24 عدد أصحاب الامام الحسين عليه السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 24/1/1440 هـ
تعريف:

عددُ أصحابِ الامام الحسين في كربلاء

 

كتابة الأختين الفاضلتين حنان الهواشم وزهراء ال تريك 

روي عن سيدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه ، أنه قال : إني لا أعلم أصحابًا خيرًا من أصحابي ، ولا أهل بيتٍ أبرَّ ولا أوفى من أهل بيتي ) صدق سيدنا ومولانا أبو عبدالله الحسين صلوات الله وسلامه عليه .

حديثنا بإذن الله تعالى حول موضوع أصحاب الحسين  الشهيد من المهم جدًا أن نتعرض لحياة هذه الصفوة الطيبة ، التي وصفت بما لم يوصف به غيرها على لسان الإمام المعصوم ، وحينما يقول الامام المعصوم (إني لا أعلم) فإنَّ كلامه يختلف عن كلام الإنسان العادي ، فحينما نسأل الإنسان العادي غير المعصوم هل يوجد رواية في هذا المعنى؟ فسيجيب – إن كان دقيقًا في قوله – أنا لا أعلم ، ليس عندي اطلاع – من الممكن أن تكون هذه الرواية موجودة في بعض الكتب وأنا لم أطلع عليها . أو أنه يقول : لم أصل إليها ) . عدم علمه بها لا يعني أنها غير موجودة بعكس كلام الإمام المعصوم ، إذا جاء بهذهِ الصيغة (إني لا أعلم) فإن الأمر مختلف ، عندما يقول الله تعالى : (قل لا أجد فيما أُوحِي إليَّ محرمًا على طاعمٍ من يطعمه) فمعناها لا يكون بهذا المعنى - أنا لم أحصل على ذلك أو لم أجد . بل معناها .. أنه لا يوجد .. فيكون معنى الآية أنه لا يوجد حرام غير الذي أخبرتكم به .

فنفي المعصوم وجدان الشيء بقوله : (أنا لا أجِد ، لا أعلم ، لا أعرف ) تعني : لا يوجد .. بخلاف نفي غير المعصوم . كذلك حينما يقول الإمام الحسين (ع) : (لا أعلم أصحابًا خيرًا من أصحابي ... الخ ) فإن معناها أنه (لا يوجد) . ولأجل هذه المنزلة العظيمة ، ينبغي لنا دراسة حياة هؤلاء الأنصار والأصحاب الصفوة الطيبة . ومن المؤسف أن حياة هؤلاء الأصحاب الكرام لم يتم دراستها بشكل مستوعب ، بل غطي على حياتهم وصفاتهم وفضائلهم ومواقع تميزهم ، وهذا امر طبيعي في حالة تواجدهم مع شمس الحسين (ع) فنور النجوم يغيب مع وجود الشمس .

نضرب مثالاً من الطبيعة : إن النجوم موجودة في السماء ليلاً ونهارًا ، لا تذهب لا تتغير مواقعها ، ولكن لماذا لا نراها في النهار ؟! لا نراها بسبب وجود الشمس المضيئة الى غطت بنورها العظيم على هذه الأنوار فإذا غابت الشمس يتاح لهذه النجوم أن تظهر أنوارها . ننقل هذا المثال الى كربلاء الحسين (ع) ، فالإمام الحسين بأنواره الساطعة وبصفاته العالية كالشمس المضيئة ، لذلك لا تظهر في مقابلها الأصحاب ، ولهذا السبب علينا أن نتحدث عنهم وأن نتأمل في حياتهم ونظهر فضائلهم .

نقطة أخرى مهمة وهي : إمكانية الإقتداء بأصحاب الحسين (ع) أقرب الى النفس البشرية ، لعدم وجود حواجز أمام هذا الإقتداء . فما معنى هذا الكلام ؟

في العادة الإنسان أمثالي وأمثالكم يضع حواجز وعوائق أمامه إذا ماطلب منه الإقتداء بأحد . مثلاً نقول للمرأة : لماذا لا تقتدين في سلوكك بفاطمة الزهراء عليها السلام ؟! ولماذا لا تعيشين كما عاشت ؟! فتقول لك : فاطمة الزهراء امرأة معصومة مسددة من قبل الله حركاتها إلهية ربانية ، أين أنا وأين هي ؟! فنتذرع بحاجز العصمة . أو أن نقول للرجل : لماذا لا تقتدي بالإمام الحسين ع ؟! فيقول لك : الامام الحسين إمام معصوم مطهر مسدد من قبل الله أنى لي وكيف لي أن أقتدي به وأقتفي أثره ؟! فيضع حاجز العصمة .

 أما بالنسبة لأصحاب الإمام الحسين ، هؤلاء ليسو معصومين ، هؤلاء برزت منهم مواقف عظيمة ووعي وتضحيات كبيرة وعبادة رائعة ، وهم لم يكونوا معصومين بهذه العصمة (عصمة الأئمة) ولم يكونوا مسددين بهذا التسديد الذي للأئمة ، ومع ذلك وصلوا الى ماوصلوا اليه هاهنا ، تكون الحجة أكبر ، لأنه مع كون الأصحاب غير معصومين فإنهم قاموا بتلك الأفعال العظيمة وثبتوا مع الإمام الحسين . فأنا وانت مطالبون بذلك .

لذلك من المستحسن أن نتعرض الى حياة هؤلاء العظماء ونبين جوانب العظمة والسمو في حياتهم. وسيكون محور حديثنا (أصحاب الحسين) من غير الهاشميين ومن غير الطالبيين : حول النص :

أولاً : هذا النص – (أني لا أعلم أصحابًا خيرًا من أصحابي ولا أهل بيتٍ أبرَّ ولا أوفى من أهل بيتي ) – الذي يعتمد عليه الكثيرون ، وأول من نقله هو المؤرخ الشهير لوط بن يحيى المعروف بابن مخنف الأزدي المتوفي (157هـ) ، وكان ذلك في زمان الإمام الكاظم ، وهو معروف بخبرته بالتاريخ ، ويلقب بأبي مخنف ، و (مُخْنَف) اسم فاعل يدل على انحراف في الأنف ، فيقال : فلان فيه خَنَف ، أي انفه مائل ، إما ميلان خلقي ، وإما على أثر ممارسة اجتماعية كإظهار التكبر ، كالبعض حينما يلوي أنفه للإستهزاء بالغير والتكبر عليهم ، فيلوي انفه قليلاً هذه الحركة الدالة على التكبر ، يقال لها : خَنَف انفه . وأبومخنف على نحو هذا المعنى ، وهو مُحدثٌ من المحدثين من المؤرخين الكبار ، وله كتب متعددة ، منها : وقعة الجمل ، وقعة صفين ، أخبار الخوارج وهو من كبار الرجاليين .

نقلت عنه هذه الرواية وهو لم يكن في كربلاء ، فكربلاء حدثت قبله بحوالي (100 سنة ) تقريبًا ، وهو المتوفى سنة (157 ه) وانما نقل الرواية عن أشخاص أخرين ، ومن هؤلاء الأشخاص : الضحاك ابن عبدالله المشرقي .. ونحن ذكرنا قصته سابقًا ، مختصرها : أن الإمام الحسين (ع) التقى في أثناء مسيره الى كربلاء بالضحاك المشرقي ، فعرض عليه النصرة (أي دعاه الى نصرته) ، وقبل الضحاك بنصرة الإمام ولكن بشرط ! ماهو هذا الشرط ؟! قال للامام الحسين (ع) : أقاتل معك ماوجدت مقاتلاً ، فإذا فني أنصارك فأنا في حل . والامام الحسين (ع) قبل منه ذلك .

الامام الحسين شديد التأكيد على أمر الإلتزام بالالزامات والتكاليف .. حتى قيل أن أحد أصحابه كان مديونًا ، وحضر في كربلاء لنصرة الحسين ع ، فقال له الإمام : إذهب وسدد دينك ، ثم إلحق بنا . الدين نوع من الإلتزام ، فيجب أدائه عند القدرة وعدم المماطلة .

هناك بعض الأشخاص من يقترضون منك ، وإذا جاء أوان سداد القرض ، لا تجدهم ، ذهبوا أدراج الرياح .

نعود الى الضحاك ، فالحسين عليه السلام قبل بكلام الضحاك ، وبالفعل لما حدثت كربلاء وقتل الأنصار وأهل بيت الحسين ، نجى الضحاك بنفسه وكذلك بعض الأشخاص نجوا من كربلاء . ذهب الضحاك للامام الحسين وقال له : أنا على الشرط ، فقال له الامام : لك ذلك ! ولكن كيف ستنجو ؟! فالمكان مطوقٌ بثلاثين . - مثلاً – ولا يوجد لديك فرس .. فقال الضحاك : لما عقر القوم الخيل ، أخذت فرسي وأدخلتها الى الفسطاط وجعلتها بين الخيام . هؤلاء بنو أمية كانوا يضربوا رجل الخيل حتى لا تتحرك ولا تتحول الى وسيلة ضدهم ، كما في الحروب هذه الأيام ، يدمرون الآليات والوسيلة الحربية ويقتلون صاحبها .

كذلك في ذلك الزمان لا يكتفون بقتل الشخص وإنما يحاولون أن يعقروا الخيل ، إما أن يعرقبوا الخيل في رجلها ، وإما يرمونها بالنبال في نحرها أو في أماكن أخرى بحيث لا تستطيع أن تفعل شيئًا ، وحتى لاتكون وسيلة للقتال ضدهم ، فهذا الضحاك بالفعل ركب فرسه ووكزها وانطلق في الطريق المقابل للقوم وبسرعة،ركضوا وراءه ، ولكن بعض الجماعة عرفوه وانه منهزم عن الحسين فتركوه.. الضحاك فيما بعد صار مؤرخًا لحادثة كربلاء الى ماقبل شهادةالامام الحسين ، فهو واحدٌ ممن نقلوا خطاب الامام الحسين في ليلة العاشر والتي قال فيه الحسين ولا أعلم أصحابًا خيرًا من أصحابي .... الخ . وهو الذي ينقل عنه أبو مخنف والطبري ينقل عن أبو مخنف.

والثاني : معاوية بن عمار الذهني ، وهذا من أصحاب الامام الباقر ، قال : قلت لابي جعفر الباقر: حدثني حديث كربلاء حتى كأين حضرته ونحن نعتقد أن الامام الباقر ، عنده العلم الإلهي وارث علوم آبائه الطاهرين ، وكذلك علمه بكربلاء ، وبالإضافة الى ذلك أنه كان حاضرًا في يوم كربلاء وإن كان في سن مبكر .

فلما سأل معاوية بن عمار الدهني الامام عن كربلاء ، تحدث الامام عن كربلاء وكان من ضمن حديثه أن الامام الحسين جمع أصحابه وقال لهم: (لا أعلم أصحابًا خيرًا من أصحابه ..... ) وهذه الكلمات نقلها فيما بعد صاحب مقاتل الطالبين والشيخ المفيد المتوفى سنة (314ه) وهو أحد عظماء علماء الطائفة الشيعية ، نقلهامن كتاب الارشاد

من هؤلاء انتقلت وانتشرت وهذه الكلمات مهمة جدًا لانها تبين منزلة هؤلاء الأصحاب . ونتعرض الى هذه المنزلة العظمى بشكلٍ إجمالي :

أنه لو أخذنا أصحاب سيدنا ونبينا محمد –كمثال- والذين اختزنت لهم صورة في الأذهان أنهم أفضل الأصحاب وعملنا مقارنة ظاهرية – لأن الباطنية لا نستطيع الاطلاع عليها – نقول : الله سبحانه وتعالى طلب من أصحاب النبي أن يصمد الواحد منهم أمام عشرة من الرجال واعتبر هذا كافيًا ، فلو زاد عددهم الى الخمسة عشر وانهزم الواحد أمامهم فلا حرج عليه ولا يعاتب ..

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) . فالمقدار واحد مقابل عشرة ، ثم بعد ذلك قال تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) إذًا ، ماهي النسبة ؟ واحد الى اثنين (مئة يغلبوا مئتين) ، ولو فرضنا ثلاثمائة مقابل مائة ، لو انهزم هؤلاء لا عتاب عليهم .

ومع ذلك كانت الهزيمة في أكثر من واقعة من وقائع رسول الله واضحة وشاهرة ظاهرة في أحد والخندق في بدايتها ، والأحزاب كذلك ، وحنين لولا أن تداركهم الله عز وجل .

فلنذهب الى كربلاء لنعلم النسبة الموجودة بين أصحاب الحسين وجيش بني أمية ، المقدار المذكور الوارد في الرواية بأنه ثلاثون ألفًا ، واحدة من هذه الروايات عندما يذكر عن الامام الحسن ع (ولكن لا يوم كيومك ياأبا عبدالله حيث يزدلف إليك ثلاثون ألفًا يزعمون أنهم من أمة جدك ) وكذلك هناك رواية تذكر نفس العدد مروية عن الامام السجاد ياترى ، ثلاثون ألفًا مقابل كم ؟ ان عدد أنصار ابي عبدالله الحسين مختلف فيه ، فقيل أن عددهم 72 وقيل 82 وقيل 100 وقيل 145 ، لنفترض أن عددهم 145 او 150 ، كم نسبتهم الى 30,000 ؟ نسبة عالية جدًا ، ومع ذلك صمد هؤلاء وواجهوا بشجاعة وبسالة قل نظيرها .

نقول : أن أصحاب رسول الله وأصحاب أمير المؤمنين وأصحاب الامام الحجة عج عندهم احتمالان إما النصر وإما الشهادة .

قال تعالى : ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) 

فإذن إما الشهادة وإما الانتصار والغنائم ، ومع ذلك انهزم قسم من هؤلاء كانوا يرجو النصر بينما أنصار الامام الحسين ع لم يكن عندهم احتمال واحد بأنهم ينتصرون ، لأن الامام الحسين أخبرهم بأنهم كلهم يقتلون ، وقد كرر عليهم ذلك في مسيرتهم الى كربلاء ، لذلك من بقي مع الحسين في الوقت الأخير هم صفوة الصفوة ، حتى زُعِمَ – وإن كان ذلك لم يتحقق – أنه لما خرج الامام الحسين من مكة المكرمة تبعه (500 شخص) .

ثم بعد ذلك جاء خبر مقتل عبدالله ابن يقطر ، ثم خبر مقتل مسلم بن عقيل فانفض هؤلاء ، وفي كل مرحلة كان يخبرهم أن القضية قضية شهادة لا أموال ولا مناصب .

إذًا هؤلاء الأصحاب والأنصار جاءوا وهم يعلمون أنهم سائرون للموت .

هذه الكلمات (لا أعلم أصحابًا خيرًا من أصحابي .. ) بينت عظمة ومنزلة هؤلاء الأصحاب والأنصار من جهة ، وبينت الحاجة الى التعرف على حياتهم من جهة أخرى ، أن لازم ذلك الاقتداء بهم ، حيث أنهم ليسو بمعصومين ، ولا يوجد حاجز بيننا وبينهم يمنع الاقتداء بهم .

ياترى كم كان عدد هؤلاء الاصحاب ؟؟

لا ريب أن الناظر يرى أن هناك اختلافًا فيما ذكر بالنسبة لعددهم وهذا الاختلاف اختلاف طبيعي جدًا وله أسبابه ، وأهم هذه الأسباب ماأشار إليه المرحوم محمد مهدي شمس الدين رضوان الله عليه هذا الشيخ الجليل له كتب ، في الثورة الحسينية ، وانا أنصح الأخوة والأخوات المؤمنين والمؤمنات الذين هم في صدد الاطلاع على النهضة الحسينية أن يقرأوا هذه الكتب النافعة ، وأحد هذه الكتب عنوانه (ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية) كتاب قيم يشرح الظروف التي ثار فيها الامام الحسين ، ويذكر الأسباب والاهداف والنتائج التي تحققت على أثر ثورته ، وهو كتاب ممتع وجميل . وكتاب اخر بعنوان (ثورة الحسين في الوجدان الشعبي) يتحدث فيه عن المراسيم الحسينية من الرثاء والعزاء والزيارات ، وماتؤثر ولماذا جعلت من قبل أهل البيت عليهم السلام ، وكيف تطورت ، وما شابه ذلك ، ومن بداياته الى وقتنا المعاصر ، ثم يتعرض للزيارات ويتحدث عن دورها وفلسفتها وماذا تريد أن تعطي ، وكتاب ثالث له بعنوان (أنصار الحسين) وهو عبارة عن رؤية في الأشخاص والتي يذكر فيه : لماذا اختلف تقدير أصحاب الحسين فقسم وقال : أن عددهم (72) ، وهذا نقرأه في المقتل المشهور ، (لما أصبح الصباح في يوم عاشوراء ، صفى الحسين رجاله وكانوا اثنين وسبعين رجلاً ...

وروايات أخرى تقول أنهم في حدود المئة ، ثالثة تقول أنهم في حدود (خمسة واربعون ومئة رجلاً بين فارس وراجل ) فلماذا هذا الاختلاف في تحديد عدد انصار الامام الحسين ؟

وقد أشار المؤلف الى فكرة مهمة ، وهي : أن أكثر هذه الاعداد جاءت من أشخاص قاموا بإحصاء نظري ، وتقدير للمجموعة ، وهذا محل اختلاف .

نعطي مثالاً لتتضح الفكرة :هذا المجلس كم عدد الحضور فيه ؟ اسأل بعض من الافراد ، سوف يجيب كل فرد بعدد مختلف عن الآخر ، مع انهم موجودون في نفس المكان ونفس الوقت ، فلماذا اختلفوا في تحديد العدد ؟ اختلفوا لان اجابتهم كانت تقديرية.

فهؤلاء الذين ذكروا أعداد أنصار الامام كان العدد الذي ذكروه تقديريا ، ولم يعدوا فردًا فردًا . فأول سبب للاختلاف : أن العدد كان تقديريًا . وسبب آخر ، أن تقدير الأعداد كان في أوقات مختلفة ، وهذا يؤدي الى اختلاف العدد .

مثلاً : أحدهم يقول : لما وصل الحسين الى قرب القادسية ورأى الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل ، فمال الحسين مع أهله وثقله ومعهم (145 رجلاً) هذا وقت وأخر يقول : لما أصبح الحسين يوم العاشر صفى أصحابه وكانوا (  82 ) رجلاً .

خلال هذه الفترة من يوم الثاني من محرم الى يوم العاشر تتغير الأعداد ، جماعة تأتي وجماعة تذهب وجماعة تفر وجماعة تثبت ، وهذا أيضًا سبب من أسباب الاختلاف .

فالعدد قابل للتغير ، فهذا الشخص معك اليوم غدًا يرحل ، والعكس صحيح ولهذا كانت الاعداد اعدادًا غير متفق عليها ، ويضاف الى ذلك سبب أخر ، وهو أن قسمًا من الأشخاص يعدون من جهة وقسمًا من جهة أخرى ، فمثلاً : الزيارات تتحدث عن عدد الشهداء بينما شخص أخر لا يتحدث فقط عن الشهداء وانما عن عموم الرجال ، ونحن نعلم أن هناك عدد من الأنصار لم يستشهدوا ، وهذا يؤثر في النتيجة .

وهناك قسم من الذين لا يعدون الخدم والعبيد من ضمن الانصار ، مع أن قسمًا من الخدم والعبيد استشهدوا .

إشكال : أن بعض الباحثين قالوا : لا يعقل أن عدد أصحاب الحسين ع (70) او( 100 ) او( 145 )او( 150) ، لا بد أن يكون العدد أكبر بكثير . وقال بعضهم : العدد 70 سقط منه صفرين ، فيصبح العدد ( 7000 ) أو( 700) والعدد يجب أن يكون كبير ، لماذا ؟

قالوا : أولاً : الحسين بمكانته العظيمة عندما يقوم ويفجر ثورة ليس من المعقول أن يتبعه سبعون شخصًا فقط ! لو أن زيد من الناس – مثلاً – خطيب من الخطباء ، عندما يخرج يأتي خلفه (70) شخصًا ، فكيف اذا كان امام معصوم ؟ فلابد أن يكون العدد أكبر من هذا بكثير . 

ثانيًا : يقولون : كيف أن الدولة الأموية تجهز (30.000) مقابل (70) او (100) أو (150) ، هذا غير معقول ! فإذًا لابد أن يكون عدد أنصار الامام الحسين ع أكبر بكثير من العدد المشهور . ونجيب على هذا الاشكال بإختصار ، على مرحلتين :

المرحلة الأولى : أن هذه الحالة ليست الأولى التي نشهد فيها هذا المشهد فلو ذهبنا الى واقعة الغدير ، اقل ماقيل أن عدد الحضور فيها كان (20.000) ، وبعضهم قال (100.000) ، ولكنهم لم يقولوا بأقل من (20.000) فنقول عشرون ألف انسان سمعوا حديث رسول الله وإلزامه الناس بولاية أمير المؤمنين ، وطلب منهم أن يبايعوا الامام ، هؤلاء العشرون الف لم يمضي الا فترة قصيرة من وقعة الغدير (18 ذو الحجة) الى وفاة رسول الله (28 صفر) ، بعدها قامت الخلافة المعهودة . ياترى كم واحد من هؤلاء اعترضوا على هذا الامر ؟

فمثلاً : لما قام الخليفة الأول هل اعترضوا وقالوا : بايعنا عليا ؟ التاريخ تحدث أن الذين اعترضوا على الخليفة الأول عندما قام للخطبة ، كان عددهم (12) شخصًا ، معروفة أسمائهم واحدا واحدا .

كم نسبة (12) الى (20.000) ؟ (2.000-1) ؟ (1.800-1) ؟ اذًا عندنا حالة مثل هذا النوع وقعة الغدير ، كما في عدد أنصار الامام الحسين ع ، فهي ليست قضية منفردة ليس لها نظير ، فنظيرها في واقعة الغدير ، مع وجود الفارق ، أن أنصار الحسين ذاهبون للموت والقتل ، وفي وقعة الغدير مجرد اعتراض ، ومع ذلك لم يعترض الا (12 شخصًا) .

نترك هذه العترة التاريخية وتذهب الى مابعد ذلك ، لا شك ولا ريب أن الامام الصادق عليه السلام كان محبوبًا من كل أبناء الامة ، حتى من غير شيعته ، وقسم من أئمة المذاهب كانوا من تلامذته .

هذه الامة ، حينما اغتال المنصور العباسي الامام الصادق عليه السلام كم واحد منها خرج منددًا – بهذا الفعل – بعد شهادة الامام الصادق ؟ كم واحد منها اعترض على ذلك ؟! ولا واحد منهم !هذه الأمة ، هي نفسها تلك الأمة التي شهدت الغدير ، مثل قضية الامام الرضا وقضية بقية الائمة – وماسبق إجابة نقضية -

أما الإجابة الحلية ، والحل يكون بالتفريق بين التعاطف القلبي والموقف العملي ، فالناس في الموقف القلبي بعشرات الآلاف بل مئات الآلاف ، ولكن عندما يتطلب الامر موقفًا عمليًا تختلف الأمور .

الامام علي عليه السلام استنشد الناس وهو في الرحبة ، وكان حاكمًا في تلك الفترة – أي أنه لاخوف – وقال : من منكم سمع بحديث الغدير ؟ فليقم ؟ فما شهد منهم إلا أفراد قلائل .

إذًا هناك فرق بين أن أحب الامام علي وأحب الامام الحسين أو أحب فلان وبين أن اتخذ موقفًا عمليًا ، فتختلف المواقف ويتفاوت قسم من الاصحاب لشدة حبهم للحسين نصحوه أن ارجع . هذا موقف قلبي ، وليس موقفًا عمليًا . ولذلك قال الامام الحسين عليه السلام عن أصحابه : (لا أعلم أصحابًا خيرًا من اصحابي .. ) ، فأصحاب الامام الحسين نمط نادر وجواهر استثنائية بما اتخذوه من موقف عملي اتجاه الامام الحسين وثورته ، فالعبرة فيمن يثبت ، فأصحاب الامام كان عددهم كبير في البداية مع اختلاف الرواية في عددهم ، ولكن من ثبت قليل .

وكذلك لو نظرنا الى قضية مسلم بن عقيل ، نطبق عليها نفس الكلام السابق ، فما دامت القضية بيعة واحتمال ووظيفة وعطاء أما اذا انقلب الامر والي شرس ومواجهة وجيش بني أمية سيصل الى الكوفة فهم ليسوا معه .

فإذًا ، في مجال النقض ، نحن شهدنا حالات متعددة في تاريخ المسلمين تشبه ماحدث في كربلاء ، أما في مجال الحال فهو بالتفريق بين مايحبه الانسان قلبًا ويتعاطف معه نفسيًا ، وبين مايقوم به عمليًا .

جاء بعض الأشخاص الى الامام علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله ، وقالوا له : لماذا لا تنهض وتطالب بحقك ؟ فقال لهم : (وافونا عند أشجار الزيت محلقين ) . وأشجار الزيت هذه خارج المدينة . فما أتى منهم إلا ثلاثة أو أربعة أشخاص .

والامام الصادق عليه السلام ، قالوا له مرارًا : لم لا تنهض ؟ عندك (100.000) سيف يضربون بين يديك ، وقد اخضعهم الامام لامتحانات بسيطة فما نجحوا ! هؤلاء ليسو كاذبون ، هؤلاء عندهم محبة قلبية ، ولكن لا موقف عملي ولا قرار حقيقي لديهم .

لذلك تميز أصحاب الحسين عليه السلام .

فسلام الله على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ، صلوات الله على هذه الثلة الطاهرة الطيبة التي صمدت مع ماأصابه صبروا على ما أصابهم من الأذى والاضطهاد ، هؤلاء الذين اذا أمرهم الامام بأمر أو أقر عليهم قررًا مضوا فيه ، هؤلاء الذين ثبتوا وببركاتهم بقي هذا المنهج .

 

مرات العرض: 3412
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2555) حجم الملف: 55937.14 KB
تشغيل:

22  علي الأكبر وأبناء الامام الحسين في كربلاء
25 أصحاب النبي من أنصار الحسين  عليه السلام