الاستبداد بالرأي منشؤوه وآثاره 37
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/12/1439 هـ
تعريف:


34 الاستبداد بالرأي منشؤه وأثره

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

حديثنا يتناول إحدى الصفات الأخلاقية السيئة، وهي صفة: الاستبداد بالرأي والموقف، ضمن سياق الحديث عن الأمراض الأخلاقية، التي قد يتورط فيها الإنسان. في القرآن الكريم، لو لاحظنا مثالين متعاكسين تماما، عرضهما القرآن الكريم. ولعل أحد أسباب ذلك، أن يتأمل الإنسان في كل من المثالين. فالمثال الأول: مثال فرعون، رجل عنده قدرة، وسلطة، وأعوان، وموقفه الرسمي والرئيسي، هو: أنه يقول: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ).

فالرأي رأيي، والنظر الصحيح نظري. وإذا تتبعوني، تتبعون الرشد. فأنتم لا بد أن تمشوا خلفي. وأساسا لا ينبغي أن يكون لكم رأي، (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى)، أي أنتم ليس لكم أن تفكروا خارج إطار تفكيري. ولا أن تنظروا بعيدا عن نظرتي. أي لا ينبغي أن يكون عند أحد فكرة غير الفكرة التي هي عندي، أنا فرعون. (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى)، لماذ؟ لأنه، انتهى به الأمر إلى أن يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى). وبالتالي هذا نموذج قدمه القرآن الكريم، لأسوأ حالات الاستبداد بالرأي. فهو ليس فقط لا يأخذ رأي غيره، بل لا يقبل أن يفكر غيره بغير فكرته.

فمثلا، إنسان عنده رأي ويطبقه، ولا يهتم لغيره. أي: الآخرون سواء عندهم رأي أو ليس عندهم، هو لا يبالي بما عندهم. فهذه مرحلة من الاستبداد. مرحلة أخرى أسوأ من هذه، هي أن يستنكر على الناس أن يكون لهم رأي غير رأيه. فلا ينبغي أن يكون عندهم رأي غير رأيه، لا ينبغي أن يفكروا بغير طريقته، ولا أن ينظروا بغير نظرته، (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى). وهذا نموذج في الاستبداد المطلق بالرأي.

في الطرف المقابل، نموذج بديع في المشاورة، والحديث مع الآخرين. وهو: نموذج ملكة سبأ: (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ). تقول لهم: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ)، أي أنا أحتاج إلى رأيكم، إلى آرائكم، والتصميم النهائي والأخير، سأتخذه أنا الملكة، لكن لن أفعل إلا بعد أن تحضروا آراءكم، وتبينوا أفكاركم، ونتناقش فيها. ثم أنا في الأخير، أتخذ الرأي النهائي.

ومن المفارقة، أن هذا الموقف الجميل في المشاورة، يأتي من امرأة. وأن ذلك الموقف القبيح من الاستبداد يأتي من رجل. هذه مفارقة، إذا تلاحظونها، هي أن العادة في ذهن الناس، أن الرجل - وهو المفروض - أقرب إلى الحكمة، أقرب إلى التعقل، أقرب إلى جمع الآراء، أقرب إلى التريث، أقرب إلى التبين. وأن المرأة - مثلا - لغلبة العاطفة عليها، والتسرع أحيانا في بعض النساء، وما شابه ذلك، تريد أن تأخذ قرارها لوحدها وتمشي فيه.

فهنا القرآن يأتي بالنموذجين، ويقول: هذا الرجل فرعون، صاحب السلطة العالية، لا يهتم برأي غيره، بل لا يتحمل رأي غيره، بل لا يتوقع أن هناك من يفكر بطريقة غير طريقته. بينما هذه المرأة، التي هي المفروض في ذهن الناس أكثر ميلا للتسرع والعاطفة، لا تفعل ذلك. بل تأتي بالجماعة، وتجلسهم، وتفسح لهم أن يحكوا حكاياتهم، وتقول لهم: أنا لن أفعل شيئا إلا أن تبدوا آراءكم، وعلى ضوئها أتخذ القرار المناسب.

هذه الخصلة، خصلة الاستبداد بالرأي، الاستبداد بالموقف، (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى)، الشيء الصحيح عندي، وغيري لا يسوى شيئا، وأنا كلمتي لا تتثنى، هذه من الصفات السيئة ومن الأمراض النفسية التي قد يبتلى بها فرعون، وقد يبتلى بها أصغر الناس. فليس بالضرورة أن يكون الإنسان صاحب أموال طائلة، وسلطة عظيمة، وجنود كثيرة، حتى يصبح مستبدا. لا. فأنا في بيتي، وربما ليس عندي خبزة اليوم، لأطعم بها أهلي، ولكني مستبد شرا من فرعون. وذاك الغني الثري، المليء، من الممكن أن يجاور، ويجمع آراء الناس، ويلين الكلام لهم، ويأخذ بالحق. فانظر، من أي الموفقين تكون.

فللأسف الشديد، في ثقافتنا الشعبية، في أمثالنا، في حتى تربيتنا للأولاد، نحن نربي الإنسان المستبد. على سبيل المثال: إذا أردنا أن نمدح أحدا، نقول عنه: هذا كلمته لا تسقط على الأرض، وكلامه لا يتثنى. فنأتي به في ماذا، في موقف المدح، وأنه شخصية قوية، عظيمة، كبيرة، وإنسان حازم، لا يقول كلمة ثم يغيرها. وهذه تربية الاستبداد.

لما ابني يسمعني أتكلم عن شخص، بإعجاب وبتقدير على أن كلمته لا تتثنى، ولا تسقط على الأرض، وعلى أنه حازم، فإذا اتخذ شيئا لا يغيره أبدا. فأنا بكذا أقول لابني: أنت أيضا يا أيها الابن، إذا أردت أن تصبح محل تقدير، فلا بد أن تصبح مستبدا.

ماذا يعني أن الإنسان لا يغير كلامه، رب العالمين هو! متى كان هذا الإنسان، مهما أوتي من العلم، يعلم كل جوانب القضايا، "علمت شيئا وغابت عنك أشياء". ترى جانبا من الجوانب، فتتخذ قرارا على ضوءه، ثم يأتون آخرون ينبهونك إلى جهات أخرى في الموضوع. فكن شجاعا، رجلا، وقل: نعم، أنا كنت مشتبها، وقد كان هذا الشيء، بناء على ما توفر لي من المعلومات إلى أمس، هو الرأي. الآن آخرون جاؤوا وأتوني بمعلومات جديدة، آراء جديدة، شاورت آخرين. وقالوا لي: أن هذا العمل عمل غير حسن، له نتائج غير سليمة.

فإذا أصبح الإنسان هكذا، كان محل تقدير. لذلك حتى بعض الأشياء التي نحن نعتقد خلافها، مثلا: نعتقد أن نبينا المصطفى محمد (ص) هو أكمل الخلق عقلا وأصوبهم رأيا، بغض النظر عن جهة: هل هو مسدد إلهيا في كل أمر أم لا.

فهناك أمران: نفسه كشخص، فالنبي (ص) كان أكمل الناس عقلا؛ ولذلك يقر له بهذا المعنى حتى مخالفوه. فكفار قريش الذيم لم يؤمنوا بنبوته، ولا بتسديده الإلهي، يعتقدون فيه: أنه أكمل الناس رأيا وعقلا. أضف إلى ذلك: نحن نعتقد أن رسول الله (ص) كان مسددا في خطواته من قبل الله عز وجل، فهذا جانب ديني.

مع هاتين الجهتين: الكمال الذاتي، والتسديد الإلهي، مع ذلك رسول الله (ص) يأتي ويشاور أصحابه، فيما هو أعلم به منهم: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). مع أننا نعتقد أنه أكمل منهم، وأفضل، وأعرف بالمصالح منهم، لكنه حتى يعلِّم هذه الفئة من المسلمين، ومن يأتي بعدهم، أنه: إذا كان النبي (ص)، وهو في هذه المرتبة، يقوم بهذا العمل، فمن دونه يكون أولى بها، وهكذا الحال مع المعصومين (ع).

حديث جميل ينقله الإمام الرضا (ع)، عن والده الإمام الكاظم سلام الله عليه، أحد الرواة يقول: كنا مع أبي الحسن الرضا، أي: الإمام الرضا، فجرى ذكر أبي الحسن موسى – أي: موسى الكاظم – فالإمام الرضا (ع)، ابنه أشار إلى جهة، وقال: "كَانَ أَكْمَلَ النَّاسِ عَقْلًا، وَرُبَّمَا شَاوَرَ الأَسْوَدَ مِنْ سُودَانِهِ". أي: مع أن الإمام الكاظم (ع) كان أكمل الناس عقلا، مع ذلك كان يرى أحدا من عبيده، من مماليكه، الذين عادة ينظر إليهم الناس نظرة دونية، ويشاورهم.

أنت مثلا، هل في يوم من الأيام، فكرت، أو خطر في بالك، أن تأتي لعاملك الذي يشتغل عندك، فتقول له: عندي مشروع استثمار في فلان شي، ماذا رأيك؟ أصلا لا يخطر ببالك مثل هذا، وهو عامل عندك. فكيف إذا كان عبدا مملوكا، مرتبته الاجتماعية عند الناس أدنى. مع ذلك الإمام الكاظم الذي هو أكمل الناس عقلا، كان يشاور الأسود من سودانه، يعني: العبد من عبيده.

أن يشاور الإنسان، هذا هو المفخرة، لا أن يستبد. نحن نلاحظ للأسف الشديد، في مجتمعنا، لا تزال حالات الاستبداد موجودة. الأب يستبد بأبنائه، الزوج يستبد بزوجته، الكبير يستبد بالصغير. الأب - ومن السهل جدا، وكم من المشاكل حصلت - يؤخر زواج الابن أو البنت من غير مبرر. تسأله: لماذا هذا؟ يقول: هذا أنا، هذا رأيي. مع أن الابن مثلا مقتدر ماديا، مؤهل للزواج، أخلاقه حسنة، لكن أباه يقول لك: أنا رأيي هكذا.

العقلاء الذين حولك، إخوانك، أصدقائك، يرون مناسبته للزواج. لكنه، لا، هو مستبد بهذا الرأي. وحسب تعبيره: هو قال كلمته، وكلمته لا تتثنى. يرى من العين أن ينصح ويوجه، وتتم مرادته ومراجعته لكي يتراجع عن هذا الأمر. فلانة ابنته، لا تتزوج. لماذا لا تتزوج ابنتك؟ لأن هذه الأسرة فيها كذا، وذاك الشاب فيه كذا، ولأن هذا الموضوع كذا، وأنا هذا رأيي. فيصل الأمر في بعض الحالات إلى حالات من العضل، أي منع البنت من زواجها بكفء؛ مما يسبب أحيانا إمكانية سلب الولاية من الوالد على ابنته في قضية الزواج. فلماذا يصبح الإنسان هكذا! طبعا هذا يحدث حتى من الابن. فالابن قد يكون أيضا مستبدا، لكن مستبد على من هم دونه. فلماذا يصبح الإنسان هكذا! حتى يحتمي.

واحد من الأمور: أن الإنسان لا يعرف رسم العبودية لله عز وجل. فقسم من الناس يصلي، ولكن لا يرى نفسه عبدا. يصوم، لكن حقيقة العبودية ليست موجودة في داخل نفسه. حقيقة العبودية ماذا؟ هي التي نقرؤها في الدعاء: "أَمْسَيْتُ وَأَصْبَحْتُ لَكَ عَبْدًا ذَاخِرًا لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورَا". أي: أنا نفسي لا أقدر أن أدبر أمر نفسي، فلا أستطيع أن أنفعها، أو أدفع الضر والشرر عنها، وهذا لا ينسجم مع أن الإنسان يقول: لا، هذا رأيي، وأنا هكذا.

وهنا، ليس فقط أنا إلى نفسي، عندي موقف ورأي، بل حتى الآخرين أتحكم فيهم. فالدين ماذا يقول؟ يقول: أنت عبد، أنت لا شيء بينك وبين الله، لا شيء. أنت عبد كنت يوما نطفة مذرة، وستغدو فيما بعد جيفة قذرة، وما بينهما: أنت لا شيء مقابل ربك. فماذا يعني أن تقول: هذا أنا، ورأيي لا يتثنى، وموقفي هذا هو. حتى لو حطمت به مستقبل أناس، وأفسدت به علاقات، وأحدثت مشاكل؛ لأن هذا هو رأيك.

ثم تقول هذا الكلام من جهة، وتتحكم في مصير وحياة غيرك، ثم تأتي تقرأ هذا الدعاء من جهة أخرى: "أَمْسَيْتُ وَأَصْبَحْتُ لَكَ عَبْدًا ذَاخِرًا لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا"، فأين الانسجام بينهما؟! فهذا معناه: أن الإنسان أحيانا يقرأ الدعاء ولا يلتفت إلى معناه، ولا يجسده في واقع. وإذا أنت هكذا، فانظر أنت كم بالنسبة إلى الله؟ لا شيء، عبد. فمادام هكذا، فأول شيء رسم العبودية ما هو؟ عندما يقال لك: نريد فلان شيء، لا تقل: نعم أو لا. ولا تقل: رأيي، وكيفي، ومزاجي. بل قل: الله ماذا يأمر في هذه الجهة؟ هل يقبل الله أن أفعل هكذا؟ أنا عبد لله، أفعله. الله لا يقبل أن أفعل هذا الأمر؟ وأنا عبد لله، فأنا أيضا لا أقبل؛ لأن الله لا يرضى بهذا الأمر.

فواحد من الأمور: أن رسم العبودية عند الإنسان المستبد، غير واضح. ولذلك إذا استمر فيه، شيئا فشيئا، يصل إلى أقصاه، فيقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى). ففرعون ما قفز قفزا، فرعون في البداية كان يتحكم في داخل أسرته، ثم خارجها، ثم في المجتمع. والناس يطاوعونه، فأغري بذلك، حتى وصل إلى ادعاء الربوبية.

أمر آخر: توهم أن المشاورة ضعف، يجعل الإنسان مستبدا. جرب نفسك إذا عرضت عليك قضية تميل إلى أن تستشير غيرك، أو لا. انظر هل ترى: أن الأحسن هو أن لا يعلم بها أحد، وأنت تقرر. ثم لماذا لا تجعل أحدا يعلم بها؟ لما لا تستشير أخاك الأكبر؟ لما لا تستشير أهل الرأي والحكمة؟ لما لا تعرضها على أهل النصيحة؟ فقسم من الناس – وهم كثيرون – يقولون: لأني لو أنا قلت لهم هكذا، سيعلمون عني، أني غير قادر على حل هذه المشكلة، ولا أتخذ موقفا فيها، إذن أنا ضعيف. لا. المشاورة قوة.

هذا ما تقوله الأحاديث. من الأحاديث الجميلة، ما هو عن نبينا المصطفى (ص)، أنه يقول: "الحَزْمُ"، كثير من الناس يقولون: أنا أريد أن أصبح حازما، بمعنى أن: أقرر قراري ولا أتراجع فيه، وأتخذ موقفي وأمشي فيه للأخير. وهذا ليس حزما، "الحَزْمُ مُشَاوَرَةُ ذَوِي الرَّأْيِ وَاتِّبَاعُهُم". فإذا شاورت أصحاب الرأي، ورأيت أن رأيهم صحيحا فاتبعته، هو هذا الحزم. وليس أن تنفرد بالقرار لنفسك، ليس أن تصمم على الشيء الذي أنت تريده وتقف عنده، هذا ليس حزما، وهذا ينتهي إلى الهلاك. فمن استبد برأيه هلك.

في حديث آخر: "مَنْ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ خَفَّتْ وَطْأَتَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ". لديك معركة مع أحد الأعداء، فتتخذ قرارك لوحدك، وتمشي فيه، وتستبد برأيك. ثم يقولون لك: لا، الطريق هكذا، الأسلوب هكذا، العمل هكذا. فتقول: لا، أنا هذا رأيي، كيفي، مزاجي هكذا. وهذه شائعة الآن، وهي من الكلمات السيئة جدا، والتي ينبغي أن نقاومها، خصوصا عند الأولاد.

تقول له: افعل هكذا، أو أخوه يقول له، أو أمه: لماذا تفعل هكذا. فيجيب: "كيفي"، "مزاجي". وهذه انتقلت إلينا بالتلقين من بعض أفلام الكارتون، ومن بعض الكبار. وهي تنشئ إنسانا مشوها، مستبدا. فماذا معنى: كيفي ومزاجي؟ لا معنى لها. إذا أنت إنسان مسلم ومؤمن، فليس من مجال إلى كيفك. المجال الوحيد، هو إما لحكم شرعي أو لحكم أخلاقي. فإذا الحكم الشرعي يقول جائز، بعد ذاك الوقت ليس من شي اسمه: كيفي. يقول: ليس جائزا، ذاك الوقت ليس من شي اسمه: مزاجي. وإذا – لنفترض - ليس هناك من حكم شرعي، يأتي المجال الأخلاقي، التوجيه الأخلاقي، فيحكم: يناسب هذا لو لا يناسب، يناسب الأخلاق أو لا يناسب.

شعور البعض، أو تصورهم أن المشاورة عبارة عن ضعف، تنتهي بهم إلى الاستبداد. لا، المشاورة حزم، المشاورة قوة. المشاورة معناها أن الإنسان يريد أن يجمع عقول الآخرين إلى عقله، وآراءهم إلى رأيه. وهنا ترى النتيجة. فالذي استبد برأيه، كفرعون لما قال: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، ماذا كانت نهايته؟ (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)، هذه هي نتيجة الاستبداد. نتيجة المشاورة التي قامت بها ملكة سبأ، ماذا هي؟ (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). هذا وأسلمت مع سليمان لرب العالمين.

فهناك استبداد أدى به، ليس فقط هو، هو وقومه، (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، هذا المجتمع كله صار في النار، على أثر استبداد. وفي المقابل، على أثر مشاورة، على أثر تفاهم، على أثر مناقشة، على أثر تخل عن الاستبداد، مع أنه كان بإمكانها أن تفعل هكذا، أي تستبد. مع ذلك قالت لهم، وشاورتهم، وكانت آراؤهم خاطئة أيضا، فما تبعتها، وهذه هي فائدة المشاورة: أن الإنسان يرى الآراء كلها، وليس بالضرورة أن يتبعها، فقط يرى اختلاف الآراء، فيتبين صوابها من سقيمها وخطئها. (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)، حرب، حاضرين لها، قالت: لا. وكان هذا الرأي العام، ولكنها رأت أن هذا الرأي ليس هو الصواب – هو هذا ناشئ من حالة الاستبداد، والشعور بالقوة والرغبة في المواجهة - فقالت: لا، ليس بهذا الشكل. أنا أرسل لسليمان بهدية وأنظر ماذا يصنع. رجل ملك، إذن، قضايا أموال. رجل نبي، فلا، هذا يحتاج إلى إيمان. فتبين المسألة أن نتيجة الاستبداد: هي تلك، ونتيجة المشاورة: هي هذه. فينبغي أن نعمل في بيئاتنا، في أسرنا، مع أهالينا، مع من يعمل معنا، بعيدا عن الاستبداد، ونستمع إلى غيرنا، نتشاور معهم، لا يمتلكنا حب الرأي، والتفرد بالموقف، وإجبار الآخرين عليه؛ حتى ننجو وينجو من معنا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3428
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2575) حجم الملف: 25893.35 KB
تشغيل:

التكبر شخصياته غير المعروفة 38
أولياء السلطان والأوقاف .. خيانة أو أمانة ؟