مراحل تشريع الصلاة في الاسلام 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/9/1439 هـ
تعريف:

مراحل تشريع الصلاة

 

كتابة الاخت الفاضلة تراتيل

قال تعالى﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا سورة الاسراء آية 78

حديثنا ان شاء الله تعالى يكون بعنوان مراحل تشريع الصلاة في الإسلام وقد سبق ان تحدثنا عن الصلاة وتشريعها عند الأنبياء السابقين عليهم السلام أي الديانات السابقة للإسلام . وهنا سنتحدث عن تشريع الصلاة في الإسلام حيث مر بثلاث مراحل :

المرحلة الأولى : بدأت مع بداية بعثة رسول الله و قد ذكرنا بعض الاحاديث التي تذكر ان جبرئيل هو من عرض صورة الوضوء والصلاة ناقلا عن الله عز وجل الى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وعلى اثر ذلك بدأ النبي صلى الله عليه وآله بالصلاة , فكان من قريش وكفارها ان هددوا النبي, فبعض من كان لهم السلطة والسطوة- كابي جهل بن هشام- طالما هددوا النبي إن شاهدوه يصلى عند الكعبة و يتوعدونه بانهم سيفعلون به كذا وكذا كما قال تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى) العلق اية 9 , ففي هذه الآية إشارة الى صلاة رسول الله صلى الله عليه واله في مكة المكرمة والى تهديد هؤلاء إياه , و مولانا رسول الله لم يكن ليخضع لهذا التهديد فقد نصره الله عليهم بمعونة عمه أبو طالب الذي وقف بمثابة المدافع عنه في اكثر من موضع من هذه المواضع .

كذلك ما ذكر عن عفيف الكندي عندما جاء الى مكة فرأى رسول الله وعلي وخديجة قد صفوا اقدامهم مستقبلين القبلة ومصلين - وهذا سنستشهد به في موضوع قضية صلاة الجماعة و القبلة في محاضرة أخرى - وهكذا ما نقل عن ان أبا طالب عندما رأى ابن أخيه رسول الله يصلى و بجانبه علي عليه السلام فقال لجعفر ابنه : يا بني صِل جناح ابن عمك – أي امره أن يلتحق بهما في الصلاة – وهذه الحادثة هي في مكة وهذا يشير الى الصلاة في المرحلة الأولى كان مقامة من قبل النبي الاكرم صلى الله عليه وآله ,

المرحلة الثانية : كانت عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وآله الى السماء , احد الروايات عن ام هاني بنت ابي طالب ان النبي اسري به بعد ان صلى صلاة في المسجد الحرام ليلا ثم عاد الى المنزل ثم بدأت رحلة الاسراء والمعراج التي تلقى الرسول فيها صيغة الصلاة وطريقتها من السماء عبر الوحي في احاديث المعراج الثابتة حيث سنشير الى ما ذكره العلامة الطبرسي رضوان الله تعالى عليه صاحب تفسير مجمع البيان -الذي لديه احاطه ضمنها في تفسيره في عدة نواح منها المعنى اللغوي و القراءات للآيات ثم يبحث عن التفاسير المتعددة المروية سواء عن طريق السنة او الشيعة مع انه من اعيان علماء الامامية الذين لهم منهج توحيدي وتقريبي فهو يبدأ ببناء الأسس وهو تفسير القرآن – حيث يرى ان احاديث المعراج كثيرة وهي على اقسام :

القسم الأول : ما يقطع بصحته لتواتر الاخبار به : فهو قطعي يفيد العلم لا ن اخباره جاءت من رواة متعددين في كل الطبقات ولا يمكن تكذيبه الا تعسفا مثل ان النبي اسري به بالجملة ومثل انه اعرج به الى السماء, فهذا قد اخبر به القران في سورة الاسراء في الاتجاه الافقي و في سورة النجم في الاتجاه العمودي

القسم الثاني : ما ورد في ذلك مما تجوزه العقول ولا تأباه الأصول : فهو في نظر العقل غير مستحيل وليس هناك محذور من قبوله من ناحية دينية فهو خبر معتبر مثل ان النبي اسري به بجسده و روحه وانه كان في حالة اليقظة لا النوم

القسم الثالث : ما ورد ظاهره مخالف لبعض الأصول الا انه يمكن تأويله على نحو من الانحاء :مثل ان النبي رأى اهل الجنة يتنعمون فيها ورى اهل النار يتعذبون فيها فهذا مخالف لبعض الأصول حيث انه في ذلك الزمان لم يأتي تكليف بالأحكام و هؤلاء البشر لم يخلقوا حتى ذلك الوقت , فكيف يعذبون وينظرهم النبي !!

هذا ان امكن ان يؤول على نحو من الانحاء فنقبله كأن نقول بان النبي رأي صورهم واشكالهم التصويرية فقط كما يحدث الان انت تشاهد صور وافلام اشخاص ماتوا من فترة طويله , وما شاهده النبي قد يكون عكس هذه المسألة بان الله عرض صورهم الشكلية على النبي مسبقا ً.

القسم الرابع : ما لا يصح ظاهره ولا يمكن تأويله : مثل الروايات التي اعتمدها اهل السنه كالتي قالوا فيها ان النبي كلم الله مشافهة و جلس معه على سريره . وكذلك قولهم بان الله قام للنبي ودنى اليه , فهذه كأنما تجسد الاله لذلك نرد هذه الاخبار ولا يمكن تصديقها .

ومن الأمور التي وردت عند الفريقين ولا يوجد محذور من قبولها هو موضوع تشريع الصلاة والتي نزل بها النبي بعشر ركعات ففي الروايات ان الله فرض على عبادة خمسين ركعه فأشار موسى على نبي الله محمد ان يرجع الى ربه وليس المقصود هنا بالرجوع المكاني

المرحلة الثالثه :

مرحلة المدينة المنورة حيث بقى النبي يصلى هذه الركعات العشر في مكة الى ان هاجر الى المدينة وفي المدينة اخذت الصلاة صورتها النهائية حيث أصبحت سبعة عشر ركعة موزعة على ركعتين للصبح و اربع للظهر واربع للعصر وثلاث للمغرب واربع للعشاء , و هناك روايات من المدرسة الامامية كالتالي:

الرواية الأولى : ما ذكرها ثقة الإسلام الكليني في كتابه الكافي بسنده الى سعيد بن المسيب – وهو واحد من اعاظم علماء مدرسة الخلفاء و عد من أصحاب الامام زين العابدين و روى عنه , وفي مدرسة الخلفاء كانوا يعدونه من اعلم من على الأرض في ذلك الزمان اجلالا لشانه اما راي المدرسة الامامية فيه فهو مختلف فيه على ثلاثة اراء راي يقول برفعة شانه ووثاقته و راي ثاني يرى انه صحيح اخذ من الامام زين العابدين لكن هناك روايات تذمه وتقدح فيه . وهناك قسم ثالث توقفوا فيه لان هناك روايات مادحة فيه وهناك روايات ذامه فيه . وعلى كل حال فان القدر المتيقن هو ان سعيد بن المسيب كان من علماء المسلمين وكان يأخذ عن الامام زين العابدين –

سعيد بن المسيب يسال الامام زين العابدين عليه السلام أسئلة مفصلة حتى انه سأله : فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هو عليه اليوم ؟ فقال له : بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام وكتب الله على المسلمين الجهاد

هل للنبي حق التشريع

بعض العلماء يقول ان التشريع هو حق الله عز وجل فقط لكن هناك علماء اخرين لهم اراء أخرى تستند الى روايات فيقولون ان رسول الله له حق التشريع الجزئي وليس في أصول الإسلام فمثلا رسول الله قد زاد في ركعات الصلاة فالنبي لا يشرع اصل الصلاة و لا يشرع اصل الصوم ولكن يستطيع ان يشرع في التفاصيل فيقال ( زاد رسول الله في الركعات ) ولا يقال ( امر الله نبيه بالزيادة في الصلاة )

لكن في قضية صلاة القصر للمسافر ورد( فرضى الله القصر في السفر ) أي التشريع من الله وليس من النبي .

فقد زاد النبي رسول الله في صلاة الظهر ركعتين وفي صلاة العصر ركعتين وفي المغرب ركعة وفي العشاء الأخرة ركعتين وهكذا فالزيادة هي سبع ركعات فقد ترك صلاة الفجر كما فرضت بدون زيادة في ركعاتها لتعجيل نزول ملائكة النهار وتعجيل عروج ملائكة الليل ( وقران الفجر ان قران الفجر كان مشهودا ) فملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون صلاة الفجر منذ زمان رسول الله .

الرواية الثانية : ينقلها الكافي بسنده عن الامام الباقر عليه السلام قال : لما عرج برسول الله نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين فلما ولد الحسن والحسين زاد رسول الله صلى الله عليه وآله سبع ركعات شكرا لله فأجاز الله له ذلك .

غير تلك الروايتين لا يوجد لدينا شيء يشير الى الزيادة في الصلاة .فلما امر الله نبيه بالتقصير في السفر وضع عن امته ست ركعات.

الاذان للصــــلاة

في السنوات الأولى من هجرة النبي الى المدينة- السنه الأولى والثانية- شهدت جملة أمور ترتبط بالصلاة منها الاذان بناء على ما هو المشهور عند مدرسة الخلفاء , ففي قضية الاذان هناك رأيان في متى شُرّع :

الراي الأول : وهو رأي الامامية وهو ان الزمان كان في ليلة المعراج كما شرعت الصلاة حيث ان الله جمع للنبي محمد صلى الله عليه وآله الأنبياء والمرسلين ليعرفوا حقه و ليوقروه ثم امهم النبي في الصلاة بعد ان اذّن جبرائيل واقام – هناك كتاب للشهرستاني اسمه الاذان بين الاصالة والتحريف تتبع فيه المحقق امر الاذان بشكل جيد – بعد ان أوحى الله له ان يؤذن ويقيم في وسط هؤلاء و هي صيغة الاذان التي يلتزم بها الامامية حتى الان فهي صيغة الاذان الجبرائيلي , وهذا الراي الصحيح والمعتمد

الراي الثاني :وهو راي مدرسة الخلفاء وهو ان الاذان بُدأ في المدينة , البعض قال في منتصف السنة الأولى وبعضهم يقول قبل ذلك وبعضهم قال بعد ذلك وكان ذلك بعد رؤية حصلت لعبدالله بن زيد ذلك ان النبي سأله المسلمون ان اليهود لديهم الابواق والمسيح لديهم النواقيس والاجراس والمجوس لديهم النار ولكن نحن المسلمون ماذا لدينا فتحير النبي حسب قولهم وبينما رسول الله في حيرته جاء عبدالله بن زيد وقال انه رأي في المنام ان شخص جاء لعبدالله بن زيد وهو قد جمع اخشاب يريد ان يعمل شيء لهذه المسالة التي احتار النبي فيها, فقال له الشخص بانه من الأفضل ان يقولوا بدل ذلك هذه الالفاظ ( الله اكبر الله اكبر وتلى عليه الاذان ) . وبمجرد ان انتهى عبدالله بن زيد من الحديث عن رؤياه جاء الخليفة الثاني وقال اني انا أيضا رأيت مناما بهذا المضمون . ثم جاء ثالث وقال انه أيضا رأى مناما بنفس الموضوع وبحسب تتبع وتحقيق الكاتب يقول انه هناك أربعة عشر رجلا ادعوا انهم رأوا في المنام نفس الرؤيا . وعندها قالت رواية اهل السنه بان الرسول قال لبلال قم واذّن

مناقشة الرأي الثاني

هذا الكلام وقف منه أئمة اهل البيت موقف صارم و اعلنوا خطأه وكرروا ذلك في حوالي 180 سنة فلائمه عليهم السلام بدأً من الامام علي عليه السلام الى الأمام الرضا عليه السلام تحدثوا عن قضية تشريع الاذان وان جبرئيل هو من ا ذّن بأمر من الله , حيث لا يمكن تثبيت حكم شرعي من خلال رؤية مناميه , فالمستحبات لا تقبل بهذه الطريقة فكيف بالواجبات او بالبطاقة الاجتماعية للإسلام وهي الاذان

فعن الامام الحسين ان الاذان اعظم شرائع الإسلام فهو يعطي الشخصية الاجتماعية للمجتمع المسلم فلو دخلت في مجتمع وسمعت الاذان لعرفت انه مجتمع مسلم . فعند الفريقين سنة وشيعه في الفتاوى جاء انه لو اختلطت القرى على المسلمين وهم في حال معارك فكيف يتم التمييز !! فكان الجواب انه يُنْتَظَر وقت الصلاة فاذا رُفع الاذان فهي قرية اسلام فلا يحاربوهم , وهكذا فالأذان يعلن عن وجود اسلام و مسلمين ومجتمع إسلامي فلا يعقل ان يكون تشريعه من رؤية مناميه .

الامر الاخر ان النبي يقول ( ان اتبع الا ما يوحى الي ) فكيف يتبع أحلام الاخرين ؟؟! والامر الثالث كيف انه ينسب للنبي الحيرة ففيه توهين من شان النبي فقد علّمه الله و عظّم شانه فهل يعقل انه يخفى عليه الامر ويبقى متحيرا ً لدرجة انه يحتاج الى فلان وفلان

صحيح انه في الأمور الولائية يشاورهم كقضية الخندق مثلا فهي ليست أمور تشريعية و قد يصح ان نسميها أمور اداريه .وهكذا فان هذا الراي الثاني الخاص باهل السنه لا يمكن ان نأخذ به

صلاة الجماعة

صلاة الجماعة مشروعه من بداية البعثة , فقد روي ان النبي و امير المؤمنين وخديجة كانوا يقفون ويصلون جماعه, وكذلك هناك رواية أبو طالب و ابنه جعفر عندما قال له : صل جناح ابن عمك

فنحن الامامية نعتمد على اراء ال محمد فهم الاخبر والاعرف بما جاء به جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وهم الذين تصدوا لحماية الشريعة و دفعوا اثمان ذلك غاليه فمثلا كان بإمكان الامام الصادق ان يكون مفتى الديار المسلمة ولا يتعرض لاي مشكلة لو لم يتصدى لحماية الشريعة وسكت عن الحق وكذلك الامام الكاظم وهكذا بالنسبة الى سائل المعصومين ولكن هؤلاء الائمة الميامين نظروا الى ان الغاية الكبرى لهم هي حماية الدين وحفظ شريعة سيد المرسلين لذلك هم يصححون ادعاءات الاخرين حتى سالت دمائهم الزكية على جانبي طريق الإسلام حفظا للشريعة لمن يأتي بعدهم ولو بعد سنوات طويلة من خلال مصادرهم ورواياتهم ونحن نحمد الله ان أوصل لنا المعصومين الإسلام مصانا

مرات العرض: 3453
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 56330.83 KB
تشغيل:

الطهارة والاغسال في الأديان السماوية 6
تحويل القبلة .. آراء وأدلة  9