هذا هو القلب السليم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/2/1438 هـ
تعريف:

هذا هو القلب السليم

تفريغ نصي الفاضلة فاطمة أم هادي


قال الله العظيم في كتابه الكريم: " بسم الله الرحمن الرحيم وَلَاتُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" آمنا بالله صدق الله العلي العظيم

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع القلب السليم رزقنا الله واياكم هذا القلب، هناك موردان في القران الكريم تحدث فيهما عن القلب السليم وكلا الموردين يرتبطان بنبيالله إبراهيم عليه ونبينا والهما الصلاة والسلام. ففي هذه الآيات دعاء من نبي الله إبراهيم لربه " وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" المورد الآخر إخبارٌ من الله عز وجل أن نبي الله إبراهيم تحقق له هذا الطلب " وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيم" أي من شيعة نبي الله نوح حيث أنه في آيات متقدمة ذكر القران الكريم شيء من قصص نبي الله نوح مع قومه وبعد ذلك أردف الحديث بالحديث عن نبي الله إبراهيم، " " وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيم إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم" فأثبت القرآن الكريم أن القلب السليم في أعلى درجاته لنبي الله إبراهيم واله وعلى نبينا و اله افضل الصلاة والسلام.

القلب ذُكر كثيرا و ذُكر بصفات حسنة وأخرى سيئة لكن تركيب القلب السليم جاء في هذين الموردين وهما خاصين بنبي الله إبراهيم، ومن هذا يُعلم أن هذا القلبالسليم الذي حازه نبي الله إبراهيم لابد أن يكون في درجة عالية جداً حيث أن نبي الله إبراهيم بين جميع الأنبياء حيث أنه لا موضع لنبي آخر مثله في جميع الديانات السماوية حتى نبينا محمد -ص- مع أنه صلوات الله عليه أفضل الخلق عند الله ولكن تيسر لنبي الله إبراهيم ظروفمعينة جعلت له موقعاً في الديانة اليهودية وايضاً المسيحية وفي الإسلام حتى صار كل منهم ينسبه إلى نفسه. المسلمين يقولون إن إبراهيم مسلم والمسيحيون يقولون إن إبراهيم مسيحي واليهود يقولون إنه يهودي! فهو له موقع متميز، هذا النبي العظيم والرسول الكريم دعى ربه بهذاالدعاء وجاء ربه بقلب سليم. فماذا يعني القلب وماذا تعني السلامة!

القلب إذا اخذناه من الزاوية البدنية التشريحية للإنسان فهو عبارة عن عضلة داخل الصدر تتكون من أربع غرف وعملها اشبه بعمل المضخة (الدينمو التي تأخذ السائل من جهة وتضخه في جهة أخرى) ومعدل وزن الانسان٣٥٠ جرام وعليها تقوم حياته وبها يقوم بدنه. هذه العضلة تضخ في عمر الانسان (معدل الحياة ٧٠-٧٥ سنة) ما يقارب ١٧٠ مليون لتر دم يضخها ويوزعها على كل جهات البدن ثم يسترجعها من جديد هذا الدم الذي حُمل بثاني أكسيد الكربون يمر بالقلب ويُصفى ثم يرجع للقلب مرة أخرى ويضخهمن جديد وهكذا. في كل يوم يضخ هذا القلب ٧٠٠٠ لتر في حياة الإنسان. هذا القلب العضوي والبدني و عمله واضح ومحدد وهو تزويد البدن بالدم المحمل بالأوكسجين و ايصاله لكل العروق و الشعيرات الدموية جعل الله قلوبكم واياكم صحيحة سالمة إن شاء الله وهذا القلب المضغة البسيطة٣٥٠ جرام اذا أحسنت رعايته يعمل لمدة ٧٠-٧٥ سنة لا يحتاج منك قطع غيار أو تبديل زيت إنما يحتاج منك قول الحمدلله رب العالمين على كل نعمه وهذه إحدى النعم المغمورة لدى الانسان (ليلاً نهاراً وأنت مستيقظ ونائم، فرح أو مغموم هو في حالة عمل دائم ودائب).

ولدينا القلب الآخر الذي يُفترض أن خطابات القرآن الكريم وروايات المعصومين تتعلق بهذا القلب لا بالقلب البدني. يطلق عليه مركز المعرفة أو مركز إدارة حياة الانسان أوبالعقل الباطني، هذا الذي تتوجه اليه الصفات (قلب منيب، مطمئن، أواب إلى غير ذلك) ولذلك رأى بعض المفسرين ويؤيد ذلك روايات أهل البيت أن في كل موضع ذكر فيه القرآن الكريم القلب لا يُراد منه العضلة التي في الصدر إنما المقصود منه العقل، مركز المعرفة. في الحديث عنالامام الكاظم -ع-في وصيته لهشام ابن الحكم عن العقل: "يقول قال تعالى" لمن كان له قلب" أي لمن كان له عقل" الكل عندهم قلوب ولكن هذا القلب الذي يعقل هذا القلب الذي يدير حياة الانسان يدير هدايته أو ضلاله يدير معرفته أو جهله هذا القلب المقصود في القرآن الكريم والروايات. فيوصف بالعقل والدين والهداية.

فلا يعقل أن يسلب القرآن القلب السليم يوم القيامة ممن غير صمام قلبه أو قام بقسطرة في القلب بينما يقصد الجانب العقلي والتوجيهي هذا هو الذي يُتحدث عنه.

في الحديث عن نبينا المصطفى محمد -ص- أنه سُئل ما لقلب السليم؟ فقال دين بلا شك وهوى وعمل بلا سمعة ورياء". كأنما من آثار هذه القلب العقلي والتوجيهي جهتين: جهة نظريةحيث أن عقائده في دينه تكون راسخة لا شك فيها ومن جهة أن تكون أعماله وسلوكياته تكون صحيحة وهادفة. في الحديث الآخر عنه -ص- أنه سُئل ايضاً عن القلب السليم فقال:

"هذا قلب من لا يدخل الجنة بكثرة الصلاة والصيام إنما يدخلها برحمة الله وسلامة الصدر (أن يكون صدره سليم على اخوانه لا يحمل حقداً وضغينة أو بغضاء) وسخاوة النفس والشفقةعلى المسلمين".

إذاً هناك نوعان من القلوب: القلب العضوي الموجود في البدن داخل الصدر الذي له وظيفة معينة ومحددة وهي ضخ الدم وهو كالعين واليد في حالهما البدني، وقلب عقلي منيب يطمئنبذكر الله في اللغة العربية قلب أي شيء أي مركزه واصله فقلب الانسان هو مركزه وأصل الهداية والتعقل وقد ورد في الروايات بمعنى العقل هذا القلب يُوصف بالقلب المطمئن والسليم.

قال تعالى: " مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَبِقَلْبٍ مُّنِيب" القلب المنيب هو الذي ينتهي بالإنسان بالإنابة والتوبة والرجوع حين تصدر منه المعصية يتراجع ويخشى الرحمن ويكون قلبه النائب التائب دليله إلى العودة لله.

في موضع آخر يذكر القلب المطمئن بالايمان: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ" هذا القلب المطمئن بالايمان ليس هذه العضلة التي في الصدر! وكذا القلب المهتدي من يهدي الله قلبه سبحانه وتعالى والقلب التقي " ذَٰلِكَوَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَاللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"

هناك قلوب تقية وهذه القلوب التقية تدفع الإنسان لتعظيم شعائر الله، وأيضا "لمن كان له قلب" كل الناس لديها قلوب عضوية الكافر والمؤمن الصالح والطالح لكن القلب بالمعنىالعقلي والتوجيهي هؤلاء من لهم قلب أي عقل. و بالمقابل هناك صفات سيئة للقلوب كالغلظ " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". القلب المرتاب "وارتابت قلوبهم" أي جانب التعقل والهداية كان مرتابا. وأيضا القلب المريض "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" أيضا القلبالآثم "آثم قلبه" وابضا القلب المختوم عليه "ختم الله على قلوبهم" كذلك الصفات الأخرى في سائر الموارد.

إذا هذه الصفات (السيئة أو الحسنة) لا يمكن أن تنطبق على القلب العضوي والتشريحي ولذلك كذب ورد المحققون من شيعة أهل البيت -ع- الرواية الذي ذُكرت في مدرسة الخلفاءالتي تذكر شق صدر نبينا محمد -ص- أن النبي لما كان صغيرا مع حليمة السعدية في مضارب بني سعد كان مع اخوته من الرضاعة نزل عليه ملكان فأضجعاه وشقا صدره فأخذوا من قلبه نكتة أو فلذة قالا هذه نصيب الشيطان وقد ازلناها. لم يقبل علمائنا هذه الرواية لإشكالات سندية وإشكالاتعقلية أن لو صحت فإن الشيطان لا يؤثر على القلب العضوي ولا على البطين الأيمن أو الاذين الايسر بينما تأثير الشيطان يكون على عقله وقلبه الذي هو مركز حياة الانسان.

اذا المطلوب من الانسان أن يأتي الله بقلب سليم، فالمطلوب منه ليصل إلى درجة من درجات القلب السليم؟ هناك عدة أمور يجب أن يلاحظها الانسان حتى يصل إلى درجة سلامة القلب،في الوصايا لأمير المؤمنين علي -ع- للإمام الحسن المجتبى مذكورة في نهج البلاغة" يا بني وجدتك بعضي بل وجدتك كلي فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي حتى لو كأن الموت لو أصابك أصابني فبادرت إلى نصيحتك، بني احي قلبك بالموعظة و أمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمةوذلله بذكر الموت" وصية الامام قالها له بعد منصرفه من صفين أي بعد سنة ٣٨ هـ أي أن عمر الامام المجتبى ٣٤-٣٥ سنة وقد كان مستقلا و متزوجا وبعد سنتين سيصبح الامام الفعلي وهو إمام ومع ذلك تجد الامام أمير المؤمنين ينصحه ويعظه ليقول لنا يا أيها الأباء إذا أصبح عمرابنك ١٥ أو ٢٠ سنة لا تعتقد أنه قد استقل وصار يعمل ولا يحتاج النصيحة منك بل أنت مسؤول أن تنصحه و تعظه (أنت مسؤول أنت تنصح سائر المسلمين فما بالك ب ابنك أو ابنتك!) ليس مطلوبا منك أن تهيمن عليه وتلغي شخصيته ولكن لا تعتقد أن جانب الوعظ قد انتهى من جانبك.

الأمر الآخر أصل الموعظة" بني أحيي قلبك بالموعظة" كل شيء يحتاج حياة الشجر حياته بالماء والقلب ليس القلب العضوي بل بمعنى مركز التوجيه لديك يحتاج لإحياء واحيائه بتعريضهللوعظ ومن الغلط أن يعتقد أحدنا أن الذهاب للمجالس الحسينية غير مهم وألا يُستفاد منها لأنها فقط للموعظة! أعظم شيء هي الموعظة أصل الدين هو الموعظة كلام الله في القرآن هو موعظة والانبياء عملهم عمل الواعظ (اتقوا الله اطيعوا بالله اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) يجب علينا أن نرحب بالموعظة إذا وعظنا أحد يجب أن نعتبره صاحب جميل علينا وأن نفتح أبواب قلوبنا الداخلية، ذُكر عن مراجع يجلسون في مجالس خطباء معينين وظيفتهم الوعظ خطباء وعظيين في النجف الاشرف وفي مشهد! وهم مراجع يُقتدى برسائلهم العملية

 فيجب على الانسان ألا يستكثر أو يستنكر على نفسه فمن اتعظ فقد حصل على أفضل ربح قد يحصله عليه الانسان.

وأمته بالزهادة، لا تجعل قلبك يسير وراء كل شيء جديد (ثوب أو منظر أو أثاث جديد يسير وراءه) فأمته بتقليل تطلعاته بتزهيده بما حوله من الأشياء لأن الأشياء المادية لاتنتهي/ في الشعر لأمير المؤمنين

وإنك إما تؤتي بطنك سؤله       وفرجك نال منتهى الذم اجمعا

وكأن شغل الانسان الجري وراء هذه الشهوات ومحلا للذم والتقريع

الأمر الثالث اختبر قلبك بالنسبة لسلوكياته ومحبته للغير، بعض الاختبارات تفضح توجه الانسان مثال ذلك أن تسمع أحدهم يتحدث عن عالم علاقتك معه غير حسنة، فهل تتمنى أنهذا الكلام غير صحيح! فإن تمنيت أن ما قيل عنه صحيح فيجب أن تراجع سلامة قلبك! فيه بغضاء ومشكلة وإذا وصلت لدرجة أن تحب لهم ما تحب لنفسك فقد وصلت للسلامة. حتى وإن كان زيد من الناس علاقتي معه ليست جيدة أحب له الهداية والخير فإن كنت كذلك فأنت من أصحاب القلوب السليمة.

وأخيرا القلب السليم لا يتطبع مع المعصية، لو أن انسانا أذنب ذنبا يختبر قلبه هل استنكر المعصية فإن استنكرها فهذه خطوة في اتجاه القلب السليم، وأما إن مرت مرورا عابرافمن وصية نبينا محمد -ص- لأبي ذر الغفاري: "وإن المنافق ليذنب الذنب فيكون كذباب مر على انفه وطار، وأن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان كجبل يكاد يسقط عليه". لا يجب أن ينظر الانسان لصغره ذنبه بل لعظمة من أذنب في حقه، إن المعاصي الصغيرة تتطبع في نفس الانسان إلى أن يظلمقلبه. إن خاف من ذنبه كأن جبلا على صدره هذا هو القلب المنيب التائب، ولكن إن استصغر الذنب و سار في اتجاه آخر أكبر هذا من قيل فيه:بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته! يصبح محوطا بسياج الخطيئة وهذا القلب على أثر تراكم السواد فيه لا يكاد يبصر الطريق ابداً. يرتكب الجرائمدون أن يفكر في عاقبة ما يفعله دون أن يتنبه، يتعجب الانسان ممن مُلئت بطونهم من الحرام كما وصف عليه السلام جند بني أمية مع كل هذه المواعظ التي لو أُلقيت على الصخور لأذابتها،

مرات العرض: 3457
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2569) حجم الملف: 47440.72 KB
تشغيل:

عن ولاية الله والمعصومين والفقهاء
هكذا تقسم المواريث عند الامامية !