هذه خطوات الشيطان
التاريخ: 14/2/1439 هـ
تعريف:

هذه خطوات الشيطان

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

وردت خطوات الشيطان في ثلاث آيات في القرآن الكريم
•قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر )). تبين لنا هذه الآية أن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر.
•قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الارض حلالاُ طيباً ولا تبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)). تحذرنا هذه الآية في بدايتها من الأكل غير الحلال وتحرض على أكل الحلال الطيب ثم بعد ذلك تعلل سبب هذا النهي وتقول ((إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)).
•قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)) يتحدث القرآن الكريم في هذه الآية عن جهة اجتماعية وهي الدخول في السلم كافة، وأن لا يكون الإنسان من مثيري الفتن ومساعير الحرب وليجعل حياته وطريفة سيره هو السلام، انطلاقاُ من أن شعار الإسلام وتحيته هو السلام، فالتحية هي إعلان لمن لا يعرف هويتنا.

فالآيات المباركات تعلل عدم اتباع خطوات الشيطان لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر والسوء، وأحياناً يكون من مظاهر الفحشاء والمنكر هي قضايا العنف والمواجهات، ولهذا فإن الآية تحثنا على الدخول في السلم.

وتبين لنا هذه الآيات أيضاً الآثار السلبية على داخل الإنسان مما يتحقق بأكل الحرام غير الطيب ويوقل كلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً، هذه الموارد هي بعض ما يسوله الشيطان للإنسان ويغريه ويزينه له ويحاول أن يستتبعه في خطواته.

خطوات: سواء بضم الطاء أو بسكونها فكلتا الكلمتان صحيحتان وهي جمع خطوة وهي أثر القدم الذي ينطبع على الأرض، فالقرآن الكريم يحذرنا من اتباع هذه الخطوات ومن جعل أرجلنا حيث موضع رجل الشيطان.

لماذا استعمل القرآن الكريم كلمة (خطوات الشيطان) ولم يقل (لا تتبعوا الشيطان)؟

يستفاد من هذا التعبير أمور وهي:

أن فعل الشيطان بالنسبة للإنسان لا يأتي جملة واحدة وإنما يكون خطوة خطوة وبالتدريج، والرابح فيه هو الذي يكون لديه نفساً اطول واستمرارية والشيطان يملك هذه الخاصية، فتعبير (خطوات الشيطان) يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى يحذر من تلك الخطوات الصغيرة والإبتدائية لأن الإنسان عندما يتبع الإنسان في خطواته الأولى، فسيأخذه للخطوة الثانية والثالثة والرابعة وهذا زيادة في المكر والتخطيط والإغواء.

الفئة الصالحة والمستقيمة والمؤمنة هي التي تكون مستهدفة من قبل الشيطان حتى يزلق أرجلها، فلو جاء الشيطان للإنسان الصالح في خطوة واحدة وأمره بترك الصلاة، بلا شك فإن الإنسان المؤمن سيتراجع ويستنكر من ذلك الامر ولن يفعله، ولكن عندما يأتي له خطوة بخطوة فمن الممكن أن يستجيب له من دون أن يشعر، كأن يغوي الإنسان وقت الصلاة ويجعله يقدم أعماله الدنيوية على الصلاة وأن الصلاة لن تذهب وأنه إن انهى أعماله الدنيوية أولاً سيصلي بعدها بخشوع وراحة بال، فيقبل الإنسان ذلك الشيء ويوهم نفسه بأنه صحيح وجيد وبهذه الطريقة فإنه قد اتبع خطوة من خطوات الشيطان.

الشيطان عادة لا يأتي في أمور الدنيا ولا يلهي الإنسان عنها وإنما يأتي له في القضايا الدينية والأخلاقية وما يرتبط برضا الله، فعنما يأتي الشيطان للإنسان من الجانب الديني فإنه يخدعه بموضوع ديني آخر حتى يستطيع إلهاؤه وجعله تاركاً للعبادات.

ومن الأمثلة على ذلك:

– عندما يكون الإنسان معتاداً على القيام بالنوافل كثيراً كالصلاة المستحبة والحج المستحب والزيارات وقراءة القرآن وما شابه ذلك، يقوم الشيطان هنا بدور الإغواء ويزين للإنسان بانه بدلاً من أن يصلي خمسين ركعة هذا العدد الكبير بدون خشوع ، لو يصلي خمس ركعات وهو خاشع وخاضع لله تعالى ومتوجه في صلاته، فالإنسان العادي الذي لا يعرف خطوات الشيطان يعتقد أن ذلك الكلام صحيح لأن الله يقبل من صلاة العبد ما أقبل عليها بقلبه فيكون الشيطان بذلك قد قلص عمل العبد من خمسين ركعة إلى خمس ركعات بحجة دينية ظاهرية، وأما الإنسان الذي يعرف خطوات الشيطان فإنه لا يهتم لذلك بل يصلي الخمسين ركعة وإن لم يكن خاشعاً في كل الركعات.

– عندما يكون الإنسان مداوم على قراءة القرآن يومياً ويقرأ جزأين إلى ثلاثة أجزاء في اليوم الواحد، فإن الشيطان يأتي له من جانب أنه من الأفضل ان يتدبر ويعرف معاني القرآن فلو يقرأ صفحة واحدة ويتدبر في معانيها ويفهمها أفضل من قراءة جزأين أو ثلاثة أجزاء، فظاهر ذلك الشيء هو أمر حسن ولكن باطنه هو خطوة من خطوات الشيطان لأنه فصله عن كم القرآن وأصبح بدلاً من أنه يقرأ ساعة كاملة كل يوم فقد اختصرها إلى خمس دقائق يومياٌ وبعد ذاك يأتي له الشيطان بحيلة أخرى وهكذا حتى يجعل الإنسان يخسر الكثير من أموره الدينية التي كان يداوم عليها.

– قد يأتي الشيطان في موضوع آخر وهو الرياء، فلو كان العبد يصلي كل جمعة صلاة جماعة في المسجد، فإنه يجعله يترك تلك العادة الحسنة بحجة أنه قد يخالطه رياء عندما يصليها في المسجد أمام الكثير من الناس، فالإنسان يقنع نفسه بذلك ويترك عادة الصلاة في المسجد.

الشيطان يأتي للإنسان أيضاً في أمور الاجتماعية ويغلف الفحشاء والمنكر في غلاف ديني معقول لأن عقل الإنسان لا يقبل بأمر الشيطان له بفعل الفاحشة مباشرة.

ومن الأمثلة على ذلك:
•عندما يأتي شخص إلى شخص آخر ويخبره بأن فلان قد اغتابه وتكلم بكلام غير مناسب في حقه فهذه تميمة وهي من فعل الشيطان يزينها ويجعل الشخص يفعلها بحجة أنه يريد مصلحة الطرف الآخر، فيقتنع الطرفان بأن هذا الفعل ليس نميمة وليس فتنة وإنما هو لجانب مصلحة الآخر ولكن هذا الأمر غير صحيح فهي نميمة وفتنة وهي محرمة في ديننا الإسلامي.
•يدخل الشيطان في البيوت ويسبب الفتنة بين الزوجين، كأن يحرض الأخ أخته على زوجها بحجة المصلحة فيحرضها على أن تطلب من زوجها أن يذهب بها للسفر وأن هذا من حقها فتحدث الفتنة بين الزوجين بسبب ذلك ويعتقد كلا الطرفين (الأخ والأخت) بأن ذلك ضمن عنوان المصلحة والمحبة وإنما في الواقع هو من خطوات الشيطان وقد غلفه بلباس النصيحة.
•الغيبة أيضاً من الأمور التي يدخل لها الشيطان فقد يزينها للإنسان بحجة النقد البناء فيجعل الأشخاص يغتابون بعضهم بحجة ذلك وأن هذا النقد من الشؤون العامة التي لابد من مناقشتها، وهي في الواقع من خطوات الشيطان ولو أزال الإنسان هذا اللباس لرأى قبح الغيبة كما جاء في قوله عز وجل: ((أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)). فتفوق الشيطان يكون في إقناع الأشخاص بأن القضية ذات وجه ديني.

ومن الامثلة الواردة في روايات المعصومين عليهم السلام:
•عن الإمام الصادق عليه السلام: أنه سئل عن شخص قد حلف بأن لا يكلم أخاه وأنه إن خالف ذلك الحلف سوف يكون عليه يمين وكفارة فقال الإمام الصادق عليه السلام: إنما ذلك من خطوات الشيطان، فليكلم أخاه ولا إثم عليه ولا كفارة عليه.

فالشيطان هنا لا يأتي للإنسان مباشرة ويأمره بقطع رحمه وإنما يأتي من جانب الحلف باليمين ووجوب الالتزام به.
•يحكى أيضاً أن هناك امرأة حلفت على أختها أن تأكل من عندها وإلا ستمشي إلى الكعبة على قدميها، وعبيدها وجواريها معتقون، فسئل الإمام الباقر عليه السلام عن ذلك فقال: أن هذه من خطوات الشيطان وحلفها باطل ولا يترتب عليها شيء.
•وقد روي أيضاً أن فلاناً قد نذر أن ينحر ابنه، فرفع ذلك الامر إلى الإمام الباقر عليه السلام فقال: أن ذلك من خطوات الشيطان ويحرم عليه ذلك.

ولذلك فقد رفضنا فكرة أن عبد المطلب قد نذر أن يذبح واحداً من أولاده إذا بلغوا عشرة، فهذه الفكرة لم يتبين لنا تمامية أدلتها بل وهناك رفض كبير فيها إن لم يكن الدليل قائم على نفيها لأن فيها قتل روح وذلك محرم، ولهذا فإن الشيطان لا يأمر الإنسان مباشرة بقتل ابنه أو ما شابه لأن ذلك من الأمور التي لا يقبلها العقل وإنما يأتي له من الجانب المحبب وهو النذر لأن فيه ارتباطاً بالله عز وجل، فهو يخدع الإنسان بطرق مختلفة بأساليب متعددة لكنه ليس له سلطان على الذين آمنوا، فلا يعتقد الإنسان ان الشيطان هو قدر مكتوب عليه ولا بد من الاستجابة له، فالشيطان زود بفوة ضعيفة والإنسان زود بقوة عظيمة كما جاء في قوله تعالى: (( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ))، فالإنسان لديه قوتان عظيمتان وهما قوة العقل المميز للخطأ والصواب والحق والباطل وقوة الإرادة التي من خلالها يتبع الحق ولا يمكن لأي شخص تغيير رأيه فهو ليس مجبوراً على سلوك طريق المعصية.

هل كيد الشيطان ضعيف وكيد المرأة عظيم ؟

هناك فكرة خاطئة ومنتشرة انتشاراً كبيراً على المستوى الإسلامي وهي المقارنة بين كيد الشيطان وكيد النساء، فالكثير يقول بأن كيد الشيطان ضعيف وكيد النساء قوي ويستدلون بذلك من القرآن الكريم(( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً )) و (( إن كيدكن عظيم )).

وهذه الفكرة مشهورة حتى عند كبار المفسرين كجار الله الزمخشري وهو صاحب كتاب تفسير الكشاف وأحد أئمة اللغة العربية وهو من مدرسة الخلفاء من المعتزلة فهو يدون هذا الأمر في كتابه أيضاً بأن كيد النساء عظيم مقارنة بكيد الشيطان وهذا خطأ ولا صحة له أبداً وليس قول الله عز وجل.

بالفعل أن الله سبحانه وتعالى قال: (( إن كيد الشيكان كان ضعيفاً )) وهو العالم بعباده والعالم بإبليس وبقوة أولياءه الصالحين ولذلك فهو يقول إن كيد الشيطان ضعيف في مقابل قوته وقوة أولياءه عز وجل، أما فكرة أن كيد النساء عظيم فهو ليس قول الله وإنما قول العزيز (عزيز مصر وهو بشر كباقي البشر وليس إنسان معصوم)، وأيضاً فإن الحادثة محدودة والكلام موجه لمن هن في ذلك المكان كما جاء في القرآن: ((فلما رأي قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم))، فالعجب في أنه كيف انتشرت هذه الفكرة الخاطئة التي لا صحة لها على مجتمع النساء في كل مكان.

فالله سبحانه وتعالى لم يقل عن كيد النساء عظيم وإنما نقل هذا الكلام من عزيز مصر كما نقل كلام الهدهد وكلام النملة وكلام فرعون عندما قال ( أنا ربكم الأعلى )، او كما قال الكفار (نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) فإذا قلنا أن الله تعالى قال ذلك فهذا يعني أنه لا توجد خلقة إلاهية وإنما كل شيء يكون من الدهر.

في بعض الموارد يأتي القرآن الكريم بقضة ثم يعقب عليها ويؤكدها كما جاء في سورة النمل عندما قالت النملة ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) فقد أكد الله تلك الآية بقوله : (( وكذلك يفعلون ))، فعندما قال الله تعالى وكذلك يفعلون حينها نقول ان هذه الآية هي كلام الله ويصبح كلام النملة قاعدة دينية ووحياً هاماً ونستنتج منه الكثير من النتائج.

أما قول إن كيدكن عظيم فهو ليس كلام الله والنساء مخلوقات مستضعفات حالهم كحال الرجال ويخدعون أيضاً من قبل الشيطان ولا يصل كيدهن إلى نسبة من نسب كيد الشيطان، والشيطان بكيده يستطيع ان يجند مئات من النساء المنحرفات، فلو كان كيدهن أعظم لما استطاع أن يتغلب عليهن.

فالصحيح أن الشيطان له كيد وهو في ذاته كيد كبير ولكن عندما يحتمي الإنسان بقوة الله عز وجل يصبح الشيطان ضعيفاً، كما جاء في قوله تعالى: ((وقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً))، ولذلك ينبغي للإنسان دائماً ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فقد قال الله عز وجل: (( إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )).

معنى كلمة استعاذ: أي أنه جعل ذلك الطرف معاذاً وملجأً وكهفاً، فعندما يقول الإنسان أعوذ بالله فهذا يعني انه يجعل الله ملجأً يلتجئ إليه وكهفاً يحتمي به فحينئذ لا يمكن للشيطان وغير الشيطان أن يقصده بسوء كما قال تعالى: ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه عن الله بالغ أمره)).

هناك بعض الروايات تقول ان الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في العروق، فهذا تشبيه ومن المؤكد أنه لا يوجد شيطان داخل العروق وإنما جاء التشبيه لجهة خفاء مساراته فكما ان الدم يجري في عروق الإنسان بشكل لا يشعر به ويقوم بوظائفه فإن للشيطان خفاء في مساراته في النفس الإنسانية، فهو يزين للإنسان فعل المنكرات ويسول ويملي له، ولو اتبع الإنسان خطوة واحدة من خطوات الشيطان فإنه سوف يتبع الاخرى والتي تليها وهكذا حتى يستحوذ عليه الشيطان كما قال أحدهم: ( وكنت امرئ من جند ابليس فاغتدى بي الحال حتى صار ابليس من جندي )، فإذا استحوذ عليه الشيطان فسينسيه ذكر الله ويعيش في هذه الحياة ليس له حساب لله عز وجل وينسى أن هناك شيئاً مقدساً وذاتاً ناظرة وحاضرة ويصبح حينها من حزب الشيطان كما جاء الله في كتابه الكريم: (( فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون )).

وقد يصل الإنسان إلى ارتكاب اعظم الجرائم ويكون تحريكه سهلاً من قبل الشيطان فيصبح عبداً للمال والشهوة وكل شيء عدا الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمر جعل الإمام الحسين عليه السلام يخاطب القوم الذين جاؤوا لقتله ويعبر عنهم بنفثة الشيطان أي بصقة الشيطان، وقد خاطبهم بهذا النداء بعدما وعظ فيهم ما وعظ بدرجة لو كانت الجبال لتحركت من مواعظه، فمن كتب الله له النجاة تحرك إلى جنب الحسين كالحر الرياحي ونظرائه ولكن الجمع الباقي خطب فيهم الإمام الحسين خطبته: ( سحقاً لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الاحزاب ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ).

نسال الله العظيم أن يعيذنا من الشيطان الرجيم وأن يعيننا على معرفة خطواته ومحاربتها ومواجهتها إنه على كل شيء قدير.

 

 

 

مرات العرض: 3393
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2567) حجم الملف: 55889.52 KB
تشغيل:

بيوت الناس والأدب الاجتماعي
المنبر الحسيني مساحة الدور والامكانات 1