هل نحن حاسدون أو محسودون ؟ 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/5/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية

هل نحن حاسدون أم محسودون؟

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد

وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين

السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته

قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ. مِن شَرِّ مَا خَلَقَ. وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ. وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ. وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.

لا يزال حديثنا حول هذا الخلق الذميم، وهو: الحسد، بمعنى تمني إنسان زوال نعمة الغير عنه. وقد سبق أن ذكرنا أن الشر المقصود به في هذه الآية، والذي يتم الاستعاذة بالله منه، ليس ناشئا عن نفس الحسد، وإنما هو ناشئ عن أفعال الحاسد. فإن بعض الحسدة عندما يتمنون زوال نعمة إنسان، يقومون بأمور وأعمال شريرة: كتشويه سمعة هذا الإنسان، أو الافتراء عليه، بل وربما التخلص منه. وهذا ما تهدينا إليه قصة إبليس مع آدم، عندما حسده. وقصة قابيل وهابيل، عندما حسده. وقصة أبناء نبي الله يعقوب. وإلا فمجرد الحسد، بما هو صفة ذميمة، بما هو تمن لزوال النعمة، ليس له أثر أصلا على الإنسان المحسود.

ننقل هنا كلمة لأحد كبار أعلام الإمامية، وهو: الشهيد الثاني - رضوان الله تعالى عليه - صاحب شرح اللمعة الدمشقية، المتوفى شهيدا سنة 965 هـ، يقول في بعض كتبه الأخلاقية: "وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه"، يعني: من قبل الحاسد، "فواضح.". مع أن قسما من الناس في هذه الأزمنة، يتصوروا: ما دام حسده، فلسوف يتأثر في دنياه: تُسلب أمواله، يتعثر زواجه، تتعثر دراسته.

الشهيد الثاني، وهو من كبار علمائنا وفقهائنا، يقول: لا يوجد أثر - لا على دين المحسود ولا على دنياه - بمجرد حسد الحاسد، ويقول: هذا الأمر واضح. لماذا؟ "لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، بل ما قدره الله تعالى له من إقبال ونعمة. فلا بد أن يدوم إلى أجل قدره الله تعالى". الله قدر لك السعادة. ولو اجتمع كل البشر على حسدك، ليس واحدا فقط، ما أثروا عليك بشيء. قدر لك نعمة، لو صفوا طابورا، وكان شغلهم الوحيد من الصباح إلى الليل أن يحسدوك، ما أثر ذلك في نعمة الله عليك. "فلا حيلة في رفعه. وإن كانت قد حصلت لسعيه من علم أو عمل فلا حيلة في دفعه أيضا". إن كان من جانب إلهي: الله مقدر إلى شيء معين، فلا تقدر أنت الحاسد أن تغيره. فإذا، لا، كان ذلك بسعي الشخص نفسه، جد واجتهد حتى حصل على الأموال، فلا تقدر أنت أن تأتي، وأن تغير نعمة الله عليه بحسدك. جد واجتهد حتى حصل على المراتب العلمية، فلا تستطيع بمجرد أن تتمنى زوال هذه النعمة عنه، أن يتغير عليه الحال. هذا وهم. "بل ينبغي"، يخاطب الحاسد، "بل ينبغي أن تلوم أنت نفسك، حيث يسعى المحسود. وصَّل وقصَّرت، وشمَّر وكسلت، وسهر ونمت وكان حالك كما قيل: هلَّا سعوا سعي الكرام فأدركوا.. أو سلموا لمواقع الأقدار".

أنت أيضا، لو اشتغلت وعملت، لوصلت إلى نفس ما وصل إليه. هذه نقطة - التي بعدها - يشير إليها، هي نقطة مهمة. يقول: "فلو كانت النعم تزول بالحسد، لم يبق نعمة عليك ولا على الخلق". لو أن كل واحد يأتي، ويطالع إنسانا، ويحسده، فتزول نعمته. ثم يذهب للثاني، يطالعه أيضا، ويحسده، فتزول نعمته. ما تبقت نعمة لأحد. بمعنى: لو كل صاحب نعمة من الممكن أن يُحسد. ولو كان بمجرد الحسد زالت النعمة، كأن: أنا أحسده، ثم آخر يحسده، ثم ثالث أيضا، ما تبقى عنده شيء. فكل أصحاب النعم إذن، لا تكون لديهم نعمة. هذا خلاصة لما قاله الشهيد الثاني رضوان الله عليه.

حديثنا اليوم، هو: هل نحن محسودون أو حاسدون؟ يفكر الإنسان: هل هو محسود أم حاسد؟ وهذا من المواضيع المهمة جدا. فهناك قسم من الأفراد يتصورون أنهم محسودون، وهذا وهم من الأوهام. يقول: أنا كنت في أحسن حال مع زوجتي، لكن أناسا حسدوني فتعثرت أموري. كنت في علاقة حسنة مع رب عملي، لكن أناسا حسدوني فساءت علاقته بي. كانت تجارتي رابحة، لكن أحدهم جاءني ورأى دكاني وكيف الإقبال عليه واسع، فحسدني على ذلك. فذهبت التجارة وأصبحت أخسر.

هذا الوهم الموجود لدى كثير من الناس – للأسف الشديد – وهو: شعورهم أنهم محسودون: نحن محسودون ولذلك ابنتنا لم تتزوج. نحن محسودون ولذلك تجارتنا لا تنجح. نحن محسودون ولذلك نحن مرضى. هذه أوهام، وسوف نشير إلى أنها نابعة من نرجسية داخل الإنسان.

لو تبحث في الانترنت، وتكتب ما هي علامات الحسد؟ ترى العجب العجاب. يقولون هناك: إذا شعرت بدوخة فاعلم أنك محسود. شعرت بكتمة، محسود. لديك وجع في بطنك، محسود. إذا أنت تشعر بالكسل، محسود. إذا رأيت نفسك تتعرق، فمحسود. ومقالات طويلة عريضة، كيف تعرف نفسك أنك محسود؛ هذا لأنه يخاطب في الإنسان نقطة ضعفه، فتراه رائجا. فإذا إنسان فشل في مشروع تجاري، لا يقول: أنا فشلت، وما خططت جيدا، وما قمت من الفجر لأعمل، وما حسبت حساباتي بشكل جيد. وإنما يقول: نعم، أنا محسود. حتى يلقي هذا الأمر على غيره. فيتناغم معه.

الدليل على ذلك ماذا؟ بمجرد أن أدخل إلى البيت، أشعر بالكتمة. بعضهم يقولون: البيت هذا محسود. كان الحسد على الشخص، فأصبح على البيت. ثم سيطور الأمر في بعض الأماكن: فلا يعود على البيت فقط، بل على كل الشعب، وكل المجتمع.

تجدون ذلك في كلمات بعض الصحفيين، وغيرهم. يقولون لك: نحن محسودون على هذه النعمة التي نحن فيها؛ ولذلك يتآمر علينا الغرب! نحن المسلمون محسودون! نحن أبناء البلد الفلاني محسودون على النعمة التي نحن فيها؛ ولذلك يتآمرون علينا! توعَّى. فلا أحد يهتم فيك، وبخبرك ولا سائل عنك. لا تكن نرجسيتك عالية. لا تفكر في نفسك على أنك إنسان مهم، وسائر الناس جاثمين على ركبهم ومشتغلون بحسدك. وأنك شغل الناس، لا تفكر هكذا. أن الآخرين في كل هذه الدنيا، في الغرب مشغولين يحسدون المسلمين، وفي الدول المتقدمة مشغولين يحسدون بلدنا وجماعتنا. خفف عليك. فماذا هي قيمتك حتى ينشغل بك الناس.

ومن أظرف ما رأيته في بعض المواقع، أحدهم آت بمقارنة بين صورة لناس بداة، في حالة معاشية يرثى لها، رعاة للإبل، ووضعهم سيء. في مقابل صورة أخرى من بعض الدول الغربية، حيث المدينة المرتبة الجميلة، وآخر ما وصلت إليه التكنولوجيا، ثم يقول: أن هؤلاء يحسدون أولئك الذين هم في عيش نكد وحياة صعبة ومتعبة. وهذا يكشف عن احتياج الإنسان إلى تجاوز الحقائق حتى يفكر أن سائر الناس منشغلين به، وأنهم لا شغل لديهم إلا أن يحسدوه. فماذا عندك حتى يحسدون فيك؟

فهذا يبدأ أحيانا من الحالة الفردية، بأن أتصور أن هناك في هذا المجتمع أناس شغلهم أن يحسدوني؛ ولذلك أنا غير ناجح. ولذلك زواجي فيه مشكلة. ولذلك أنا في تجارتي مشكلة. ولذلك أنا في وظيفتي مشكلة، ولذلك أنا في صحتي مشكلة، ولذلك ولذلك. توعَّى. لا تتصور نفسك محور الكون الذي الناس متوجهة إليه وناظرة له، وتعمل على حسده. توعى. واعرف حجمك الحقيقي.

هذا كتلك المقالات، خطابه: كيف تعرف أنك محسود. كتمة! بيتك ليس به تهوية جيدة. فلما تدخل إليه، تعاني من كتمة. ابن بيتك بحيث يوفر تهوية طبيعية ولاحظ الأمور الصحية والطبية، وتنتهي هذه المسألة. تجارة، لها أسباب للفشل وأسباب للنجاح. فكيف الناس لا يحسدون بيل جيتس ويحسدونك على بقالة، 4 متر في 4 متر! يتركون الملاك الكبار والعلماء الضخام وغيرهم، وتصبح أنت محور فكرتهم! فالإنسان يحتاج إلى أن يتوعى. فلا يتصور أن ما يحاول إقناع نفسه به، سواء كان فردا أو مجتمعا، هو حقيقة. قلتُ: للأسف، وصلت القضية إلى حالة دول ومجتمعات، تفكر أنه نعم: نحن محسودون من قبل الآخرين على النعم الموجودة عندنا. ما عندك، عند غيرك.

فهذه مقدمة تشير إلى أن الإنسان إذا فكر هذا التفكير، أنه دائما هو محسود، ودائما محل نظر الآخرين، ومحور تفكيرهم، فهذا يعاني من مشكلة نفسية أخرى، ويحتاج إلى أن يعالج نفسه من مرض النرجسية، والاعتداد بالذات، حتى لو ما كان عنده شيئا. فأحيانا الإنسان ما عنده شيء. مع ذلك، يتصور نفسه محور هذا المجتمع. والناس شغلهم فقط يراقبونه ويلاحظونه ويحسدون فيه. تخلص من هذه الحالة النرجسية. قيم نفسك بقيمتها الحقيقية. اعرف حجمك الحقيقي. الناس مشغولون بأمورهم الخاصة التي بالكاد يتمونها. فضلا عن الذين يذهبون لحسد زيد وعبيد. وحتى لو فرضنا أنه صار حسد، فلا أثر له كما بينا في المقدمة التي ذكرناها عن الشهيد الثاني رضوان الله عليه.

يؤيد هذا، كما ذكرنا، أن الإنسان يحب عادة أن ينسب الأمور إلى غير أسبابها الحقيقية. لماذا أنا فشلت في زواجي؟ لا يقول: لأن في أخلاقي زفرة. لا يقول: لأني لا أملك ثقافة زوجية. لا يقول: لأنني لم أدبر الأمر. بل يقول: جماعة رأونا فحسدونا، وانتكست أحوالنا. هذا أسهل شيء. لا أن نُرجع الأمور إلى أسبابها الحقيقية.

انظر القرآن الكريم، حتى في كلامه مع المسلمين، يقول لهم: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ليس بسبب أن غيركم حسدوكم. أنتم انهزمتم، لما كان عندكم من إعجاب بالذات فما قاتلتم القتال الصحيح، ولا صمدتم؛ لذلك انهزمتم. أما أنه أحدهم حسدني، وأحدهم كذا، فعل لي، لذلك انهزمت، لم يقلها القرآن الكريم.

فإذن، ينبغي أيها الأحباب، أن لا يفكر الإنسان، وأن لا يكون مسكونا بهاجس المحسودية. أنه أنا محسود، ولذلك أصبحت أعاني من هذه المشاكل. لا. أنا أعاني منها؛ لأني لم أرتب أموري بالشكل الصحيح: في عملي، وتجارتي وزواجي، ودراستي ووظيفتي، وأمثال ذلك.

فإذن، عُرِف الجواب: هل نحن محسودون؟ الجواب على ذلك: 99% كلا. وعلى فرض أن إنسانا حُسِد أيضا، فهذا الحسد بما هو تمني لزوال نعمته، ليس له أثر على الإطلاق. أي مجرد أن أحسد زيد على نعمته، ووظيفته، ووجاهته، وزوجته، وثروته، وغير ذلك، فحسدي هذا لا يؤثر في شيء أبدا. هذا جواب على السؤال الأول: هل نحن محسودون أم لا.

السؤال الثاني: هل نحن حاسدون؟ إذا ليس محسودا، أنا حاسد، أم لا؟ لا أحد يقبل أن يُتهم بمثل هذا الأمر. فلو تقول لأحدهم: أنت حسود، تكون مشكلة. فهل يمكن للإنسان أن يتهم نفسه؟ يتساءل: هل أنا حاسد أم لا؟ لا تحتاج إلى أن يتهمك أحد، ولا أن تتهم نفسك. فهناك مقاييس، إذا طبقها الإنسان، ورأى النتائج إيجابية، فمعنى ذلك هو مصاب، ليس بالسكلسل أو الثلاسيميا، وإنما بالحسد.

نذكر بعض المقاييس. المقياس الأول: مقياس الغيرة التي هي منشأ للحسد. إذا أحد كان يغار من شخص ولا يسيطر على غيرته، هذه بداية أن يكون هذا الإنسان حاسدا. وهنا أشير إلى أمر تربوي مهم، وهو: أنه أحيانا نحن نربي خصلة الحسد، ونبذر بذرته في نفوس أبنائنا وأطفالنا، من دون شعور.

مثلا: عندما يأتي ابننا إلى البيت، وقد انتهى من الامتحانات، لكن لم يحصل على الدرجة الكاملة أو التفوق. وفلان زميله، حصل على ذلك. نقول له: لماذا فلان أحسن منك؟ ماذا ينقصك أنت؟ لماذا لا تصبح أحسن منه؟ ماذا عنده هو وليس عندك أنت؟

الواقع، أنا هنا قصدي أن أشجعه كي يتفوق، لكن هذا الأسلوب يصنع فيه الحسد. أنا أصنع فيه الغيرة من زميله، إذ مدحته ولم أمدح ابني. والابن قد لا يكون ذا قدرة على منافسة ذاك. قد تكون قدراته الذهنية غير وافية، أو عنده أسباب خاصة، أو مستوى ذكاء ذاك أكثر. فلا يقدر على منافسته. فماذا يصنع هنا؟

يتمنى لو أن ذاك الشخص يسقط، يتعثر. حتى ماذا؟ لا يصبح موقفه هو موقف ضعيف. وهكذا تتربى هذه الخصلة فيه. فلما يكبر أيضا، نقول له: لماذا لست مثل ابن عمك؟ ولست مثل ابن خالك؟ ولماذا لست كذا؟ فيبدأ، حيث أنه لا ينافس لأي سبب من الأسباب، يحسد أولئك. بمعنى: أنه يتمنى لو أنهم لا يأتون بدرجة في الامتحان. أو أنهم يسقطوا ويرسبوا فيه؛ حتى يأتي لوالده او والدته، ويقول لهما: انظرا، ذاك فلان، دخل في الامتحان وسقط، وأنا حققت مثلا 80%. يتمنى هذا. فأنا هكذا أبدأ أزرع فيه بذرة الحسد بصناعة الغيرة من الآخرين. وهذه مشكلة من المشاكل.

أنا، هل لدي هذه الغيرة أم لا؟ إذا رأيت زيد من الناس، موفق في شيء من الأشياء، هل أغار منه، أم أتمنى له أن يبقى على ما هو عليه، وأن يكون لي مثله؟ إذا بدأت الغيرة، فمعنى ذلك: أنني قد بذرت بذرة الحسد في نفسي أو في ابني أو في زوجتي.

آتي إلى الزوجة وأقول لها: اليوم أكلت من يد فلانة زوجة فلان أكلا طيبا، ما أكلت ولا سآكل مثله. هذه الزوجة، قد لا يكون لديها من الخبرة في الطبخ بنفس مقدار تلك. فماذا تصنع؟ تتمنى لو تلك لا تطبخ بنفس الجودة حتى لا يأتي زوجها يعيرها بها ويستثير بها غيرتها عليه. بينما أنا ربما أقصد أن أقول لها: أنه ينبغي أن تهتمي بالطبخ بشكل أفضل. لكن بهذا الأسلوب أكون غرست في نفسها الغيرة التي هي بداية للحسد.

أو الزوجة تأتي، فتسألها: أين كنت؟ عند فلانة. ما شاء الله على أبي فلان، زوجها، لا تكون عطلة، حتى لو أربعة أيام، إلا وحجز لهم إلى أوربا، أو آسيا، هو سيرته هكذا. أما أنا فليس لي غير المدينة وفلان مكان. ربما هذا الزوج لا تكون لديه القدرة المالية الكافية ليسافر. ثم من أوجب السفر في كل عطلة! هذه من العادات غير الحسنة التي بُرمجت عليها بعض المجتمعات. فمع كل عطلة ولو بمقدار أربعة أيام أو خمسة، لا بد من سفر. كأنما شرعا على الواحد منا أن يسافر، ويصرف مقدارا من المال. الآن هذا الزوج لا يستطيع. قدرته المادية لا تسمح له بذلك. ولأن قدرته المادية لا تسمح له، فبعضهم قد يتمنى لو أن زوج فلانة أيضا تذهب من عنده تلك القدرة المادية حتى لا يعير به. ولا تستثار غيرته بواسطتها، هذه نقطة.

النقطة الأخرى، إذا تألم الإنسان من مدح الغير، يتبين أنه إنسان حاسد. قسم من الناس عندما تمدح أمامه شخصا، يتصور أنك تذمه! لا، أنا أمدح فلان حاليا، ولا أقول إنك إنسان سيء. أقول: هذا عالم جليل. ولم أقل: إنك غير عالم. أقول: هذا خطيب جيد، ولم أقل: إنك لست بخطيب. أقول: هذا موظف مثابر. ولم أقل: أنت كسول. أقول مثلا: هذه زوجة مدبرة، ولم أقل: ليس عندكِ تدبير.

فإذا صار الإنسان يتألم من مدح غيره، فهذه بداية للحسد. لا بد أن يراقبها الإنسان. فأنت تتألم لأن زيدا من الناس إنسان موفق وممدوح ومثنى عليه. هذه بداية غير حسنة. فلا بد أن يضبط الإنسان نفسه في هذه الجهة.

المرحلة الأسوأ من هذه: انتقاص المحسود وتشويهه. يأتي ويتكلم لك: أن فلانا مؤلف جيد. فإذا يسمع أحدا يثني على ذلك المؤلف الجيد، يقول: من المؤلف الجيد؟ هذا جامع للقصاصات من هنا وهناك، وسارق من أشياء غيره. سآتي لك بأدلة، سأبحث لك وأثبت لك أنه سارق! هذا أيضا، الحسد، أس اثنين – كما يقولون.

ما الذي يضرك لو أن إنسانا مدح وأثني عليه؟ ما الذي يحز في قلبك؟ ماذا يؤلمك؟ بماذا تضرر؟ ماذا ينقصك؟ يأتي يقول: فلانة في الطاقم الطبي، وصلت إلى درجة عالية خلال سنتين فقط. الثانية تأتي تقول: وصلت لدرجة عالية! هذه لو ما أعطت كذا وكذا إلى مديرها، ما وصلت. الله أعلم. ماذا يضركِ لو أن واحدة من زميلاتك تقدمت؟ ماذا ينقصكِ؟ لماذا تشوهين سمعتها؟ لماذا تنتقصين منها؟ وهكذا.

تاجر، ما شاء الله عليه، خلال فترة معينة، استطاع أن يدبر أمره. فحصل على ثروة! فيقال لك عنه: لست تدري عنه، كم باع من الممنوعات وكم قامر وكم كذا وكذا. وبعضهم يذهب ليشتغل على الموضوع، ويبذل جهدا فيه. هذه هي الدرجة القصوى لحسد الإنسان. وهذا المشار إليه في القرآن الكريم: (وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).

شر، معناه: أن أنا آتي فأشوه سمعته. وإذا أمكنني أن أستخرج عليك وثائق وأشهرها إلى جهة قانونية وأسقطه من المركز الذي بلغه، سأفعل أيضا. هذا هو حسد الإنسان لأخيه الإنسان. وهذا هو الذي ابتُلي به إبليس، وابتُلي به ابنُ آدم، وأخوة يوسف.

ما كان يهون عليهم. (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)، فماذا يضرك أنت؟ ماذا ينقص من كيسك؟ لا. الأمر هكذا. لابد أن نقوم بمؤامرة لندمر هذا الولد. أخوكم!

قابلي وهابيل، بماذا يضرك إذ قرب هو قربانا حسنا؟ قم بأعمال أخرى. توجه إلى خطئك في أنك قدمت قربانا سيئا، ولتجعله تجربة تستفيد منها، واسع أن تقدم قربانا صحيحا، هذا هو الطريق. لكنه لا، رأى لا بد أن يقتله. (لَأَقْتُلَنَّكَ). وإبليس نفس الكلام.

فإذا صار لدى الإنسان غيرة من نمو غيره، أو تألم من الثناء على غيره، أو لا سمح الله تشويه وانتقاص وتربص وكيد، فهذا قد ارتطم بصخرة الحسد ووقع في مستنقعه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا وألا يُسلِمنا إلى سوئها وإنما أن يأخذنا من يدنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يحلينا بمكارم الأخلاق ويجنبنا مساوئها، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين. 

مرات العرض: 3419
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2569) حجم الملف: 31230.61 KB
تشغيل:

مَن يحسد مَن ؟ ولماذا ؟ 7
الاصابة بالعين ..هل يثبتها القرآن ؟ 9