الحياة الأسرية للامام موسى الكاظم عليه السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/7/1440 هـ
تعريف:

الحياة الاسرية للإمام الكاظم عليه السلام


تفريغ نصي الفاضلة تراتيل

من وصية مولانا موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه انه قال موصيا أولاده في اخر خروج له الى بغداد :" والى علي امر نسائي دونه وثلث صدقة ابي وثُلُثِي يضعه حيث يرى و يجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله فان احب ان يبيع او يهب او ينحل فذلك له واذا أراد رجل منهم ان يزوج اخته فليس له ان يزوجها الا بأذنه وامره فانه اعرف بمناكح قومه ,وامهات اولادي من اقامت منهن في منزلها وحجابها فلها ما يجري عليها في حياتي ومن خرجت منهن الى زواج فليس لها ان ترجع الى محواي وبناتي مثل ذلك "
نعزي سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله ونعزي العترة الهادية بشهادة الامام الصابر أبي الحسن موسى بن جعفر ونسال الله ان يزيدنا بهم معرفه وان يرزقنا حسن الولاء لهم وان يحشرنا معهم في جنة النعيم انه على كل شيء قدير
نتحدث في هذه الليلة في ظلال وصية الامام الكاظم ع و هي الوصية الجامعة التي أوصى بها قبل سنة 179 هجرية وهي السنة التي استدعي فيها من قبل سلطة هارون العباسي ليسجن ويبقى فترات متقطعة في ذلك السجن الى ان قضى مسموما شهيدا سنه 183 هجريه أي بعد اربع سنوات
هذه الوصية تشير الى لزوم ان يتحرك الانسان بالايصاء بما اهمه لكي تجري الأمور كما يريدها فبمجرد ان يموت الانسان لا يستطيع ان يباشر اراداته ومبتغياته وقد وضع طريق من قبل الشرع لصيانة ارادات الانسان وهو الوصية , فكانت الوصية حقا على المتقين كما في القران الكريم
يضاف الى ذلك ان التأمل من خلال هذه الوصية تدلنا على الحياة الاسرية والزوجية التي كان يعيشها الامام الكاظم عليه السلام وهذا امر مهم في ان يقتدي الانسان المؤمن في حياته وتعامله مع زوجاته و مع اسرته بنينا على وفق هدى أئمة الهدى عليهم السلام . ففي هذه الوصية سنجد إشارات الى هذا المعنى . في هذه الوصية أوصى فيها الامام عليه السلام الى ابناءه وعدّدَهم والغرض في ذلك هو تشريفهم والتنويه بذكرهم و أشار في هذه الوصية الى احدى زوجاته وهي ام احمد بن موسى بن جعفر هذه المرأة الصالحة وهي ليست ام الامام الرضا ولكنها امرأه من الفاضلات وراوية من الراويات ومؤمنه بإمامة الامام الرضا . ومن هنا نستفيد انه بالإمكان ان تكون المرأة وصيا فلا يشترط الذكورة في الوصية فالإمام عليه السلام ذكر ام احمد كواحده من الاوصياء وقد افرد الامام الكاظم ابنه الامام الرضا وجعل له دونهم امرين
أولا: امر بناته
ثانيا : امر زوجاته 
فعلى الامام الرضا ان يصرف على من بقى من زوجات ابيه اذا بقيت في بيته ولم تتزوج , فكما تعلمون ان بإمكان زوجات الائمة ان يتزوجن بعد الامام . فقط النبي صلى الله عليه واله اختص بان لا تنكح ازواجه من بعده ولكن الائمة ليسوا كذلك وان كان عليا عليه السلام نفس النبي صلى الله عليه وآله
وقد أوصى الامام الكاظم عليه السلام بانه اذا امرأة من نساءه تزوجت من بعده فلا يصرف عليها شيء من ثلث مال الامام الكاظم , وهذا يدل على رجحان ترك الانسان ثلث أمواله فيما يريد من الأمور فثلث الامام الكاظم هي شيء عظيم جدا حيث الى الان ما يزال في المدينة المنورة بعض البساتين مما هي من أملاك الامام الكاظم ع , والامام الكاظم في فترة من الفترات كانت له بالمدينة اهم الضيع والبساتين توصّل الى شرائها من ماله الخاص الشخصي  وليس من الأموال العامة -كالاخماس والصدقات فهذه مصارفها محدده ومعروفه - فالموارد المالية الخاصة باهل البيت عليهم السلام يحصلون عليها من مصادر مختلفة ويستطيع الامام ان يورث ابناءه من هذا المال الخاص ويستطيع ان يوصى بالثلث منه كذلك , فلم تكن كل نفقاته من الحقوق الشرعية من بيت المال
الامام الكاظم في فترة من الفترات اشترى بساتين لذلك كان يستطيع ان يعيل اكثر من 32 ولدا بين ذكرا وانثى  وعددا من الزوجات وبناته اللاتي لم يتزوجن و زوجاته اللاتي بقين في منزله بدون ان يتزوجن بعده .
لذا أيها الانسان تدارك واجعل ثلث مالك لك بعد موتك للإنفاق على عائلتك المحتاجين او الانفاقات العامة في وجوه الخير او في عبادات او مشاريع خيرية او تبليغيه حتى يبقى لك عمل صالح مستمر
فالإمام أوصى بثلث ماله بحيث الامام الرضا يصرفه وهذا خاص بالإمام الرضا دون باقي الاوصياء – أي تحت ولاية الامام الرضا ع- ومن الملاحظة هنا شدة اهتمام الامام الكاظم بأمر البنات  فلم يجعل للأبناء شراكة مع البنات في ثلث ماله مع ملاحظة انه قد يكون هناك أبناء محتاجون , فتخصيص الامام للبنات فيه ملاحظة جهة ضعف فالابن يستطيع ان يعمل ويحصل الأموال والبنت التي تتزوج زوجها غالبا هو من ينفق عليها لكن البنت التي بقيت بعد ابيها لم تتزوج او مطلقة وباقية في منزل ابيها فهنا جانب ضعف ركز الامام عليه فأوصى لهن بان تكفى مؤنتهن من ثلث أمواله التي كانت واسعه وكبيره
الامام الكاظم كان هو اكثر الائمة أولاداً او من اكثر الائمة اولادا – ولفظة الأولاد تشمل الذكور والاناث كما جاء في القران الكريم (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) -  و قد قيل -وهو كلام غير صحيح كما في كتاب عمدة الطالب  - بان للإمام ستين ولدا وقيل له أربعون وهذا غير صحيح أيضا والصحيح ما قاله هو فقد ذكر ان عدد ابناءه نيف وثلاثون واكثر القول بانه سته وثلاثين ثمانية عشر اناثا وثمانية عشر ذكرا , وهناك قسم منهم لم يتزوجن
هناك تساؤل هل بنات الامام الكاظم تزوجن ؟
هناك قولان ,
القول الأول ينتهي الى ان بنات الامام الكاظم جميعهن – ثمانية عشر فتاة- لم يتزوجن ودليلهم انه في كتاب تاريخ اليعقوبي ورد ان الامام الكاظم أوصى بان لا تتزوج بناته , و البعض علل ذلك لعدم وجود الكفء واما للوضع السياسي والأمني الصعب الموجود في ذلك الوقت .
البعض اعترض على هذه المقولة وقالوا ان اليعقوبي متأخر لذا لابد ان يعرض مستند لهذا الكلام حيث لم يجدوا في روايات الامام شيء بهذا المعنى ولا  في سيرة الامام الكاظم عليه السلام , فربما اليعقوبي استنتج ذلك بالاستفادة من وصية الامام انه من تزوجت من بناته فلا تعطى شيء من ثلث ماله ومن لم تتزوج يعطى لها ما يكفيها منه ويكفلها
فقال مقولته بان الامام لا يريد ان تتزوج بناته ولكن هذه الاستفادة كما يراها البعض انها استفادة في غير محلها
شيء اخر يذكرونه في حوار الامام الكاظم مع هارون عندما سأله كم لك من الولد فقال: نيف وثلاثون
فقيل له : لما لا تزوجهن من اكفاءهن من بني عمومتهن – أي أبناء الصادق والحسن من بني هاشم -, فقال الامام حسب نقل هذه الرواية : تقصر ليّ , فقال له :فاين الضيعة؟ قال:  تعطي حينا وتمنع حينا ,
ولذلك قيل انه يتضح ان الامام لم يزوج بناته في حياته, وهذا وجه ثاني
اما الوجه الثالث فهو القائل بانه لم يتم العثور في التاريخ على ان احدى بنات الامام الكاظم تزوجت سوى ابنه واحده اسمها ام سلمة وباقي بنات الامام الكاظم لم يعثر على انهن تزوجن , ام سلمة بنت الامام الكاظم تزوجها حفيد الامام الصادق القاسم بن محمد بن الامام الصادق عليه السلام

القول الثاني
يقول لا يتصور ان هناك منعا من الزواج او عزوف عن النكاح فليس معقول ان يترك الامام الكاظم سنة جده في هذا الشأن ويوصى بعدم تزويجهن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله  " النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني " وأول شخص يمكن ان يطبق سنة النبي هو الامام فهو ابن النبي لذلك لا يتصور ان تبقى سبعة عشر فتاة من بنات الامام الكاظم  عليه السلام

ملاحظة
ان تأخير امر زيجة الفتيات من الأمور المرجوحة الغير الصحيحة والانسان المؤمن لا يؤخر زيجة فتياته لأغراض معينه فهذه الأغراض هي ليست مبررات شرعية او قانونية  , فمقتضى ولاية ولي الامر هو ان ينظر الى مصلحتها الدينية والأخلاقية في تكوين اسرة وان تسعد بحياتها
 
وكما قلنا انه لا يتصور من الامام ان يوصى بعدم تزويج بناته هناك دليل اخر وهو ان ام سلمة بنت الامام قد تزوجت فلو كان الامام يوصي بعدم تزويجهن فكيف ام سلمة تزوجت ؟ ففي هذه الحاله تكون اما
1- انها خالفت امر ابيها ورفضت تنفيذ أوامر اخيها الامام الرضا الذي ينفذ وصايا ابيها الكاظم
2- ان الامام لم يوصي بعدم تزويج بناته
لماذا لم نرى اخبار عن زيجات بنات الامام الكاظم ؟
هذا وضع طبيعي فنحن أيضا لم نسمع عن زيجات بنات الامام الباقر والصادق وغيرهم من الائمة فالتاريخ لا ينقل كل صغيرة وكبيره وانما ينقل الحدث اذا صار خبر ومناسبة
فخبر زواج ام سلمة نُقل عندما نقلوا المؤرخين خبر خروج القاسم بن محمد بن الصادق الى مصر فنقلوا انه ذهب مع زوجته ام سلمة بنت الامام الكاظم
معلوم ان هناك بنات للإمام موسى بن جعفر لم يتزوجن مثل السيدة فاطمة المعصومة ولكن الباقيات ليس معلوم هل تزوجن ام لا . فيما بين أبناء وبنات الامام عليه السلام نحن نجد أسماء لبعضهم في الروايات فهم راويات عالمات ونقل في اكثر من مصدر ان ثلاث من فتيات الامام الكاظم – وهم فاطمة وام كلثوم و زينب – يشتركون في سند واحد في عدة روايات كخبر الغدير حيث يبدأ من فاطمة بنت الامام الرضا الى فاطمة بنت رسول الله الى امير المؤمنين وأيضا خبر المنزلة ( انت منى بمنزلة هارون من موسى ) وأيضا خبر المعراج ( لما عرج بي الى السماء رأيت مكتوب على باب الجنة لا اله الا الله محمد رسول الله وفي نسخة من الرواية " وعلي ولي الله " أي ولي العهد وفي نسخة أخرى " وعلي ولي القوم " أي من كنت مولاه فهذا علي مولاه , ثم كُتِبَ "بخ بخ من مثل شيعة علي "
نسأل الله ان يجعلنا و اياكم وذرارينا من شيعة علي سلام الله عليه . هذه من الروايات التي نقلتها بنات الامام الكاظم
و من نساء الامام الكاظم عليه السلام  تكتم وهي ام الامام الرضا عليه السلام ويكفيها فخرا انها وعاء الامامة , ومن نساء الامام الكاظم عليه السلام  الفضليات ام احمد بن موسى وقد ورد انها من اوصياء الامام الكاظم وأيضا عندما أراد الامام الخروج الكاظم الى بغداد سنة 179 هـجرية سلمها كتبه ومختصات الامامة والمواريث وقال لها : " اذا طلبها منك احد من ولدي فعلمي اني قضيت نحبي واعلمي انه الامام من بعدي " وبالفعل مرت اربع سنوات حتى جاءت سنة 183هجريه وقد كان الامام الرضا بالمدينة فجاء لها وقال لها :"اعطني امانه والدي موسى " فلطمت وجهها وبكت وقالت :" لقد مات سيدي ومولاي ومؤنس قلبي موسى بن جعفر ثم سلمته الكتب و المواريث وامرت ابنيها احمد والحسين –  وهما من اعيان أبناء الكاظم – بالتسليم للإمام الرضا والتدعيم له " فهذه المرأة الفاضلة تعترف بإمامة الامام الرضا عليه السلام و تسانده بأمرها لولديها بالتسليم والتدعيم له, فهذا ليس موقف سهل فما هو معتاد في الأماكن الغير نزيهة ان الزوجة لا تعترف لابن الزوجة الأخرى بفضيلة و مزية وتكيد له ويكيد لها  و تحصل معركة بين زوجة الاب و أولاد الزوج من الزوجات الاخريات على أموال الزوج – الورث – ولكن الفاضلة ام احمد بن موسى بن جعفر زوجة الامام كانت عكس ذلك فقد اقامت العزاء على الامام في بيتها و عندما اجتمع شيعة الامام في بيتها قام احمد بن موسى خطيب بين الناس و امرهم بالتسليم للإمام الرضا وقال لهم بانه اول من بايعه بالإمامة - بالرغم من ان البعض كان يعتقد بان احمد بن موسى  هو من سيكون الامام بعد ابيه لما كان عليه من الفضل – فهذا مثال يحتذى به في البيوت المتعددة الزوجات
من اخوان الامام الرضا هو العباس بن موسى بن جعفر وقد كان حاسدا لأخيه الامام الرضا عليه السلام ولكن ما ناله الامام الرضا هو وصية الامام الكاظم والدهم
وقد ورد بان ام احمد بن موسى بن جعفر  كانت راوية من الروايات عن الامام ومن الروايات تنقل عنها رواية ما لو خيف عوز الماء يوم الجمعة لغسل الجمعة بالإضافة الى روايات أخرى
عندما جاءها الامام الرضا لاستلام مواريث ابيه علمت بأن الامام الكاظم قضى نحبه غريبا مسجونا في سجون الطواغيت الظالمين كهارون واشباهه فبكت ولطمت فهي تعلم ما جرى على زوجها فهو قد سجن قبل هارون الرشيد في سجن المهدي العباسي مدة سنه وقد كان يستدعى بين الفينه والأخرى وقد كان يعيش بالمدينة في اضطهاد وقد عاشت هذه المرأة الصالحة الصابرة المعاناة على اثر ما يحصل للإمام فقد كان ينقل من سجن الى سجن ففي المرة الأخيرة سجن في البصرة ثم نقل الى سجن ببغداد وصار ينقل من سجن الى سجن في حالة من الاضطهاد والايذاء الى ان صار في  اخر امره في سجن السندي بن شاهك وهو شديد القسوة ولا يرعى للإمام حرمة و لا يرقب فيه إلاّ ولا ذمة  وقد اوصاه هارون بالتشديد على الامام لدرجة ان الامام كان في السجن مقيده رجلاه بأرطال الحديد

مرات العرض: 3441
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2568) حجم الملف: 55382.38 KB
تشغيل:

الحياة الأسرية للإمام علي الهادي عليه السلام
سيرة الامام جعفر الصادق من الميلاد إلى الاستشهاد