القرآن الكريم في بطاقة تعريفية 1
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/9/1440 هـ
تعريف:

القرآن الكريم في بطاقة تعريفية

 

تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال

 تدقيق الأخ الفاضل أبي محمد العباد

 

(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )[1]

صدق الله العلي العظيم

تعريف القرآن الكريم:

قرآن، وهو الاسم العلم الذي ورد مراراً في داخل القرآن، وورد أيضاً بأسماء أخرى، مثل الذكر وأمثاله، لكن كلمة القرآن، عندما تطلق، فهي تعني هذا الكتاب المعيّن، الذي يحتوي على الوحي الإلهي.

   القرآن الكريم، ككلمة جاءت من قرأ، قرأ قراءة، وقرآنا، هذه الحروف: القاف، والراء، والألف، في اللغة العربية هي أصل يدل على اجتماع، ولذلك تراها في موارد مختلفة تستعمل بهذا الاستعمال، تسمى القرية قرية لأنها تجمع أهلها وتجمع الناس الساكنين فيها.

يقال أيضا: قرء. (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)[2]، قروء: جمع قرء، القرء أيضاً جاء من هذه بمعنى اجتماع الشيء، المرأة عندما يجتمع في رحمها، دم العادة الشهرية تكون ذات قرء، سواء كان بمعنى الحيض والدورة الشهرية أو بمعنى الطهر.

   فالأصل في هذه الكلمة أنها تدل على نحو اجتماع، باعتبار أن الذي يقرأ لا بد أن يجمع الحروف مع بعضها حتى تصبح قراءة، فأنت عندما تريد أن تقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هذه البسملة، مكونة من حروف، من الباء والسين والميم والألف واللام ثم اللام ثم الهاء وهكذا، ولكي تقرأها لا بد أن تجمع حروفها مع بعضها البعض حتى تتحول إلى قراءة.

   أما إذا قرأت الحروف منفردة عن بعضها كأن تقول: باء، سين، ميم، هذه لا تعد قراءة.

فقيل سمي قرآناً، لأن القارئ الذي يقرؤه لا بد أن يجمع حروفه إلى بعضها البعض لكي يصبح مقروءاً ومتلُوَاً، وقيل أنه قرآن باعتبار أنه يجمع السور ويجمع الآيات، وقال آخرون: سمي قرآناً لأنه يجمع ما فيه من الأحكام والعقائد والقصص والمواضيع المختلفة، هذا في الاستعمال اللغوي، ففي هذا المعنى لا يختص كلمة قرآن بالوحي النازل من الله عز وجل، لأنه حتى قراءة الكتاب لا بد أن تجمع الحروف فيها.

أما المعنى الاصطلاحي، القرآن فهو عندما تقول لإنسان: أعطني قرآناً، أو اشتريت قرآناً، فلا يتبادر إلى ذهنه أي شيء آخر إلا هذا الكتاب المقدس الخاص. 

فالقرآن بهذا المعنى الاصطلاحي وهو ذلك الكتاب الذي أُنزل من خلال الوحي الإلهي بلفظه ومعناه من الله عز وجل بواسطة جبرائيل على نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله، فلا يستطيع أي أحد أن يجاري هذا الوحي النازل من الله عز وجل بمعناه وبلفظه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

فهو كلام الله الذي بعث به جبرائيل واحتمله عن الله عز وجل بمعناه ولفظه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الكلام المعجز، لكل أحد إلا الله سبحانه وتعالى فهذا هو القرآن الكريم.

القرآن المعجزة الخالدة:

يعتبر القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة والتي لا زالت باقية بين أيدينا إلى الآن، فلا توجد معجزة شاخصة إلى الآن لنبي من الأنبياء أو رسول من الرسل إلا القرآن، أما باقي المعاجز فهي عبارة عن أخبار وأنباء.

   فنبي الله عيسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله تعالى، لكن هذا بقي خبر، لا تجد له عيناً قائمةً وشيئاً مجسداً الآن. 

   كذلك الحال في قضية نبي الله موسى عليه السلام، وتحول عصاه إلى ثعبان تلقف ما يأفكون، فهذا أيضاً خبر من الأخبار لا تجد له عيناً أو أثراً ظاهراً تستطيع أن تدل الناس عليه.

   لكن القرآن الكريم شاخص بين يدي البشر، فإن أحداً تساءل عن معجزة الإسلام ومعجزة رسول الله صلى الله عليه وآله قدم له نسخة من القرآن الكريم، فهو المعجزة الواضحة والشاهرة وتعهد الله سبحانه وتعالى بحفظه وإبقائه وخلوده: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[3].

القرآن يهدي للتي هي أقوم:

   هذا القرآن الكريم الذي عُبر عنه بتعبيرات مختلفة كآيات الذكر الحكيم جعلناه شعار هذه السلسلة، وهو: قول الله عز وجل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )[4]. فعبارةـ (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) في حياتهم الشخصية والاقتصادية والثقافية والسياسية وفي جميع نواحي الحياة، لذلك أنت تلاحظ أنه لم يعين في جانب دون آخر فهو يهدي للتي هي أقوم، فأي طريقة تتصورها يوجد فيها جانبان،جانب سيء وجانب قيّم وسوي،لكن القرآن الكريم لا يهدي للقيّم بل للتي هي أقوم من القيّم فضلاً عن السيئ.

هل أجزاء القرآن الكريم الثلاثين هي تجزئة ربانية؟

     القرآن الكريم يشتمل على أجزاء وسور وآيات وكلمات وحروف، وبالمناسبة أنّ الأجزاء الثلاثين الموجودة في القرآن الكريم والمتداولة لا يوجد عليها دليل على أنها تجزئة ربانية أو نبوية أو معصومية، وإنما شيء تعارف عليه المسلمون في وقت متأخر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، بمعنى أنه لا يوجد نص على أن القرآن الكريم مقسم إلى ثلاثين جزء يبدأ الجزء الأول بسورة الفاتحة إلى آية كذا في سورة البقرة، وبعده يبدأ الجزء الثاني وهكذا،ويشبه ذلك ما ورد في التحزيب.

فهذه الأساليب التي تعارف عليها المسلمون كانت من أجل الحفظ أو التلاوة.

هل سور القرآن الكريم ترتيبها رباني؟

   أن السور بترتيبها المتعارف الآن لا يوجد دليل على أن ترتيبها ترتيب إلهي أو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله، نعم المعلوم أن فاتحة الكتاب هي أول الكتاب،بعض السور في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله كانت معروفة الترتيب، وبعضها الآخر ليست كذلك، فلا يوجد عندنا دليل واضح على أن هذا القرآن الموجود بين أيدينا كانت ترتيب السور فيه جاء ت من عند الله عز وجل،بمعنى أن يجعلوا بعد الفاتحة البقرة ثم آل عمران وهكذا كما هو موجود.

ولهذا في بعض النسخ السابقة للقرآن قبل أن يجمع الناس على ترتيب معين في زمان الخليفة الثالث تختلف فيها السور تقديماً وتأخيراً. وكذلك بالنسبة لترتيب للآيات،فالآية قياساً إلى ما قبلها وما بعدها كانت من السماء وبتوجيه من النبي صلى الله عليه وآله توضع في المكان المحدد.

فهناك الكثير من الروايات، سواء كانت من طريق مدرسة أهل البيت أو من طريق مدرسة الخلفاء، تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر أن توضع الآيات، في مواضعها المحددة، فيقول مثلا: ضعوا هذه الآية بعد الآية الكذائية وفي سورة كذا. فليس من قام بالجمع كان يرتب الآيات حسب هواه هذا أولاً ، وثانيا هو مقتضى الاعتبار.

ماذا يعني مقتضى الاعتبار؟

   الحروف التي نستخدمها في اللغة العربية مثلاً هي واحدة لكن الكلام يختلف من شخص لآخر في ترتيبه للجملة الواحدة فيتميز كل شخص عن الآخر في طريقة الكلام فكلامي يختلف عن كلامك، وكلامنا يختلف عن كلام العالم الفلاني، مع أن الحروف اللي نستخدمها هي حروف واحدة، ولكن الفرق ما هو؟ الفرق أن من خلال ترتيب الكلمات عند ذلك العالم يستطيع استخراج نظرية جميلة، فأنا لا يوجد لدي هذا الترتيب مع أن عندي الحروف وعندي نفس الكلمات، وهذا واحد من أوجه التحدي الذي ساقه القرآن لمن يتحداه. يقول له هذه الحروف : (آلم)، و(حم)، و(حم عسق)، (وكهيعص)،هي ذلك الكتاب لا ريب فيه. (الم(1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) )، هذه الحروف موجودة عندكم، الكلمات نفسها موجودة عندكم،الأدوات كلها عندكم لكن نتحدى أن تأتوا بكتاب من مثله بل نتحدى أن تأتوا بعشر سور، بل وصل التحدي أن تأتوا بسورة واحدة وهذا أبلغ في التحدي. الفرق هو في ماذا؟

الفرق هو أن نفس هذه الحروف كيف أجمعها في كلمة، وهذه الكلمات كيف أجمعها في جملة، ولذلك لا بد أن تكون هذه الحروف نحو جمعها، فيما هي كلمة واحدة، وفيما هي في كلمات، لا بد أن تكون من قبل الوحي، لا بد أن يكون من عند الله، ارتباط هذه الآية بالآية التي قبلها والآية التي بعدها أيضا كذلك،. لأنه أحياناً تغيير الكلمة في الجملة، وتغيير الجملة في موضعها بين هذه الجمل، قد يغير المعنى تغييرا كاملا.

   فمثلاً قم بتكوين جملة واحدة، وحرّك في ترتيب مواضع الكلمات فيها، الكلمة الأخيرة ضعها في الأول والتي في الأول ضعها في الأخير والتي في المنتصف غير موقعها كذلك، فستلاحظ أن المعنى تغير تماماً.

كذلك بالنسبة لترتيب الكلمات في الآية، وترتيب الآيات فيما بينها تقديماً وتأخيراً بالإضافة إلى ما ورد الإخبار عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر هو مقتضى الاعتبار، فلو تغير يتغير المعنى ويحصل التحريف، وأحياناً لا يكون لهذا الكلام معنى أصلاً، مع أن الكلمات هي نفس الكلمات، إذا تغير ترتيبها واختلف.

فإذن الآيات فيما بينها والكلمات فيما بينها ترتيبها ترتيب من الوحي من الله عز وجل.

اختلف الباحثون في عدد آيات القرآن الكريم ، فهل هذه دلالة على أن القرآن فيه زيادة أو نقيصة؟ 

ذكرنا أن أجزاء القرآن الكريم هي 30 جزءًا وعدد السور هو 114 سورة وإن كانت بعض السور في خصوص الصلاة سورتان تحسبان بسورة واحدة مثل سورة الفيل وقريش وأمثالها، لكن كعدد هو 114 سورة.

أما بالنسبة للآيات، ذكروا أن آيات القرآن الكريم، ما بين 6660 كحد أعلى و 6200 آية كحد أدنى ويتبين أن الفرق بين العددين يصل إلى 400 آية، كيف هذا؟ هل هذا معناه أن القرآن ناقص؟

لا، ليس الأمر كذلك، فحتى الذين اختلفوا في عدد آيات القرآن الكريم اتفقوا على أنه لا يوجد اختلاف بينهما لا نقيصة ولا زيادة، إذن من أين الاختلاف؟

قالوا: جاء الاختلاف من أمور عارضة، من تلك الأمور:

1-حساب أو عدم حساب البسملة كآية من الآيات، عندنا البسملات في أوائل السور: 113 بسملة، في أوائل السور مع ضم ما هو موجود في داخل سور النمل: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)[5] يكون المجموع 114 بسملة. لكن في بدايات السور هو 113 بسملة لـ 114 سورة، نظراً لأن سورة التوبة المعروفة بسورة براءة، ليس في مطلعها بسملة، فقسم من المسلمين، لم يعدوا البسملة آية، خلافاً لمدرسة أهل البيت التي تقول أن البسملة هي أعظم الآيات، ففي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام يقرعهم وينعى عليهم، يقول: "عمدوا إلى أعظم آية في القرآن الكريم فرفعوها أو حذفوها)، هذه البسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هي عنوان، كانوا يقولون: كنا لا نعرف سورة عن سورة إلا بالبسملة، لأنها الفاصلة بين هذه وتلك، فإذا جاء جماعة، كما عليه قسم من المسلمين ولم يعدوا البسملة آية، هذا يؤثر في العدد بلا إشكال.

2- عندما تمت كتابة القرآن الكريم في وقت متأخر وتم رسم الأعداد في نهاية الآيات، اختلفوا في هذا في بعض الأماكن، قسم من الذين كتبوا القرآن،بالمناسبة كتابة القرآن تعلمون انها ليست كتابة توقيفية، ولذلك ورد فيها بعض الأخطاء من ناحية قواعد الإملاء والإعراب وهذا لا يضر فيها، ولكن عندما كتبت في المصحف الذي اعتمد على مستوى الأمة في زمان الخليفة الثالث، كان فيه أخطاء إملائية، كان معلوم في ذاك الوقت هذا الأمر، حتى أن الخليفة التفت إليه، ولكن عندما سئل أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في الرواية، لم يشأ أن يبقي باب التعديل مفتوح مما يعرض القرآن من قبل آخرين للجرأة على النص، فصار فيما بعد قضية التنقيط وقضية التشكيل ووضع الحركات، نتحدث عن هذا إن شاء الله، وعن دور من كان على وفق مدرسة أهل البيت، الدور العظيم الذي قاموا به في هذا الشأن، حتى صار المصحف الذي هو موجود الآن.

   شاهدنا في اختلاف عدد الآيات، أنه صار في نهاية كل آية ترقيم، فهنا حدث اختلاف، مثلاً يأتي أحداً ويقول لك: (ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) فيعتبر ( ق ) آية، فيضع علامة دائرة بعدها، (والقرآن المجيد) آية أخرى فتكون هذه آيتين ، يأتي كاتب آخر فيعتبرها كلها آية (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، ويضع دائرة بعدها فتكون عند هذا الكاتب آية واحدة، فالأول لم يحذف آية والثاني لم يضيف آية وإنما الاختلاف فقط في الترقيم، كذلك الأمر بالنسبة لسورة ص (ص والقرآن ذي الذكر)، وأيضا هذا ينطبق على قوله تعالى: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) البعض هنا وضع دائرة في نهايتها فصارت آية، والبعض الآخر قال: لا، ليست هذه نهاية آية، نكلمها للأخير. فهذه أمور في الكتابة والرسم والإملاء جعلت شيئا من الاختلاف في عدد الآيات النهائي. 

   ذكر ذلك صاحب مجمع البيان الشيخ الطبرسي رضوان الله تعالى عليه، قال: الموجود الآن من الآيات بحسب هذا التعداد هو 6236 آية، وهو الموافق الآن للمصحف الموجود والمشهور في كتابته بين المسلمين.

هل نزل القرآن دفعة واحدة أم تدريجياً؟ 

القرآن الكريم، كما هو المشهور والمعروف، عُبّر عنه مرة بأنه نَزَل، وعُبّر عنه مرة أخرى بأنه نزِّل. ومرة: (إنا أنزلناه)، ومرة أخرى: (نزلناه تنزيلا)، فصار لدى العلماء مسألة وهي: هل أنه نزل مرة واحدة أو نزل متعدداً، منجماً على فترات؟  لا سيما إذا أضفنا إلى ذلك، مسألة وهي أن، نحن نقرأ في القرآن الكريم: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، فإذن القرآن أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان.

من جهة أخرى، نحن نعلم، أن أول آيات سورة العلق، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في السابع والعشرين من رجب، الذي كان فيه بعثة النبي صلى الله عليه وآله، فكيف؟، هل نزل في رجب أو نزل في رمضان أو صار نزول متعدد أو غير ذلك؟ مع أن هذا البحث طويل،إلا أننا نشير إلى بعض الإشارات، هناك من يقول أصلاً: لا يوجد هناك تأكيد على الاختلاف بين كلمة نزل ونزَّل، الإنزال والتنزيل، المعروف والمشهور أن الإنزال مرة واحدة، والتنزيل متعدد ومتدرج.

وقسم من الناس يقول: قد يكون هكذا وقد يكون معناهما واحد، ولكن بحسب ملاحظات، مرة يلاحظ ملاحظة فيقول: نزلناه تنزيلا، ومرة يقول: أنزلناه. إذا واحد قال: لا يوجد فرق، تنحل المشكلة. وأما إذا كان هناك في إنزال مرة واحدة، وفي تنزيل متعدد، ولا سيما أن القرآن الكريم، كان يناقش بعض القضايا المتدرجة كغزوة حنين، ذاك الوقت ينزل القرآن: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا )[6]، فقبل هذه الحادثة لم تأت هذه الآية. أو كالمرأة التي اشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في قضيتها مع زوجها، فينزل (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا )[7]، فإذن هناك نزول متعدد وتدريجي.

علماء أجابوا عن هذا بعدة إجابات، أبينها بشكل سريع، السيد الطباطبائي في الميزان، يقول: عندنا الكتاب المحكم، عندنا روح القرآن، عندنا جملة معاني القرآن الكريم، وهذا نطلق عليه الكتاب المحكم، وعندنا الكتاب المفصل، القرآن المفصل.

الكتاب المحكم، إذا نريد أ، نعبر عنه فقط للتوضيح مثل الملخص والجوهر، وهذا الذي عبر عنه في القرآن الكريم: ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[8]، الكتاب المحكم نزل على قلب نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله نزولاً دفعياً مرة واحدة، ولهذا خاطبه القرآن الكريم: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)[9]، كذلك في في المواطن المختلفة، في كل مورد من الموارد تأتي الآية المباركة الخاصة بهذا الموطن وتنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا أحدالآراء. 

رأي آخر يقول: لا، نزل بجملته، بكامله، من البيت المعمور، إلى السماء الرابعة، أو إلى السماء الدنيا، ثم بدأ بعد ذلك يتنزل تدريجياً مع كل حادثة ومع كل قضية، وهذا ذهب أيضاً إليه علماء آخرون.

وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن وبأهل بيته، هل راعتها الأمة؟

   هذا القرآن الكريم، الذي هو يهدي للتي هي أقوم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويبشر المؤمنين، الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً،هذا هو خير وديعة أودعها الله سبحانه وتعالى في الأمة، وأوصى بها وألفت النظر إليها، كم من المرات تحدث النبي عن القرآن الكريم، إلى جعله في وصية في الثقلين ( إني مخلف فيكم، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي )، وفي روايات أخرى (تارك فيكم الثقلين) لعلك تقول هل الرواية الأصلية تارك فيكم أو مخلف فيكم، أي منهما؟ كلا العبارتين صحيحتين لأن الإنسان إذا صار عنده اهتمام بقضية معينة، يكثر من الوصاية بها بمختلف الألفاظ وفي مختلف الأوقات، وبمختلف السبل. 

فمن الممكن، أن يقول في مجمع: ( إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وممكن في مجمع آخر، يقول: ( مخلف فيكم)، وفي مجمع ثالث يضيف إليه: ( أحدهما أكبر من الآخر)،وفي مجمع رابع، يقول: ( فانظروا كيف تخلفوني فيهما) وهكذا. 

النبي صلى الله عليه وآله في سنواته المختلفة، كان يوصي بهذه الوصايا المختلفة بالقرآن وبالعترة، ولكن للأسف لم تلتفت الأمة في سلوك طغاتها وكبارها إلى وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله أما القرآن الكريم، فزووه عن العمل به، لا بل مزقه بعض طغاة هذه الأمة وليس فقط لم يعملوا به وإنما أهانوه وهتكوا حرمته، فهذا الوليد بن يزيد الأموي الفاسق المعروف، دَوّن التاريخ عنه أنه كان كثير الشرب، مسك القرآن ليستفتح به، وكما هو معروف عندنا أن الاستفتاح بالقرآن والتفؤل به غير مسموح شرعاً، لماذا؟ لأن هذا قد يجر إلى تكذيب القرآن، فمثلاً جاء شخص وتفأل واستفتح، فتح القرآن ووجد الآية المباركة: ( جنات وعيون وزروع ومقام كريم) فذهب للامتحان ولم ينجح فهذا الأمر يجر ذلك إلى تكذيب القرآن. 

فهذا الرجل – الوليد بن يزيد -كان يريد أن يتفأل بالقرآن، فتفأل به واستفتح فإذا بالآية المباركة، (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ )[10]، فغضب وقال: تهددني بالجبار العنيد، أنا الجبار العنيد، ووضع القرآن على جدار وأخذ سهاماً وظل يرشقه بالسهام، حتى مزق القرآن ويقول: تهددني بجبار عنيد 

فها أنا ذا جبار عنيد

لئن لاقيت ربك يوم حشر

فقل يا رب مزقني الوليد 

هذا الثقل الأكبر، وأما الثقل الأصغر، فقد مزقوهم برماحهم وسيوفهم، ولا ينبئك مثل خبير.

[1] ) سورة الإسراء آية 9

[2] ) سورة البقرة آية 228

[3] ) سورة الحجر آية 9

[4] ) سبق ذكر المصدر

[5] ) سورة النمل آية 30

[6] ) سورة التوبة آية 25

[7] ) سورة المجادلة آية 1

[8] ) سورة هود آية 1

[9] ) سورة القيامة آية 16

[10] ) سورة إبراهيم آية 15-16

مرات العرض: 3477
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2562) حجم الملف: 56897.17 KB
تشغيل:

بعثة سيد الكائنات ومعراجه السماوي 1
جمع  القرآن في رؤية الشيعة الامامية 3