12- من معالم المذهب الحنبلي وآرائه.
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/9/1438 هـ
تعريف:

من معالم المذهب الحنبلي وآرائه


تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال

روي عن مولانا زين العابدين سلام الله عليه، أنه قال: "أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا الحلم، والعلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار ومنا الصديق وما الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة، ومنا مهديها
في سياق حديثنا عن تاريخ المذاهب في الإسلام، بلغ بنا الحديث إلى الكلام عن شخصية إمام المذهب الحنبلي، أحمد بن محمد بن حنبل، الشيباني، وقد مر الكلام حول شيء من شخصيته وتاريخه، في ليلة مضت، وبينا جانبا من معاناته فيما سمي بفتنة خلق القرآن، وأشرنا إلى الدرس المستفاد منها، في تخطئة تدخل ذوي السلطان لقسر الناس على أفكارهم العقائدية أو مختاراتهم الفقهية، وأيضا تعرضنا إلى جانب مما روي عن أحمد بن حنبل، في شأن أمير المؤمنين علي (ع)، وبينا أن الكلمات التي قالها أحمد، قد تفوق ما قاله أئمة باقي المذاهب الأربعة، ونعتقد أنه لو بقي المذهب الحنبلي، ضمن الأسس الأولى التي وضعها وانتهجها أحمد بن حنبل، لكانت مواقف أتباع المذهب الحنبلي، بناء على هذه الأسس، وبناء على هذه الأحاديث، لكانت أكثر طراوة وإقبالا على أمير المؤمنين (ع) على وجه الخصوص، وعلى أهل البيت عموما، ولكن حدثت تطورات ومراحل مختلفة مرت على هذا المذهب، غيرت في بعض اتجاهاته، قد نتعرض إليها في أثناء الحديث.
سوف نمر مرورا على موضوع الانتشار لهذا المذهب. الباحثون ومنهم من يعتنق المذهب الحنبلي، كأنهم يسلمون بفكرة أن انتشار المذهب الحنبلي، في الرقعة الإسلامية، انتشار أضعف بكثير، من انتشار باقي المذاهب الأربعة، ولذلك فإن بعضهم عقد، مواضيع للحديث، عن سبب ذلك، لماذا كان انتشار المذهب الحنبلي، في الأمة، أضعف وأقل، من انتشار باقي المذاهب، والمقصود هنا، المذاهب الأربعة، الرسمية، معنى أن يبحث إنسان عن الأسباب، أنه قد تسلم أصل الفكرة، إذا واحد قال: لماذا كان أقل انتشارا، ومعنى ذلك لا بد أن يكون قد اعتقد أولا بأنه أقل انتشار، ثم جاء ليذكر الأسباب. وهذا طبيعي. تقول: لماذا لم يأت فلان إلى المسجد الليلة؟ معنى هذا: أنك متسلم أنه لم يأت، وأنت تبحث عن أسباب ذلك. كذلك عندما يبحث الباحث، عن لماذا كان أقل انتشارا، معنى ذلك أنه قد تسلم وآمن بأنه كذلك، وهو في صدد الحديث والبحث عن الأسباب، مع ملاحظة ذكرناها فيما سبق، أن قلة الأتباع وكثرة الأتباع، لا في الديانات ولا في الأفكار، ولا في التوجهات، ليست دليلا على صحة الكثرة ولا على خطأ القلة. عندما نقول الدين الفلاني أكثر أتباعا، لا يعني بالضرورة أنه أكثر صحة، وعندما أن المذهب الفلاني، أقل أتباعا، لا يعني ذلك أنه أقل صحة، وأنه أكثر بطلانا، كلا. ولكن الآن، الحديث حول هذه الجهة التي تساءل فيها باحثون، لماذا كان الانتشار للمذهب الحنبلي، أقل من سائر المذاهب، باعتبار الآن، المعروف أنه منتشر غالبا في الجزيرة العربية بشكل أساس وفي أماكن متفرقة هنا وهناك، لكن لا يمكن قياسه، مثلا بالمذهب الحنفي، أو لا يمكن قياسه بالمذهب الشافعي، أو بالمذهب المالكي. طيب. فلماذا كان هذا؟
بعض الباحثين، ذكر أسبابا ليست قوية في هذا الجانب، مثل القول، أنه تأخر في مرحلة الظهور، ليش؟ لأنه آخر مذهب جاء هو المذهب الحنبلي، وأولها الحنفي، فكأنما هذا القائل يقول: أن الناس بعد صارت تدينت، وتعبدت والتزمت بمذهب، خلاص بعد، اللي جا آخر شي ما إله نصيب. هذا الكلام ليس كلاما دقيقا، فإنه لو كان صحيحا، لكان مذهب الشافعي، اللي هو الثالث، لازم يكون بعد قليل الأتباع، لأنه جاء بعد الحنفي وبعد المالكي، والحال أنه ليس كذلك، ولازم يكون المذهب الحنفي، ما دام أنه أول واحد، يحوش الجميع، وهذا ليس صحيحا. ثم إن هذا النوع، مو مجموعة معينة محصورة، لنفترض 20 نفر، هذا هم، وتجيب ليهم مذهب ويتوزع عليهم، وإنما هي أجيال متتابعة وقرون مختلفة. فكل قرن من الممكن لما يجي، أن ينظر إلى المذاهب كلها، بعد سنة 240 كل الناس اللي إجوا، يجون ينظرون أن هناك أربعة مذاهب، فيقومون بالاختيار، فهذا ليس سببا واضحا وقويا. لكن ذكروا بعض الأسباب الأخر، فيها جانب على الأقل من الصحة، واحد من الأسباب ما ذكره ابن خلدون المغربي صاحب المقدمة. المتوفى سنة 808 هجرية، يقول: كان سبب ذلك قلة تعرضه للاجتهاد والتزامه بمحض الرواية. هذه الفكرة وهو أن المذهب الحنبلي، كان يعتمد اعتمادا كبيرا على الروايات، حتى صار كأنما الاسم المتداول عنه وعن أتباعه، أهل الحديث، وأخذ أصلا مكان مالك. مالك بن أنس، أول ما جاء، جاء بكتاب الموطأ، وأهم ميزة كانت عنده، يفترض أنه كان يعمل بروايات رسول الله (ص). هاي أهم ميزة جاء بها. الحنابلة والإمام أحمد عندما جاء، لكثرة ما كان عمله بالروايات، ولكثرة حفظه للروايات، فارق كبير بين مسند أحمد اللي أقل ما قيل فيه، قيل فيه: 27 ألف حديث، وبين موطأ مالك اللي 1720 حديث، وحفظ أحمد كان أكثر، معرفته بالرجال كذلك، ممارسته. فأخذ هذا الطابع، هذه الفكرة: عدم عمله بالاجتهاد والاستنباط واقتصاره على الرواية، الحنابلة يعدونها نقطة قوة. إلى الآن يرونها نقطة قوة، أنه احنا ما عندنا حجي مال هذا رأي فلان، وفلتان، وإنما هي أحاديث رسول الله، فهي نقطة قوة يعدونها، من يخالف هذه الفكرة، يقول: هذه من الأسباب التي جعلت المذهب، لا يستطيع أن يتحرك في المستجدات كثيرا، وبالتالي ما كان عنده مرونة كافية، مثل رأي ابن خلدون، والناس يريدون مذهبا قريبا إلى الحركة والاجتهاد، ويلبي النوازل وما يضيق حركتهم ومساحة عملهم. هذا واحد من الأسباب التي تذكر.
سبب آخر يذكر في هذا الجانب، أن المذهب الحنبلي اختلف عن باقي المذاهب، بأن المذاهب الأخر، مثل: الأحناف، والشافعية، والمالكية، بقيت مذاهب فقهية، بقيت كمذاهب فقهية، ما إلها شغل زايد في الموضوع العقائدي والكلامي، بينما المذهب الحنبلي، لا سيما في التطور الذي طرأ عليه، في بعض المراحل، أصبحت الصورة الغالبة عليه، هي المسائل الكلامية. خل أجيب لك أمثلة.
الشافعية والمالكية، فيما يرتبط مثلا بصفات الله عز وجل، يقول لك: أنا كشافعي، وكمالكي، شغلي وي الفقه، هذي روح دورها من مكان ثاني، فيروحوا يدوروها ضمن الأشاعرة. لذلك الشوافع والموالك هم أشاعرة في الكلام. أشعريون. سنتحدث إن شاء الله، فد وقت، عن هالمدارس الكلامية. ما يرتبط بتوحيد الله، بصفات الله، هل هي عين ذاته أم ليست كذلك؟ هل هي أزلية مثله، أو ليست كذلك؟ فيما يرتبط بالعدل الإلهي، هل هو أصل من الأصول اللي على هالدرجة العالية، أم لا؟ ما يرتبط بكسب العبد ومسؤوليته تجاه أعماله؟ هل هو مسؤول تماما؟ أو بريء تماما؟ هل هو خالق لأفعاله بمسؤولية كاملة؟ أو لا؟ وأمثال ذلك من الأمور. المالكي والشافعي يقول ما لي شغل في هالموضوع. أنا تخصصي ماذا؟ فقه. أنا تخصصي: وضوء، صلاة، صوم، حج، زكاة، ولذلك المالكي والشافعي يختلفان في الفقه ولكن يتفقان في العقيدة الأشعرية، ما عندهم مشكلة، طيب. الحنفي يجي يقول لك: أنا فقيه، ولكن إذا تريد عقيدة، روح إلى الماتريدي. أحد العلماء أنشأ منظومة عقدية، هم نتعرض إليها إن شاء الله، وش فرقها عن الأشعرية، وش فرقها عن المعتزلة، بس الحنفي يقول لك: أنا تخصصي فقه، أحكام، معاملات، عبادات، إذا تريد هالمواضيع هذي، روح إلى وين؟ إلى العقيدة الماتريدية. والأحناف غالبا إن لم يكن كلهم ماتريديون. طيب. المذهب الحنبلي يقول: لا، أنا هم عندي فقه، وأيضا عندي عقائد. أنا من أهل الحديث، والحديث فيه أيضا عقائد. مثل: "إن الناس يرون ربهم يوم القيامة كالبدر، لا يضامون في رؤيته"، فإذن هذا حديث، وما دام هذا حديث، احنا نعمل بظواهر الحديث أيضا، حتى في العقائد، مو بس في الفروع الفقهية، فإذن: نعتقد أن الله تعالى يرى يوم القيامة من قبل العباد. هذي مو مسألة فقهية، هذي مسألة شنو؟ كلامية، مسألة عقائدية. يروح في مسائل الصفات، يشوف في القرآن الكريم، (يد الله فوق أيديهم)، (ويبقى وجه ربك) يقول هذا نص موجود عندنا واحنا نعمل ونتعبد بظواهر النصوص. إذن لله وجه. هالسا هذا الوجه شلون، وكذا، بلا تكييف، ما نكيفه. فهنانا، هاي مو قضية فقهية بعد، هذي قضية شنو؟ ترتبط بالعقائد. ولذلك ابتلي مثل هذا المذهب، كما يرى بعض مخالفيه، بقضايا مثل التشبيه، وما شابه ذلك. ورد عليهم، وعندهم نقاش هالمسألة بين أخذ ورد. زين، هذا اللي يبغى يجي، يتمذهب بالمذهب الحنبلي، هم لازم يؤمن بأنه يرى ربنا يوم القيامة، وهم لازم يعتقد بأن لله وجها ويدا ورجلا وإلى آخره، وغير ذلك من الأمور كما سنأتي في استعراض بعض عقائد أهل الحديث، هاي كأنما صارت جزء من المذهب، يقلل الدائرة، أنت إذا قلت إلى واحد أنا بس أبغى منك تجي تؤمن، عندي بالفقه مالي، تبغى بالعقائد تروح أي مكان، الله وياك، فيكون أتباعك أكثر. أما إذا أقول لك أنا: لا، لازم تؤمن بالفقه مالي، وتؤمن بالعقائد، وتؤمن بأن البناء على القبور، حرام. وأن التوسل بالأموات لا يجوز، وبأن الله يرى يوم القيامة، وبأن كذا وكذا، هاي صارت شروط جديدة، مو كل الناس تقبلها.
فواحد من الأسباب يذكر، وهو سبب لا بأس به، فيه وجاهة، أن المذهب الحنبلي، تطور إلى ما يشبه المدرسة الأكبر كلامية وفقهية، بينما كان مبدؤه فقها، بل حتى في البداية الفقهية مالته، هي بداية حديثية، حتى بعض الباحثين، وكلامه جيد في هذا، يقول: أحمد بن حنبل، محدث له شيء من الفقه. بينما مثل الشافعي، الشافعي فقيه أصولي، عنده شيء من الحديث. والناس في هالموضوع، يدورون في الفقه على فقيه. فهذا سبب ثاني. أنه في مرحلة من المراحل، صار المذهب الحنبلي، مو بس اتجاه فقهي، وإنما أيضا مواضيع عقائدية، وهي محل خلاف، في داخل الوسط السني، في داخل الوسط السني، من المسائل العقائدية محل خلاف شديد، بينهم. هذا سبب آخر.
السبب الثالث، يذكره بعضهم، وهو أن الحنابلة كان لديهم رأي في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الفساد الاجتماعي، لم يهضمه لا الحكومات ولا عامة الناس. وذلك أنهم يعتقدون، بأن الشيء اللي في رأيهم منكر، لازم يروحوا وينهوا عنه ويمنعونه أيضا. إذا السلطة ما تمنع، احنا نروح نمنعه. احنا نبادر إليه. وهذا أولا، فيه مشكلة، أن مو كل المسائل متفق عليها، الآن لنفترض عند أتباع هذا المذهب، البناء على القبور، شيء محرم، غير جائز وبدعة. طيب. سائر المسلمين، عندهم هذا الأمر، لا محذور فيه ولا مشكلة فيه. الأحناف بنوا على قبر أبي حنيفة، الجامع الأعظم، وسميت الأعظمية، نسبة إلى إمام المذهب. المالكية أيضا، لا سيما في قسمهم الصوفي، إلى ما شاء الله، تعال، شوف في أفريقيا، هاي من المشاكل اللي صارت هالمدة لما ذهب بعض المتعصبين، القائلين بحرمة البناء على القبور في أفريقيا، أفريقيا في بعض المدن، مدن مشاهد ومقابر، طيب، فبدأوا بتفجيرها وإزالة هذا المنكر. طيب، هذي بالنسبة إلى الأفارقة المالكية. أو الشافعية، أماكن تعتبر مقدسة، وذات قيمة معنوية، إما لأولياء أو علماء أو ما شابه ذلك. أو أماكن عبادة يعتبرونها. أتباع هذا المذهب، يشوفون، لا، هذه بدعة، ومتى قدرت على إزالتها، فأزلها.
شيعة أهل البيت أيضا نفس الشيء، عندهم في الكاظم، في بغداد، مشهد الإمام الكاظم (ع)، في سامراء، مشهد الإمامين العسكري والهادي، في بغداد الجواد والكاظم عليهما السلام، زين، هذا أنت تجي، مرة تقول: أنا رأيي هذه بدعة. ما تجوز خلاص. يابا خلي رأيك عندك محترم مقدر، وأدلتك في مكانها، ونحن هم لا نرى رأيك، أنت لا تمارس هالبدعة، احنا نعتقد أن هذي مو بدعة، وإنما عبادة، فاحنا نمارسها باعتبارها عبادة، وأنت اجتنبها باعتبارها بدعة. هذا ما في مشكلة. أتباع هذا المنهج، ما يقبلون بهذا الأمر، في أي مكان اللي رأوا أن هناك شيئا مخالفا للشرع هم يقومون بالمبادرة إلى تغييره.
المؤرخون، غير المعارك اللي كانت تصير، بين الشيعة من جهة، وبين الحنابلة من جهة أخرى في بغداد. واللي قسم كبير منها ناتج من أن الشيعة يمارسون عملا، يعتبرونه عبادة عندهم، والحنابلة يعتبرون أن هذا العمل هو بدعة، يجب أن لا تقام في بلد الإسلام. لازم نمنعكم. تزور قبر موسى بن جعفر هذي بدعة، تصلي هناك هاي مشكلة، تدعو الله هناك، هاي بعد مصيبة، طيب. فكان هذا يصير منشأ للنزاع والخلاف.
مع الأحناف أيضا نفس الشيء، مع الشافعية كذلك، حتى ذكر ابن الأثير، في كتابه الكامل في التاريخ، الجزء السادس عشر، سنة 323، قال: في هذه السنة، عظم أمر الحنابلة، في بغداد، وأرهجوا، هذا التعبير مال ابن الأثير، أرهجوا بالناس، فإذا رأوا جارية مغنية ضربوها، وإذا رأوا مكانا يبيع فيه العود وأمور الموسيقى كسروه، وإذا رأوا رجلا مع امرأة يسيران في الشارع أو في الطريق، أقبلوا عليهما، وسألوا: ما هي علاقتك بها؟ فإن أبدى لهم شيئا يطمئن به، هذي أختي مثلا، محرم، أو زوجتي، لازم يثبت هذا الأمر، وإلا أخذوه إلى الشرطة وإلى السجن. حتى ضاق، وقضية أيضا زيارة القبور، أشار إليها، حتى ضاق بهم أمر الناس، فأصدر الخليفة العباسي في وقته الراضي بالله، أصدر وثيقة، إذا تريد تعرف نصها، موجود في كامل ابن الأثير، ومنقولة على النت، بس تكتب: الراضي والحنابلة، أو وثيقة الخليفة الراضي، تجد هذا. أصدر وثيقة شديدة اللهجة حول هؤلاء، وهددهم فيها، وانتقد فيها عقائدهم، وهذا أمر غير اعتيادي، أن خليفة عباسي، ما مرت فترة طويلة من وفاة الإمام أحمد، سنة 241، إلى سنة 323، طيب. بحيث ينتقد آرائهم بعنف في هذه الوثيقة ويهددهم بأنه إذا أحد منكم يعود لذلك، ما يعرف إلا السيف من عندنا. طيب. هذه الأمور وأمثالها، خوفت الناس، من أن إذا انتشر هذا المذهب في مناطقهم، لا يستطيعون أن يتحركوا فيه. طبعا، أتباع هذا المذهب، يقولون: هذا هو، القرآن يقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). أنتوا ما تسووا، احنا نسوي. هذا منكر، لازم احنا نزيله. إن قامت الحكومة به أهلا وسهلا، ما قامت، احنا نقوم به. طيب.
هذا يعتقدون بأن من مسؤولياتهم ذلك. هذا نفسه السبب، الذي هم يعتبرونه ميزة عندهم، أنهم قائمون بالمعروف، وأن هذه الأمة الخيرة، إنما صارت خير أمة، لأمرها بالمعروف، نفس هذا السبب، أتباعهم، عفوا، مخالفوهم، يجعلونه أحد الأسباب التي جعلت الناس ينفضون عنهم. وأيضا ربما بعضهم يشير إلى شيء من التشدد، وشيء من أخذ الأمور، بحالة من التعصب. هم يعتبرون هذا نوع من الالتزام، وأن الإنسان لازم يدين عدل وإلا لا يدين. طيب. هذا أمر ثالث، يشيرون إليه من الأسباب في هذا. وقد يشار إلى سبب أنهم لم يحظوا إلا في الفترات الأخيرة، بدعم من قبل سلطة سياسية. في تاريخ المسلمين، لا العباسيون دعموهم، بحيث تبنوا هذا المذهب بشكل كامل، ما صار هذا، كان لهم حرية، وفي بغداد، أيضا صار إلهم وجود، وفي بعض الفترات صار إلهم وجود قوي. لكن أن تتبناهم سلطة سياسية، رسمية، ما صار هذا، فيما نعلم. العباسيون لم يتبنوهم، الأيوبيون أيضا كذلك، المماليك كذلك، الأتراك كان عندهم منهم موقف، الأتراك أصلا حتى لما سيطروا على الحجاز، جعلوا في الحجاز ثلاثة منابر فقط، استثنوا المذهب الحنبلي، فضلا عن جماعة اللي عندها توجهات مثلا قريبة إلى الشيعة، مثل البويهيين، الفاطميين، أكيد ما راح يدعمون هذا المذهب. عدم وجود دعم سياسي، وسلطوي له، في تاريخ الإسلام، يرى بعض الباحثين أنه كان سببا أيضا في عدم انتشاره كانتشار المذاهب الثلاثة، الباقية. هذا فد إجمال حول قضية الانتشار. الوجود وأسباب ذلك.
أكو هناك، حديث آخر، حول موضوع المراحل التي مر بها. نشير إليها في استعراض سريع. طبيعي المرحلة الأولى، هي مرحلة وجود إمام المذهب الحنبلي، زمان المأمون، ثم المعتصم، ثم الواثق، ثم المتوكل. في زمان المتوكل، انتشر هذا المذهب، صار إله قوة، صارت مشايخه وأعلامه لهم مطلق الحرية في الحديث، تبليغ آرائهم، وبالتالي، بمقدار استطاعتهم نشروا هذا المذهب. نفترض في سامراء، انتشر بمقدار غير قليل، في بغداد، أيضا كذلك، إلى فترة من الزمان، يعني إلى الحد الذي يقول فيه مثلا هذا ابن الأثير، أنه في زمان الراضي العباسي، صار وضعهم الاجتماعي قوي، الجماعة الذين يستطيعون أن يقوموا بأعمال اجتماعية من هالنوع، ويطبقون ما يرونه أمرا بالمعروف في المجتمع، يفترض أن لهم وجودا وشيئا من القوة. وحتى بعد هالتاريخ أيضا، رأينا في قضية المشكلة اللي صارت في زمان شيخ الطائفة الطوسي، رحمه الله، عندما صارت معركة، وحرك بعض الطائفيين فتيل النزاع بين الفئتين، وصار ضرب ومضارب، وانتهى الأمر إلى أن الشيخ الطوسي رحمه الله رأى أن المصلحة تقتضي أن ينسحب من بغداد أصلا، مع أنها كانت مركزه العلمي، وطلابه، و، و، و، وهذا نتحدث عنه إن شاء الله، عند حديثنا عن مسير تاريخ التشيع، انسحب إلى النجف الأشرف، يظهر من خلال متابعة مجريات الحديث في ذلك الوقت، أنه كان لأتباع المذهب الحنبلي، حضور في بغداد ليس بالقليل. هذا في هذه الفترة.
ثم بعد ذلك، كأنما لم ينتشر. يعني أن يكون لنفترض في بغداد، أو في سامراء، أو شيئا ما في الحجاز، هذا لا يعد انتشارا كبيرا بالقياس إلى بقية المذاهب. صار نوع من الكمون، أو الركود، أو التوقف عن الانتشار، سمه ما تشاء، إلى أن جاءت المرحلة الثانية التي كانت في زمان الشيخ أحمد بن تيمية، الحراني المتوفى سنة 798 هجرية. مزامن للعلامة الحلي رحمة الله عليه. العلامة أيضا كان في هذه الفترة، الشيخ ابن تيمية أيضا كان في هذه الفترة.
ابن تيمية لما جاء، أولا، تبنى منهج أهل الحديث، أو ما سمي فيما بعد أهل السلف، وإن كان ليس هناك إعلان لأنه على وفق مذهب أحمد بن حنبل، لأن بعضهم يقول، ابن تيمية يعدونه في المجتهدين، هو أيضا عنده بضاعة قائمة بنفسها، ولكن متبنياته وأفكاره كانت تنسجم تمام الانسجام مع المذهب الحنبلي. بل أعطى ابن تيمية، المذهب الحنبلي قوة بما أضافه إليه من كتب ومن مجادلات، ومن مناظرات وهي كثيرة. فيما يرتبط بالذات في المسائل العقائدية. المسائل العقائدية، التي ذكرنا بعض عناوينها، كانت تحتاج إلى من يدافع عنها. ابن تيمية كان أبرز المدافعين في هذه الجهة عن المسائل التي يتبناها أهل الحديث، وأتباع أحمد بن حنبل. ألف كتب كثيرة واصطدم فيها مع الجميع تقريبا. مع الشيعة خو واضح، مع سائر المذاهب، مع الشافعية فد معركة مفصلة بينه وبين السبكي وغيره من علماء الشافعية، مع الأحناف، طيب، وهذا يقول، وذاك يجيب، وانتهى أمره، إلى أن، يعني كما تعلمون، حكم عليه أولئك العلماء من المذاهب الأخرى بأن يسجن، وألقي في السجن. تلامذته أيضا، اللي رباهم وهم ليسوا بالقليل، كانوا كثيري الإنتاج، ابن كثير مثلا، وابن قيم الجوزية، الذهبي كان من المتأثرين به، هالسا قد لا يعد ضمن التلامذة بالمعنى المتعارف، بس كان ضمن نفس الاتجاه، هذا المجموع، أعطى المذهب الحنبلي دفعة قوية، عضَّد منه، أعطى لبعض أفكاره براهين وأدلة، وبنفس المقدار أيضا، هذه المواجهة الفكرية والعلمية، زادت من حالة التشنج بين هذا المذهب وبين سائر المذاهب الأخرى، سواء الشيعة، أو الشافعية أو الحنفية. هاي مرحلة ثانية.
المرحلة الثالثة، هي المرحلة الأخير، التي ظهر فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هنا في نجد، وتحالف مع الأسرة السعودية، فأعطي أيضا هذا المذهب دفعة جديدة وعونا جديدا. هذا أيضا بشكل عام في موضوع المراحل التي سلكها وسار فيها هذا المذهب.
يبقى ماذا يعمل؟ عندنا حديث حول المسند، أشرنا بشكل جزئي، إليه في وقت سبق، وقلنا: أن أهم تصنيفات أحمد بن حنبل، هو كتاب المسند، كتاب المسند، يحتوي على 27 ألف حديث، و500 كما ذكر بعضهم، وبعضهم زاد على هذا المقدار. وكما قلنا هذا راجع إلى تكرار الأحاديث الموجودة فيه. منشأ التكرار، من وين جاي؟ يعني لنفترض أن حديثا واحدا عن نبينا المصطفى محمد (ص)، لو فرضنا الحديث، وقد سأل عن ماء البحر، وقال: هو الطهور ماؤه، الحل مييته. لو فرضنا هذا الحديث مثلا. هذا الحديث ربما سمعه عدة أشخاص، قد يكون سمعه علي بن أبي طالب، وسمعه سلمان الفارسي، مثلا، وسمعه عمار بن ياسر، فرضا.
فلما يجي أحمد بن حنبل، في المسند، هو لا يأتي بالأحاديث على طبق المواضيع والعناوين. أكو بعض المصنفين، افترض مالك، في الموطأ، على حسب المواضيع، يكتب: باب في كيفية الوضوء، ثم يجيب كل ما في عن النبي حول الوضوء، سواء نقلها هذا أو ذاك أو الثالث، كل شيء يرتبط بالوضوء، يجيبه في هذا العنوان، فبعد خلاص انتهى موضوع الوضوء، وانتهت أحاديثه، يروح إلى الصلاة، ثم إلى الصوم، وهكذا، فما تتكرر الأحاديث، أحمد شيسوي، يجيب هكذا بهالطريقة، ما أسند إلى علي بن أبي طالب، عن فلان، عن فلان، عن فلان، عن علي عن رسول الله، يعني الروايات التي رواها علي عن رسول الله، وحدة من الروايات مثلا أنه سمع حديث الطهور ماؤه الحل ميتته، يسجل هذا الحديث، في باب مسند علي، لما يروح ب سلمان الفارسي مثلا، سلمان الفاررسي هم سامع هذا الحديث، فهم عن فلان، عن فلان، عن فلان، عن سلمان، عن رسول الله، وقد سأل عن ماء البحر، وقال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته. صار الحديث مكرر مرة ثانية، يجي إلى صحابي ثالث، أيضا هذا لنفترض روى هذا الحديث، فأيضا يجيب هذا الحديث في مسند عمار بن ياسر، وهكذا. فيتكرر الحديث الواحد أحيانا مرتين، ثلاث مرات، أربع، أكثر، وهكذا. لذلك هذا الخلاف صار بين عدد من 27500 إلى ما قالوا39 ألف وشيء. لوجود هذا التكرار. فهذا كتاب المسند، بدأ فيه بما روي عن صحابة رسول الله (ص)، وقد كان يعمل حتى بالحديث الضعيف، كما ذكروا. ويقدمه على مثل القياس والاجتهاد وما شابه ذلك.
وبدأ فيه بأسماء العشرة المبشرين، بالجنة، ثم بعد ذلك، سائر الصحابة، المدنيين، والمكيين، والنساء وهكذا، والآن مطبوع بحوالي ستة مجلدات في بعض الطبعات. اعتمد عليه أحمد في قضية الفقه، اعتمادا تاما، بالإضافة إلى ما ذكروه من الأصول التي يستند عليها ويستنبط منها، وهي القرآن الكريم، وهو محل اتفاق بين جميع المذاهب، وغير السنة، اللي هو هذا تصنيفه، باعتباره سنة النبي. أيضا عنده الإجماع أحد الأدلة، وعنده قول الصحابي، فيما ذكر بعض الباحثين، يعتمد قول الصحابي، وعنده أيضا سد الذرائع، قاعدة سد الذرائع، من الأدلة التي تستنبط منها الأحكام. سد الذرائع في عبارات مختصرة نقولها الآن، الآن في بعض الأمور، ولنفترض مثلا، ما هو شائع في هذه الأيام، الاستدلال عليه. المنع من قيادة النساء للسيارات. أهم الأدلة التي ذكروها، قاعدة سد الذرائع، قالوا: هذه، قيادة المرأة للسيارة، هالسا، ما علينا من البعض اللي قال، لنفترض أنه المبايض تتأثر وكذا، هذا لا، مو كلام علمي من عندهم. وإنما أكثر ما قالوه، أن هذه القيادة ستكون وسيلة وسببا لشيوع الفساد، المرة إذا ساقت السيارة بتتواعد وي عشاقها، وستذهب إليهم، وما شابه ذلك. إذا تعطلت في طريق، يمكن أن يعتدى عليها وما شابه ذلك، فالباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح. يقولوا هذه لما كانت ذريعة إلى الفساد، احنا نسكرها. طيب.
عندنا الإمامية ليست قاعدة سد الذرائع بهذا العرض العريض، وإنما الموجود عندنا قاعدتان، قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. بالأدلة العقلية، والتي يسمونها مقدمة الواجب واجبة. وأيضا مقدمة الحرام محرمة. هالسا، نجي في مقدمة الحرام، نشير إليها إشارة سريعة، كل عمل من الأعمال له مقدمات كثيرة، كل عمل من الأعمال له مقدمات كثيرة، فأي مقدمات الحرام هي المحرمة؟ الآن، لو أن إنسانا مثلا، أراد أن يقتل شخصا، والعياذ بالله، أو يجلد شخصا، أكو مقدمة أنه أنا أشيل هذا من بيتهم بالتاكسي مالي أو السيارة أوصله إلى هالمكان، هاي مقدمة. لنفترض هكذا، شخص موظف عند ظالم. هذا لازم يروح من بيتهم إلى الإدارة، في الإدارة لازم يكتب القرار بضرب هذا الشخص، ثم لازم يعطي هذه الورقة إلى المراسل، يوديها إلى جهة التنفيذ، جهة التنفيذ تأخذ هذا المضروب وتجيبه فلان مكان، ثم تعطي السوط أو الكذا إلى الجلاد أو الضارب. زين، أنا الآن صاحب سيارة وتاكسي، وهذا الموظف يريد يروح الدائرة مالته، هل يجوز لي أن آخذه معي أو لا؟ هذا بلا شك إحدى المقدمات، أن أوصله إلى ذاك المكان، إحدى المقدمات. لو ما أوصله، وما يوصله غيري، ما يقدر يروح يداوم، ولكنها يسمونها من المقدمات البعيدة. يمكن أوصله، وآنئذ لا يحصل أي شيء. فهي مقدمة بعيدة، لذلك حكموا في مثل هذا الأمر، بعدم حرمة إيصاله إلى ذلك المكان، نعم، إذا أنا أدري بيروح لهذا الغرض، الأفضل ما أوصله، ولكن لو وصلته أنا لم أرتكب حراما. بعدين دخل هذا إلى هذا المكان. أكو هناك فراش، يعدل الطاولة ويمسحها ويجيب الشاي إله، ويقرب الأقلام، عمل هذا الفراش أيضا، وإن كان مقدمة من المقدمات، يهيء إله الأوضاع، ولكنها إلى الآن لا تزال ليست مقدمة نهائية، ليست – حسب تعبير المعاصرين – ليست الحلقة الأخيرة في تنفيذ الحكم، فهذا العمل ماله، وإن كان تقريب القلم إله، وما شابه مبغوض، غير حسن، غير جيد، إذا يقدر الإنسان ما يسويه، لا يسويه، عندنا روايات، حتى أنه لا تخيط لهم ثوب. ثوب اللي ممكن يروح فيه إلى الدائرة، لا تخيطه إذا تقدر. فهو امر غير حسن، ولكنه ليس محرما بهذا المعنى. متى يصير حرام؟ ذاك الجلاد موجود، وهذا الإنسان واقف هنانا، أنا أشيل السوط، أعطيه وياه، تفضل اخذ، وهذا يبدأ بالجلد. هذي يسمونها المقدمة الأخيرة، الحلقة الأخيرة، المقدمة الموصلة للحرام، هذه محرمة. ولا يستطيع الإنسان أن يأخذ عليها أجرة. الذي يقول بسد الذرائع، لازم يقول من البداية: ما يصير واحد يشيله بالسيارة، وإذا هو خياط يخيط ثوبه، ويدري بروح بهالثوب إلى فلان مكان، مفروض ما يخيط إله. أما الذي يقول: بأن المقدمة الموصولة، أو الحلقة الأخيرة في عمل الحرام، هي المحرمة، كما يذهب إليه الإمامية، هنانا لو وصله لم يتركب حراما. بس أتباع المذهب، يقولون: لا، سد الذرائع. إحدى الأدلة التي يستند إليها في الأحكام، هذا حسب ما نقل من مذهب أحمد بن حنبل.
هذا فد إجمال عن هذا المذهب وآرائه ومعالمه، احنا تعرفنا عليها وعلى سائر المذاهب الأخرى، مع معرفتنا بأن ما هو موجود لدى آل بيت محمد (ص) هو الذي أوصى به رسول الله (ص) في أكثر من حديث، وأنه اختصهم، وأن الله اختصهم بخصائص وميزات، لا تتوفر في أي مذهب آخر، ولا في أسرة أخرى، كما يشير إليها كلام إمامنا زين العابدين (ع). زين العابدين شخصيته مو فقط عند الإمامية، وإنما شخصيته مهمة عند غير الإمامية أيضا، ليش؟ لأن على يده درس أكثر فقهاء المدينة، يتحدثون عن محمد بن شهاب الزهري، اللي يصفه بعضهم، بأنه ما على وجه الأرض أعلم منه، لكنه أخذ العلم عن زين العابدين، القاسم بن محمد بن أبي بكر، أحد الفقهاء السبعة في المدينة المهمين، كان قد أخذ عن علي بن الحسين (ع). وغير هؤلاء أيضا أخذوا، قالوا سعيد بن المسيب أيضا أخذ عن الإمام زين العابدين (ع). وإلى الدرجة التي ذكرنا ذات يوم، أنه من جملة استدلالات الشافعي على جواز الأخذ بخبر الثقة، أنه بلغه أن علي بن الحسين كان يأخذ بأخبار الثقاة، فهذا بالنسبة إله دليل خلاص. نفس هذا الإمام العظيم، عندنا من أئمة أهل البيت (ع)، يقول: "أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمد"، (ص)، "ومنا الصديق"، يعني أمير المؤمنين (ع)، "ومنا الصديق وما الطيار"، جعفر، "ومنا أسد الله وأسد رسوله" حمزة، "ومنا سبطا هذه الأمة" الحسنان، "ومنا مهديها" عجل الله تعالى فرجه الشريف

 

 

 

مرات العرض: 3387
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2556) حجم الملف: 59288.04 KB
تشغيل:

9- محمد بن إدريس إمام المذهب الشافعي.
16- من معالم المذهب الجعفري وآرائه.