استغفار المعصومین .. لماذا ؟ 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/5/1440 هـ
تعريف:

استغفار المعصومين لماذا؟

 

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

ذكرنا في المواضيع السابقة عن ما ورد في فضيلة الإستغفار وأنه عُد من سيد الأذكار وذكرنا أيضاً بعض الآثار المترتبة على الإستغفار وأن من آثارها وفرة النعم وخصوبة الأرض والحصول على المال والبنين كما جاء في كتاب الله عز وجل، فالإنسان عندما يستغفر فإن هذا يعني طلب المغفرة وهو تقديم عريضة وطلب من العبد إلى ربه لأن يغفر له، والذكر دليل عليها فعندما يتوب الإنسان يعلن عن توبته باستغفاره وبإبداء طلب لله عز وجل لمغفرة ذنبه.

وردت روايات عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان يستغفر في كل يوم سبعين مرة ويقول: أستغفر الله.. أتوب إلى الله ولم يكن له ذنب، فمقتضى عصمة النبي والتي قامت عليه جميع البراهين والادلة وعليه اتفاق جميع السلمين هو أن النبي لم يكن ليعصي الله أبداً، وهذا هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام ففي الإمامية هو معصوم قطعاً وعند باقي المسلمين لم يعهد منه ذنب وإن لم يؤمنوا بعصمته وهكذا الحال أيضاً بالنسبة للأئمة المعصومين عليهم السلام، ولكن نجد عندهم استغفاراً كاستغفار أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب بحار الأنوار والذي يتكون من سبعين فصلاً ومما جاء فيه: (يا غافر الذنب أستغفرك لذنبي وأستقيلك لعثرتي فأحسن إجابتي فإنك أهل الإجابة وأهل التقوى وأهل المغفرة)، (اللهم إني أسألك لكل ذنب قوي بدني عليه بعافيتك أو نالته قدرتي بفضل نعمتك أو بسطت إليه يدي بتوسعة رزقك واحتجبت فيه من الناس بسترك واتكلت فيه عند خوفي على أناتك ووثقت من سطوتك عليه فيه بحلمك اللهم وإني أستغفرك لكل ذنب يدعو لغضبك أو يدني من سخطك)، وهكذا بالنسبة لمولانا الإمام السجاد عليه السلام ما ذكر عنه بعد صلاة الفجر: (اللهم إني أستغفرك مما تبت منه إليه ثم عدت فيه وأستغفرك لما أردت به وجهك فخالطني ما ليس لك وأستغفرك للنعم التي مننت بها علي وتقويت بها على معاصيك أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)، فهذه استغفارات عند المعصومين وغيرها الكثير.

ولكن لم يستغفر النبي وهؤلاء المعصومون بالرغم أنهم ليس لهم أي ذنب؟

الإجابة على ذلك:

1 – أن هذا النحو من الدعاء والإستغفار هو تعليم للناس وإن لم يكن النبي أو الإمام مذنباً وعاصياً لكنه لا بد أن يعلم سائر البشر كيف يستغفرون ربهم ويثنون عليه ويمدحونه، ولولا مثل هذه الأدعية لما كانت لدينا هذه الثروة الروحية في المعرفة بكيفية الخطاب مع الله عز وجل ولما تبينت لنا هذه الحقائق كما جاء في دعاء كميل بن زياد: اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم وتغير النعم وتنزل البلاء وتحبس الدعاء، ولما عرف علماء الأخلاق والروحانيات ان هناك ارتباطاً بين النعم وبين الذنوب، بين النقم وبين الذنوب، بين الدعاء وبين الذنوب.

2 – ما أشار إليه المرحوم الإربلي صاحب كتاب (كشف الغمة) المتوفى عام 692 للهجرة وهو من معاصري سيد رضي الدين بن طاووس، فيقول في كتابه (كشف الغمة): كنت أرى الدعاء الذي كان يقوله أبو الحسن عليه السلام في سجدة الشكر وهو ( ربي عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لأعقمتني، وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني، وعصيتك بجوارحي التي انعمت بها علي ولم يكن هذا جزاءك مني )، فكنت أفكر في معناه وأقول كيف يتنزل على ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة، وهناك كلام على الشيخ الأربلي هل كان في السابق ليس شيعاً ثم أصبح شيعياً؟ فالقدر المعروف هو شيعي اثنا عشري له من الكتب والتأليفات المهمة، فعلى كل حال فهذا الشيخ نقل كلاماً عن لقائه مع السيد رضي الدين علي بن طاووس والذي هو استاذه أو في مرتبه أستاذه والذي قال: إن الأنبياء والأئمة عليهم السلام تكون اوقاتهم مشغولة بالله تعالى وقلوبهم مملؤة به وخواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى وهم أبداً في المراقبة كما قال عليه السلام (اعبد الله كأنك تراه فغن لم تكن تراه فإنه يراك)، فهم أبداً متوجهون إليه ومقبلون بكلهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الأشتغال بالمأكل والمشرب والتفرغ للنكاح وغيره من المباحات عدوه ذنباً واعتبروه خطيئة واستغفروا الله منه، ولهذا يشير إلى ما جاء في مناجاة الذاكرين: ( وأستغفرك من كل لذة بغير ذكرك، وأستغفرك من كل راحة بغير أنسك، وأستغفرك من كل سرور بغير قربك ومن كل شغل بغير طاعتك).

إذاً مع علمنا بأن النبي أو المعصوم لم يعصي الله عز وجل طرفة عين بما قامت عليه الأدلة والبراهين وبما شهد عليهم من عاصرهم حتى وإن لم يعتقدوا بعصمتهم لكنه لم يدعي احد منهم بأنه عرف من الأئمة عليهم السلام أي ذنب، فاستغفارهم كان إما لأجل تعليم كيفية الاستغفار وبيان طرق الإتصال بالله عز وجل من دعاء ومناجاة وذكر وتسبيح وتهليل واستغفار، وإما أن الأئمة كانوا يرون بأن انشغالهم بأي شيء من المباحات في غير الذكر يرونه شيئاً غير مناسباً وقريب للذنب الذي ينبغي أن يستغفر منه وهذه مرتبة عظيمة جداً، فمن ماذا ينبغي للإنسان أن يستغفر ربه؟ هناك أشياء كثيرة ينبغي للإنسان أن يستغفر الله منها وإن لا يستشعر في يوم من الأيام بأنه غني عن الإستغفار لأنه لا يرتكب المعاصي.

نسأل الله تعالى ان يجعلنا من التائبين المستغفرين وأن يقبل استغفارنا ويحشرنا مع محمد وآله الطيبين الطاهرين.

مرات العرض: 3399
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2574) حجم الملف: 14806.63 KB
تشغيل:

من آثار التسبيح والاستغفار 7
عن ماذا يستغفر المؤمنون 9