5 من تاريخ التشيع في مصر
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/1/1439 هـ
تعريف:

تاريخ التشيع في مصر


تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال
حديثنا بإذن الله تعالى، يتناول في هذه الليلة، شيئا من تاريخ التشيع في بلاد مصر، الغرض كما ألمعنا إليه مرارا، هو توجيه رسالة للمسلمين، أن التشيع لأهل البيت (ع)، ليس حالة طارئة في العصر الحديث، ولا أنه منبعث من منطقة محددة، من الجغرافيا، وإنما هذا الفهم للإسلام، وهذا المنهج في تطبيقه، كان منذ البدايات، وعلى مستوى كل المسلمين، في فترات مختلفة من التاريخ، فأنت تجده، في آسيا، وتجده في أفريقيا وتجده عند العرب، وتجده عند غير العرب، وهذا ينبغي أن ينتهي إلى قبول التعايش بين المسلمين، وأن لا يفكر فريق أو مذهب في إلغاء مذهب آخر، أو مصادرته، وإنما ينبغي أن يفكر الجميع، في وضع أساليب وقوانين، تضمن التعايش والتسالم، لهذا تعرضنا في سنوات ماضية، إلى بيان تاريخ المسلمين، في الهند، في أذربايجان، في أفغانستان، في إيران، في العراق، في لبنان، في الجزيرة العربية، وهذا الانتشار على المستوى الجغرافي، يشير إلى هذا المعنى.
نتحدث هذه الليلة أيضا حول هذه المنطقة، ووجود التشيع فيها، ضمن ذات الإطار. بطبيعة الحال، لا يمكن بإنسان مهما أوتي من البيان أن يختصر أربعة عشر قرنا، فترة وجيزة من الزمان وأن يلم بكل شيء، لذلك ينبغي الاقتصار على أهم المراحل وأهم الأحداث. ومن أراد التفصيل فيمكن له أن يرجع إلى الكتب الموسعة في هذا الجانب، والبحوث المعدة والمخصصة لهذا الشيء.
التشيع بما هو ميل لأهل البيت (ع)، في المرحلة الأولى، ثم طاعتهم واعتبارهم أئمة وقادة منصوبين من قبل الله عز وجل، في المرحلة الثانية، عرف من بدايات الإسلام. بالنسبة إلى بلاد مصر، بع الباحثين يذكر أن دخول التشيع إلى مصر، كان من ضمن دخول المسلمين عندما فتحوا بلاد مصر، في سنة، إحدى وعشرين، للهجرة، وكانت قبل ذلك تحت حكم الرومان، فافتتحت في سنة إحدى وعشرين، أيام الخليفة الثاني، وكان ضمن ذلك الجيش الذي ذهب لفتحها، عدد من الصحابة ممن عرف بالولاء العام لأهل البيت، أمثال المقداد، بن الأسود الكندي، وأبي ذر الغفاري، وأبي أيوب الأنصاري، وأمثالهم، عمار بن ياسر فيما بعد، كما ذكر ذلك المرجع الديني الشيخ السبحاني، في بعض بحوثه.
فتعرف الناس، بطبيعة الحال، عندما يتحدث أبو ذر، أو يتحدث عمار، أو يتحدث المقداد، فإنه سيعرض الإسلام ضمن ثقافته هو، وهو لا شك من أولياء أهل البيت (ع). زاد هذا الأمر، وتوغل بحيث يرى بعض الباحثين أن دور المصريين في النهضة والثورة على الخليفة الثالث، كان بالإضافة إلى جوانب الحيادية، قضايا العطاء، واستئثار بعض الأمويين والمقربين، يرى أن هناك في هؤلاء، كان يوجد عدد غير قليل، ممن يرون أولوية أمير المؤمنين (ع)، وأفضليته على من سواه، حتى إذا صارت خلافة أمير المؤمنين الظاهرية، بايعت بلاد مصر، بكاملها، إلا قرية واحدة اسمها، خربتة، بايعت أمير المؤمنين، والإمام أرسل إليهم قيس بن سعد بن عبادة، الأنصاري، والده سعد بن عبادة، أحد زعماء الأنصار، وهو قيس أحد الفدائيين لعلي بن أبي طالب، والمخلصين في ولائه، فأرسله واليا على مصر، واستطاع أن يأخذ ولاءها وبيعتها، بأمير المؤمنين (ع).
صارت حرب الجمل وصفين، فاستدعى أمير المؤمنين قيس بن سعد، لما له من دور مهم، وعسكري، وأيضا من مكانه وموقعيته بين قومه من الأنصار، فاستدعاه كي يكون معه محمد بن أبي بكر، محمد بن أبي بكر، تربية علي بن أبي طالب، وذلك لأنه توفي عنه أبوه، الخليفة الأول، وعمره سنتان فيما قيل، تزوج أمير المؤمنين (ع) أمه أسماء بنت عميس، أم محمد بن أبي بكر، وزوجة أبي، تزوجها الإمام علي (ع)، واعتنى الإمام بمحمد، عناية خاصة، حتى أثر عنه قوله، "محمد ابني من صلب أبي بكر"، يعني نسبا هو ينتمي إلى والده، ولكن تربية وتهيئة ونفسية، هو تربيتي.
فأرسله إلى مصر، في مصر، الأمويون اشتغلوا عليها. أرسل معاوية عمرو بن العاص، ومعاوية بن حديج وزودهم بجيش، ورشا بعض القرى، وصارت ما يشبه الانتفاضة والمواجهة، بين مناصرين محمد بن أبي بكر، اللي هو الوالي من قبل المسلمين، وبين الفئة المتمردة، التي كان على رأسها عمرو بن العاص ومعاوية بن حديج. انتهى الأمر إلى أن هزم أصحاب محمد بن أبي بكر، وأخذ محمد بن أبي بكر، ووضع في جلد حمار، وأحرق. في أول حادثة في تاريخ المسلمين تحصل بهذه الطريقة، أن تحرق جثة إنسان مسلم في جوف جمار، في جلد حمار، حتى قيل أن بعض أخوات محمد بن أبي بكر، قيل أنها: أسماء، وقيل أنها: غيرها، لم تذق بعد ذلك شواء أبدا. لأنه كلما رأت شواء تتذكر جنازة أخيها التي شويت بالنار. وشوفنا الزمان أيضا جماعة يشوون المسلمين ويعذبونهم بهذه الطريقة. وهذا مع الأسف يحدث باسم الإسلام.
على أي حال، أمير المؤمنين، بعد خمس سنوات، استشهد، وأصبحت مصر خالصة ضمن إطار الدولة الأموية، لم يحدث فيها شيء استثنائي في تلك الفترة، من كان يعتقد بولاية أمير المؤمنين، ويؤمن به، كان يخفي ذلك، باعتبار أن الدولة هي دولة بني أمية، وكما كان الناس في العراق يصنعون هذا الأمر، بطبيعة الحال، فإن من كان يوالي عليا في مصر، كان يمارس نفس هذه الحالة من التخفي والتستر، إلى أن وصلنا إلى زمان العباسيين.
زمان العباسيين، فيه فترتان على طرفي نقيض، الفترة الأولى: إلى ما قبل زمان المتوكل العباسي، يعني من زمان السفاح والمنصور والرشيد، وهالأسماء هذي، إلى ما قبل زمان المتوكل، هذه الفترة، كان العلويين، والهاشميون وأولياء اهل البيت (ع)، يجدون في مصر مكانا آمنا وبعيدا عن المطاردة، فد مكان بعيد عن بغداد، بعيد عن نظر السلطة الحاكمة، فكانوا يذهبون إلى تلك الأماكن، ويجدون فيها حريتهم وراحتهم، ولذلك لجأ إليها عدد غير قليل من العلويين والهاشميين ومن شيعة أهل البيت (ع)، ولا سيما وأن تلك المنطقة أيضا، نجد فيها بعض الأماكن التي ترمز إلى الموضوع الشيعي، مثال على ذلك: مسجد رأس الحسين (ع)، أو مشهد رأس الحسين، فإنه في ذلك الوقت، شيد مكان بعنوان: مشهد الحسين، وإلى الآن لا يزال موجودا، ويرى البعض المؤرخين أن رأس الحسين (ع)، قد حمل من دمشق إلى مصر، ودفن هناك، وبالتالي صار هذا المكان مكان، يقصد. وأيضا مشهد السيدة زينب كذلك. وقبر مالك الأشتر الذي أرسله الإمام (ع)، على إثر محمد بن أبي بكر، فسم في الطريق قبل وصوله إلى مصر. بس بشكل عام، هالفترة كانت فترة هادئة ومحل استقطاب بل كانت ملجأ للعلوين. ولذلك رأينا مثلا أن السيدة نفيسة، بنت الحسن بن زيد بن الحسن، حفيدة الإمام الحسن المجتبى (ع)، معروفة في مصر، وقبرها الآن، تعرف بالست نفيسة، هذي من أحفاد الإمام الحسن، وهي عالمة كبيرة، وعابدة أيضا من العابدات، هي زوجة ابن الإمام الصادق، إسحاق، ابن الإمام الصادق، زوجها وقد ذهب معها إلى مصر في وقت مبكر، توفيت هي في سنة 208 هجرية، وهنا في مصر، أصبحت محلا لالتقاء اهل الفضل، ومن يريد الرواية، ومن يريد النقاش في الأمور العلمية، مع أنها امرأة من أهل البيت (ع)، ويذكرون في حياة محمد بن إدريس، إمام المذهب الشافعي، هذا معروف، ومذكور عنه كثيرا أنه كان يزور السيدة نفيسة أيام حياتها، ويناقشها، ويروي عنها، ويتحدثان في أمور العلم والمعرفة، ينقل عنها أحاديث عن آبائها، عن رسول الله (ص).
لما توفيت أراد زوجها، أن ينقل جنازتها، من مصر، على المدينة مثلا، فأصر عليه المصريون في ذلك الوقت أن يبقيها هناك، التماسا لبركتها من بركة جدها رسول الله محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد. ونقل أن إسحاق زوجها، رأى رسول الله (ص) في عالم الرؤيا وهو يوصيه بأن يبقيها في هذا المكان لتكون بركتها على هؤلاء، ولا ريب أن وجود قبر هذه السيدة الجليلة له أثر في تقريب الناس إلى ولاء اهل البيت، سلام الله عليهم. هاي الفترة الأولى إلى زمان المتوكل العباسي.
لما إجا المتوكل العباسي، هذا سبحان الله مو بس شره كان في العراق، وأنه هدم قبر الحسين ثلاث مرات، ثلاث مرات، المتوكل العباسي، في فترة حكومته هدم قبر الحسين ثلاث مرات، كربه وهدمه، بل أكثر من هذا، طارد وجود العلويين وشيعة أهل البيت (ع)، حتى في بلاد مصر، ولذلك يذكرون في تاريخه أنه أرسل إلى الوالي مجموعة دساتير عجيبة في توجيهاتها، ولو أنها منقولة في أكثر من مكان، ومن غير مصادر الإمامية، لكان الإنسان يتردد في قبولها للتعجب منها. مثلا، من قوانينه التي ترتبط بالعلويين الهاشميين، على وجه الخصوص، لأنه يرى أن هؤلاء العادة أنهم يكونون علماء، وعندهم حديث عن آبائهم، ووجودهم يذكر برسول الله، وعلي وأبنائهم، وأبناء علي، فلا بد من مضايقتهم. فأصدر مجموعة قوانين، واحد من هالقوانين: أنه لو ادعى شخص من عامة الناس على رجل هاشمي دعوى، قبل قوله من دون بينة وبرهان! واحد إجى وقال هذا السيد فلان أنا أطالبه بعشرة آلاف درهم، ما يحتاج يجيب بينة، ما يحتاج يجيب دليل، خلاص، يقبل قوله، يقبل قول مو السيد، يقبل قول ذاك الرجل عليه. طيب. فوقعوا في مأزق وشدة.
مثلا: لا يسمح لهم بقبالة أرض، يعني هاي إحياء الأرض، السيد يجي يطلب منك أنه مثلا أنا أريد أرضك احييها، وفي مقابل كذا من المال، ما يقبل. لا تعطي أرضا زراعية، لرجل هاشمي، ممنوع. أضف إلى ذلك، أنه لم يكن يحق لهم أن يأخذوا أكثر من عبد واحد، بس عبد واحد، يابا أنا أحتاج أكثر من هؤلاء، لا، ما إلك حق إلا أن تأخذ عبدا واحدا، ولم يكن يسمح لهم أن يخرجوا من الفسطاط، قبل القاهرة، وما شابه. فأنت تتعجب من هذا الرجل، اللي هو عباسي، يعني من بني عمومتهم ويفترض أنه: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، هالسا ما تسوي مودة، لماذا تقرر هذه القوانين؟ وبقيت إلى زمان المستنصر العباسي، وإلى زمان المستعين العباسي، جارية وسارية في مصر. طيب. فمرت الأسرة الهاشمية والعلوية ومن يحيط بهم، في مصر، بفترات من التعب والعنت والنكد بناء على مثل هذه الأمور، لكن مع ذلك، لم يمنع هذا من وجود توجه ولاء لأهل البيت (ع)، وإن كانت هناك مضايقات، ومشاكل، حتى ينقل بعض المؤرخين شيئا لا يخلو من الطرافة، ويبين مقدار العقلية التي كانت سائدة.
يقول: حوالي في سنة 350 هجرية، حدثت مشاكل في مصر، ليش؟ لأن جماعة من أولياء الحاكم الوالي السلطان، كانوا جالسين، يجلسون يوم الجمعة، على باب الجامع الأكبر، الجامع الرئيسي، ويقررون الناس، قول: معاوية خال علي بن أبي طالب، ليش خاله؟ لأن معاوية أخته أم حبيبة، أم حبيبة زوجة النبي، أم المؤمنين، طيب. فإذا أم المؤمنين أخته، يعني هو يصير شنو؟ خال المؤمنين، فهذا خال علي بن أبي طالب. وحقه عليه حسب التعبير.
فإذا واحد أجابه أنه نعم، هذا خال علي بن أبي طالب، هذا كرته يمشي، وإذا تردد أو خالف يأذوه. زين. ليش ما تقول محد بن أبي بكر أيضا خال باقي الناس، لأن محمد بن أبي بكر أخ عائشة، زوجة النبي (ص)، فلماذا هذا ما يصير خال، وذاك يصير خال، فهي حالة من المناكفة والتصيد كان. هذه الفترة كانت فترة سيئة، زمان العباسيين كان هكذا، زمان الطولونيين والإخشيديين أيضا ساروا على نفس المنوال، ولا نفصل فيه. المرحلة المهمة التي حدثت بعد هذا، هي زمان الدولة الفاطمية.
الدولة الفاطمية، بدأت في المغرب، المغرب العربي، في سنة 298 هجرية، قبل سنة 300 بسنتين، فكانت سيطرت على بلاد المغرب العربي. بعد حوالي 60 سنة، استطاعت أن تسيطر على مصر، وقوتها ووجودها المؤثر، في العالم الإسلامي، كان بعدما أن استطاعت أن تسيطر على مصر.
أخذوا القاهرة، جا جوهر الصقلي، القائد العسكري للفاطميين، في سنة 358 دخل القاهرة، الفاطميون، هم شيعة بالمعنى الأعم بلا ريب، يعني ولاءهم لعلي بن أبي طالب وللحسن وللحسين، وبعض المعصومين هذا بلا كلام. لكن هل هم إسماعيليون، كما عليه كثير من المؤرخين، أم أنهم أو بعضهم، كانوا إماميين، كما ذهب إليه بعض العلماء، ومنهم الشيخ محمد حسين المظفر في بعض كتبه، يقول: هناك قرائن تشير على أن هؤلاء قسم منهم لا أقل، قسم من ولاتهم، كانوا إماميين، اثني عشريين.
على أي تقدير، هذولا، لما سيطروا على مصر، صاروا على خط الصراع مع الدولة العباسية، الدولة العباسية كانت باقية بقاء اسمي، يعني الخليفة في بغداد، كان مكتفي بأن يدعى له ويهتف باسمه على المنابر، حتى لو كانت بقية البلدان خارجة عن سيطرته.
هذولا لما إجوا، أخذوا مصر، وقالوا احنا دولة، واحنا أبناء فاطمة، طبعا العباسيون، بدأوا يجندون، من يقولون: لا، هذولا ما عندهم انتساب إلى أهل البيت، ولا لفاطمة الزهراء، وأن هؤلاء أبناء فلان وغير ذلك، وأكو كلام كثير أيها الأحباب، في التاريخ الرسمي، شديد جدا، ضد الفاطميين، وكثير منه لا يمكن أن يكون معتبرا، أو صحيحا، لأن الذي كتبه في تلك الفترة، قيل أنه مصنف على أعداء الفاطميين، حتى أنهم قالوا أن الشريف الرضي والشريف المرتضى، سبوا هذولا الفاطميين وتحشوا عليهم وإلى آخره، مع أن الشريف الرضي عنده الشعر مشهور، وفي قضية، قال:
ما مقامي على الهوان
وعندي مقول صارم وأنف حمي
أحمل الضيم في بلاد الأعادي، يعني أنا في بلاد، في دولة معادية
أحمل الضيم في بلاد الأعادي
وبمصر الخليفة الفاطمي
من أبوه أبي وجده جدي، هذولا أقاربنا، هذولا جماعتنا، أبوه أبوي، جده جدي،
إذا سامني الغريب القصي، طيب
مع ذلك، طلعوا أن هذا لا، وقع على أن هذولا، لا، ما مربوطين بفاطمة، وما مربوطين بأهل البيت، فكان هناك حملة إلى الآن لا تزال موجودة، رح يتبين ليش فيما بعد.
مع مجيء الفاطميين، ازدهر أمر التشيع بالمعنى العام، في مصر. لأنه حقيقة الفاطميين، قاموا بأعمال قسم منها لا نظير لها، أول ما إجوا، خلال أربع سنوات، بنوا أكبر وأعظم جامع، وجامعة في تاريخ الإسلام، وهو الجامع الأزهر، إلى الآن، هذا بناء الفاطميين، الجامع الأزهر بني على يد الفاطميين، بعد أربع سنوات، من دخولهم إلى مصر. في المقابل، لما إجى صلاح الدين الأيوبي، كما سيأتي بعد قليل، لما إجا صلاح الدين الأيوبي، وبقية الأيبوبيين، أغلقوا الجامع الأزهر، عن الصلاة والدراسة، والبحث، طيلة حكمهم 80 سنة، واستمر الإغلاق 20 سنة فوقها. يعني 100 سنة أغلق الجامع الأزهر، 80 منها كان في زمان الأيوبيين.
ذاك أول ما يجي يفتتح جامع، وجامعة، ضخمة وكبيرة، يدرس فيها كل شيء، طيب، وهذا لما يجي أول ما يصنع، أول قرار، يغلق هذه الجامعة، طيب. هذا يبين الجو المشحون اللي كتبت فيه كتب التاريخ ضد هؤلاء.
فإجوا أولا، طبعا لما يفتتحون جامع وجامعة، ويتاح التدريس فيها، وتأتي أخبار أهل البيت، وفضائل أهل البيت، وفقه أهل البيت، وبعض العلماء الكبار، عندنا، مثل النعمان، القاضي النعمان المصري، معروف هذا عندنا، وهو من علماء الإمامية، وله كتاب إلى الآن موجود، اسمه كتاب دعائم الإسلام، لما تروح تشوفه، تجده تقريبا نسخة عن كتب الإمامية، لا يختلف في الأحكام شيئا، هذا كان هو يدرس القاضي النعمان، وكان هذا الكتاب بمثابة دستور فقهي وديني، يتقاضى به ويحتكم إليه، هذا واحد.
والأمر الثاني: ما يرتبط بالشعائر، شعارات المذهب أشاعها الفاطميون، بشكل واسع، لم يصادروا بقية المذاهب، ها، لم يلغوا أحدا، ولكن تبنوا مذهب أهل البيت، هذا ما فيه مانع، وهذا يصير في كل مكان، أنا مقتنع بهذا المذهب الفلاني، أنت مقتنع بغيره، سو اللي يعجبك، ولكن أنا مقتنع بهذا، أنشر مذهبي، طيب. فانتشرت مظاهر وشعائر أهل البيت، الأذان بصورته المعهودة عند شيعة أهل البيت، خصوصا في: حي على خير العمل، لأنه وإن كان مثل قضية: أشهد أن عليا ولي الله، ليست جزءا واجبا من الأذان كما هو مشهور الإمامية. لكن: حي على خير العمل، هي جزء واجب منها. فكانت قد أشيعت مراسم عاشوراء، ويوم الغدير، أيضا انتشرت.
أول تاريخ احنا نصادف فيه، عنوان الحسينية، كان في زمان الفاطميين، أول وقت رأينا عنوان الحسينية، كان، الآن تقول حسينية الإمام الجواد، حسينية النبي الأعظم، حسينية كذا، أول وقت عرِّف شيء باسم حسينية، كان في زمان الفاطمية، يذكر صاحب مختصر تاريخ العرب، سيد أمير علي، أقرأ إلك النص ماله، وهو نص لا بأس به، يقول: "وقد كان من أفخم عمارة القاهرة"، أفخم المباني في القاهرة، "في عهد الفاطميين الحسينية، وهي: بناء فسيح الأرجاء، تقام فيه ذكرى مقتل الحسين في موقعة عاشوراء"، في موقعة كربلاء، "وأمعن الفاطميون في إحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة، حتى أصبحت جزءا من حياة الناس". أصبحت قضية كربلاء، قضية الغدير، مناسبات النصف من شعبان، هاي المناسبات اللي معروفة الآن في المجتمعات الشيعية، تجدها في زمان الفاطميين، كانت جزءا من حياة الناس، عنوان الحسينية، بعنوان مكان معين لهذا الغرض، من ذاك الوقت احنا شفناه. أنا شخصيا لم أر هذا العنوان قبل الفاطميين، لعل أحد إذا رآه يخبرني، لكن أنا لم أر ذلك قبل زمان الفاطميين.
إضافة إلى ذلك، حرصوا على نشر فقه وفكر أهل البيت (ع)، وأقبل الناس بشكل كبير ومتعطش، لكي يروا أن هذا المذهب المغيب، طوال هذه السنين، أين كان؟! أين حياة علي، أين حياة الحسين، وأين حياة الحسن، وأين حياة المعصومين، وأين فقههم، وأين فكرهم. كل المذاهب موجودة، لما لا نسمع عن فقه جعفر بن محمد، وفقه علي بن موسى الرضا، وفقه الإمام الباقر، فأقبلوا عليه إقبالا عظيما.
استمر هذا الأمر بتوسعه، 200 سنة، هي فترة بقاء الفاطميين في مصر، مئتا سنة، شادوا فيها الأشياء، إذا الواحد يروح يطالع قسم من الآثار المصرية، يجد أن الآثار التابعة للمرحلة الفاطمية تتجاوز سائر الآثار الإسلامية، استثني الآثار الفرعونية، وما يرتبط بها. الآثار الإسلامية الباقية من أبنية ومن أمور من هذا القبيل، هي راجعة إلى، من فنون معمارية، من أسماء حتى، طيب، هي راجعة إلى المرحلة الفاطمية والزمان الفاطمي، 200 سنة استغرق، ثم بعد ذلك، جاءت العاصفة الأيوبية.
الفاطميون ما كان عندهم مشكلة في أن يتعاملوا مع سائر المذاهب، ولذلك بعض وزرائهم الكبار، لم يكونوا على مذهبهم، مثل وزير العاضد، العاضد، آخر خليفة فاطمي، استوزر شخصا اسمه شيركوه، شيركوه ترجمتها في العربية يصير أسد الجبل، طيب، وأصله كردي، من الأكراد، ولم يكن إماميا، ولا إسماعيليا، وإنما كان شافعي المذهب، صار الوزير الأكبر، العاضد هم تمرض، هذا الشيركوه، شوي شوي، بدأ يقرب صلاح الدين الأيوبي، لوجود صلات بينهم، الأيوبيون أيضا أكراد، أصولهم كردية، طيب، على ما هو الصحيح، وإن كان أكو بعض الدراسات المتأخرة، التي تحاول أن تثبت أنهم عرب، وهذا عربي أو كردي، ما مهم، ولكن هذي الحقيقة تاريخية، لا إذا صار عربي، راح يدخل الجنة، لعروبته، وإذا صار كردي، راح يدخل النار، لكرديته، الإنسان على عمله، طيب. فقرب شيركوه هذا صلاح الدين، وبدأ يعطيه المسؤوليات، توفي شيركوه فقبض صلاح الدين على منصبه، العاضد الفاطمي الآن مريض، فقام صلاح الدين بعزله عن الناس وعزل الناس عنه، طبعا هاي الكلمات وأمثالها هي مخالفة للاتجاه الرسمي، الموجود في كتب التاريخ، وإذا واحد أراد أن يشوف الرؤية الأخرى غير الرسمية، خل يرجع إلى كتابات المرحوم الباحث التاريخي المحقق السيد حسن الأمين، ابن السيد محسن الأمين، المرجع والمجتهد الأكبر، ابنه السيد حسن الأمين، باحث في التاريخ ومحقق ومدقق كتب عددا من المقالات حول صلاح الدين والأدوار التي تعطى إله ضمن الاتجاه الرسمي، خلق ضجة فيها، لكن محد قدر يجاوب على هذه الدراسات، المهم فيما يرتبط بموضوع الفاطميين، صلاح الدين إجا عزل هذا العاضد، في أثناء حياته، رجل مريض أيضا وكبير في السن، العاضد الفاطمي خلاه على جنبه، عزله: يعني لا أحد يدخل عليه ولا ذاك يقدر يصدر أمر، بالإضافة إلى مرضه، واستلم هو الأمر، وبدأ على الفور، حتى في زمان العاضد، بكنس كل ما يرتبط بالتشيع لأهل البيت.
أول شيء: بدأ بالأذان: حي على خير العمل، شاله. الخطبة التي كان يذكر فيها أسماء المعصومين (ع)، من نبينا المصطفى محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد، إلى فاطمة الزهراء، وأمير المؤمنين، والأئمة المعصومين (ع)، رفعت واستبدل بها أسماء أخر. هذا في الظاهر الخارجية.
أغلق الجامع الأزهر وجامعته بشكل كامل، خلاص، محد يروح فيه، لا أحد يدرس، ولا أحد يدرِّس، كان يضج بمئات الطلبة والعلماء، ويدرسون مختلف الدروس، وإذا به يصبح قاعا صفصفا، لا أحد يدخله، ولا أحد ينتفع بيه، وقلت استمر هذا قرن من الزمان.
أضف إلى ذلك، فيما يرتبط بالشعائر المشيرة إلى المذهب، عكسها عكسا كاملت بحيث يتعجب الإنسان منه، يعني أحيانا أنت شعائر مذهب تريد تشيلها، مرة توصل لذات الشخص، الآن لنفترض، أنت تريد تمنع مأتم، مرة لا، فوق هذا، تسوي المأتم حفلة وفرح. هذا أنت مو قضية المذهب عندك، عندك مشكلة ويا ذات الشخص، وي الحسين نفسه، طيب. فمنع أي نوع من أنواع الاحتفاء وإقامة العزاء على الإمام الحسين (ع)، بل اتخذه ومن بعده، اتخذوا يوم عاشوراء يوم عيد وفرح وتبسط.
أنقل ما ذكره المقريزي، في الخطب. المقريزي ليس من الشيعة، بل في بعض الأحيان هو قاس على شيعة أهل البيت، فما متهم في نقله. يقول المقريزي في كتابه الخطب، معروف بالخطب المقريزية، قال: فلما زالت الدولة، الدولة الفاطمية، اتخذ الملوك من بني أيوب، يوم عاشوراء يوم سرور، يوسعون فيه على عيالهم، ويتبسطون فيه في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، إلى الآن طبعا، أكو حلوى عاشوراء في مصر، اسألوا المصريين، أكو حلوى خاصة، اسمها: حلوى عاشوراء، إذا تروح في النت، أوصافها موجودة، وهاي من ذاك الزمان، والغرض منها إظهار الفرح أن هذا من الأيام المفرحة والتي ينبغي إظهار السرور فيها وأكل الحلويات، طيب. ويصنعون الحلاوات، ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون ويدخلون الحمام، جريا على عادة أهل الشام، التي سنها لهم الحجاج في عهد عبد الملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، الذين اتخذوا يوم عاشوراء، يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي.
هذي مو سالفة اللي يقولوا لأن اليهود وموسى انتصار، لا، إرغاما للشيعة الذين يحزنون على الحسين، بدل ما أنتوا تحزنوا احنا بنفرح، بدل ما انتوا تبكوا احنا نطبل. طيب. "لأنه قتل فيه"، يقول هو نفسه: "وقد أدركنا بقايا مما عمله، بنو أيوب من اتخاذ يوم عاشوراء، يوم سرور وتبسط"، يعني إلى زماني أنا المقريزي، هاي الأشياء كانت موجودة، لا، مو إلى زمانك، إلى أيامنا هذه أيضا، لا تزال بعض الآثار.
فتصور، وشوف، أن سنة سيئة سنها حاكم من الحكام، وهذا محل تساؤل وتعجب، من أهل الولاء في مصر، المصريون، بطبيعتهم، محبون لأهل البيت، عندهم المراقد، أساسا أكثر الناس، عامة الناس شافعية، والشافعية لديهم محبة خاصة لأهل البيت، نابعة من محبة إمام الشافعية، لكن يجي واحد، عنصر سياسي، والي يسوي فد سنة، أنه لا، أنتوا فد يوم، في قتل الحسين (ع)، لازم تفرحوا، هذا عيد رسمي، تلبس فيه الزينة، وتصنع فيه الحلوات، وما شابه ذلك، والأطفال يتربوا على أساس أنه ينتظروا هاليوم، اللي يحصلوا فيه هدايا ويلبسون فيه ملابس جديدة، ويكيفيون فيه، شلون الآن انتظار العيد عند الأولاد، ينتظر العيدية، وينتظر الثياب الجميلة، وينتظر الفرحة والزينة، صار يوم عاشوراء هكذا، بفعل سلاطين بني أيوب، وكان أولهم صلاح الدين. طيب.
فمن العجيب، هذا عجيب، وأعجب منه أن تستمر هذه السنة، مع تنور الناس، ومع اطلاعهم على الثقافة، ومع كون أرضية هذا البلد، وأرضية هذا الشعب، أرضية عندها ولاء ومحبة، لأهل البيت (ع)، يحتاج أن يكون هناك توعية، بأن ما تصنعونه يدمي، قلب رسول الله (ص). أنت تفرح في يوم، حزن فيه رسول الله، أنت تفرح في يوم حزنت فيه فاطمة الزهراء، أنت تحتفل بعيد هو عند أهل البيت، مصيبة، طيب.
انقضت هذه الفترة، ولا يدوم إلا ملك الله عز وجل، ويا ليت هؤلاء يتفكرون ويتأملون، لا يدوم شيء، إلا وجه الله عز وجل، انتهى بنو أيوب، وأصبحوا تاريخا، للأسف تاريخ سيء، التاريخ الحقيقي فيما يرتبط بهذه الأمور، تاريخ سيء، وطوي غيرهم، إجا وراهم المماليك، إجا وراهم العثمانيون، ولا نستطيع الحديث تفصيلا عن هذا.
الفترة الأخيرة، نحن أمام بشائر حسنة، يعني مع نهايات العهد الملكي، وبدايات الحالة الجمهورية في مصر، وجد علماء ومفكرون يقدمون أمر الوحدة الإسلامية، ويعتنون بأمر التفاهم والتواصل بين المسلمين، أمثال: الشيخ سليم البشري، الشيخ محمود شلتوت، ومن كان يدور في هذا الإطار، وهذا أتاح لشيعة أهل البيت، وفي طليعتهم مرجع عصره: الإمام البروجردي، رضوان الله تعالى عليه، هذا المرجع العملاق في توجهاته، توجه إلى بلاد مصر، وعقد صلات، وأوصل فقه الشيعة إلى هناك، وبين لهم العقائد، حتى صار أحد كتب الإمامية، وهو كتاب المختصر النافع، يدرس في جامعة الأزهر، كنموذج من نماذج الفقه الإسلامي، للمذهب الجعفري، وأصبح الحديث عن شيعة أهل البيت وعن عقائدهم أمرا طبيعيا وتشكلت لجان لتجسير الفواصل بين المذهبين. وكنا نأمل أن يكون هذا في تصاعد واستمرار. مو لأجل أن أهل ذاك البلد يصيرون شيعة لأهل البيت – أيها الأحباب – لازم احنا ننتبه، أنا ما يهمني زايد أنه أنت تصير شيعي أو لا، هذا اختيارك وهذا إلك، إذا رأيت أن هذا منهجا يؤدي إلى الجنة، الله يوفقك إله، وتذهب إلى الجنة. إذا ما شفته كذلك، أنت المحاسب وأنا لست محاسبا، لكن يهمني جدا أن تفهمني فلا تكفرني، وأنا مسلم.
لا تقول أنت تعبد الأئمة، وتشرك بالله، وتؤمن بقرآن محرف، وما شابه ذلك، أنا لست كذلك، افهمني وافهم ما أقول، وافهم برهاني، طيب. عندما نقول نحن نحتاج إلى أن ينتشر هذا الفكر هنا وهناك، الغرض منه التعريف من مصادره والبيان من أهله.
في هذه الفترة، أيضا صار بحمد الله، تلك الفترة التي تحدثنا عنها في بدايات العصر الحديث، وإن كان مع الأسف حصلت انتكاسة، ما كنا نتوقعها أبدا، عندما حصل قبل عدة سنوات، جماعة ممن يعتقدون بفقه أهل البيت، رايحين يحتفلون بليلة النصف، وهي ليلة مباركة، حتى عند غير الشيعة، ليلة النصف من الليالي المباركة عند غير الشيعة أيضا، غاية الأمر، شيعة أهل البيت يقولون: قرنت إلى فضلها فضلا وهي ولادة قائم آل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. فإذا مجموعة من المتعصبين الطائفيين يهاجمون ذلك المكان ويضرمون النار، ويقتلون ووو، سبحان الله، إنسان يحتفل بإمامه، هذا أقصى شيء، أنا ما أقبل إمامك، أنت تقبله، أنت احتفل فيه، أما تجي تعاقبني لأننني أحتفل بميلاد إمامي! وأذكره وأثني عليه، ويصل الأمر إلى ما وصل إليه، هذي انتكاسة حقيقة! في غاية السوء.

 

مرات العرض: 3392
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2564) حجم الملف: 57718 KB
تشغيل:

4 المرجعية الدينية الشيعية مقاييس واختيار
13 النفس المطمئنة الامام الحسين عليه السلام