نافع بن هلال وجرحى كربلاء 33
التاريخ: 30/2/1440 هـ
تعريف:

 نافع بن هلال وجرحى كربلاء


تفريغ نصي الفاضلة خديجة العيد
تصحيح الفاضلة أم علي الشافعي


ورد في الزيارة المنسوبة للإمام سلامه  إلى أنصار الإمام الحسين (ع) فقال {السلام عليكم يا خير أنصار. السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار  ،أشهد أن الله قد بوأكم  نعم القرار و قد كشف الله لكم الغطاء، ومهد لكم الوطاء } صدق سيدنا ومولانا صلوات الله وسلامه عليه
هذه فقرات من الزيارة المسماة بزيارة الناحية   ، وهي بحسب التاريخ يُفترض أنها صادرة من الإمام العسكري سلام الله عليه وبعضهم احتمل حتى من الإمام الهادي (ع) . لكن بعض العلماء قال  : أن  لفظ الناحية عندما يُطلق ينصرف إلى الإمام المهدي (عج) فحين تقول الرواية : ( خرج من الناحية ) يُفترض أن يكون ذلك مشيراً إلى الإمام المهدي (عج) .
1/ من الناحية التاريخية لا يُفترض أنها تنسجم مع ميلاد الإمام وإمكانية خروجها من الإمام المهدي وإنما كما ورد في مقدمتها خرج من الناحية سنة (252) وهذا لا يمكن بحسب هذا التاريخ أن يكون صادراً من الإمام المهدي فإمّا أن نصنع كما صنع بعضهم إذ اعتبر أن هذا التاريخ (252) ليس تاريخاً صحيحاً واحتمل أن يكون (262) وبالتالي تكون منسوبة إلى الإمام المهدي ولا مشكلة فيها  . أو أن نُبقي التاريخ  على محله (252)  وآنئذ لا يمكن أن تكون صادرةً من الإمام المهدي (عج) لأنه في ذلك الوقت كان مبكراً بالنسبة لولادته الشريفة . فإذن نتخلى عن لفظ الناحية وظهورها في أنها للإمام المهدي ونقول أن هذه صدرت من الإمام العسكري حيث يمكن أن تكون في هذا التاريخ صادرة ً منه  . إذن لابد من التصرف في أحد الأمرين وسواءً كان الإمام المهدي. أو الإمام العسكري أو حتى الإمام الهادي (عليهم السلام ) فلا محذور من هذه الجهة إذ كلهم نورٌ واحدٌ .
2/ في هذه الزيارة تم التسليم على أنصار الإمام الحسين (ع) بدءًا من الهاشمين وانتهاءً بغير الهاشميين  . وورد فيها بعض المواصفات مثل من كان قتلة هؤلاء . أيضاً ذكرت بعض المميزات لهؤلاء الأشخاص. ولهذا فهي بالإضافة إلى كونها زيارةً للشهداء فهي بمثابة وثيقةٍ تاريخية يُرجع إليها أحياناً في تعيين الاسم لأن الاسم أحياناً   يصحف من مكانٍ إلى مكانٍ آخر. وأحياناً يُرجع إليها في بيان من كان قاتل هذا الشهيد   . وربما كيفية قتله وبعض المواصفات . ثم تنتهي   آخر الأمر بالسلام العام (السلام عليكم يا خير أنصار السلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار ) .
في هذه الزيارة وردت  أسماء ومن جملة  من ورد عدة أسماء لها دور مهم أو صفة استثنائية من ذلك ما ورد في السلام على (نافع بن هلال المذحجي المرادي) الرجل كان له أدواراً مهمة .وأيضاً ورد فيها التسليم على مجموعة من الأصحاب . ثلاثة من الأصحاب لم يُقتلوا في نفس  المعركة وإنما جُرحوا واستشهدوا فيما بعد على أثر الجراح بعضهم بعد ستة أشهر وبعضهم بعد سنة ومع ذلك  تم السلام عليهم من قِبل الإمام في هذ الزيارة . نُشيرُ هذه الليلة إلى شيئاً من حياة هذا الصاحب للإمام الحسين (ع) (نافع بن هلال ) ثم نتعرض لأولئك النفر الذين  كانوا بين جريحٍ ومأسورٍ ومرتثٍ. ولكنهم شاركوا في نفس المعركة .
3/ شخصية ودور نافع بن هلال الجملي : ينبغي أولاً أن نُشير  إلى ملاحظة وهي أحياناً في بعض الكتب وربما في  بعض القراءات يعوض بالعكس فيقال (هلال بن نافع ) صاحب الإمام الحسين  هو (نافع بن هلال ) وعدو الإمام الحسين هو (هلال بن نافع) اذا أردت التمييز بين الاسمين فلاحظ بداية الاسم نافع ( نفع نفسه ) وهلال (مخسوف ) هلال بن نافع من أصحاب عمر بن سعد ونافع بن هلال الذي نفع نفسه هذا رجلٌ  من الأعاظم من أصحاب أمير المؤمنين المهمين خاض  مع أمير المؤمنين حروبه الثلاث وكان على مستوى عال من العلم والمعرفة ، رجلٌ ليس فخره ومنزلته بأنه كان من شهداء كربلاء. .وإن كانت منزلة عظيمة إلا أنه بالإضافة إلى ذلك هو من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وممن شارك في حروبه الثلاث وفوق هذا أخذ العلم من أمير المؤمنين (ع) فيُعدُّ من علماء أصحابه .
لما خرج الإمام الحسين وجاء من المدينة باتجاه مكة وأنه عازمٌ على الخروج إلى العراق ما انتظر الأمر هذا المذحجي المرادي من أهل الكوفة من نفس القبيلة التي كان رئيسها هاني بن عروة المرادي المذحجي كان استقراره في الكوفة فلما سمع عن عزم الإمام الحسين بالخروج إلى العراق خرج في الفترة التي تخللت بين مجيئ مسلم بن عقيل وبين  شهادته . وفي هذه الفترة إلى 8 ذي الحجة خرج من الكوفة قاصدًا الإمام الحسين في مكة المكرمة   وأوصى بعض أقاربه بأنه بعد عدة أيام يخرجون فرسه الخاص به كان  يُسمى (الكامل)  في الطريق الفلاني . وبالفعل ذهب إلى الامام الحسين (ع) والتحق به وسمع كلامه وخطابه ورافقه أيضاً إلى أن وصل إلى منطقة (عُذيب الهجانات) وهذه منطقة مشهورة كانت في زمن الأكاسرة قبل الإسلام محل مرعى إلى دواب الأكاسرة وملوك الفرس . وكان فيها ماءً عذبٌ ومنها جاءت هذه التسمية عُذيب ففي هذه  المنطقة التقى الإمام الحسين (ع) بجماعة فقام فيهم خطيباً وخطب خطبته المعروفة[ فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برمًا]   نُقل أنه خطب هذه الخطبة نفسها أو قريب منها في أماكن أُخرى (فلا مانع من التعداد ) من الممكن  أن الإمام الحسين قال هذه الخطبة في مكان آخر وعلى جماعة آخرين .
فلما سمع نافع بن هلال هذا الكلام قام وخطب خطبة جيدة جاء فيها : والله ما كرهنا لقاء ربنا وإنا على نياتنا  وبصائرنا نوالي من والاك  ونعادي من عاداك  . لاريب أن إشعار وإعلان هذا الموقف له أهمية. فأنت لماذا إذا ذهبت لزيارة الامام الحسين (ع) بعدما تقول {السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا بن رسول الله} بعد ذلك تعلن شهادتك وتقول {أشهدُ أنك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر  }هذا إعلان له أثر مهم على من  يجاور الإنسان كذلك حين  يقول :إنا على نياتنا على بصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك) تقوى اللحمة الداخلية الموجودة بين هذا الجمع وبالفعل كان نافع من هذا المقاس وكان صادقاً فيما يقول. فواصل المشوار ، وبعد مدة التقى بجماعة الطرماح بن عدي وواحد آخر  من قبيلته من بني صائد وكانوا يجنبون فرساً  لنافع يذكر التاريخ  (يجنبون ) يعني يتركون الفرس  يمشي معهم من دون راكب ، فهم راكبين أفراسهم أو دوابهم  ويسحبون هذا الفرس معهم بالحبل ويمشي معهم . وهذا هو فرس نافع بن هلال (الكامل) الذي سوف يقاتل به وقد أوصاهم بإخراجه حتى يلتقيهم وبالفعل استلم الفرس منهم إلى أن وصلوا إلى كربلاء.     نجد لنافع بن هلال في كربلاء دوراً مهماً يتبين في شدة التصاقه  بالحسين (ع) فأول ما نرى نراه شارك في الحملة التي قادها أبو الفضل العباس مع ثلاثين فارسًا لسقي النساء والأطفال الماء في اليوم السابع من المحرم ، ودوره  كان دوراً استثنائياً . تقول الرواية : فاستقدم نافع باللواء . استقدم يعني جعلهم خلفه وهو أمامهم .  لماذا صار أمامهم ؟؟ لأن القائم على قيادة الجيش حارس المشرعة كان عمرو بن الحجاج الزبيدي وهو ينتمي  إلى نفس قبائل الجنوب التي ينتمي إليها نافع بن هلال فهو اختيار مناسب ،إذ لو جاء واحداً من بني هاشم لنفترض العباس أو علي الأكبر هذا مضري وذاك قحطاني، هذا عدناني وهذا قحطاني ، هذا من عرب الشمال وهذا من عرب الجنوب. لا يستطيع أن يُدل عليه بالقرابة ويستفيد منها ، بينما نافع يستطيع أن يقول له أننا أبناء عمك، غيره لا يستطيع أن يقول له ذلك  . فاستقدم نافع باللواء إلى أن وصل إلى عمرو بن الحجاج وكانت الحملة ليلًا في وقت المغرب فاستقدم عمرو بن الحجاج معه الجماعة الذين يحرسون المشرعة فسأل  عمرو من الرجل ؟؟قال له أنا من بني عمومتك قال من ؟؟ قال أنا نافع بن هلال المرادي .قال له أهلا وسهلاً ما حاجتك ؟؟ قال نريد أن نشرب الماء، قال تفضل اشرب ،قال أنا لا أشرب وحدي وإنما أشرب مع  من معي. فلما التفت وإذا بني هاشم وجماعة الحسين (ع).قال عمرو بن الحجاج : لا سبيل لشرب هؤلاء. أنت لا مانع من شربك (ابن عمنا حسب التعبير بينا وبينهم قرابة تعال واشرب وامش وأما هؤلاء فلا.) فقال : لا أشرب حتى يشربوا قال لا يكون ذلك فلماذا وضعونا على هذه المشرعة؟؟  فأخذ الكلام بينهم يشتد ، فقال إذا أبيتم نناجزكم القتال .  في ذلك الوقت السيف تكلم وتقدم أبو الفضل وعلي الأكبر وحبيب وباقي الأصحاب ونافع واشتبكوا اشتباك خفيف معهم فرأى هؤلاء أن القضية جادة فابتعدوا عنهم وأفرجوا لهم ودخلوا المشرعة وشربوا وملؤوا القرب وأخذوها إلى المخيم .
الشاهد أن ّنافع بن هلال استقدم باللواء وتقدم هو وكان طرف التفاوض مع قائد الحرس المكلف بحماية نهر الفرات والشريعة هذا موقف يبين أنّ الرجل لم يكن رجلًا عادياً وإلا لما ذهب معه  نخبة من بني هاشم  ثلاثون شخصًا ومن بعض الأنصار .أكثر من هذا في الأيام التي سبقت يوم العاشر والتاسع كان بمثابة الحارس لقد ذكرنا هذا الأمر في بعض الأصحاب مثل (زهير بن القين ) ويظهر بالفعل هؤلاء الجماعة كانوا يخشون على الحسين يُقتل بشكل استثنائي فكان على الإمام الحسين ما يشبه الحرس حتى في أيام القتال  كليلة العاشر عندما خطب الإمام  خطبته ، قام نافع بن هلال  وأعرب عما في نفسه بعد هذا ينقلون أنّ الحسين (ع) خرج في جوف الليل يتفقد ما حول المخيم حسب ما ورد في بعض الكتب فخرج خلفه نافع بن هلال فشعر الإمام الحسين(ع) به قال من هذا ؟؟ نافع !  قال : بلى قال له : يانافع  أترى هناك ؟ قال : بلى ظلام ، قال له الإمام مارأيك أن تسلك بين هذين وتنجو بنفسك . قال نافع : أكلتني السباع حيًا إن فارقتك كيف أتركك وكيف نجيب رسول الله (ص) إنا تركنا ابن بنته و خرجنا عنه . شكر الحسين(ع) موقفه . وقال له نافع :  لماذا أنت  خارجاً هنا ؟؟ قال : خرجت حتى أرى لعل للقوم كمين نتفقد المكان. فلا ينام الواحد منا على غفلة . فقال نافع له : نحن نحرس هذه الليلة  أنا وبعض من معي . فهكذا كان نافع قريباً من الإمام الحسين (ع) في سقيه للماء وحراسته للإمام الحسين في حفظه له  إلى درجة أنه يوم العاشر من المحرم لمّا بدأ القتال صارت حملة  فقُتل من أصحاب الحسين عمرو بن قُرضة الأنصاري بعضهم يقول أن هذا أيضاً أدرك رسول الله (ص) عمرو بن قُرضة استشهد إلى جنب الامام الحسين (ع) . أخوه علي بن قُرضة الأنصاري كان في صف بني أمية وعمرو بن قُرضة الأنصاري في صف الإمام الحسين علي في ذاك الجانب وعمرو في هذا الجانب استشهد عمرو في صف الحسين فلما علم  أخوه بذلك قام يصرخ ويشتم الإمام الحسين على ما يبدو أنه أهوج وقال : أنت أغريت أخي وخدعته حتى قُتل  ومات ولابد لي من قتلك . فجاء من بعيد ليحمل على الإمام الحسين (ع) هنا قام نافع بن هلال بسرعة وطعنه طعنةً ما قتلته ولكن أوقعته عن فرسه وحجبته عن ذلك الهجوم . طبعاً جُرح فيها ذلك الرجل الذي كان قادماً لقتل الحسين بفضل دفاع نافع بن هلال عن الإمام الحسين (ع) تعصب هذا الرجل لماذا قتل أخوه  وزعم أن الإمام خدعه وأضله فرد عليه الإمام الحسين قائلاً : إن الله قد أظلك وإنك ذاهبٌ إلى نار جهنم . ولكنه زاد في حنقه وحمل إلى جهة الإمام وتلقاه نافع وضربه بالرمح  . لو لم يكن نافع ربما كان غيره موجودًا ولكن هذا يُسجل له تاريخيًا أنه تصدى لمن كان قاصدًا قتل الإمام الحسين (ع) . لقد كان راميا من الرماة المهرة كما أن القناصة في بعض الجيوش لهم دور مهم جدًا فيجلس في مكان وكل من يتحرك من جيش الأعداء يرميه من بعيد فتتعطل حركة الطرف الآخر ،  في الزمن السابق كان من له خبرة في الرماية له أهمية خاصة لأنه سوف يرمي الأعداء من بعيد ويعطل حركتهم . فكان نافع بن هلال عنده قدرة في الرماية قوية وكان يكتب اسمه على النبال حسب التعبير يوقع على هذه النبال وكان يقول :
أرمي بها مُعلَمةً أفواقها          ...والنفسُ لاينفعها إشفاقها
الأفواق ⬅️تعني قمة السهم والنبلة كان يكتب عليها اسمه كأنما هذه خاصة به. فلما بدأت المعركة جلس وأخذ يرمي فقتل 12شخص من العدو وبعض الروايات تقول 70شخص يمكن أن يقول الإنسان   إذا صحت في تلك الجهتين أنّ الرمية  أدت إلى قتل 12شخصًا ولكن مجموع من أُصيب من الممكن أن يصل إلى سبعين شخص   هذا إذا صحت رواية السبعين . وفي أثناء رميه جاء جماعة من خيالة العدو إليه بسرعة وضربوه على يديه اليمنى واليسرى فكُسرتا . بأي شيء  ضُرِب هل برمح ،بحديدة ،بسيف ! فبعد ضربه وكسر يديه ربطوه  وأخذوه إلى عمر بن سعد وهذا أول من أُخذ من المعركة وبه حياة . الغالب كانوا يُقتلون إلاّ من سيأتي ذكرهم بعد قليل . أول من أُخذ أسيرًا بعد كسر يديه فلم يقتله عمر بن سعد بل  أعطاه شمراً وقال له اقتله يا شمر . وكان الشمر حاضرًا لهذا العمل فقال له نافع : (يا شمر لو كنت مسلمًا لهالك ما ارتكبت من سفك دماء آل  محمد وأنصارهم ) فأنت شخصاً نشكُ في إسلامك لأن الإنسان المسلم بالتالي يتأمل وينظر هذا المقدار أنت الذي تتجرأ على قضية القتل بهذه السهولة تجعل الإنسان يشك فيك .

وبالفعل   لو يرسم أحدنا صورة شمر من خلال شخصيته ومن خلال  ما قيل عنه في المعركة وما فعله في المعركة بغض النظر عن سابق تاريخه يجد أمرًا مثيرًا للاشمئزاز. شمر الذي أمر غلامه (رستم) بأن يأخذ عمود حديد ويضرب المرأة الشابة التي كانت تمسح الدم والتراب عن رأس  زوجها وهي قمر بنت عبد من النمر بن قاسط التي جاءت هي وزوجها عبدالله بن عمير الكلبي إلى كربلاء والتحقوا بالإمام الحسين (ع) ولمّا استشهد زوجها رموا رأسه نحوها فأخذت تمسح الدم والتراب عنه ، عندها أمر شمر أحد غلمانه وأسمه (رستم ) بأن يأخذ عمود حديد ويضربها على رأسها . وبالفعل جاء وضربها على رأسها فاستشهدت على رأس زوجها وهي أول شهيدة في كربلاء من النساء . يعني مثل هذا الموقف وأمثاله يرسم لنا شخصية كالتي ذكرها نافع بن هلال عن شمر بن ذي الجوشن (أنه لو كنت مسلماً لهالك ما سفكت  من دماء آل محمد  وأصحابه وذريته).
وبالفعل قُدّم نافع بن هلال وضُرِبت عُنقه وذهب إلى رحاب  الله . وقد تم السلام عليه باسمه في الزيارتين الزيارة الرجبية وزيارة الناحية وأشادت الزيارتين بمواقفهِ وبشخصيته هذا نافع بن هلال كما ذكرنا للتميز بين الاسمين لأن هذه المشكلة وقع فيها بعض المؤلفين القدماء وأصحاب الكتب حيث يذكر( ثم برزهلال بن نافع وقاتل قتال الأبطال) والحال أن هلال بن نافع عدوٌ من أعداء أهل البيت ، كان شاهد للمعركة ومقاتل في صفوف بني أُمية ، الصحيح أن نافع بن هلال هذا في جانب أهل البيت وذاك الهلال المخسوف في الجهة الأخرى.

الشهداء الذين ماتوا بعد المعركة :
1/ عمرو الجندعي : يوجد أيضاً بعض الشهداء في كربلاء كما ذكرنا من لم يستشهدوا في المعركة ومع ذلك ورد السلام عليهم في زيارة الإمام (ع) لهم ، أحدهم يُسمى (عمرو الجُندعي) هذا قاتل الأعداء فجَرَحَ جَمَاعة وقَتلَ جَماعة بعضهم قال عشرين شخص بين جريحٍ وقتيل . وفي أواخر المعركة أُغمي عليه على أثر النزف . وفيما بعد أي بعد استشهاد الإمام الحسين صارت الضجة صارت النساء تبكي وكأنما هذا الأغماء أخذ مداه من الزمان فاستيقظ وسمعهم يقولون قُتل الحسين والنساء تبكي  وماشابه ذلك فقام وأخذ يُقاتل من جديد ، فخاف عليه أهله وقبيلته ، وهذاما سنلاحظه في أكثر من واحد وهو يُشير إلى أن قسماً ممن قد جاء مع جيش بني أُمية كان لايزال عنده هذه الحاله من عدم الرغبة في الإكثار من القتل والجرح  في صفوف أصحاب الحسين (ع)  ، وهو نوع من التعاطف النفسي عند بعضهم أو في أدنى درجة على الأقل هم متعاطفون مع أقاربهم فهذا عمرو الجُندعي  لما أفاق أخذ يُقاتل خاف عليه أهله وعشيرته فجاءوا وأمسكوا به .وأراد عمر بن سعد أن يقتله فتشفعوا فيه وقالوا له انتهت المعركة ما ينفعك قتله والآن هو جريح وجراحاته خطيرة ومن الممكن أن يموت بشكل طبيعي . فلم يقتله ولم يأمر بقتله وبالفعل بقي في الكوفة مدة سنة كما يقول صاحب الحدائق ( رضوان الله عليه ) وفي السنة التي تليها انتقل إلى رحاب الله على أثر تلك الجُراحات التي كانت فيه.  فبعض الجروح لا تلتئم وإنما يكابر الإنسان ويستمر مدةً من الزمن في العلاج ولكنها تكون قد أنهكت البدن وأوهت قواه فهذا أحد الأشخاص الذي تم السلام عليه . هنا لابد أن نُشير إلى ملاحظة فقهية [تعلمون  أن الشهيد لايُغسل ولا يُكفن وإنما يُدفن بملابسه ونقصد الشهيد الذي  يُقتل ويموت داخل المعركة] مثل زهير بن القين مقتول في داخل المعركة ، والإمام الحسين (ع) قبل كل أحد ، وبنو هاشم كذلك وأكثر الأصحاب أيضا كذلك قُتلوا في المعركة فهؤلاء لا يحتاجون إلى تغسيل ولا إلى تكفين وإنما يُدفنون بملابسهم . لكن إذا خرج هذا المقاتل من المعركة وبقي مدة ً من الزمان ثم توفى على أثر الجُراح هذا يجب أن يُغسل ويُكفن وتجري عليه بقية السنن المعتادة . نعم هو في منزلة الشهداء يأخذ ثواب الشهداء لكن الآثار الفقهية لا تترتب عليه لأنها مختصة  بمن قد استشهد في داخل المعركة . وهذا ورد السلام عليه من قِبل المعصومين في الزيارات : السلام على الجريح المرتث (عمرو بن عبد الله الجُندعي )المرتث تعني الشخص الذي جُرح جُرحاً كبيراً وخطيراً أدى إلى وفاته . فيوجد بعض الجروح خفيفة هذا لايقال عنه ارتُثّ  ثم مات. هذا الشكل تعبر عنه الزيارة بالجريح المرتث المجروح جُراحة بالغة.
المرقع الصيداوي : الشخص الآخر مثله أيضا (المرقع أو الموقع ) ابن ثمامة الصيداوي يوجد خلاف في ضبطه من قبائل الجنوب من قبائل اليمن وذكرنا في وقت سابق في المقارنة بين القبائل المضرية والقحطانية الجنوبية لو استثنينا بني هاشم الذين هم أصحاب القضية سوف نجد العدد الأكبر من الشهداء هم من قبائل الجنوب {همدان، مراد، مذحج، وكنده وأمثالهم }هذا أيضاً أحدهم نفس الكلام قاتل وجرح ثم بعد ذلك انتهت المعركة وهو إلى الآن لايزالُ جريحاً فأرادوا أخذه إلى عمر بن سعد فمانعتهم أسرته وعشيرته لكن ذهبوا به إلى عبيد  الله بن زياد حتى يرى رأيه فيه. فحاول أهله وقبيلته أن ينقذوه قدر الإمكان وبالتالي إنسان جريح وليس لديه نهضة ، يكفيه مافيه من الجراحات الكثيرة فعبيد الله بن زياد قيده بالحديد وأرسله مسّفراً ومبعداً إلى منطقة الزارة هذه المنطقة تقع تقريباً بين القديح والعوامية ، هذه المنطقة كانت تسمى قديماً بمنطقة الزارة وكان يُنفى إليها بعض معارضي بني أُمية .هذا الرجل نُفي إلى هذه المنطقة وبعد  ستة أشهر مات . والتاريخ لايذكر هل مات في نفسه هذه المنطقة أم لا وُيفترض أن أحد أصحاب الحسين قد مات في منطقة الزارة ودفن فيها أو أنه مات في مكان آخر ممكن غير مكانه أو رجع الكوفة . المهم بعد ستة أشهر على أثر تلك الجُراحات  انتقل إلى رضوان الله تعالى.
(سوار بن منعم النهمي ) أيضاً في نفس المسار جُرح وبقي إلى ما بعد المعركة وبعدها بمدة هذا لم يُسجن ولم يُبعد إنما مثل الأول الجُندعي بقي ولكن على أثر الجراحات استشهد فهذه جماعة من أنصار الإمام الحسين(ع) وأصحابه لم يستشهدوا في نفس المعركة في نفس الواقعة .ولعل أحد أسباب الاختلاف في العد أيضاً هل هؤلاء حسبوهم ضمن الشهداء أولا ؟؟ فيوجد كلام ، كم عدد الشهداء ؟؟  فتارةً تحسب الشهداء الذين استشهدوا في داخل المعركة، وتارةً أُخرى تحسب كل المجموعة التي استشهدت مع الحسين (ع) . بطبيعة الحال حين يستشهد هؤلاء فنتحدث أن فلان استشهد وفلان استشهد وكلهم يذهبون إلى رضوان الله عزوجل وغفرانه . ولكن لاشك أن رحيل هؤلاء يخلف ألماً وحرقةً في نفوس أهاليهم يعني لكل واحدٍ من هؤلاءأسرة، له أم ،له أخت ،له زوجة،له أطفال وهذا في الواقع لو يلتفت إليه القتلى والمجرمون كم سيسببون من ألم ومآسي إلى أشخاص آخرين. أنت قتلت عشرة أنت لا تدري ما وراء هؤلاء العشرة هناك عشر أُسر مائة إنسان يشتكون الألم من فقد هذا الإنسان ،تمتلئ قلوبهم بالحزن  تسودّ الحياة في وجوههم . وهذا الذي يجعل أهل البيت (ع) لا يلجؤون للقتال إلا مضطرين . فيقول الإمام الحسين :(أكره أن أبدأهم بقتال) . يقول أصحابه دعنا نرميه مادام هو الآن في هذه الحالة لايستطيع الدفاع عن نفسه وهو المعتدي هو يشتمك ،ويسبك دعني أرميه يقول له لا( أكره أن أبدأهم بقتال) يقول  له : فلنواجههم ، يقول :لا نحن إلى الآن أمة واحدة حتى إذا وقع السيف بيننا كنا أمة وهم أمة أُخرى . ِلما يتخلف عن مثل هذه المقاتل والجرائم من أثار اجتماعية ونفسية وعاطفية عوائل تحزن أطفال تُيتم أُمهات تتأذى أخوات تُثكل وهكذا هذا إذا فقدت واحداً فكيف إذا فقدت أفراداً متعددين لذلك نتصور مقدار الحزن الذي حل على أم البنين سلام الله عليها فاطمة بنت حزام الكلابية زوجة أمير المؤمنين(ع) التي فقدت في يومٍ  واحدٍ أربعة من أولادها يعني كل أولادها في مقدار نصف نهار فقدتهم وكل واحد منهم ملأ الدنيا .أبو الفضل العباس ،عبد الله جعفر عثمان هؤلاء كانوا كما تقول
أربعةٌ مثل نسور الرُبا...قد واصلوا الموت بقطع الوتين
يا  ليتَ  شِعري  أكما  أخبروا...بأنَ  عباساً  قطيعُ   اليمين
 

مرات العرض: 3409
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2548) حجم الملف: 78588.5 KB
تشغيل:

30 سعيد الحنفي شهيد الصلاة وحاميها
تحقيق السيرة الحسينة : الخدمة الكبرى ( المقتل)