الخيانة في الأعمال والمال 13
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 17/7/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية 
الخيانة في المال والأعمال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين
السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته
في كتاب الكافي، لثقة الإسلام الكليني، رواية عن الإمام الصادق (ع)، ينقلها عن رسول الله (ص)، عن أبي عبد الله الصادق قال: قال رسول الله (ص): "ثَلَاث ٌمَنْ كُنَّ فِيهِ، كَانَ مُنَافِقًا، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ". ثلاث خصال إذا اجتمعت في إنسان، فهو منافق. حتى وإن كان يؤدي العبادات ويرى نفسه مسلما. إلا أنه مع توفر هذه الخصال فيه، يكون منافقا. الخصال هي: "مَنْ إِذَا أُؤْتُمِنَ خَانَ"، أي عندما يؤتمن على شيء، يخون الأمين. يؤتمن على المال، فيخون المال. يؤتمن على عمل، فيخون في العمل. يؤتمن على أمانة، فلا يؤديها إلى ما ينبغي أداؤها إليه. "مَنْ إِذَا أُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ. إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ). وَقَالَ: (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، وَفِي قَوْلِهِ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا).
هذا الحديث الشريف، وهذه الخصال التي ذكرت فيه، ذكرت في أحاديث كثيرة جدا. في مصادر مدرسة الخلفاء، تكرر هذا الحديث: "أَنَّ عَلَامَات المؤْمِنِ ثَلَاثٌ، وَأَنَّ عَلَامَات المنَافِقِ ثَلَاثٌ"، ومنها: "مَنْ إِذَا أُؤْتُمِنَ خَانَ". نفتتح حديثنا حول موضوع الخيانة - كأحد الأمراض الأخلاقية - بهذا الحديث الشريف، الذي يسلب عن الإنسان الخائن للأمانة صفة الإسلام وإن صام وصلى. وهناك حديث آخر، أشد من هذا الحديث، فيه: "أَنَّ أَحَدَهُم سَأَلَ الإِمَامَ (ع): كَيفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا أُؤتُمِنَ خَانَ، قَالَ: هُو فِي أَدْنَى دَرَجَةٍ مِنَ الكُفْرِ، وَلَيسَ بِكَافِر". هذا ما دام يتشهد الشهادتين، فهو يبقى على إسلامه. لكن هذه الصفات إذا اجتمعت فيه، تجعله أقرب شيء إلى أن يكون كافرا؛ وإن لم يكن كافرا.
ومثل هذه الأحاديث، ينبغي أن تغير نظرة الإنسان إلى اتصافه بالإيمان والإسلام. الغالب أن الناس لا يجعلون الاتصاف بالصفات والالتزام بالأعمال، تصديقا للعنوان. مسلم، يعني: أبوه مسلم، وأمه مسلمة، وهو ولد منهما. وأيضا يتشهد الشهادتين. لكن جاءت مثل هذه الأحاديث لتقول لنا: وإن زعم أنه مسلم، وإن صلى، وإن صام، إلى أنه مع اجتماع هذه الصفات، لا يكون مسلما حقيقيا، ولا يكون مؤمنا، وإنما يعد في جملة المنافقين.
حديثنا هذا يكون افتتاحا لموضوع الخيانة في الأعمال وفي المال. نحن تحدثنا في أحاديث سابقة عن موضوع الخيانة، وتطرقنا إلى شدة التنكير عليه في القرآن الكريم وفي أحاديث المعصومين. ثم تحدثنا أيضا حول أن القاعدة هي أن: المجالس بالأمانة، أو بالأمانات. وأنه لا يجوز للإنسان المسلم، إذا كان في مجلس أو تجمع، ودار حديث لم يكن يرغب المتحدث فيه بنشره، لا يجوز لهذا الإنسان الآخر، الجالس في هذا المجلس، أن ينقله؛ لأن المجالس بالأمانة. وتحدثنا عن هذا مفصلا.
حديثنا هذا اليوم يتناول بعض أطراف قضية الخيانة في الأعمال وفي المال. المظاهر والأمثلة على قضية الخيانة في الأعمال وفي المال أكثر من أن تُحصر. لا يستطيع الإنسان أن يعدد كل الأمثلة. ولكننا نتطرق إلى بعضها، من باب أنها أكثر شهرة، ومن باب التمثيل بها؛ للاهتداء إلى حكم غيرها.
هذه الصور وإن تعددت، إلا أنه يفترض أن مرجعها: أن الإنسان الخائن خالف مقتضى الأمانة في هذا العمل الموكل إليه، أو خالف مقتضى الأمانة في المال الذي أؤتمن عليه. الآن تتعدد الطريقة، بهذا الأسلوب، بذاك الأسلوب، أكثر، أقل. لكن منتهاها إلى هذا الأمر. من ذلك مثلا: في قضايا الأعمال، ما قد يُبتلى به بعض مسؤولي التسويق والشراء في الشركات والأعمال.
أنا موظف أشتري أغراضا وسلعا للشركة التي أعمل فيها، أي مندوب شراء. فيعطى لي مثلا 10 آلاف ريال أو دولار، ويقال لي: نريد منك أن تشتري السلعة الكذائية، تشتري مراوح مثلا، كاميرات، أنوار، وأمثال ذلك. وهذه نحن نحتاج منها إلى ألف إنارة على سبيل المثال، أو إلى 10 مراوح أو إلى ثلاث كاميرات، أو ما شابه ذلك.
أنا كوكيل عن الشركة، آخذ المال وأذهب إلى السوق، فأرى أن هناك إنارات ليست بعشرة ريالات، بل بخمسة، فبدل أن أشتري الأولى، أشتري الثانية، وآتي بها إلى الشركة. أنا هنا وفرت خمسة آلاف ريال، أعتبرها من حقي وأجعلها في جيبي. هنا جمع هذا الإنسان عدة خيانات: الخيانة الأولى: أنه لم يأت بحسب المواصفات. قالوا له مثلا: الإنارة المطلوبة بهذه المواصفات، وتكلفتها عادة بحدود العشرة، فذهب وجاء بما هو أقل من المواصفات. وهذه خيانة. ثم أيضا، وضع المال الزائد في جيبه. وهذه خيانة أخرى وسرقة وعمل محرم وغير جائز. وهذه من المشاكل التي يتورط فيها قسم من الناس، أحيانا ليس على مستوى الآلاف، بل على مستوى عشرات الملايين. ولكن هذا الأمر من الناحية الشرعية غير جائز وينطبق عليه: "وَإِذَا أُؤتُمِنَ خَانَ".
نعم، يستطيع الإنسان أن يغير المسألة بنحو آخر، ويقوم بعمل مشروع، مثل: أن يقول للشركة الفلانية: أنتم تريدون ألف إنارة، أو 100 مروحة، بالعلامة التجارية الفلانية، فبكم تشتروها؟ أنا أبيعها عليكم مثلا بعشرة آلاف، هذه هي الميزانية اللي أنتم جعلتموها لهذه السلعة. ثم أذهب أنا وأشتريها لنفسي، ثم أقوم ببيعها على الشركة. أنا هنا لست وكيلا في الشراء.
إذا كان الإنسان في الحالة الأولى وكيل في الشراء، أي مدير الشركة يقول له: أنت وكيل عنا. وبمقتضى هذه الوكالة، تذهب وتشتري لنا هذا المقدار من الإنارات، أو من المراوح أو الكاميرات أو اللواقط، فهذا لا يستطيع أن يصنع شيئا. لا بد أن يذهب ويرى كم سعرها، وأقل سعر يستطيع الحصول عليه، يشتريه بما أنه وكيل للشركة، ويرجع الباقي إلى مسؤول الشركة. فهو لا يستطيع أن يصنع شيئا. ولا يجوز له أن يشتري بالقيمة الغالية، مع وجود القيمة الأرخص، إذا كانت المواصفات نفسها للسلعتين؛ لأن ذاك خلاف مقتضى الأمانة.
أنت مؤتمن على عمل، ينبغي أن تأخذ جانب الشركة، أنت وكيل في مثل هذا الأمر. تذهب وتأخذ هذه الإنارة، بهذه العلامة التجارية، بنفس القدرة، قدرة الإضاءة، بعشرة، وهي بسبعة في مكان آخر. لا يجوز لك هذا. هذا خلاف مقتضى أمانتك. إذا موجود في السوق بسعر أكثر مناسبة، وأنت وكيل عن الشركة، فمقتضى وكالتك وأمانتك فيها أن تأخذ بالسعر المناسب لهم. ثم إذا زاد شيء من هذا المال، لا يحق لك أن تضعه في جيبك.
وقسم من الناس، والحمد لله، ليس في مجلسنا، وربما فيمن يسمعنا، مثل هذا الصنف. يقول لك مثلا: ولو هي بسبعة آلاف، لكن أنت اكتب في الفاتورة تسعة آلاف، حتى أقدمها للشركة، وأنا آخذ الألفين. الفاتورة لا تحلل لك. ليكتب عشر فواتير، هذا لا يحلل لك ذلك. تلك الكتابة لا تحلل لك المال الذي تأخذه من غير حق. هذا مثل من الأمثلة التي قد يتورط فيها البعض. كما قلت، هناك طريقة أخرى، يقول هذا للشركة: أنا لست وكيلا عنكم، أنا أدبر إليكم هذا المقدار من الإنارات، هذا المقدار من الكاميرات، هذا المقدار من المراوح، كم العدد الذي تريدون؟ ألف إنارة. بكم تشترونها؟ 10 آلاف، لا بأس، أنا أبيع لكم هذا العدد، بهذا المقدار من المال.
ثم أذهب إلى السوق، وبجهدي أشتري لنفسي، بنفس المواصفات، فحتى لو كلفتني ثلاثة آلاف، لي أن أبيعها عليهم بيعة أخرى. أنا يا أيتها الشركة كما تعهدت لكم، جلبت لكم هذا المقدار من الإنارات ومن المراوح وأنتم ادفعوا لي العشرة آلاف. هذا يجوز. عمليتان شرائيتان، ومن البداية لم يكن وكيلا عن الشركة في الشراء، وإنما كان بائعا. اذهب، دبر لنا ألف إنارة، أو 100 مروحة، بكذا، بعشرة آلاف ريال، هذا لا مانع فيه. يشتري ثم يبيع، والربح له حلال. لا مشكلة. هذه حالة من حالات الخيانة بالنحو الأول.
حالة أخرى، ما قد يبتلى بها مسؤولو الرقابة ومن بيدهم التقارير: مهندس، مشرف، أمثال هؤلاء. المفروض أنه يأتي ويرى: هل هذه الشركة نفذت الشارع في تبليطه بحسب المواصفات أم لا. فإذا أتى ورأى أن هذا الشارع ليس بحسب المواصفات، لا في بنية تحتية، لا في تصريف، لا في استقامة، لا في المادة المستخدمة: نوعية سيئة، هنا تتبين أمانته أو خيانته.
يأتي فلان ويقول له: "أنت أعطنا التقرير، وحقك محفوظ". أين حقه؟ هو ما له حق عليك. هو عارف هذه الشفرة. هذه شفرات ليست باللغة العبرية. أو يقول: "ترا ما يُخدم بخيل". العبارة التي ما أنزل الله بها من سلطان. لا يخدم بخيلا: هذه أصبحت: سلام عليكم، عليكم السلام، يعني: اتفاق. فيكتب تقريرا أنه نعم، هذا الشارع من أحسن الشوارع، ومطابق للمواصفات. ولا أعلم لو الغربيون يأتون ويرون هذه الشوارع لاستوردوا خبراتنا إليهم. ثم الحساب بعد ذلك بينهما. هذه خيانة. والمال الذي يأخذه ذلكم المراقب حرام شرعا. لا يجوز له. وقد خالف مقتضى الأمانة في عمله.
هذا هو الذي جعل بلداننا بهذه الصورة. سمعتم قبل مدة من الزمان، إحدى البلاد صارت فيها سيول وجرفت منازل وسيارات وأناس مع أنه قد صُرِفت عليها مليارات على أساس بنية تحتية قوية، فإذا صار مطر أو غير ذلك، تجتنبه. بعد ذلك، ذهبوا ونظروا، فإذا هو مجرد غطاء، لا شيء تحته أصلا. فقط غطاء. تراه، ترى تحته التراب. ثم يأتي مهندس بعد هذا، ويكتب أنه مطابق للمواصفات، ويستلم ما يستلمه سحتا وحراما وهذا من أنحاء الخيانة. وأمثال ذلك شيء كثير.
من بيدهم إعطاء التقرير في أن هذا صالح ومطابق للمواصفات أو لا، قد يتورط بعضهم في هذه الجهة. الإنسان المؤمن الحقيقي يرى أن مثل هذا الأمر مخالف للأمانة، ليس فقط لا يأخذ مالا عليه، بل يقول: أنا هذا الأمر، حتى بدون مال لا أصنعه. وليس فقط لا أدخل في جيبي أمرا حراما، بل أيضا لا أعطيك شيئا يقر على الخطأ والفساد.
مدراء المؤسسات والمراكز والشركات أمرهم أكثر تعقيدا، إلا إن عصم بدين وضمير، وعرف أن المراقبة عليه، سواء كانت المراقبة الإلهية الربانية، أو كانت المراقبة القانونية. فإذا عرف أن ذلك صارم، ربما يتراجع بعضهم. ولكن هناك أشخاص باعتبار أنهم أصبحوا مدراء، مسؤولين، فكلما صارت رتبة هذا الإنسان أعلى صار أقوى، وصار إمكان خيانته المالية أكبر، وإمكان حمايته لنفسه أصعب. هذه هي المشكلة. يعني الموظف البسيط هو دائما في حالة خوف. ولكن إذا أصبح في مرتبة وزير، أو من يشبه، لا، هذا عنده علاقات وارتباطات، وحسب التعبير، "واصل". فهو في مأمن. لنفترض أنه أمن العقوبة الدنيوية، فمن يؤمنه من العقوبة الأخروية؟!
وتتعدد أساليبهم في هذا. بعضهم نقل: في مكان من الأماكن، كانت ميزانية مستشفى لمدة اثنتي عشرة سنة، تُصرف رواتب للأطباء، للممرضات، للأجهزة، بدلات نقل، تبديل سيارات، خلال 12 سنة، مع أن هذا المستشفى من 12 سنة، هُدم وتُرك، ليس فيه شيء. أصلا ليس من شيء إلا كومة أحجار، مهجور. لكن كل سنة تكون ميزانية كذا لطبيب العيون، راتبه هكذا، وعلاوة سنوية هكذا، وطبيب العظام هكذا، وعلاوة هكذا، والممرضة الكذائية، وأسماء هكذا. 12 سنة! أي نار يدخلها هذا الإنسان في جوفه وأي مال حرام يستهلكه ويأكله.
أما المشروع فأصلا ليس موجودا، وعجيب هذا الذي يقدم على هذا الأمر، كم هو أمَّن وضعه بحيث يستطيع أن يستمر. لا شهر، ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتين، أو أحيانا أشياء تغدو مضحكة، جهاز لا يساوي شيئا، مع ذلك تراه يؤخذه بأكثر القيم. في إحدى بلاد المسلمين، كان ما يسمى بفضيحة السونار. أي جهاز السونار. يفترض أن هذا الجهاز يكشف عن المتفجرات، لكن بعد مدة سنتين ونصف، أكثر، أقل، ذهب جماعة وتحققوا، فرأوا أن هذا الشيء مجرد لعبة، مثل: لعبة المسدس. لا يكشف لا متفجرات ولا حتى طماطم. الآن، أنت دع عنك الأمر المالي، كم من الأرواح أزهقت، بسبب أن زيد من الناس يريد أن يربح مقدارا من المال فيأتي بجهاز مغشوش، مضروب، مئات من الضحايا راحت خلال تلك المدة من أجل فلان من الناس جعل في بطنه نارا تلتهب عليه يوم القيامة.
الخيانة في العمل – أحيانا - تصعد خطورتها إلى مثل هذا المستوى. ليست حكاية فقط: بيت وانهار على أهله، نظرا لأن المهندس خان أمانته وأعطى تقريرا غير مناسب، وإنما يصبح هذا - بعد السعي وراء المال من أي مصدر جاء، واستسهال أمر الخيانة - يعد براعة، وبعض الناس يعتبرونه كذلك. فتذهب جراء ذلك نفوس، ودماء تسيل، وعوائل تندثر، وأيتام تكثر، ونساء تترمل.
هذا جزء من الخيانة. الآن، لا واحد يأتي ويقول: هذه الأمور الحمد لله بعيدة عنا. الواحد منا ليس متورطا في هذه الصفقات الكبيرة والأمور الكثيرة. لكن لا، هناك أشياء قريبة منا، ما يرتبط بأعمالنا الشخصية. أنا إنسان موظف في دائرة من الدوائر، لا سيما الدوائر التي ترتبط بأعمال الناس، وحاجات الناس: المحاكم، الأحوال المدنية، الصحة، التعليم، البلديات، غير ذلك.
أنا المفروض - بحسب العقد الموقع بيني وبين الجهة - أن أداوم مثلا من الساعة 8 إلى الساعة 2؛ حتى أقضي حوائج الناس. لكني آتي الدوام الساعة 9، وأفكر أولا أنه لا بد أن أفطر، والإفطار لا يحلو إلا في داخل هذه الإدارة، ولا بد أن يكون مع الجماعة، جلسة وكذا، 9:30، 10 إلا، نكون للتو قمنا نتحرك باتجاه أعمالنا. بعد ساعة، ساعة ونصف، ارتفع الآذان، فنتحضر للصلاة، فلا يصح من الواحد منا أن يترك الصلاة من أجل العمل.
أذهب إلى وضوئي وصلاتي 40 دقيقة، 50 دقيقة، وإلى آخره. أصبحت الساعة 12:30، 1. صار لا بد أن أجلب ابني من المدرسة، وابنتي من المدرسة. أصبحت الواحدة والنصف، لماذا أرجع إلى الدائرة الآن؟ والساعة 2 ينتهي دوامي! هذا من خيانة الاتفاق. ولا سيما إذا تعطلت معه حاجات الناس. هذا لا يأكل ماله أكلا بالحق وإنما يأكل بالباطل. (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ)، يقول القرآن الكريم، (بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، هذا من الأكل بالباطل.
أنت مسؤول عن أن تنجز هذا العمل. لست تتفضل علي أنا. بعضهم تذهب إليهم وتراجعهم، إذا تتحدث معهم قليلا، قالوا لك: ماذا أفعل لك، راجعني غدا. لا يحق له ذلك. شرعا لا يحق له. في سائر الأماكن يعاقب هذا. الآن، في بلادنا المسلمة هذا الأمر، المباشر للمهمة، لا يعتبر نفسه خادما وموظفا ومسؤولا.
مسؤول ماذا معناه، معناه: أحد يسأله، يحقق معه. مسؤول لا يعني أن يأتي هو ويتهجم على المراجع. موظف يعني: عليه وظيفة، يجب أن يقوم بها. أما قسم تراه هناك جبار. في الصحة إذا تتكلم معه قليلا، قال لك: ماذا أصنع لك؟! أنا كذا وكذا. ماذا تصنع؟! عليك أن تلتزم بدوامك. أنت هنا تأخذ مالا، لا تتصدق علي، ولا تتفضل. أنت في كل دقيقة يحسب لك مبلغ من المال، في كل ساعة يحسب لك ذلك.
بسببي أنا، أنت ترتزق. أنا المراجع صاحب فضل عليك؛ لأنك لولاي - أنا المراجع - لا تحصل على وظيفة. وإذا لا تحصل على وظيفة، لا تحصل على رزق. فلا بد أنت أن تعرف أنك لست صاحب فضل علي. حتى إذا أديت شغلا، تروح تمن علي. نحن أدينا شغلك! هذه وظيفتك. أنجزتها لك في نفس اليوم! هذا واجبك. لو لم تعمله أنت، لم تكن مستحلا لهذا المال الذي أخذته، وكنت خائنا لمقتضى الاتفاق المبرم بينك وبين هذه المؤسسة أو هذه الجهة.
فبعضهم لديهم عدة أعمال. افترض هو في البلدية ولديه مكتب هندسي، ومكتب آخر مقاولات، فيأتي ساعة في هذا المكان، ويذهب إلى هناك ساعة، ومكان ثالث لمدة ساعة! هنا لا يجوز هذا، أنت أُخِذ عليك أن تدوام 8 ساعات، 6 ساعات، فيجب أن تصرفها في هذا العمل كلها. موظف - لنفترض في التعليم، في الصحة - نفس الكلام، كله بشكل واحد. من عدم الأمانة أن يقتصر ويختزل الإنسان مدة دوامه، وأن يخرج هنا وهناك لأعمال أخرى، وأحيانا حتى ليس لأعمال أخرى. أشرنا في بعض الحالات، لواجب، لأمور اجتماعية، فاتحة فلان صبحا، فلا بد أن أذهب إليها. لا يجوز لك أن تترك عملك للناس، وتذهب إلى فلان وفلتان. تريد أن تقوم بمستحب شرعا، وهو التعزية، بما فيه محذور شرعي! إذا ضاقت عليك، لا تذهب. أنت في اتفاق مع ذلك الطرف الأول صباحا. فهذه من الأمور التي أيضا تعد من الخيانة.
أحيانا حتى التضييع يعد خيانة. أي عدم الإدارة الحسنة. وقد أشرنا إلى هذا عند حديثنا حول موضوع الأوقاف. أحيانا عدم الإدارة الحسنة قد يرتقي إلى مستوى الخيانة. في حديث عن الإمام الصادق (ع)، يقول رجل: "نَظَرْتُ إِلَى الإِمَامِ الصَّادِقِ (ع) وَهُوَ يُحَاسِبُ وَكِيلًا لَهُ"، وكيل، مثلا أوكله بمهمة، بعمل، "وَكَانَ الوَكِيلُ يَكْثُرُ مِنْ قَوْلِ: وَاللهِ مَا خُنْتُ"، والله ما خنت أنا، فقال له: "يَا هَذَا"، الإمام يقول له، "خِيَانَتُكَ وَتَضْيِيعُكَ عَلَيَّ مَالِي سَوَاءٌ". أنت خائن أو كنت مضيع للمال. مهمل، لديك مزرعة وأهملتها. لست متعمدا في الخيانة. لكن بدل أن تذهب إليها كل، في الأسبوع تذهب مرة. بدل أن تحرص على سقيها، تقول غدا، وبعد غد، هذا تضييع. ولو أنت لست متعمدا للخيانة. النتيجة واحدة، "خِيَانَتُكَ وَتَضْيِيعُكَ عَلَيَّ مَالِي سَوَاءٌ"، في النتيجة، النتيجة واحدة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا الخيانة، وأن يجنبنا آثارها وأن يعيننا بالأمانة، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3398
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2563) حجم الملف: 33486.11 KB
تشغيل:

الخيانة رأس النفاق 11
الخيانة الزوجية 14