السجود على الأرض والتربة الحسينية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/2/1438 هـ
تعريف:


السجود على الأرض والتربة الحسينية

تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

السجود على الأرض وبالخصوص على تربة الإمام الحسين عليه السلام هو من القضايا التي تثير السؤال والاستفسار عند قسم من المسلمين في شرعيتها وحقيقتها عند أتباع أهل البيت عليهم السلام. فالإنسان المتبع لنهج أهل البيت عليهم السلام معرض خمس مرات في اليوم على الأقل لأن يختار ما يصح السجود عليه من الأرض أو شبه ذلك أو كما جرت العادة على تربة الإمام الحسين عليه السلام.

هناك خطأين رائجين عند بعض الأفراد الذين لا ينتمون لمدرسة أهل البيت عليهم السلام:

1 – اعتقادهم بأن السجود على التربة الحسينية هو سجود للتربة وللحسين، فالبعض يعتبر أن التربة هي قطعة من القرميد وأن السجود عليها هو عبادة لها. فهذا الخطأ ناتج من عدم التأمل والتفكر بين تعبيرين وهما: سجد له و سجد عليه.

فعندما يسجد الإنسان على شيء مثل أن يسجد على فرش أو تراب أو غير ذلك، فهذه في اللغة العربية ( سجد على )، والسجود على الشيء هو وضع الجبهة عليه.

ولكن عندما يريد الخضوع والعبادة لجهة معينة فيقول ( سجد لـ )، كأن يقول سجد لله أو سجد للصنم أو للسلطان.

الفرق واضح جداً لمن أراد أن يتأمل، فأصل السجود معناه سجد على الأرض لأجل الله أو ذلك البعيد من يسجد على التراب لأجل الصنم مثلاً.

فهل يصح أن يقال أن من يسجد على التراب أو السجاد فإنه يسجد للتراب أو السجاد؟ فهذا غير صحيح، فهو ساجد على ذلك الشيء لله عز وجل.

2 – البعض الآخر يعتقد أن كل تربة من ترب الإمام الحسين عليه السلام هي مخلوطة بدم الحسين، لذلك يحدث إشكال بانه كيف يسجد الإنسان على شيء مخلوط بدم والدم من النجاسات؟ فهذا شيء غير صحيح لأنه لا يوجد دم لشخص يملأ كل هذه الترب في مختلف أنحاء العالم.

من يقول أن الشيعة يتبركون بالسجود على تربة الإمام الحسين عليه السلام لأنها اختلطت بدمه ودفن فيها، فالمقصود من ذلك أنه دفن في بقعة خاصة منها فتباركت كل هذه الأرض بفضل وجوده في جزء منها.

مثل أن نقول أن أرض المدينة المنورة هي أرض مقدسة ومباركة بسبب وجود الجثمان المقدس لسيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فجثمان النبي ليس موجوداً في كل أرض المدينة وإنما هو موجود في حدود ذلك المسجد، بينما خارج المسجد فقد تبارك بفضل قربه من تلك البقعة. وهذا كما يأتي أيضاً في قضية كربلاء وتربة الإمام الحسين عليه السلام.

نأتي بعد ذلك إلى موضوع السجود لله عز وجل، فالسجود هو أقصى درجات العبودية والخضوع والتذلل لله، فأعلى ما في الإنسان هو جبينه وسيكون في أدنى شيء وهو الأرض ولذلك لا يجوز السجود لأي أحد غير الله عز وجل ويحرم للإنسان أن يسجد لإنسان آخر.

وقد روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قد اتخذ له مسكناً خارج المدينة بعد وفاة والده الإمام الحسين عليه السلام، وكان من ذلك المسكن يذهب لزيارة أبيه الحسين وجده أمير المؤمنين عليهم السلام ولم يكن لأحد أن يشعر به لأنه كان خارج المدينة، وهذا كان من تخطيط الإمام زين العابدين لأنه في ذلك الوقت لم يكن ينبغي الكشف عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام في زمن الخوارج. وفي أحد الأيام بعدما انتهى من زيارة أمير المؤمنين عليه السلام كان قد انعطف على مسجد الكوفة وهو من المساجد المقدسة، فقد كان أبو حمزة الثمالي قد رأى غلاماً ينظر إلى الإمام وهو يصلي فتوجه أبو حمزة إلى ذلك الغلام وسأله من يكون ذلك الرجل المصلي، فرد عليه الغلام : أ وتخفى عليك شمائله هذا علي بن الحسين، فجاء أبو حمزة إلى الإمام وسجد بين قدميه يريد أن يقبلهما فرفع الإمام رأس أبي حمزة الثمالي وقال له: لا يا أبا حمزة فإنه لا يصح السجود إلا لله عز وجل.

ومن هنا يؤكد علنا الإمامية بان ما يكون من السجود على أعتاب المشاهد يجب أن يكون سجود شكر لله عز وجل على ما وفقهم لزيارة المعصوم ولا يكون سجود للمعصوم لأنه يحرم ذلك، فالسجود هو خاص لله تعالى ولا يرضاه لأحد من عباده.

السجود له طريقة في الإسلام وهو أن يكون هناك ما يصح السجود عليه وأن يكون بكيفية خاصة وضمن ذكر خاص أيضاً. فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال : إنما جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.

المسجد: هو مكان السجود

الطهو: بمعنى أنه يتم التيمم من خلالها سواء كان تيمم بدلاً عن الوضوء أو بدلاً عن الغسل.

طريقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قضية السجود:

كان مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مفروشاً بالحصباء وهو الحصى الدقيق الصغير، وكان النبي يسجد عليها وكذلك سائر المسلمين، وكان النبي إذا رأى بعضهم يشكو من حرارة هذه الحصباء في الصيف لم يكن يسمح بأن يوضع حائل بين هذه الحصى وبين جبهة الإنسان.

جاء في حديث عن الخباب بن الأرت وهو أحد أصحاب النبي الذين أوذوا في سبيل الإسلام بأنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما نجد من حرارة الحصباء في أيام الصيف فلم يشكنا . أي لم يستجب لنا.

فقد كان البعض يأخذ مقداراً من الحصباء ويقلبه بين يديه حتى يبرد، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسجد عليها حتى في الاوقات التي يكون فيها مطراً وتصبح طيناً.

كما جاء من غير سند عن أبي سعيد الخدري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد وعلى جبهته وأطراف أنفه ماء وطين، فعندما كانت ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان مطرت السماء مطراً غزيراً حتى وكف السقف أي نزل الماء، فسجد الناس على الماء والطين.

فهذه الأمور قد يمكن حلها بطرق متعددة كوضع شيء آخر على الحصباء لتقي الناس حرارة الصيف وسخونة الحصى أو تقيهم من الطين في وقت المطر، ولكن النبي لم يفعل ذلك لأنه لا توجد لديه رخصة شرعية لوضع شيء والسجود عليه بدلاً من الحصى، وقد كان أصحاب النبي ملتزمين بذلك.

كما جاء في الحديث المروي عن أم سلمة رضي الله عنها زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقول الراوي وهو أبا صالح ملا طلحه: كنت عند أم سلمة زوج النبي فأتى ذو قرابتها شاب فقام يصلي، فلما أراد أن يسجد نفخ فقالت له لا تفعل فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بقول لغلام لنا: يا رباح ترب وجهك. فلو كان السجود على غير التراب سائغاً لكان من اللائق بأم سلمة أن تجعل لضيفها رداءً أو شيئاً للسجود عليه، ومع ذلك قالت له لا تنفخ في التراب.

وقد نقل أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى رجلاً يسجد في وقت الصيف على كور العمامة فيحول بين جبهته وبين الأرض فنهاه النبي عن ذلك وقال له: مكن جبهتك.

فهذه سيرة أهل البيت عليهم السلام وطريقتهم في السجود وكذلك أصحابهم. البعض منهم أجاز ذلك في حال الإضطرار كأن يكون الحصى حاراً لدرجة أنه يحرق جباههم فإن ذلك يأتي في حكم الإضطرار وقد جاءت بعض الروايات وهي قليلة في ذلك، فعن أنس بن مالك قال : (أنه كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يستطع أحدنا ان يمكن جبهته على الأرض من شدة الحرارة، طرح ثوبه ثم سجد عليه). هذا الحديث يدل على وجوب السجود على الأرض إلا في حال الضرورة، كما هو الحال في الوضوء أو الغسل أنه يجب بالماء فإن لم يتوفر وكان مضطراً فعليه التيمم ولكن في الحالة الاعتيادية لا يجوز له ذلك.

وهنا يكون السؤال معكوساً وهو من أين جاء امر السجود على السجاد؟ هل فعل النبي ذلك؟ أو أحد من أصحابه؟ كلا لم يفعل ذلك وإنما قال: لقد جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.

نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سجد على الخمرة والفحل أيضاً، فبعض الأماكن تكون أرضها مفروشة وهذا وارد أن النبي صلى في بعض البيوت وكانت مفروشة فأمر أن يؤتى له بخمرة.

الخمرة: هو عبارة عن سعف النخل الناعم بمقدار الوجه، وسميت خمرة لأن الخيوط القطنية التي تخاط بها تكون مخفية.

الفحل: من سعف النخيل وهو حصير طويل، لونه يميل إلى السواد، ويؤخذ من سعف النخل الذكر.

وهذا يتفق مع ما ذهبت إليه الإمامية بأنه يجوز السجود على الأرض وعلى ما اخرجت الأرض من غير ما اكل او لبس، فكل ما يطلق عليه في اللغة العربية أرضاً فيجوز السجود عليه كالحصى، الحجر، الحصباء والرخام، بالإضافة إلى ما أخرجت الأرض من نبات بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً.

استحب شيعة أمير المؤمنين عليه السلام السجود على تربة الحسين عليه السلام لعدة أمور منها:

1 – أنها متيقنة الطهارة لأنه يشترط في الصلاة ان يكون موضع السجود طاهراً وقد كان بعض المسلمين من غير أتباع المذهب يصطحبون معهم جزءاً من التراب كما فعل مسروق بين الأجدع وهو احد التابعين وقد توفي عام 22 للهجرة أنه إذا أراد ان يسافر عبر البحر بالسفينة يصطحب معه لبنة من التراب للسجود عليها لأن السفينة ليست أرضاً.

وأما بالنسبة لأهل البيت عليهم السلام فقد كانوا في البداية يأخذون من تراب سيد الشهداء حمزة عليه السلام وبعد ذلك أصبحوا يأخذون من تراب الإمام الحسين عليه السلام.

2 – ما تحمله تربة الحسين من المعنى الإعتباري، فالشرع قد اعتبر قيمة استثنائية لبعض الإراضين فجعل الصلاة في مكة مثلاً أفضل من الصلاة في الطائف بالرغم من قربها منها، وكذلك جعل المدينة المنورة حرماً ورتب فيه أحكاماً، فلا مانع أن يعتبر الشرع جهة من الجهات أنها أرضاً مقدسة ولا سيما إن كانت قد شهدت مصرع رجل كأبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي أعطى إلى ربه كل ما لديه ووقف تلك الوقفة التي أحيت الإسلام في جموع أهل النفاق والعدوانية. فسلام عليك سيدي أبا عبد الله وسلام على أرضك وترابك الطاهر.

 

 

 

 

 

 

مرات العرض: 3406
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2562) حجم الملف: 48253.42 KB
تشغيل:

زيارة القبور عند المذاهب الاسلامية
العاملة المنزلية : برستيج أو ضرورة ؟