الاصابة بالعين هل تثبتها الروايات او العلم ؟ 10
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/5/1438 هـ
تعريف:

 

 

سلسلة الأمراض الأخلاقية

الإصابة بالعين هل تثبتها الروايات أو العلم؟

كتابة الاخت الفاضلة أمجاد عبد العال

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد

وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين

السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته

حديثنا في هذا اليوم يتناول هذا العنوان: هل تثبت الإصابة بالعين من خلال الروايات والسنة والعلم، أو لا. وماذا يترتب على فكرة الإصابة بالعين. وقد سبق أن ذكرنا في حديث سابق أن ما استدل به كثيرون على فكرة الإصابة بالعين، من خلال آيات القرآن الكريم، لم تكن تلك الآيات، التي ذكرها المفسرون صريحة في أمر العين والإصابة بها، بالنحو الذي ذكرناه في ذلك الحديث.

إلا أننا، عندما ننتقل إلى الروايات، ولا سيما الروايات الواردة في مصادر مدرسة الخلفاء، نجد الكثير من الروايات الصحيحة على مبانيهم، والصريحة أيضا في دلالتها. بخلاف ما هو موجود في مدرسة أهل البيت (ع)، فإن الروايات فيها - في الغالب - ليست نقية السند، وأيضا ليست واضحة وصريحة الدلالة.

فلنستطرد للحديث عن هذا الموضوع، مستعرضين أولا: الروايات الواردة في مصادر مدرسة الخلفاء. وكلها التي انتخبناها، هي وفق مبانيهم: صحيحة السند. فعن أم سلمة أن النبي (ص) رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: "اسْتَرْقُوْا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةُ". كأنما أثر في وجهها، شبيه بالاسوداد أو الاسمرار. فقال: "اسْتَرْقُوْا لَهَا"، أي اصنعوا لها رقية، "فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةُ"، فسرت هذه: بأنها نظرة عين أو نظرة جن ،كما قالوا في تفسير هذا الحديث.

حديث آخر، وهو مشهور عندهم: "إِنَّ العَيْنَ لَتُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالجَمَلَ القِدْرَ". إلى هذا المقدار، حسب التعبير، وبناء على هذه الرواية: يكونا للعين أثرها، وأنها قد تميت الإنسان وتدخله إلى قبره. وأنها تدخل الجمل إلى القدر، مثلا: بأن يُؤكل، أو يُطبخ، وغير ذلك من المعاني. فإذن، بناء على هذا الحديث الوارد في مصادر مدرسة الجمهور: العين مؤثرة إلى هذا المقدار.

في حديث ثالث: "اسْتَعِيذُوْا بِاللهِ مِنَ الْعَينِ، فَإِنَّ العَيْنَ حَقٌّ". هذا أيضا موجود في مصادرهم. وفيه أمر بالاستعاذة من العين؛ لأن العين حق. وفسر معنى: العين حق: هو أثرها، وتأثيرها، وضررها، كله حق. وأن النبي كان يتعوذ من الجآن ومن عين الإنسان؛ حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما.

أي أنه كان يتعوذ بأدعية وما شابه ذلك من الجآن ومن عين الإنسان، إلى أن نزلت سورة الفلق وسورة الناس. وفيهما تعويذة: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، فترك سائر التعويذات واكتفى بالسورتين.

وفي حديث ننهي به هذا المقطع، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أباه يقول: "اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حَنِيف، فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيهِ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةٍ يَنْظُرُ، فَقَالَ: وَكَانَ سَهْلٌ"، من يريد أن يغتسل ونزع ما عليه من الثياب، "رَجُلًا أَبْيضَ حَسَنُ الجِلْدِ، فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَة: مَا رَأَيْتُكَ اليَوْمَ وَلَا جِلْدَ عَذْرَاء"، وفي نقل آخر: "وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ". أي: كم هذا البشرة جميلة وبيضاء، حتى أجمل من - مثلا - بشرة المرأة العذراء! قال: "فَوَعَكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ" في نفس الوقت، طرحه، حسب التعبير، وأتى عليه. "فَوَعَكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ، وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ، فَأُوتِيَ رَسُولُ اللهِ (ص)، فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلًا وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيرَ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ"، أي أنه مريض، فما عاد يقدر أن يرافقه. "فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ، فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِمَا كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرٍ"، بمعنى أنه: قال له بأن: كذا وكذا، فقال رسول الله (ص): "عَلَام َيَقْتُلُ أَحَدُكُم أَخَاهُ! أَلَّا بَرَّكْتَ"، يعني قلت مثلا: بارك الله، "أَلَّا بَرَّكْتَ؟ أَنَّ العَيْنَ حَقٌّ. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ"، أي: أمر عامر بأن يتوضأ، ويغسل يديه، ويلقى بالماء على سهل. فراح سهل مع رسول الله، ليس به بأس. هذه غيض من فيض مما جاء في روايات مدرسة الخلفاء من أن العين وأثرها والإصابة بها شيء من جملة الأمور المسلمة التي لا يناقش فيها أحد تقريبا.

ولذلك أيضا، تحولت هذه إلى جزء من التقاليد الشعبية، حسب التعبير، والآثار التي نراها. مثلا: بناء على أن هذه حقيقة نهائية لا كلام فيها، أصبحت قضية الرقية في الوسط الشعبي في مدرسة الخلفاء، شيئا كثيرا جدا. وأصبحت القراءة على الماء، وعلى الزيت، ثم دهن الجلد بهما، فهما مقروء عليهما، شائعا ورائجا. بل وأصبحت تجارة. فعند كثير من الناس تحولت هذه إلى مصدر دخل مهم لهم.

وأصبح جزء من الفضائيات، شغلها الشاغل: هو الرقية، ومحاربة آثار العين حسب التعبير. وهذا كله يكشف عن أن هذه القضية، ضمن أجواء مدرسة الخلفاء، من جملة الحقائق والمسلمات التي لا تقبل النقاش في وسطهم. وحضورها في أتباع هذه المدرسة حضور قوي جدا، على مستوى العلماء، وعلى مستوى العامة. أي: عامة الناس.

على خلاف هذا الأمر تقريبا، ما نجده في مدرسة أهل البيت. فلا نجد مثلا هذه الأحاديث الكثيرة، ولا هذه الأحاديث الصحيحة، ولا هذا الحضور المكثف والكبير لقضية العين وما يتبعها من القراءة والرقية وأمثال ذلك. وإن كانت توجد، ولكن في مواضع محدودة. فليس حضورها – لا على مستوى العلماء – حضور قوي وكبير، بحوث مثلا، قد لا نجد في هذا الجانب بحوثا تؤكد هذا المعنى. وإنما تقف منه في كثير من الأحيان موقف التسليم على مضض، أو موقف المناقشة، أو موقف المخالفة.

ولما نأتي إلى الروايات، أيضا نجد: أن الروايات الواردة في هذا الباب، غالبا لا تتمتع بميزة الاعتبار. مثلا، لو أردنا أن نقرأ في الكافي، رواية: عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): "رَقَى النَّبِيُّ حَسَنًا وَحُسَيْنًا، فَقَالَ: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَاتِ وَأَسْمَائِهِ الحُسْنَى كُلَّهَا، مِنْ شَرِّ السَآمَّةِ وَالهَامَّةِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ". الشاهد: في العين اللامة، أي: العين التي تلم بالإنسان وتضر به، (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، ثم التفت النبي إلينا وقال: "هَكَذَا كَانَ يُعَوِّذُ إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ"، يعني: ابنيه.

هذه الرواية، على أكثر المسالك، إن لم تكن كلها، غير نقية السند، ضعيفة من حيث السند. ولا تتميز بميزة الاعتبار. ومثلها أيضا، رواية أخرى، أيضا ضعيفة، في الكافي، في قضية الاغتسال من ماء اغتسل فيه الجُنُب. في بعض الأماكن، لا سيما في السابق، كان الحمام فيه مكان يسمى بالخزينة. مكان معين، يغتسل فيه الناس، وهو بمقدار الكر أو أكثر. فيأتي أحدهم ويغتسل فيه، ويأتي ثان ويغتسل فيه أيضا. فهناك سؤال، أحد من الأصحاب يسأل الإمام (ع) عن الاغتسال من ماء اغتسل فيه الجُنب. إلى أن يقول السائل: "إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءٌ مِنَ الْعَينِ"، فقال: "كَذَبُوْا، يَغْتَسِلُ فِيهِ الجُنُبُ مِنَ الحَرَامِ، وَالزَّانِي، وَالنَّاصِبُ الَّذِي هُوَ شَرُّهُمَا، وَكُلُّ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ، ثُمَّ يَكُونُ فِيهِ شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ. إِنَّمَا شِفَاءُ الْعَيْنِ قِرَاءَةُ الحَمْدِ وَالمُعَوَّذَتَيْنِ وَآيَةِ الْكُرْسِي ..."، إلى آخر الحديث.

فالشاهد هنا، كأنما في رد الإمام (ع): إنما شفاء العين في كذا وكذا. كأنما الإمام (ع) يريد أن يقول: إن العين من الممكن أن تضر، ولكن شفاءها ليس بالاغتسال بذلك الماء الذي اغتسل فيه جنب. وإنما شفاءها بقراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين. إذن، من هذا يتبين: أن العين لها أثر.

غير أن هذا الرواية بدورها، رواية ضعيفة من حيث السند. ورواية ثالثة، في كتاب الفقيه: من لا يحضره الفقيه، "لَا يَدَعُ الرَّجُلُ"، عن أحدهما، يعني: الإمامين الصادق أو الباقر، "لَا يَدَعُ الرَّجُلُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ مَنَامِهِ: أُعِيذُ نَفْسِي وَذُرِّيَّتِي وَأَهْلَ بَيْتِي وَمَالِي، بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ". أيضا هنا، أورد ذكر العين اللامة التي تلم بالإنسان وتؤذيه أو تضره. فتعوذ منها بهذه التعويذة. ومما قد يستفاد منه: أن الإمام (ع) يؤكد وجود العين التي تضر. وهذه الرواية وإن كان فيها إشعار بالتعويذ، إلا أنها أيضا رواية ضعيفة في مصادر الإمامية. ومثلها رواية رابعة، في دعائم الإسلام، وفي نهج البلاغة.

فلما نذهب إلى المدرسة الإمامية، نجد في الغالب أن قضية الإصابة بالعين إنما وردت في روايات ليست تامة سندا. أو ليست بتلك الصراحة بأنها مؤثرة ومضرة وما شابه ذلك. هذا - كما قلنا - تماما على خلاف ما هو موجود في مصادر مدرسة الخلفاء الذين أولا: لديهم روايات بمصادر من الدرجة الأولى: صحيح البخاري ومسلم، وأشباهه الواردة، وهي من حيث السند: معتبرة. وفوق ذلك أيضا: دلالتها دلالة صريحة وواضحة.

وربما هذا يفسر لماذا كان تفاعل أتباع مدرسة الخلفاء مع قضية العين، وما يرتبط بها، تفاعلا كبيرا وواسعا. بمعنى: وجود تقاليد من القراءة والرقية والماء والزيت وأمثال ذلك، وحتى الاستغسال فعندهم طريقة معينه، في: أنه إذا أرادوا أن يغيروا أثر العين، لا بد أن يغتسل العائن، ويؤخذ فضل غسله، ثم يرش على ذلك المعيون. فإن لم يمكن هذا، يؤخذ شيء منه. تفاصيل عندهم.

هذه الأمور لا على مستوى الروايات في مدرسة أهل البيت، فيها نفس الوضوح. ولا على مستوى التقاليد العامة والشعبية. وإن كان هناك قسم من الناس ربما، مارس مثل هذه الأمور. لكن حضورها في أتباع مدرسة أهل البيت، ليس كحضورها في المدرسة الأخرى.

نعم، توجد بعض الإجابات، نحن نجدها، مثلا: كما أجاب به المرجع الديني المرحوم الشيخ التبريزي – أعلى الله في الجنان مقامه – في كتابه: في صراط النجاة. فمن جملة الأسئلة التي سئل عنها: هل أن مسألة العين، بين قوسين (الحسد) ثابتة من النصوص الشرعية، وأنها واقع حقا أم لا؟

طبعا، هنا في السؤال - كما يُلاحظ - أن السائل جعل العين هي نفس الحسد. وهذا من الناحية العلمية غير صحيح. وقد سبق أن ذكرنا أن هناك فرقا بين العين وبين الحسد، وأن بينهما - كما يقول المناطقة – عموم من وجه.

على كل حال، الجواب، الجواب من قبل المرجع الديني المرحوم الشيخ التبريزي، في سؤال: هل هي واقع حقا أم لا؟ قال: "لا يبعد ذلك". يعني: ليس ببعيد. لا هو أمر حتمي، ولا هو نفي حتمي. ليس ببعيد. ولعله يشير إليه قوله تعالى: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ). ونحن في حديث سابق، بينا أكثر من وجه محتمل لتفسير هذه الآية المباركة. وهذا التفسير من هذا المرجع الراحل يشير إلى التفسير المشهور والمعروف.

فيما بعد أيضا، يسأل سؤالا: ما هو الحكم بالنسبة لمن ينكر ذلك؟ إذا أحدهم ينكر ويقول: أن مثل هذه، تعتبر من الخرافات. فيقول مثلا: أن العين من الأمور الخرافية، وليس لها من الواقع نصيب. ولو كان لها واقع لما بقي ملك سلطان على حاله، ولملك مثل هؤلاء، يعني: العائنون، العالم.

الجواب: إذا اعتقد شخص أنها من الخرافة، فلا يؤثر ذلك على الغير. والاعتقاد بمثل هذه الأمور وعدم الاعتقاد بها، لا يضر بالشخص. بعبارة أخرى: هذه ليست من جملة العقائد التي يجب أن يعتقد بها الإنسان، بحيث لو لم يعتقد بها مثلا، كان هناك إشكال في عقيدته.

لنفترض أن إنسانا من الإمامية، لم يعتقد بعصمة الأئمة، هذا يوجب إشكالا في تشيعه. لا بد أن يعتقد بعصمة الأئمة، وإلا فإن ذلك - يعني عدم الاعتقاد بعصمة الإمام – يخدش بكونه شيعيا وإماميا. لو اعتقد إنسان بعدم عصمة النبي (ص)، لذكره صلوا عليه. اللهم صل على محمد وآل محمد. فإن هذا ينتهي إلى خدش في اعتقاده برسالة رسول الله (ص). لكن لو إن إنسانا مسلما، أو إنسانا شيعيا، لم يعتقد بأن العين مؤثرة وضارة، هل يخدش هذا في عقيدته؟ كلا. لا سيما إذا لم تتم عنده تلك الروايات التي تحدثنا عنها. أو لم تكن صريحة في دلالتها عليه.

هناك فكرة، نشير إليها إشارة عابرة، وهي: أن هناك بعض الباحثين يحتملون أن هذا الاهتمام الموجود في بعض المجتمعات الشيعية مؤخرا بقضايا مثل: السحر، والحسد، والعين، وما شابه ذلك. هو عبارة عن: تسرب جاء إلينا من المدرسة الأخرى. لا سيما في المناطق الكثيرة المتجاورة.

فهناك تجاور جغرافي بين أتباع مدرسة الإمامة وأتباع مدرسة الخلافة. وفضاؤهم الثقافي فضاء واحد: يقرأون جرائد متحدة، ووسائل الإعلام بينهم متفقة، وما شابه ذلك. فإذا صار اهتمام عظيم من تلك المدرسة في ثقافتهم ووسائل إعلامهم بالسحر، فهذا ينعكس بدرجة أو بأخرى على من جاورهم. حتى ولو كان ليس موجودا في أصولهم الثقافية. أي: حتى لو لم يكن هذا الاهتمام وهذا الحضور عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، في أصولهم الثقافية موجودا، إلا أن اتحاد هذا الفضاء الثقافي والتأثير المباشر لهذا الضخ الإعلامي: كل يوم وجدوا سحرا، أو وقفوا على حسد، أو معيون ومعمول له كذا وكذا، فهناك احتمال كبير أن يكون هذا من جملة الأمور المتسربة من الفضاء الثقافي الآخر إلى الفضاء الخاص بأتباع مدرسة أهل البيت (ع).

أخيرا، إشارة سريعة إلى الموضوع العلمي، وإن لم يكن لدينا لأجله وقت كاف. في الموضوع العلمي، حاولوا قديما وحديثا أن يفلسفوا هذه: هل هناك إمكانية للتأثير أم لا؟ القدامى الذين يقولون بتأثير العين، قالوا: أن هناك أجسام صغيرة، لا تدرك، تخرج من العين، وتصيب هذا المعيون. يكما لو كانت أسلحة تدمير غير شامل، وغير معروفة، وغير مرئية. فهذا العائن، ينظر في الهدف، ويوجه أشياء – يقولون: إنها – في غاية اللطافة، تخترق بدن هذا الإنسان وتؤثر عليه، فتصنع فيه آلاما، أمراضا، إلى آخره. هذا القديم.

المحدثون، قالوا شيئا آخر: في كل الأبدان، توجد طاقة كامنة. لكن في بعض الأبدان، توجد طاقة استثنائية. وهذه الطاقة الاستثنائية - حسب كلامهم - مركزها هذه المنطقة: بين العينين. فعند قسم من الناس، هذه الطاقة الكامنة المتركزة بين العينين، مضاعفة وكبيرة جدا، وليست موجودة بهذا النحو عند أكثر الناس. فهذه لما يوجهها إلى طرف آخر، تغير - حسب تعبيرهم - مسار الطاقة الموجود في بدنه، وتمنعه من الانسياب. فتسبب له المرض، تسبب له الألم، تسبب له الحمى. هذا الكلام الجديد.

أنا سألت اثنين من المتخصصين، الأطباء، في هذا الموضوع؛ لأني لست من أهل الخبرة في هذا الجانب. فنفى هذان الطبيبان - وهما باحثان مهمان - أن يكون هناك دليل علمي على هذا الكلام الموجود من قضية الطاقة، فضلا عن خروج أجسام من عين العائن إلى بدن المعيون. وقالوا: لا يوجد هناك أي إثبات علمي على هذه الجهة، وما هو موجود إنما هو مجرد احتمالات وفرضيات لم توثق لا من الناحية الطبية الإكلينكية - كما يقولون - ولا من الناحية الفيزيائية التي تدرس ظواهر الأشياء وعلاقاتها. فلا يوجد هناك تأكيد لهذا المعنى. وقد يحتاج هذا إلى حديث أكثر. فماذا نصنع في مثل هذه الحالة؟

النتيجة التي نريد أن نصل إليها، هي التالية: ألا يعيش الإنسان وهم أنه محسود أو أنه معيون، أو أن هناك طرفا آخر يتقصده في صحته أو في نجاحه أو في زواجه أو في ماله أو ما شابه ذلك. فإن هذه، القاعدة الأولية فيها: أنها لا تؤثر في الآخرين. وهذا، إن قلنا أصلا – مثل العين – لا توجد كحقيقة نهائية، كما يذهب إليه بعض من المسلمين. أو قلنا: لا. هي موجودة في الجملة، وبمقدار معين، وعند قسم محدود من الناس. أو قلنا: لا. حتى وإن كانت موجودة، إلا أن هناك طرقا لاتقاء شرها على فرض وجودها، بالتوكل على الله سبحانه وتعالى، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). وبالتحصن بالقرآن الكريم، ولا سيما بالمعوذتين. والاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى قد جعل الكون مبنيا على أسباب ونتائج، وقد جعل لكل شيء قدرا. ووضع سننا: سنن للنجاح، وسننا للفشل، وعوامل سقوط وعوامل نهوض. وعلى الإنسان أن يذهب وراء هذه السنن والقواعد اليقينية الحقيقية، فضلا عن أن هذا أفضل من أن ينشغل بالأمور الوهمية التي لم يدل عليها دليل من الأدلة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شر الأشرار، وأن يعيننا على أنفسنا بما أعان الصالحين على أنفسهم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

 

مرات العرض: 3629
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2571) حجم الملف: 30554.94 KB
تشغيل:

الاصابة بالعين ..هل يثبتها القرآن ؟ 9
الخيانة رأس النفاق 11