من معالم المذهب الإباضي وأرائه 24
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 24/9/1438 هـ
تعريف:

24 من معالم المذهب الإباضي وآرائه

 

تفريغ نصي / الفاضلة سكينة نسيم آل عباس

قال الله العظيم في كتابه الكريم "يا أيها اللذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "

حديثنا يتناول مذهب الإباضية ، الإباضية أحد مذاهب المسلمين الذين يعيشون الآن كإحدى الفرق في العالم الإسلامي وعمدة تواجدهم في دولة عمان وفي الجزائر وفي ليبيا وفي بعض منطق زنجبار سابقا ، هذا المذهب أحد المذاهب التي أقرتها المؤتمرات الإسلامية واعتبرت أتباعها ضمن هذه الدائرة المسلمة ، سوف يكون لنا حديث عن هذا المذهب في تأسيسه وفي بعض أفكاره وآرائه ونقدم لذلك ببعض المقدمات الأساسية .

المقدمة الأولى أن التعرف على كل مذهب ينبغي أن يكون من خلال كتبه وآراء علمائه وليس صحيحا أن نتعرف على مذهب من خلال مخالفيه ومناوئيه ، وللأسف فإن كثيرا من كتب الملل والنحل ومقالات الإسلاميين وغيرها من الكتب التي تناولت الفرق والمذاهب وقعت في هذا المطب فالغالب أنهم لا يأخذون آراء المذاهب التي يتحدثون عنها من خلال كتب أصحابها ومن خلال آراء علمائها وإنما غالبا من آراء مخالفيهم ، الآن هذه الصورة موجودة عند كثير من المسلمين عن بعضهم بعضا هي بهذا النحو ،المسلم التابع لهذا المذهب يعرف ذلك المذهب ليس من خلال دراسة كتبه وعلمائه وإنما من خلال ما قاله مخالفوه عنه وهذا ينتهي إلى سوء الفهم وإلى عدم إمكانية التعاون ،فالقاعدة الصحيحة هي أن يدرس المذهب من خلال أقوال أتباعه ثم بعد ذلك تأتي مرحلة النقاش العقائدي ، هل نقبله أو لا نقبله ، هل كلامهم كلام صحيح أو ليس بصحيح هذه مرحلة أخرى ، في البداية ينبغي عرض ما يقولون هم عن أنفسهم ثم بعد ذلك في مجالس المناظرات والمباحثات وكتب المناقشات يتم مناقشة ما قيل .

النقطة الثانية أن يتم التعامل مع المذهب ، أي مذهب كان ، بحسب ما استقرت عليه الصورة المعاصرة ومن الخطأ أن نترك هذه الصورة المعاصرة ونذهب إلى التاريخ كما يفعل البعض للأسف ، لنفترض أن شخصا من أتباع مدرسة الخلفاء أراد أن يتعرف على التشيع والشيعة فلينظر إلى الشيعة الموجودة هنا ، جيرانه ، يرى علمائهم الذين يقلدون الآن ،قسم من الناس يقول لا ، الشيخ المفيد قبل 900 سنة قال كذا وكذا ، الشيخ الصدوق قبل 1000 سنة قال كذا وكذا ، لنفترض أن زيدا من العلماء قال كلاما ، الآن ما هي صورة هذا المذهب ، حتى لو كانت هناك صورة معاصرة للمذهب وكان فيها أكثر من اتجاه ، لنفترض مثلا اتجاه المذهب الإباضي ، لو فرضنا الآن له صورة معاصرة ولكن كان فيه من هو متشدد وفيه من هو معتدل وهذا يحصل في أكثر المذاهب ،فإن الصحيح أن يذهب الإنسان لكي يقوي جميع جوانب الاعتدال والاتزان في ذلك المذهب ،ويتعاضد معه ويتعاون معه لكي تتحقق فكرة التقارب بين المسلمين ، لا أن يترك كما هو حاصل للأسف أغلبية أتباع المذهب الذين هم متوازنون ومتعادلون ، بمجرد أن يرى صوت نشاز في هذا المذهب يذهب ورائه ويؤكد عليه وينشره ويقول هذا هو رأي هذا المذهب ، وقد لا يشكل حتى 1 في الألف من أتباع هذا المذهب ، فالصحيح أولا أن ننظر إلى الصورة الأخيرة المعاصرة للمذهب نظرا لأن المذاهب تتطور في سيرورة تاريخية وينبغي النظر إلى ما هو معاصرا فعلا ، والثاني لو فرضنا أن في هذا المذهب المعاصر أكثر من اتجاه فإنه ينبغي تقوية الجانب المعتدل والمتوازن والمتعقل والذي يدعوا إلى الحوار والتفاهم .

لا بد أن نشير إلى شيء وهو مثال يحتذى قد يكون راجعا لطبيعة هذا المذهب وقد يكون راجعا لقرار سياسي وهو أن الوضع الذي يعاش في هذه المنطقة الخاضعة للمذهب الأباضي ، الوضع الرسمي يجرم ويحرم الأمور الطائفية ويمنع منها ويعاقب عليها ، وهذا تقريبا كل من ذهب تلك البلاد أحس بهذا الأمر فضلا عن أن أهل تلك البلاد يعيشونه كواقع مستمر ولذلك يتعايشون ، يوجد من أتباع مدرسة أهل البيت ويوجد من أتباع مدرسة الخلفاء ويوجد من الإباضية وهناك حالة من التسالم الاجتماعي التي تمنع التشنج والتعبئة وما شابه ذلك وهذا من الأمور التي تمدح ويثنى عليها .

ماهو هذا المذهب وماهي أفكاره وآرائه وكيف تأسس ؟

أتباع هذا المذهب يقولون أن تأسيس المذهب الإباضي كان على يد أحد التابعين بعد جيل الصحابة وهو جابر ابن زيد الأزدي وهو مولود في عمان ولكنه سافر إلى البصرة ونسب إلى الأزديين ، وكانت وفاته سنة 93 هـ قبل نهاية القرن الأول ،أنه كان قريب العصر من الإمام زين العابدين عليه السلام بناء على هذا التاريخ ، وأن هذا الرجل كما يذكرون كان قد أخذ العلم عن عبدالله بن عباس وأبي مسعود وأبي سعيد الخدري وهذه الطبقة من الصحابة وروى الحديث عنهم ، هذا يعتبرونه الشخصية الأولى المؤسسة للمذهب الإباضي .

شخصية أخرى هي التي نسب إليها المذهب وعرف بها وهو عبد الله ابن اباض التميمي وإليه نسبت الإباضية ، هذا متوفي في وقت متأخر وكان قد اشتهر أنه عندما دعاه الخوارج النجدات والأزارقة رفض دعوتهم ، بعد قضية صفين الخوارج استمروا وأصبح لديهم توجه متطرف يشهر السلاح من كان يخالفهم الرأي لا يمانع في أن يقتله وكان يرى قضية القتل أمرا عاديا ويكفر ويقتل حتى الأطفال ونسب ذلك إلى النجدات أتباع نجدة الحروري وإلى الأزارقة أتباع نافع الأزرق ، فهؤلاء دعوا عبدالله ابن اباض إلى أن يكون معهم وليس لك عذر لا بد أن تنهض بالسيف معنا وتقاتل ، الأميون نظام باطل ومن يناصرهم أيضا مثلهم لابد أن يعلن عليه الحرب ، فهو حسب ما يقولون رفض دعوتهم تلك ولم يقبل القيام معهم و رد عليهم برسالة ، لذلك حسب على القعدة ،وكأنما هم ثوار وهم قاعدون ، قعدة بمعنى أنهم لا ينهضون بالسيف ولا يتسعرضون الناس على حسب مذاهبهم ومواقفهم ، فيحسبون عبدالله ابن اباض على هذه الفئة بل أكثر من هذا يزيدون في الكلام عنه أنه كان يصلي وراء الحجاج الثقفي وعبيد الله بن زياد ، يعني ليس فقط لا يشهر السلاح ضد الدولة الأموية وجنودها وعامة من يؤيدها ، وإنما كان يمارس هذا العمل الذي فيه مقدار كبير من ملاحظة السلطة ،وهو قضية الإئتمام بمثل ولاتها.

شخصية ثالثة مهمة عندهم جدا ومؤثرة فيما يقولون وهي شخصية الربيع بن حبيب ، يذكرون أنه متوفي سنة 180هـ وأنه كان صاحب مصنف ، أحاديث وروايات يذكر أنه مثلا في هذا الكتاب الذي يسمونه بالجامع الصحيح حوالي 750 رواية عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن هذا الجامع الصحيح يعتبرونه هم أصح الكتب بل أصح من الكتابين الصحيحين عند مدرسة الخلفاء البخاري ومسلم ويعتمدون عليه اعتمادا كبيرا ، هذا كله حسب ما يظهر من كلماتهم وكتبهم وأحاديث متحدثيهم .

نقاط اشتراكهم واختلافهم مع سائر المذاهب :

فيما يرتبط بأمور الاستنباط والاستدلال على المسائل الفقهية يشبهون إلى حد كبير أتباع مدرسة الخلفاء ، فهم يعتمدون على القرآن الكريم كمصدر ويعتمدون على السنة النبوية مع الملاحظة التي ذكرنها بأنهم لا يعتبرون صحيح البخاري ومسلم كتابين صحيحين وإنما ينبغي في رأيهم النظر إلى أسانيد كل رواية بل وإلى نقد متنها أيضا وفي هذا المعنى يشبهون شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فهم يستشهدون ببعض الروايات التي وردت على أنها روايات صحيحة بينما متنها في رأيهم لا يمكن أن يكون صحيحا ، كما ذكر بعضهم عن أن هناك  رواية في صحيح مسلم من أن رجلا جاء إلى النبي وأخبره عن شخص أنه زنا بفلانة فأمر النبي عليا بأن يذهب إليه ويقتله فذهب علي ورآه ليس في هذا الوادي مشغولا في شأنه ، يعني الوشاية والخبر كاذب ذاك الواشي كان غير صادق فرجع إلى النبي وأخبره ، هم ينتقدون يقولون حتى لو هذه الرواية مذكورة في الصحيح وحتى لو كان سندها صحيحا ، إلا أنه لا يمكن أن نصدق أن النبي بمجرد أن يأتيه شخص ويوقل له فلان زنا يأمر عليا بأن يهب لقتله ، هذا أي قاضي من القضاة لا يفعلها لابد أن يأتي بالشهود وينظر في القضية نظرا أوضح من هذا ، نحن ننقد السند في الصحيحين بل وننقد المتن أيضا ، عندهم أيضا فكرة الاجماع كسائر المذاهب عندهم فكرة القياس كمذهب أبي حنيفة ، كما أن القياس من أصول الاستنباط عند مذهب الحنفي أيضا يقبلونه ، عندهم المصالح المرسلة والاستحسان كما هو عند مذهب مالك وعندهم شيء جديد يسمونه مقاصد الشريعة ، مقاصد الشريعة غاياتها العلل والحكم التي جاء بها التشريع هذه أيضا يمكن أن تستنبط منها الأحكام ففي هذه الدائرة يشبهون كثيرا سائر مذاهب مدرسة الخلفاء ، لكن في الموضوع الكلامي سوف نجد أنهم يتفقون أحيانا مع الإمامية والزيدية و يختلفون مع مدرسة الخلفاء وأحيانا يتفقون مع هؤلاء ويختلفون مع أولئك وأحيانا يختلفون مع كلا الفريقين .

مثلا من الأمور التي يتفقون فيها مع الإمامية والزيدية والمعتزلة ويخالفون فيها الأشاعرة وأهل الحديث من مدرسة الصحابة قضية رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ، هل أن الله يوم القيامة يراه المؤمنون أو لا يرونه ؟

أهل الحديث (السلفيين ) يقولون نعم يرى الإنسان ربه يوم القيامة كما يرى البدر ليلة كماله وهكذا الحال في الجملة الأشاعرة الرأي العام أيضا يقولوا برؤية الله عز وجل ، الأشاعرة تقريبا هم المجموع الأكبر لأتباع مدرسة الخلفاء ، المالكية الشافعية هؤلاء يحسبون على مدرسة الأشاعرة بل حتى ذكر عن الماتوريدية يعني ( الأحناف ) نفس الكلام ، في المقابل الإمامية والزيدية والمعتزلة والأباضية يقولون لا يمكن رؤية الله لا في الدنيا ولا في الآخرة لافي اليقظة ولا في المنام ويستدلون على ذلك بآيات القرآن الكريم من " لا تدركه الأبصار "وبروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبأدلة عقلية وبالنسبة للإمامية يضيفون إليها روايات أهل البيت عليهم السلام ، الإباضية هنا يشاركون الإمامية في امتناع رؤية الله يوم القيامة .

مسألة أخري ما يرتبط بخلق القرآن ، مر بنا الحديث عند كلامنا عن إمام المذهب الحنبلي أحمد عن قضية خلق القرآن وفتنة خلق القرآن وصارت الأمة تقريبا على رأيين نفس التقريب السابق ، الإمامية والزيدية والإباضية والمعتزلة يقولون بأن القرآن مخلوق ، الله هو الخالق وما عداه مخلوق ، وأما الأشاعرة وأهل الحديث فإنهم يقولون أن القرآن قديم وبعضهم يكفر من يقول بخلق القرآن ، هنا الإباضية مثلا قريبون ومتماهون مع الإمامية والزيدية والمعتزلة في الرأي بالنسبة إلى خلق القرآن .

بينما موضوع الإمامة وأنه هل من شروطها أن يكون الإمام قرشيا أو هاشميا من أبناء فاطمة كما هو رأي الإمامية أو لا مجرد القرشية حتى لو كان أمويا ، بني أمية يحسبون من قريش ، حتى لو كان تيميا حتى لو كان من بني عدي عدويا ، أي قبيلة من قبائل قريش يمكن أن يخرج منها شخصا يكون إمام المسلمين ، بينما الإمامية يقولون هي مخصوصة بأمير المؤمنين عليه السلام ثم ولده من أبناء فاطمة صلوات الله وسلامه عليها ، الإمامية خصوص أبناء الحسين والزيدية كما تقدم الذكر من البطنين الحسن والحسين ، هنا الإباضية لا يقبلون هذا الكلام لا القرشية ولا الهاشمية ، يقولون أي شخص من المسلمين كان عنده علم ومعرفة وفيه هذه الصفات يمكن ـن يكون خليفة ويمكن أن يكون إماما و بالتالي هم يخالفون كلا الطائفتين هنا ، يخالفون أكثر المسلمين في قسميه الإمامي وأتباع مدرسة الخلفاء .

في بعض الأمور تجد أن لديهم شيء من الاختصاص ، مثلا ما يرتبط بالوعد والوعيد ،وقد ذكرنا فيما سبق قلنا أن المعتزلة قالوا أنه إذا وعد الله شخصا بالجنة فلابد بأن يفي بذلك الوعد لأنه إذا لم يفعل ذلك فإنه يكذب وعد الله والله صادق الميعاد ، وإذا قال لشخص أنت ومن يعص الله ويتعدى حدوده يدخله نار جهنم فلابد أن يدخل نار جهنم لكي لا يلزم كذب وعيد الله ، هذا قول المعتزلة وأيضا الإباضية قبلوا هذا الكلام وقد تقدم ذكر من أنه هذا الرأي غير صحيح عند الإمامية و رأي الأشاعرة أيضا الذين يقولوا لا يهم الله يستطيع مخالفة هذا وهذا ، يستطيع أن يدخل المحسن نار جهنم ويدخل العاصي أعلى عليين ، الإمامية التزموا بأنه مادام قد وعد بالثواب يدخله الجنة لكي لا يلزم ظلم في ذلك ، إنسان قضى عمره في أن يعبد الله برجاء أنه سيدخل الجنة ثم دخله الله نار جهنم هذا ظلم ، في الجهة الأخرى الوعيد لا يلزم لنفترض مثلا إنسان عمل عملا سيئا في هذه الدنيا يذهب به إلى نار جهنم ، من الممكن هناك أن تشمله شفاعة نبينا محمد صل الله عليه وآله وسلم أو أهل بيته أو حتى بعض المؤمنين الذين أذن لهم بالشفاعة من الممكن أن يشمله هذا أو يشمله عفو الله ولطفه فيتغير مصيره من النار إلى الجنة، فضل الله من الممكن أن يشمله هذا ، بينما الإباضية ذهبوا إلى ما ذهب إليه المعتزلة .

من الأمور التي انفرد بها الإباضية خلود مرتكب الكبيرة في النار ، بمعنى أن الذنوب على قسمين قسم من الذنوب صغائر وقسم من الذنوب كبائر ، الله يقول " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم " اللمم ، الأشياء الصغيرة والتي قد لا يخلو منها إنسان ولكن هناك أمور ذنوب كبيرة كشرب الخمر والعياذ بالله كالزنا كترك الصلاة ترك الصيام وترك الحج وأمثال ذلك ، هذه أمور من الكبائر وقد بحثنا في بعض السنوات الماضيه بحث مسلسل حول كبائر الذنوب ومالذي يجعل بعض الذنوب كبيرة وبعض الذنوب صغيرة ، هم يقولون لو أن شخصا عصا الله بذنب من الذنوب الكبيرة ، لنفترض شرب الخمر ومات على ذلك ولم يتب فهذا في رأي الإباضية إنسان مخلد في النار ، باقي المسلمين الرأي المشهور عندهم أن الكفر ومافي حكمه يخلد الإنسان في النار وأما الفسق والذنب يعاقب الإنسان ولكن ما دام هذا الإنسان موحدا يشهد لله بالشهادة والوحدانية ويشهد للنبي بالرسالة هذا لا يخلد وإنما فترة من العذاب ، فترة ليست مثل فترات هذه الأيام ، لا نعلم مليار مليار سنة أو أكثر من ذلك ، " يوم عند ربك كألف سنة مما تعدون " وفي موضع آخر " كان مقداره خمسين ألف سنة " المواضع والمواقف تختلف ، أكثر المسلمين يقولن هذا الذي تشهد لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة لا يخلد في النار وإنما فترة من الزمان ، عند الأباضية بعض الآيات يستدلون بها ظاهرها بأن نار جهنم خالدا فيها " ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده يدخل نار جهنم خالدا فيها " صار نقاش في مثل هذه الآيات من قبل سائر المسلمين ولكن هذه فكرتهم وقد انفردوا بها تقريبا.

موقفهم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

من الأشياء التي اختصوا بها ما يرتبط بقضية الموقف من أمير المؤمنين عليه السلام والموقف من الخليفة الثالث عثمان ، هذه مسألة من المسائل التي تحتاج بسط كبير ولكن نجن نختصرها قدر الإمكان ،المخالفون للإباضية يقولون أن الإباضية عندهم فكرة تولي الشيخين والبراءة من الصهرين ، يعني يتولون الخليفة الأول والثاني ويتبرؤون من الخليفة الثالث والرابع ، المعاصرون من الإباضية ينفون هذا الكلام وهذا الكلام إذا صح فقد يكون قد التزم به بعض أتباع هذا المذهب في فترة من الفترات الزمنية السابقة وأن المعاصرين من الموجودين لا يلتزمون به لذلك ينفونه ، هم لا يتحدثون عن مثل هذه الفكرة لاتجدها في كتبهم الحديثة التي تشرح آرائهم وأفكارهم ، نعم عندهم موقف حول كل الصحابة هم لا يؤمنون بفكرة عدالة الصحابة أجمعين وإنما يقولوا أن الصحابة أصناف وبالتالي كل واحد لابد أن نعرضه على المشرحة حسب التعبير ونحلل مواقفة وأوضاعه ، ثم بعد ذلك في خصوص أمير المؤمنين عليه السلام علي بن أبي طالب عندهم مشكلة في قضية التحكيم ، قدامى الخوارج كانوا يقولون أن عليا لما قبل بالتحكيم فقد أذنب لأنه حكم في دين الله بل بعض متطرفيهم يقول هو كفر بذلك ، لأن جعل أناس في مقام الحاكمية بدل الله سبحانه وتعالى نوع من الكفر ، هذا قسم من الخوارج وهم الذين جر بهم الأمر إلى مواجهة أمير المؤمنين في قضية النهروان و الإمام علي عليه السلام حاربهم وهم حاربوه وفي الأخير بعض هؤلاء اغتالوا الإمام سلام الله عليه ، قسم آخر وهم المعاصرون ما يظهر من كلماتهم ، كلمات المفتي الرسمي للإباضية لا ظهر منه هذا الكلام بل عكس ذلك ، يظهر منه كلام فيه مدح لأمير المؤمنين مثل تكريم الوجه ( علي كرم الله وجهه ) هذا من الأمور الشائعة عند بعض هؤلاء المعاصرين ولا سيما على مستوى الإفتاء وهناك مدح وثناء مثلا ينقل عن مفتي عمان وموجود على اليوتيوب حول الإمام علي عليه السلام أنه كان من أفقه الصحابة وأعلمهم بكتاب الله وما شابه ذلك ولكنهم يخطئونه فيما قيل تخطئة سياسية ، يقولون كان علي في وضع اضطره إلى أن يقبل بالتحكيم ، قبول التحكيم كان قرارا خاطئا من الناحية السياسية لم يكن صحيحا وكان ينبغي أن يتراجع عنه ، ولكن هذا يبقى ضمن دائرة الخطأ السياسي ، خطأ تدبيري وليس خطأ كفري يجر إلى تكفير وبراءة ، هذا الكلام الآن هو الدائر والموجود عند قسم من المعاصرين منهم ولاسيما في أكبر شخصياتهم المعروفة وهي مسجلة ، هل هذا هو تطور في المذهب الإباضي ، هل هو رأي نفس هذا العالم دون الباقين ، هذا يحتاج إلى بحث خاص ، ولكن إلى هذا المقدار هذا الشيء موجود ، أنهم لا يظهرون فكرة الولاية للشيخين والبراءة من الصهرين ، هناك إظهار لشيء من الثناء والمدح لعلي عليه السلام ، هناك كلام بأن خطأ قبول التحكيم ليس خطأ يجر إلى قضية تكفير القائم به وإنما هو خطأ سياسي تدبيري ، إذا كانت هذه الأفكار الآن هي الأفكار السائدة فهذا بلا شك سوف يخفف من حالة الابتعاد بين الإباضية وبين سائر أبناء الأمة ، بالتالي حتى غير الشيعة بالنسبة للإمام علي عليه السلام وإن لم يكونوا يروه الإمام الأول ولكن لا يرون خطأه وأن قد أذنب بقبول التحكيم أو أنه يجب عليه أن يتوب ، يرون عمله عملا صحيحا ولا غبار عليه ، إذا كان هذا هو الرأي الشائع الآن وهو الذي يبشر به وينشر ويتكلم فيه ، فهذا من التطورات الحميدة والحسنة التي سوف تنتهي إلى شيء من التقريب ليس فقط بين الإمامية والإباضية ، الإمام علي علي السلام بالنسبة للإمامية أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل هو في عمله معصوم ، فمثل هذا الموقف الذي يعبر عنه بالموقف التصالحي النسبي إذا استر سوف يكون له أثر طيب في العلاقة بين أتباع هذا المذهب وبين الإمامية من جهة بل من بين سائر أتباع مدرسة الخلفاء أيضا ، موقفهم أتجاه الأمويين موقف شديد جدا ، وهم في هذا يشابهون شيعة أهل البيت بل أحيانا ربما يتقدمون خطوة ويعتبرون أن الاستبداد الموجود في الأمة الإسلامية اليوم منشأه منشأ أموي وثقافة أموية ، وهذا ما أشار غليه مفتي السلطنة في كتاب الاستبداد ، يرجع فيع الاستبداد الموجود في عالم المسلمين إلى حالات الاستبداد الكبيرة التي كانت في زمان الأمويين ، هناك ملاحظة بعض الباحثين خارج هذه الدائرة يقول أن الأمة تعرضت لخدعة في فترات الدولة الأموية عندما قامت الدولة الأموية وأجهزة إعلامها بتوجيه الضوء إلى سيئات ومشاكل الخوارج ثم افترضت أن كل ثائر عليها هو من الخوارج ، وهؤلاء وإن كان لهم كثير من الأخطاء لكن كأنما أصبحت المشكلة الأصلية في الأمة هي ثورات هؤلاء وخروجهم على الدولة الأموية ، بينما المشكلة الأصلية كانت في الاستبداد الأموي ، الطغيان الأموي وقد يشير إلى هذا الكلام ما روي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي جاء في نهج البلاغة في قوله ( لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه) أنا علي ب أبي طالب ميزان الحق يدور معه الحق حيث ما دار ولكن من بعدي سوف يكون هناك فئتان ، فئة لغفلتهم ولجهلهم ولعدم وعيهم ذهبوا وراء الباطل وهم يزعمون أنه الحق ، طلبوا الحق ولكن وصلوا للباطل ، أخطأوا الحق وأدركوا الباطل وهم هؤلاء أصحاب الجباه السوداء والعباد الغير الواعين ، الذين يصبحون عادة محل للخداع لهم، عنده حماس ديني ولكن ليس عنده بصيرة بنفس المقدار ، أما الطرف الآخر ليس من طلب الحق فأخطأه يعني الخوارج ذهبوا وراء الحق بزعمهم لكنهم أخطأوه في الواقع ، في المقابل الأمويون مع سبق إصرار كانوا يريدون الباطل ويصرون عليه وقد أدركوه فعلا وحصلوا عليه ، فالأمة توجهت لمن يخالف الاستبداد الأموي وعظم من شأن الخوارج ، بينما نسب المخرب الحقيقي والأصلي وهو التيار الاموي في الأمة والحكام الأمويون وهذه الفكرة ليست بعيدة عن الصحة كما يذكرها بعض الباحثين ، هنا الإباضية كانوا شديدين فيما يرتبط بالحالة الأموية ينسبون إليهم كل الجرائم ، أول من جاء بهذا الفم المستبد وهذا الموقف المستبد عبد الملك بن مروان يصعد على منبر يفترض أنه منبر الخلافة الإسلامية ويقول لست بالخليفة المداهن ولا بالخليفة المأفون ، لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إلا ضربت عنقه ، هذا إلى ماذا يريد أن يؤسس أي نموذج يريد أن يعطي ، أي صورة يقدمها للأجيال القادمة ،هذا الذي أنتج الاستبداد في الأمة ، أما عن يزيد فحدث ولا حرج ، على أثر أن عبدالله بن حنظل غسيل الملائكة في رواية معروفة أنه كان ليلة زواجه دخل على زوجته وفي الفجر نادى المنادي بالخروج للغزو فهذا خرج قبل أن يغتسل ،فذهب للقتال فاستشهد في تلك المعركة ،فقال النبي صلى الله عليه وآله رأيت الملائكة بصحف من الجنة تغسل حنظلة بماء المزن فسمي بغسيل الملائكة ، ابنه عبدالله وكان صالحا ونقي السيرة ذهب للشام ورجع وقال لو لم أجد إلا ابني لقاتلت يزيد بن معاوية على ما رأيت فيه من الموبقات والمنكرات وأعلن الثورة في المدينة ويزيد أيضا جرد لهم مسلم بن عقبة المري سمي فيما بعد بمسرف و جاؤاإلى المدينة واقتحموها وقتلوا من ثار ثم أباحها ثلاثة أيام ، تقتل أي أحد ، أي أمرأة تغتصبها ، حتى قد ربطت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الكلام الذي ينقل من هؤلاء في كتاب الاستبداد ، اغتصبت أكثر من 1000 عذراء وقد وجد عدد كبير من الأولاد لايعرف لهم آباء فيما بعد وقتلوا عددا كبير من الصحابة أبنائهم 700 شخص هذا بالنسبة للأمويون ، لذلك يشددون النكيرة عليهم وهذا كلام صحيح لا غبار عليه.

مرات العرض: 3444
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 56209.58 KB
تشغيل:

تشريع الخمس من زمان الحسنين إلى زمان الحجة 27
الخمس أسئلة صريحة واجابات  واضحة 28