إنما حرم عليكم الميتة والدم).
فيما يرتبط بالقضايا الاجتماعية، نجد أيضا بعض تفاسير الإمام الحسن (ع)، وبعض استفاداته من القرآن الكريم، ينقل القرطبي، وهو من مفسري مدرسة الخلفاء، وهو من كبار المفسرين، وتفسيره الجامع لأحكام القرآن، من التفاسير الضخمة التي ينظر إليها العلماء، بنظرة غير اعتيادية في استيعابها.
القرطبي، ينقل عنه، هذا المعنى، في تفسير الإمام الحسن المجتبى في آية الطلاق: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا). سئل الإمام (ع)، عن الرجل، هذا ينقله القرطبي، عن الرجل يطلق زوجته عدد نجوم السماء، مو طلقة وحدة، ولا ثلاث، هذا واصلة حدها عنده، لخشمه، فقال لها: أنت طالق، عدد نجوم السماء، تريلونات طلقة، طيب. فقال (ع): "لا طلاق إلا بخمس". لا طلاق إلا بخمس. "شهادة شاهدين عدلين، وأن يكون الطلاق في أثناء الطهر"، في أثناء الطهر، "وأن لا يجامع زوجته في ذلك الطهر وأن يعزم على الطلاق". يعني يكون جاد في الأمر، ليس تهديدا، وليس سهوا، وليس غفلة، "فاذا تحقق ذلك فقد وقع الطلاق، ولو بنجمة واحدة"، ما يحتاج عدد نجوم السماء. عندنا الفتوى، وعند أيضا بعض المذاهب، أنه من قال مثلا: أنت طالق ثلاثا، لا يقع بالثلاث قطعا، هالسا على خلاف هل هو يكون فاسدا، كما هو رأي بعض، أو يكون صالحا، طلقة واحدة، لأن الله يقول: (الطلاق مرتان)، ومرتان لأنه لا بد فيهما من رجعة، الطلاق لا بد له من محل. عندما يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، هذه الثانية والثالثة لا معنى لها أصلا، ليش؟ لأن الطلاق إنما يكون في المحل المناسب وهو زوجة الإنسان. بطلاقه إياها المرة الأولى، خلاص طلقت. فيحتاج أن يرجعها إلى نكاحه، حتى مرة ثانية يقول لها: أنت طالق، هاي الآن بعد طلاقها ليست زوجة، بهذا المعنى الذي يقع عليها الطلاق. هذا شيء مما ذكره، وذكر عن كلمات الإمام الحسن (ع)، وتفسيره للقرآن الكريم، في المسائل الاعتقادية وبعض المسائل الفقهية، وقد أشرنا إليها للجمع بين مناسبتي الحديث في القرآن الكريم، ومناسبة ولادة مولانا الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بشفاعته وأن يوفقنا لمرافقته إنه على كل شيء قدير،

مرات العرض: 3634
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2561) حجم الملف: 61033.86 KB
تشغيل:

14 التدبر في القرآن
16 من اتجاهات تفسير القرآن : التفسير الروائي