زيارة القبور عند المذاهب الاسلامية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/2/1438 هـ
تعريف:

زيارة أهل القبور عند المذاهب الإسلامية

 

تفريغ نصي الفاضلة أم فاطمة

قال سيدنا ومولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه قال رسول الله : ( من زارني في قبري كنت شفيعه يوم القيامة) صدق سيدنا ومولانا رسول الله وصدق ابنه جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليهما حديثنا يتناول موضوع زيارة القبور والدعاء عندها وذكر الله عز وجل في رأي مدرسة الإمامية وبعض الفئات المخالفة لهذا المعنى يذهب الإمامية أنه يستحب زيارة المقابر للنساء ولرجال وذلك لما تخلفه زيارة المقابر على شخصية الإنسان من آثار تربويةٍ ووعظيةٍ وأخلاقيةٍ ويستندون في ذلك إلى أدلة وكلمات سوف نأتِ على ذكرها هذه المرحلة الأولى من الحديث.

        في مرحلة متقدمة يحبذون ويرون مستحب الذهاب وشد الرحال إلى قبور أئمة الدينِ وأولياء الله وفي طليعتهم الأنبياء وعلى رأسهم سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وبعده أئمة الهدى عليهم السلام و سائر الأنبياء والأولياء والذين خدموا الدين من أصحاب رسول الله أو أصحاب الأئمة ويرون ذلك مُستحبً وتجارةً رابحةً أن يبذل الإنسان ماله ووقته وجهده من أجل الوصول إلى تلك المقابر والمشاهد والمقامات هذه هي المرحلة الثانية .

        والمرحلة الثالثة أنهم لا يرون فرقًا بين الرجال والنساء فكما هو مستحب بنسبة لرجال هو مستحب بالنسبة لنساء متى ما توفرت الأجواء الدينية ومتى ما كانت المرأة آمنة في سفرها وذهابها مجيئها فإنه يشملها نفس أدلة الاستحباب التي تنطبق على الرجل ويرون أيضا أن هذه الأماكن من الأماكن التي يُنتظر فيها رحمة الله عز وجل ويُرجى فيها أجره وثوابه فيتعبدون لله عز وجل في تلك المشاهد والمقابر وإلى جوار أضرحة الأنبياء والأئمة والأولياء هذا بشكل عام رؤية الإمامية حول ما يرتبط بالمقابر وقبور الأولياء ومشاهد الأولياء والأنبياء وما يرتبط بالرجال والنساء وقضية التعبد إلى جانب تلك القبور والمشاهد كثير من المسلمين يشاركون شيعة أهل البيت عليه السلام في هذا المعنى غاية الأمر أنهم لا يفردون أئمة أهل البيتِ عليهم السلام في مزيةٍ إضافيةٍ إلا في مثل الإمام الحسين عليه السلام ومن شابه وأما سائر أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنهم يعتبرونهم من الأولياء الصالحين وحكمهم في هذا حكم غيرهم فلا يذهبون إلى زيارتهم لا أنهم يحرمونها لكنهم يعتبرونهم كسائر الأولياء والصالحين في هذه الجهة يختلف الجمع الغفير والكبير من المسلمين عن الإمامية أما في اصل زيارة القبور فهم يتفقون في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله والأنبياء والأولياء الكبار أيضا يتفقون فيها لا يرون مشكلةً في التعبد عندها ولكن وجه الاختلاف في جهة اعتبارهم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام أولياء كسائر الأولياء في هذه النقطة يختلفون عن الإمامية لأن الإمامية يرون أنهم أئمة مفروضي الطاعة يأتون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يقارنهم أحد إلى جانبهم.

        هناك فئة محدودة من المسلمين هذه خرجت على هذا التسالم الإسلامي فرفضت كثيرًا من النقاط التي ذكرناها قبل قليل هذه الفئة المحدودة من الناحية العددية ومن الناحية المذهبية وهي تشكل فئةً خاصةً وقليلةً ضمنا أتباع مدرسة الخلفاء لا ترى بأسً بزيارة الرجال للمقابر ولكنها ترى كل البأس في زيارة النساء للمقابر أي مقبرة في المرحلة الثانية لا ترى قبور الأنبياءِ والأولياءِ والصُلحاءِ والأئمة الكبار لا ترى فيها ميزةً ولا فضيلةً استثنائيةً وترى أنه لا يجوز السفر إليها بما نقلوه وسنأتِ على ذكره من حديث ( لا تُشد الرِحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فإذًا السفر إلى قبور الصلحاء ومشاهد الأولياء و الأنبياء ليس أمرًا سائغا وإذا كان من هؤلاء من يذهب لمدينة رسول الله يقولون نحن لا نذهب لزيارة القبر وإنما نذهب لزيارة المسجد و يرون إشكالًا كبيرًا في أن يكون هناك مكان قبر لنبي أو الولي أن يتحول لمكان عبادةٍ وذكرٍ لله وقراءة القرآن وما شابه ذلك وينقلون في بعض أحاديثهم النهي عن اتخاذ القبور مساجد هذه الصورة العامة الموجودة في الحالة الإسلامية عمومًا عند الإمامية وعند الكثرة الكافرة من أتباع مدرسة الخلفاء وأخيرًا عند الفئة الخاصة المُعارضة في هذه المدرسة -أي مدرسة الخلفاء- سوف يتبين لنا في أثناء الحديث أن كثيرًا من الأدلة يمكن أن يُقيمها الأماميةُ وعامة المسلمين القائلين باستحباب ورُجحان الذهاب إلى المقابر ولا سيما مقابر الأولياء وأضرحة الصُلحاء والأنبياء والأئمة فهم أولًا يمكن أن يأتوا بالآية المباركة التي فيها إشارة في قضية رئيس المنافقين عندما توفي عبدالله بن أُبي ورد النهي القرآني لرسول الله في قول الله عز وجل : (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ) ثم يعلل ذلك بأنهم كفروا وبأنهم لم يكونوا طيبي السيرة ولم يصدقوا بآيات الله المفسرون عندا يأتون إلى هذه القضية يستدلون بطريقتين الطريقة الأولى يقولون أن النهي الحادث في سنة 8 أو 9 للهجرة قبل بداية الهجرة إلى هذه السنة كان هناك ممارسة للنبي صلى الله عليه وآله تقتضي بأنه يصلي على المسلمين ويقوم على قبورهم ويزوروهم ويُأبِنُهم ، هذه السيرة كانت موجودة طوال هذه المدة من أول سنوات الهجرة إلى سنة 8 هجرية إما لخصوصية هذا الشخص وكونه معاندًا جدًا إلى سنة 8 وهو لا يزال على النفاق – لم تبقى إلا سنتين وينتقل النبي إلى رحاب الله – بعد 8 سنوات من الهجرة فضلًا عن البعثة وإلى الآن لم يتغير ولم يتب طينته غير صالحة إما لخصوصية فيه أو لا انه تشريع عام يأيها النبي لا تجامل أحد من المنافقين أبدًا حتى لو كان يرجى مثلا أن يؤمن قومه - لا تصلي على أحدٍ منهم أبدا ولا تقم على قبره - قبل هذه الفترة يفترض أن النبي صلى الله عليه وآله يمارس هذا الفعل من الصلاة على المسلمين والقيام على قبورهم والمقصود بالقيام أن يقف هناك ويزور ويذكر الله ويدعو إلى أخره هذا طريق من الطرق ، والطريق الآخر شبيه له من زاوية أخرى يبحثه المفسرون يقولون أن المنع عن فئة معينة يفيد الإباحة لسائر الفئات مثلًا حينما أقول أنت لا تُعطي الفقراء غير المصلين لا تعطهم أموال معنى ذلك أن الفقراء المصلين تُعطيهم هؤلاء المنافقون لا تصلي عليهم ولا تقم على قبورهم ولا تذهب لتأبينهم ولا تدعوا لهم معنى ذلك أن غيرهم لا مانع من ذلك من جهة يمكن أن يستفاد من الناحية الزمنية أن من ذاك الوقت من أول سنوات الهجرة إلى سنة 8 كان هذا الأمر رائجًا وشائعًا يقوم به النبي صلى الله عليه وآله إلى هذه السنة ، وتارة نستفيد من الصفة التي علق عليها الحكم يقولون المنافقون لا تصلوا عليهم ولا تقم على قبورهم معنى ذلك غير المنافقين لا مانع ذلك هذا قد يستفاد من الآية المباركة .

        أما عندما تأتِ لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان وهو سيد الخلائق يذهب إلى قبور الصالحين والمؤمنين فكيف لو انعكست المسألة يعني إذا كان النبي وهو سيد من خلق الله يذهب ويزور قبور مسلمين عاديين ويدعو لهم ويخاطب الله عز وجل لرحمة بهم فإذا كان النبي يذهب إلى من هو أدنى منه منزلةً من عامة المسلمين فكيف يُعقل أن عكس هذا ممنوعًا أن شخص من عامة المسلمين لا يجوز له أن يذهب لزيارة قبر رسول الله هل هذا يجوز في العقول؟ النبي مع جلالته وعظمته هو يذهب لزيارة قبر مسلم عادي يذهب ويجلس ويدعو الله ويتوسل الله ويذكر الله لكن إذا انعكست المسألة أن يذهب هذا المسلم العادي لقبر رسول ويدعوا الله هذا فيه إشكال؟! هذا غير معقول أبدًا يُنقل وهذا موجود عندنا وعندهم فيما يذكر من فضل ليلة النصف من شهر شعبان والرواية منقولة عن زوجة النبي عائشة في مصادرهم أنه لما صار نصف الليل وكان ليلة عائشة في ذلك الوقت قام النبي صلى الله عليه وآله من الفراش بحسب الرواية فأخذني ما يأخذ النساء يعني بالتالي - قُلت النبي قام من فراشه ليذهب إلى فراش زوجة أخرى- فقمت أرقبه فوجدته خر لله ساجدًا بعد أن أسبغ الوضوء وخر لله ساجدًا وقال سجد لك خيالي ووجهي يا عظيم يا عظيم اغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفرُ الذنب العظيم إلاَّ الرب العظيم وظل ساجدًا ثم بعد ذلك قام وخرج من الدار وذهب إلى البقيع –بقيع الغرقد- ثم بعد ذلك بدأ يزورُ المسلمين (النص للمسلم) يقول لما وصل للبقيع قال السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وأتاكم ما توعدون وإنَّ إنْ شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لي أهل بقيع الغرقد في بعض النصوص الأخرى أطول من هذا الكلام أنه يهنأكم ما أنتم فيه فإن الفتن قد أطلعت رؤوسها يعني أنتم ذهبتم شهداء لم تتلوثوا بشيء فهنيئًا لكم ذهبتم طاهرين أنقياء وأن من بعدكم من الممكن أن يتورط في هذه الفتن النبي صلى الله عليه وآله في جوف الليل يقوم لأجل أن يذهب إلى لزيارة قبورِ ناس عاديين من المسلمين – عاديين بالقياس له – وإلا فهم لهم منزلة وجلالة لكنهم بالنسبة إليه هم تابعون له فهو نبيهم وإمامهم ومع ذلك ذهب من أجل أن يقوم على قبورهم من أجل أن يؤبنهم ويذكرهم بالخير بل أيضًا ينقلون أن النبي صلى الله عليه وآله عندما كان ذاهبًا إلى مكة خالفَ اتجاهه وذهب لزيارة قبر أمه آمنة سلام الله عليها وكان خارج مكة حتى وصل إلى ذلك المكان فجلس عندها وبكى وأبكى -هذه العبارة موجودة أيضًا- ( فيه عدة أبواب منها ما يشهد إلى ما تذهب إليه الإمامية من إنَّ أم النبي صلى الله عليه وآله من صاحبات الدرجات الإيمانية العالية وتحدثنا عنه في حديث خاص حول آمنه بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله) هذا من جملة ما يذكر من إن النبي قصدها بزيارة وترحم عليها وجلس عندها وترحم عليها وبكى عليها وأبكى من كان معه حاضرًا فالنبي صلى الله عليه وآله يذهب ويقصد قبر أمه من ولايات الله عز وجل من المؤمنات لأجل هذا الغرض أترى أن رجلًا عاديًا يحرم عليه أن يذهب ويشد الرحال إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله بقصد القبر والزيارة بينما هو النبي يذهب لزيارة من هو أدنى منه شأنًا في الإيمان والمنزلة الإلهية وهكذا يذكرون موارد متعددة الآن لا نذكرها ولكن من أراد التفصيل فقد ألف العلامة الأميني رضوان الله تعالى عليه الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب كتاب " الغدير " فصلا عنده أورد فيه 40 شهادةً من علماء الأمة في استحباب ورجحان هذا وفي بعضها إشارات إلى الأدلةِ التي اعتمدوا عليها ومنها سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ومن ذلك أيضًا ما ذكره في كتابه أحد أعلام مدرسة الخلفاء شافعي الامام تقي الدين السبكي الشافعي وهو شخص من أعاظم العلماء في تلك المدرسة عنده كتاب خاص في هذا المعنى باسم شفاء السقام في زيارة سيد الأنام أثبت فيها بالأدلة القاطعة والراجحة على وفق على وفق مبانيهم كيف يمكن أن يُقصد رسول الله من أقصى بلاد الدني لأجل زيارة قبره صلوات الله وسلامه عليه هنا قد يأتِ بعض الأسئلة التي يوجهها أو توجهها تلك الفئة الخاصة المحدودة كما ذكرنا محدودة حتى بمقاييس مدرسة الخلفاء فتقول ماذا تصنعون لأمرين الأمر الأول أن هناك آيات قُرآنية تشير إلى أن هؤلاء وتطبقها على من يزور الأولياء والأنبياء والصلحاء والأئمة يتخذونهم أولياء من دون الله يقول في الآية المباركة قول الله عز وجل : (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا) من دون الله هذه الآية لو تأملنا فيها ونجنب جانب الاعتساف والحدة في النقاش سوف يرى أنها لا ترتبط بالمسلمين أبدًا فإنها تتكلم عن جماعةٍ يعبدون من دون الله آخرين يعبدون الأصنام يعبدون الأوثان يعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويصرون على أن هؤلاء هم الشُفعاء من يصنع هذا من المسلمين اليوم؟!

        هل رأيت أحد يذهب إلى رسول الله ويقول له أنت شفيعي من دون الله عز وجل!! أنت تقضي حاجتي من دون إذن الله !! يتخذ النبي ربً لأحد يصنع هذا ولو صنع هذا أحدٌ كائنًا من كان خرج من الدين بإجماع المسلمين عندما يذهب هؤلاء الزائرون إلى رسول الله أو إلى أمير المؤمنين أنظروا لخطابهم في زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله أشهد أنك قد أديت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت الأمة وعبدت الله مُخلصًا حتى أتاك اليقين أين هذا من أنهم يعبدون من دون الله ملا يضرهم ولا ينفعهم عندما يذهب الإنسان إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ماذا يقول ؟ يقول أشهد أنك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر لا يقول أنت إلهٌ أو ربٌ أو أنني أعبُدك أو أنني أسجد لك لا أحد يقول ذلك من المسلمين على الإطلاق هذا الكلام بل إنما يذهب المسلمون لهؤلاء لكونهم أعبد الناس لله عز وجل لماذا أنت تذهب إلى رسول الله ؟ لماذا تذهب إلى عليٍ وإلى الحسن وإلى الحسين ليس إلا أنهم حققوا أقصى درجات العبودية لله عز وجل فكانوا عبيد الله سبحانه وتعالى بحق وبمقدار ما كانت عبادتهم فُضلوا لم يكن لديهم أموال زائدة الخلفاء كانوا أكثر منهم أموال ولا يوجد بيننا وبينهم قرابة أو علاقة نسبية عندنا أقارب و أهل لا نذهب إليهم كما نذهب إلى رسول وإلى أمير المؤمنين وإلى الحسين وإلى سائر الأولياء والصلحاء فهؤلاء لأنهم عبدوا الله حق عبادته وجاهدوا فيه حق جهاده يذهب الإنسان إليهم وهذا يذكرنا ببعض ما حاور به علماء الدين بعض المسيحيين قسم من المسيحيين يعتقدون أن عيسى بن مريم إله ويقولون ربنا الذي في السماء عيسى أو يسوع هذا المسيحي جاء يُناقش أحد أئمة الدين يقول أنتم لماذا لا تؤمنون بيسوع بعيسى فقال له أنت بماذا تؤمن به فقال : أنا أؤمن بأنه هو ربنا الذي في السماء وأنه هو الذي يصنع هذه الأشياء بعضهم يقول هو ثالث ثلاثة وبعضهم يقول أحد الأقانيم وبعضهم يقول هو ابن الله فقال له هذا من أئمة الدين نحن ليس لدينا مشكلة مع عيسى لولا أنه كان ضعيف الصلاة والصيام لا يصلي لا يصوم لذلك علاقتنا معه ليست جيدة ، فقال له أنت تقول أنا عيسى قليل الصلاة والصيام ؟ ! عيسى كان يصلي في اليوم والليلة كذا وأكثر دهره صائم يعمل من الصالحات فقال له : إذا كان يصلي ويصوم فهو يصلي لمن؟ ويصوم لمن؟ إذا كان إله أو جزء من الإله فهو لا يحتاج إلى صيام فهو يُصام له وهو يُصلى له إذا كان يصلي كثيرًا ويصوم كثيرًا ويبكِ كثيرًا ويتوسل كثيرًا ويتهجد كثيرًا فهو لمن كان يصنع هذا ؟ هو إنما كان يصنع هذا من أجل الله فيثبت هذا أن عيسى ابن مريم هو ليس إله إنما هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم كذلك بالنسبة إلى أئمة الهدى بالنسبة إلى رسول الله أنت حينما تقول أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرة بالمعروف لمن كان يصلي؟ لمن كان يأمر بالمعروف؟ لمن كان يضحي ؟ لمن كان يصوم؟ إنما كان لأنه كان يرى في نفسه حقيقة العبودية لله عز وجل وإذا أحد الأشخاص عظم الإمام أو النبي فوق منزلته البشرية يقف أمامه ولا يقبل منه الغلو فيه أبدًا ولا بدرجة واحدة يرى نفسه عبدًا لله عز وجل لهذا من الأذكار الواجبة في الصلاة التشهد، التشهد ماذا فيه؟ أشهدُ أن محمدًا عبدهُ أولًا ورسوله ثانيًا، فهذه فكرة أن هؤلاء يُتخذَون أرباب وأنه يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم هذا نوع من الفجور في الخصومة لا يوجد أحد من المسلمين مِن مَن يزوروا أحد من الأنبياء أو الأولياء يعتقد أن هذا النبي معبودٌ أو يعتقد أنَّ هذا الإمام معبود وأنه من دون الله ينفع أو يضر لا أحد يعتقد بذلك لا في الشيعة ولا في عامة المسلمين الذين لديهم تقديس إلى النبي إلى أولياء الله إلى الإمام الحسين في مثل مصر حتى بعض الأولياء والصالحين أيضًا التي ليس لديهم مرتبة إمامة هؤلاء حتى عامة الناس عندما يذهبون إليهم لا يعتقدون أن هؤلاء أرباب يعتقدون أن هؤلاءِ عبيد بينهم وبين الله قرب بعبادته فيمكن أن يشفعوا لهم لقضاء حوائجهم وهذا بحث يحتاج إلى بحث خاص قضية التوسل بهم والشفاعة هذا بحث آخر أما أن يعتقد أن هم أرباب وهم يعبدونهم وأنهم لا ينفعونهم ولا يضرونهم فلا أحد يعتقد بهذا أبدًا لا عند الإمامية و لا من عامة المسلمين قسم من هؤلاء يتصورون أن الله لم ينزل التوحيد إلا في قلب الأنفار القليلة الموجودة هذا إشكال يوجه وهذا جوابه.

        إشكال آخر يقولون يوجد لدينا حديث عن رسول الله محمد أنه لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) فأنت حينما تسافر من بلدك وتذهب إلى النجف الأشرف أو كربلاء أو القاهرة لكِ تزور مقامًا أو قبر ولي هذا غير مشروع لأن شد الرحال لا يكون إلَّا هذه الأماكن الثلاثة المساجد الثلاثة وهذا الحديث موجود الجواب على ذلك هل السفر إلى أي مكان في الدنيا ممنوع إلا إلى هذه المساجد الثلاثة ؟ مقتضى أن إذا تريد نص الحديث أن تعمل عليه بغض النظر عن سنده هل هو صحيح أم لا ؟ لأنه مروي فيه عن أبي هُريرة الدوسي وهو فيه كلام أُفرض أن هذا الحديث موجود هل تريد أن تأخذ بظاهره ؟ معنى ظاهره أنه لا يجوز السفر لأي شيء في الدنيا إلَّا إلى هذه الأماكن الثلاثة لا تستطيع السفر للعلم لأنه لا تُشد الرِحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة لا تستطيع أن تُسافر لتجارة لأنه لا تُشد الرِحال إلَّا إلى هذه المساجد لا تستطيع السفر إلى السياحة لأنه لا تُشد الرِحال إلَّا لهذه المساجد الثلاثة وهذا الأمر باطل بلا شك ولا ريب لأنَّ سيرة المسلمين على السفر لأدنى شيء وبأي غرضٍ من الأغراض فإذًا يتبين أنه ليس المقصود أي سفرٍ لا يجوز إلاَّ إلى هذه الأماكن الثلاثة هذا إذا فرضنا أنه طبعًا صحيح وطبعًا وارد عندنا مرفوعًا يعني بسند غير تام وعندنا إلى جانبه حديث صحيح عن الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه : ( لا تُشد الرِحال إلا إلى قبورنا ) يعني هذا من الأماكن التي يجوز شدّ الرِحال لها إذن ما هو معنى ذلك الحديث؟ -فرضي أنه موجود- معنى ذلك أن قيمة المساجد الإلهية قيمة متساوية فيما بينها إلَّا ثلاثة مساجد بناءً على هذا الحديث هذه لها قيمة استثنائية فتستحق أن يُسافر إليها الإنسان من مكانٍ إلى مكان لأجل اكتساب الفضل لكن لو فرضنا مثلًا على سبيل المثال أن إنسان في باكستان يريد أن يأتِ لمنطقتنا ليصلي في المسجد الموجود هل لهذا فضل؟ لا فضل لذلك هذا المسجد الموجود في باكستان يستطيع الصلاة فيه مادام موقوفًا على أنه مسجدٌ يستطيع الصلاة فيه ويحصل على ثواب الصلاة في بيت من بيوت الله .

        لنفرض أن الثواب في مسجدنا ألف حسنة كذلك المسجد الذي لديه في باكستان مادام موقوفا لله فهو سيحصل على ثواب ألف حسنة فلو أتى لمنطقتنا وصرف الأموال ليُصلي في مسجدنا أو منطقتنا سيحصل على نفس الثواب فلا معنى أن يشد الرحال ويذهب من مكان إلى مكان لأجل هذا المسجد العادي نعم لو كان مسجد رسول الله يستحق أن يشد الرِحال إليه لأن الثواب فيه مُضاعف جدًا وقيمة مسجد رسول الله لأجل جوار رسول الله في عقيدتنا وإلَّا كُل المدينة لا قيمة لها لولا أنها كانت مكان النبي صلى الله عليه وآله هي مدينة النبي وبه صارت كانت موبوءةً بالوباء والمرض فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله إنزاح عنها المرض ببركة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وهذا عند الجميع يعني قضية ليست خاصة بالإمامية عند الجميع مذكور فإذا شخص يريد أن يشد الرحال ويسافر ويصرف الأموال ويجهد نفسه بناءً على هذا الحديث عندنا أيضا مثل مسجد الكوفة هناك مساجد معينة لها قيمة استثنائية عند الله عز وجل هذه تستحق أن يُسافر إليها أن يبذل المال لأجلها ، أما لنفترض لو كنت هنا في هذه البلد وقلت سأقطع مسافة 70 كيلو متر إلى البلدة الثانية لأصلي في مسجد من مساجدها لا توجد قيمة استثنائية لها هنا تصلي صلاتك تحصل على ذات الثواب لولا قيمة التعب في سبيل الله لكن المسجد هذا بيت من بيوت الله وذاك بيت من بيوت الله نعم هذه المساجد الثلاثة على تأملٍ أيضا في قضية المسجد الأقصى يوجد كلام فيه إذا لم يصح الحديث في الأمر فالأمر أسهل في ذلك ، الشاهد إذن أن هذه المساجد نظرًا لقيمتها الاستثنائية يُستحب شد الرحال إليها أما غير ذلك من الأمور لا تتحدث عنه الرواية ، أنا يجوز لي أن أشد الرحال لطلب العلم أم لا يجوز لي ذلك أم لا لم تتحدث عنه الرواية ، يجوز لي أن أشد الرحال لقريب ؟ يجوز لي أن أشد الرحال لزيارة قبر رسول الله ؟ لم تتحدث عنه هذه الرواية، يجوز لي أن أشد الرحال لزيارة قبر أمير المؤمنين عليٍ عليه السلام ؟ لم تتحدث عنه هذه الرواية أصلًا لأنها تتكلم عن موضوع المساجد هذا كله لو فرضنا أن هذه الرواية من حيث السند رواية تامة وصحيحة و فيها كلام في هذه الجهة ، إذن تبين لنا في نهاية المطاف أن ما ذهب إليه الإمامية من أن هذه الأماكن يجوز بل يستحب بل كانت سيرة النبي بل كانت سيرة أئمة الإسلام وليس الشيعة كما قلت صاحب كتاب شفاء السقام من مدرسة الخلفاء شافعي المذهب وغيره من الأحناف عندهم قضية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله يُرجى بها ما يُرجى من الثواب والأجر وهذا ليس وليد اليوم منذ دُفن رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أيامنا هذه وسيرة المسلمين جاريةٌ على هذا الأساس وتُتخذ أيضًا أماكن لذكر الله عز وجل كل ما يمكن تكثير الأماكن التي يذكر فيها الله ويرفع فيها اسمه المفترض أن يعمل المسلمون عليها أن لو أتيت وعملت حسينية هي ليست قبر ولي لكنها مكان مُعد لأن يُذكر فيها اسم الله عز وجل يقرأ فيها الدعاء ، يسبح لله فيها يصلى فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله أليس هذا أمرًا راجحًا لو أتينا إلى مسجد من المساجد أو إلى مقبرة من مقابر الأولياء ووحدنا الله وعبدنا الله ودعونا الله ما الضير في ذلك وما المشكلة في ذلك هذا النبي يقرأ الأدعية على قبورِ مقبرة بقيع الغرقد ما لفرق بين أن يكون قبر هكذا على الأرض أو فوقه جدار وسقف حتى لا تُصيب الإنسان الشمس لا يوجد هناك في نظر العقول فرقٌ في أن هذا من الممكن أن يكون من الأماكن التي يعبد فيها الله سبحانه وتعالى وبالعكس نحن نلاحظ أن الاتجاه المخالف لهذا شيد القصور وألغى القبور الحجاج الثقفي يقول شنو هؤلاء ذاهبون يطوفون بقبر رسول الله كان ينقم عليهم معنى هذا أن سيرة المسلمين كانت على الطواف على القبر يقول كلامًا عظُم كلمةٌ وكبرت كلمةً تخرج من أفواههم يقول ما بالهم يطوفون بأعواد ورمةٍ بالية يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله هذا هو منهج الجفاء والجفاء ينتهي إلى هذا بعد هذا يقول هلاَّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان هي معادلة أن تُعادي قبور الصالحين تُشيد قبور الظالمين كل ما شيدت قبور الظالمين وأعليت بنائها حاربت قبور الأنبياء و الأولياء والصالحين لكن بفضل الله وبحمده بقيت هذه المقابر والقبور منائر وهذه الضرائح مصابيح وأصبحت مِصداق لدعوة نبي الله إبراهيم ( واجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم ) .

مرات العرض: 3411
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2567) حجم الملف: 55350.85 KB
تشغيل:

الوضوء كما يصفه القرآن
السجود على الأرض والتربة الحسينية