الموقف الاسلامي تجاه اليهود
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/9/1437 هـ
تعريف:


10- الموقف الإسلامي تجاه اليهود

 

تفريغ نصي الفاضل علي جعفر الجمري

تصحيح الأخت الفاضلة أم رضا

     قال الله العظيم في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم : "وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودًا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"[1

   في البداية لا بد من التفريق بين الموضوع السياسي والموقف الديني , هناك حدث سياسي يتمثل في اغتصاب اليهود والصهاينة لأرض فلسطين وطرد أصحابها منها , وهذا الجانب له مقدماته وأفكاره وإحصاءاته ، وحديثنا هذه الليلة لا ينظر إلى هذا الجانب وإنما هو ناظر إلى الموقف الديني.

  إن القرآن الكريم وما يتمخض منه من موقف لا يرتبط بعقدة في الأسماء فيعادي اليهود على طول الخط لأن اسمهم يهود , الأمر ليس كذلك , وإنما يرتبط الأمر بمدى قيام هذه الفئة أو تلك بالعمل الصالح أو بالعمل السيء , وعندئذ في هذه الجهة من المدح أو الذم لا يختلف أن يكون اسمه يهوديًا أو نصرانيًا أو حتى مسلمًا أيضًا ، إن الله لا ينظر إلى صوركم أو أسمائكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأفعالكم [2].

     ولهذا نجد في القرآن الكريم يوجد مدح لليهود ولبني إسرائيل , ويوجد ذم لليهود ولبني إسرائيل , وهذا ما حدا ببعض اليهود إلى القول بإن هذا القرآن لا يفترض أن يكون كتابًا سماويًا , لأنه تارة يمدح اليهود ويرفعهم , وأخرى يذمهم ويلعنهم ؟!                 

     بينما هذا أمر طبيعي , لماذا ؟ لأن القرآن الكريم يحب العمل الصالح من الإنسان ويبغض العمل السيء , فقد يكون شخص واحد لكن هذا اليوم محبوب لأنه عمل عملًا صالحًا , وقد يكون غدًا مغضوب عليه لأنه عمل عملًا سيئًا . هذا المجتمع في فترة ما كان مطيعًا لله رافعًا راية الدين , سائرًا على خطى أنبيائه , فيقول لهم القرآن الكريم : "....اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين"[3] لماذا ؟ لأن هذه الفترة التي كنتم عليها مطيعين لله تعالى , متبعين للنبيين , حلت عليكم النعم وأعطاكم الله ما أعطى وفضلكم على العالمين . ولكن هذا المجتمع في فترة أخرى خالف ما أُمِر به , فذمهم القرآن الكريم لأجل أعمالهم السيئة : "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه "[4] .

     مثل هذا المجتمع الذي كان اسمه المجتمع اليهودي كان "فضلتكم على العالمين" صار "نقضهم ميثاقهم" ، هناك كان ممدوحا وهنا أصبح مذموما , ولذلك نفهم سبب مدحهم مرة وذمهم أخرى كما في الآيات المباركات التي مرة تقول : "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" [5] لهذا السبب وليس لأن اسمهم يهود, وإنما لأجل أنهم عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لذلك حلت عليهم اللعنة وإن كانوا يهود أو نصارى . وأحيانًا حتى لو كانوا مسلمين لا يوجد هناك فرق , لا يأتي الإنسان ويخدع نفسه بالأسماء ، ويقول أنا مسلم وموالي لأهل البيت عليهم السلام فأبواب الجنة مفتوحة أمامي ! ليس الأمر هكذا ، وإنما عليك أن تعمل الأعمال الصالحة , أما إذا لم تعمل فتكون كما قال الإمام الحسن المجتبى (ع) : " ..فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها لا تقل لنا: أنا من شيعتكم , ولكن قل : أنا من مواليكم .. "[6] آتي أنا وأقول : أنا من أولياء أهل البيت , من شيعتهم من أتباعهم ، ويأتون إليَّ يوم القيامة , ويقولون لي أين تشيعك ؟ أين إتباعك ؟ أين عملك ؟ أنت لست معاقب على أعمالك فقط وإنما أيضًا معاقب على ادعائك ما لست أهله .                                                     

   فإذا لا يوجد هناك عقدة في القرآن الكريم ولا في الموقف الإسلامي فتقول هذا يهودي يعني أن هذا ساقط ! لا ليس كذلك ولا يوجد أيضا هناك أفضلية لهذا لأنه مسلم ، كلا وإنما المدار يدور حول العمل فإذا عمل عملا صالحا مُدح وإذا عمل عملا سيئا ذُم , هذه مقدمة مهمة .

  الموقف الإسلامي تجاه اليهود:

أولًا : نلاحظ أن القرآن الكريم يوصي بالتعامل مع أهل الكتاب - منهم اليهود - بالتي هي أحسن "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" [7] عنوان أهل الكتاب هو كلمة احترام يعلمنا كيف نحترم الآخرين ، يدعو اليهود والنصارى بـ يا أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب , فماذا يريد من قوله هذا ؟ يريد أن يقول :
1.أن بيننا نحن المسلمون وأنتم اليهود ؛ أمر مشترك من المشتركات المهمة , وهو أننا أصحاب كتاب سماوي , مصدرنا سماوي , وأنتم أهل كتاب ونحن أهل كتاب ، نعم أنتم أهل كتاب صلاحيته إلى زماننا .
2.عندما يقول "أهل الكتاب" يعظم شأن المعرفة , أنتم عندكم طريق للثقافة عندكم طريق إلى المعرفة ,عندكم طريق إلى الهداية , وهو حجة عليكم ، الشخص الذي ليس عنده كتاب هو أمّي جاهل , ولكن أنت أيها المسيحي أنت أيها اليهودي لديك كتاب وهو طريق للمعرفة طريق للتثقف فهذا حجة عليكم .

   لذلك اليهود كانوا يسمون العرب الوثنيين الذين يعبدون الأصنام بالأميين , "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل" [8] ، أميين يعني لا يوجد عندهم كتاب سماوي وهذا أحد أوجه تفسير كلمة الأمي في حق نبينا المصطفى محمد – صلى الله عليه واله وسلم .

يوجد هناك تفسيرات متعددة للقب (النبي الأمي) , نبينا المصطفى (ص) هو أعلم من خلق الله وأكمل الناس خلقًا فلا يعقل أنه ليس عالمًا بالكتابة والقراءة , لأن ذلك نقص , تنزه نبينا المصطفى (ص) عن هذا النقص ، فإذا معنى (الأمي) ؛ أنه ينتسب للأميين , مثلا عندما نقول هذا (عراقي) يعني أنه من العراق , منتسب إلى العراق , أونقول هذا (هندي) منتسب إلى الهند.

     النبي (ص) ينتسب لمجتمع الأميين , الذين بعث الله فيهم النبي (ص) : "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم" [9] نسب بهذا الاعتبار لهذه الفئة ، فإذن عندما يقول القرآن الكريم : "يا أهل الكتاب" يقول لهم أنتم المفروض أن تكونوا واعين ,عارفين لأن عندكم كتاب وثقافة وهذا في الاحتجاج أبلغ , أنا أخاطب المثقف أقول له: انتبه لهذا الموضوع , أنت في مستوى يناسبك أن تلتفت إلى مثل هذا الأمر .

   إذن هناك جدال بالتي هي أحسن , وهناك تعامل بالطريقة الأحسن ؛ من خلال الحوار, والمناظرة . هذه النقطة الأولى في الموقف الإسلامي من اليهود .

ثانيًا : في نفس الوقت الذي بيننا جدال بالتي هي أحسن , نحن نقاوم بقوة الانحرافات العقائدية والتحريفات اللفظية ، أن يتعامل الإنسان بأخلاق حسنة ويجادل بالتي هي أحسن شيء , وأن يقبل التحريف والتزييف والتزوير شيء آخر فهذا لا يرتبط بذاك .

    موقف القرآن الكريم تجاه التحريف موقف حازم وصارم ؛ لأنه اعتداء على كلام الله , وإضلال لخلق الله عزوجل ، عندما أقرأ كتاب كتبته أيديهم , وأقول هذا من عند الله هذا افتراء , وكذب , وتحدي وتعدي على شؤون الله ، وهذا الأمر ليس خاصًا باليهود , أيضًا المسلمين , فلو أن مسلمًا في شهر رمضان لم يأكل ولم يشرب لكنه كذب على الله فجاء بآية لم تكن موجودة في القرآن الكريم وكان متعمدًا في ذلك يبطل صومه [10] ، لو أنتحل آية "الشيخ والشيخة فاجلدوهم البتة" وقرأها باعتبارها آية قرآنية ؛ يبطل صومه , بل حتى لو كذب على النبي – صلى الله عليه واله وسلم - وجاء بحديث مكذوب على النبي (ص) في نهار شهر رمضان ونسبه جازمًا للنبي ( ص) يبطل صومه . هذا يدل على تعظيم وصيانة كلام الله عزوجل , نقدمه لمن يزعم أن شيعة أهل البيت (ع) يحرفون كلام الله تعالى .

   يقول العلماء نفترض أن أحدًا لا يستطيع أن يقرأ القرآن بشكل صحيح فمثلًا يرفع المنصوب وينصب المرفوع , يقولون على هذا الشخص ألا ينوي جازمًا أن هذا الذي يقرأه هو الذي نزل على رسول الله (ص ), حتى لا يصير في صومه إشكال . القرآن الكريم مضبوط بشكل دقيق جدًا وأنا أقرأه بشكل غير صحيح مثلا أقول (الحمد لله ربُ العالمين) هذا لم ينزل على رسول الله (ص ) بهذه الصورة لكن أقرأ بحسب استطاعتي وقدرتي ، فحتى أنجو من المحذور لا بد عندما أقرأ أن استظهر هذه النية في قلبي .

ثالثًا : أن القرآن الكريم يسلط الضوء على الأفكار المنحرفة التي يؤمن بها اليهود ويصححها , على سبيل المثال في العقائد , في قول الله عزوجل : "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا.." [11]هذا كلام كفار لا يليق بكم أنتم اليهود أصحاب الكتاب السماوي ولا أنتم أيها المسيحيون ، أولئك الكفار الذين لا يعرفون حقائق الأنبياء (ع) وليس لديهم طريق للهداية , أما أنتم فأهل الكتاب ,كيف تقولون هذا ابن الله ؟!

أيضًا كان للقرآن الكريم مواقف حاسمة فيما يرتبط بالأفكار غير الصحيحة التي أصر عليها اليهود ومنها ما يرتبط بطهارة السيدة مريم العذراء والدة المسيح عليهما السلام ، اليهود صرحوا والعياذ بالله بزنا مريم ! وأنه الذي فعل معها الفاحشة يوسف النجار وأن ابنها ليس موضوع خلقه الله سبحانه وتعالى ونفخ فيها من روحه , وأصروا على هذا ثم كتبوه في كتبهم أيضا ، ولا سيما في الكتب المتأخرة التي كتبت بعد ميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام , وهنا القرآن الكريم يسجل مقالتهم الخاطئة وبعد ذلك يرد عليهم , يسجل أن هؤلاء قالوا لها أنت يا مريم عملت عملًا شائنًا "لقد جئت شيئا فريا" [12] "يا أخت هارون ما كان أبوك إمرأ سوء وما كانت أمك بغيا"[13] أنتِ كيف تفعلين هذا !! لم يكن آباؤك منحرفين ولا كانت أمك بغيًا ؛حتى ينتقل إليك الزنا من خلال هذه البيئة أو هذا البيت ولماذا فعلت هذا العمل ؟!                     

     يأتي القرآن الكريم ويكمل هذه القصة كاملة , ويجعل المسيح (ع) ينطق في ذلك الوقت المبكر ببراءة أمه السيدة مريم وطهارتها ,ويظهر تأكيد القرآن الكريم على جانب الطهارة في مريم في آيات متعددة : "يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين* يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" [14] لماذا ؟ حتى يواجه الأخطاء المتعمدة التي بثها اليهود في كتبهم حتى تأثر بها من حولهم .

عنصرية اليهود شعب الله المختار!!

كذلك فيما يرتبط بالروح العنصرية لدى اليهود أيضًا عالجها القرآن الكريم علاجًا دقيقًا ,عند اليهود حالة عنصرية من الاعتزاز بالذات فهم يرون: أن الرب المعبود أساسًا هو ذلك الذي خلق بني إسرائيل واختصهم برعايته وعقد بينه وبينهم عقدا على أن يحميهم ويرعاهم دون غيرهم من سائر البشر. وأنهم يعبدونه لأجل ذلك , وفكرة ( شعب الله المختار !!) التي انتشرت في الثقافة السياسية لها أصول دينية , فهم يعتقدون أن هناك علاقة خاصة استثنائية بينهم وبين الرب , لا توجد بين الله وبين أي أحد من البشر , يترتب على هذا حتى العاصي منهم لا يخلد في النار " ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات" [15] ، يدخل النار فترة بسيطة , وغيرهم خالد في النار , أما نحن جماعة الله ! الله اختصنا بذلك !                                                              

     القرآن الكريم يرفض هذا المنطق تمامًا , ويرد على ادعائهم : "قل أتخذتم عند الله عهدًا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون" [16]، هل يوجد بينكم وبين الله عهد والله لا يخلف وعده ؟ لا ليس هناك عهد , وبعد ذلك يشير إلى القاعدة العامة التي تشملكم أنتم أيها اليهود وأنتم أيها المسلمون , وكل من وُجِد على وجه الأرض : "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" [17] كوني أنا أعصي الله , وأفعل ما أريد من السيئات ثم أقول أنا مسلم وأنا يهودي و أنا كذا... , إن الله لا يخدع عن جنته "بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته" , على أثر اكتساب السيئات يصبح هذا الإنسان في دائرة الخطيئة ولا يخرج منها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، لو أذنب وأخطأ ثم تاب واستغفر وأدركته رحمة الله , ونالته شفاعة النبي (ص)عندها لا يخلد في النار , أما إذا أحاطت به خطيئته انتهى أمره , والله لا يعطل حدوده وأحكامه .                                                                           يترتب على هذه الحالة العنصرية عند اليهود وأنهم شعب الله المختار : لو يعتدون على غير اليهود ؛ يسرقون منهم مثلا , فيبررون فعلهم بأنه أمر عادي وطبيعي : "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون" [18] ما دام هذا المال لهذه الجماعة هؤلاء ليس هناك مشكلة .   وقد نهج بعض المسلمين الخاطئين نفس المنهج ؛ ويقولون ما دام هذه أموال الحكومة وهذه الحكومة غير عادلة وتضطهدنا فالذي يستطيع أن يأخذ منها يأخذ - كنوع من الدهاء والشطارة - كل هذا كلام باطل لا يجوز ذلك , هذا الفعل حرام ! من أعطاك السلطة والإذن لتقوم بهذا الفعل! حتى إذا كان المسلم في بلاد الغرب لا يحل له أن يحتال ويسرق من المحلات التجارية ومن غيرها , بحجة انهم كفار و مسيحيين ويهود , وأنهم كانوا السبب فيما يجري في فلسطين وأفغانستان والعراق .                                                

     يرى علمائنا أن هذا لا يجوز شرعًا . لا يصبح الإنسان عقله عقل يهودي "ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل" ، فغير المسلمين من أهل الكتاب سواء يهود أو غيرهم توجد عناصر مشتركة بينهم وبين المسلمين ؛ أنتم أهل كتاب ونحن أهل كتاب , أنتم تدعون إلى اتباع الأنبياء ونحن كذلك , أنتم تدعون إلى الله ونحن ندعوا إلى الله , أنتم تدعون إلى الفضيلة ونحن ندعوا إلى الفضيلة .....الخ , المفروض أننا نتعاون ولو فقط في المشتركات ؛للحفاظ على الأخلاق ,و على الأسرة ,وعلى العلاقات الطبيعية الزوجية وغيرها .. هذه الأمور ينبغي مراعاتها.

    أكثر من هذا أيضا يذكر القرآن الكريم مؤامراتهم تجاه الدين : "وقالت طائفة من أهل الكتاب آمِنوا بالذي أنزل على الذين آمَنوا وجه النهار واكفروا آخره" [19]، وفي موضع آخر يقول هؤلاء يتعاونون مع الكافرين ضد المؤمنين والمفروض ألا يكون هكذا , يقول الله سبحانه وتعالى : "لعن الذين كفروا من بني إٍسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون" [20] هؤلاء يتآمرون ويتحالفون مع الكفار على  المسلمين وهذا مما ينبغي أن يعاتبوا عليه ويعاقبوا عليه .
حكم التعامل مع اليهود في هذا الزمان :

    يبقى عندنا موضوع عن أحكام المعاشرة مع اليهود ، كيف يتعامل المسلمون مع اليهود في هذا الزمان ؟ هناك عدة مفردات تحتاج إلى حكم شرعي :
 أ// (قضية الطهارة والنجاسة)

     الكفار من غير أهل الكتاب كالبوذي والهندوسي ومن شابه هؤلاء نجسون لو لامس أحدهم برطوبة فإنه ينجسها , وهذا رأي العلماء , و المشهور عند الإمامية , أما أهل الكتاب المسيحيين واليهود فالمشهور في هذا الزمان عند الإمامية هو أنهم ليسوا نجسين , وبالتالي يستطيع الإنسان مثلًا لو كان لديه عاملة في المنزل مسيحية أو يهودية لا مانع إذا لامست الأواني والملابس وغير ذلك فلا تتنجس ، إلا إذا تنجست يدها بنجاسة خارجية [21]. وأيضًا تستطيع أن تتعامل مع هذا السائق , والعامل في الدوائر والشركات والمؤسسات التي تستقدم مثل هؤلاء يجوز لهم ذلك .    إذن الرأي المشهور بين الإمامية في هذا الزمان ؛ القول بطهارة أهل الكتاب ، وهذا أيضًا هو رأي مدرسة الخلفاء قديمًا وفي هذا الزمان .

ب// (النكاح منهم )
هذه مسألة ابتلائية عند بعض المسلمين الذين يدرسون في الخارج , وحتى أيضًا مع من يستقدم المسيحين واليهود - وإن كان قليل في بلاد المسلمين - المسألة في الزواج وهي إنكاح اليهودي والمسيحي أي أن يتزوج مسلمة .

   الحكم عند الإمامية غير جائز شرعًا , وكذا الحكم عند غيرنا من أتباع مدرسة الخلفاء ؛ فلا يجوز لرجل مسيحي أو يهودي أن يتزوج امرأة مسلمة , وتزويج المرأة المسلمة منهما حرام شرعًا , والعقد باطل وضعًا , يعني أنه لا يوجد عقد أصلًا ، بغض النظر أنه يؤثر عليها في دينها أو تؤثر عليه فيه دينه أم لا ,ذلك يكون (زنا ) وليس عقدًا صحيحًا بما استفاد العلماء من أدلة ومنها الآية المباركة : " ...ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " [22]وقد فسرت في روايات المعصومين (ع) بأنها تشمل أيضًا اليهودي والمسيحي , إضافة إلى روايات كثيرة من طريق مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (ع) .

عكس الأمر يجوز للرجل المسلم أن يتزوج مسيحية أو يهودية , فعند مدرسة الخلفاء يجوز الزواج الدائم باليهودية او المسيحية , أما عند مدرسة أهل البيت (ع) فيوجد رأيان :

1-الرأي المشهور تقريبًا أنه يجوز الزواج بهن زواجًا منقطعًا , مؤقتًا . ومن يجوِّز الزواج المنقطع يشترط ألا يكون لهذا المسلم زوجة مسلمة إلا إذا أذنت له .

2-رأي آخر عند علماء معاصرين أنه يجوز الزواج بهن زواجًا دائمًا .

ج// الطعام ( الأكل منهم ) :

الطعام قسمان :

1- غير اللحوم لا إشكال في جوازه أصلًا , لأنهم فرضنا أنهم طاهرون .

2- اللحوم : إذا كان ( سمك ) فاليهود بالذات يتفقون مع الشيعة الإمامية في تحليل السمك المحتوي على فلس وقشر وأن يُخرج حيًا .

أما إذا كانت ( ذبائح من طيور وأنعام ) فبالنسبة لمدرسة الخلفاء لا مانع عندهم من الأكل من ذبائح أهل الكتاب , وعند الإمامية لا يجوز ذلك [23] فلا بد من توفر الشروط كاملة ومنها أن يكون الذابح مسلمًا بمفاد الآية المباركة : "إلا ما ذكيتم " [24] والضمير يشمل المسلمين وليس اليهود والنصارى , وأن يُذكر اسم الله عليه وأن تُوَجه الذبيحة إلى القبلة , وهذه الشروط لا تتوفر كاملة عند اليهود لذلك لا يجوز أن يأكل منها المسلم الذي على مذهب أهل البيت (ع ) .

شبهة واعتراض :

أحيانًا يعترض البعض على هذه الحكام ويصفها بالتعقيدات , فيقول لماذا لا يلاحظ هؤلاء العلماء حال الطلاب في الخارج الذين يعانون من الصعوبة والمشاكل في الذهاب إلى أماكن بعيدة لشراء الذبائح المذبوحة على الطريقة الشرعية , لماذا لا يغيرون الأحكام ليسهل علينا الأمر نحن المتدينون في بلاد الغرب , وهذا الاعتراض ليس فقط بالنسبة للحوم المذكاة شرعًا بل أيضًا فيما يرتبط بأحكام الصيام في الأماكن التي يطول فيها وقت النهار , فيقال لماذا لا يصدر الفقهاء حكم لنصوم مثلًا سبعة عشر ساعة فقط !؟

إذا توصل الفقيه إلى جواز إفطار الإنسان على توقيت مكة أو العراق فلا بد ان يكون مستندًا إلى دليل و حجة شرعية , وحسابه يوم القيامة , وأنا مقلد لهذا الفقيه الذي أعتمدَ على حجة وهو رأي فقيه جامع للشرائط . أما إذا كان المرجع الذي أقلده لا يرى جواز هذا الأمر بل يرى حسب الآية المباركة : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " [25] أنه بحسب ذلك المكان وليس بحسب مكان نزول الآية المباركة , فإذا لم يحل الليل ولو بعد تسع عشرة ساعة أو عشرين فأنا كفقيه ليس بمقدوري فعل شيء , أستطيع أن أقول لك أن تذهب لتقطع مسافة شرعية في الصباح 22 كيلو , وتأكل وتشرب ثم ترجع وبعدها تقضي الصيام في مكان آخر من الأماكن المتعارفة والطبيعية , أما أن أقول لك صم 17 ساعة وأنا لم يقم عندي الدليل على هذا الأمر سوف أقدم ملفًا كبيرًا يوم القيامة .

حقيقة هذا من المواقف والمواقع التي يُمتحن فيها صدق علماء شيعة أهل البيت (ع) وأمانة هذه الفئة المرجعية على هذا الدين وعلى أحكامه , كان بإمكانهم أن يكونوا تابعين لأصحاب السلطة والحكومات الجائرة ويتولوا الإفتاء للبلاط كما يهوى فيقررون متى يوم العيد مثلًا , ووقت الصيام واتجاه الصلاة ..الخ   لكن علماء أهل البيت عليهم السلام حافظوا على هذا الدين وهذه الشريعة وتحملوا صنوف الأذى ليصونوا هذا الأمر , ويتحملون المسؤولية يوم القيامة , لقد عاصرنا أمثال هؤلاء العلماء الذين وضعوا نصب أعينهم الآية الكريمة : " قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون " [26] هل عنده دليل ؟ قل هاتوا برهانكم ؛ من الآية أو الرواية وهل سندها صحيح ؟ ومفادها مناسب ؟ هل يوجد دليل يعارضها ؟ على هذا الأساس أفتي , أما لا يوجد عندي دليل , فعلى أي أساس أفتي وأعطي الحكم ؟!!   يأتي بعضهم ويقول هؤلاء العلماء جالسون في أماكنهم , ولا يدركون معاناتنا ولو جربوا الحج لغيروا أحكامهم , ولو ذهبوا إلى أمريكا لغيروا أحكامهم .

   هؤلاء المعترضون لا يعرفون طريقة علمائنا في الاستنباط أصلًا , فالعالم عندنا يضع نصب عينيه أنه مسؤول عن هذا الحكم , فتعبيره بـصيغة ( يجب ) يختلف عن صيغة ( يلزم ) , وقوله ( يستحب ) يختلف عن قوله ( يثاب عليه ) , هذه الدقة تحتاج إلى بحث خاص , هم يعتبرون أن محل دفاعهم عن الدين هو في حفظ أحكامه و التدقيق فيها .

     حفظ الدين له طرق مختلفة , منها أن يخوض في جبهة القتال ضد الكفار , ومنها أن ينقّح العالم والفقيه أحكام الله ويعالجها معالجة دقيقة هذا أيضًا دفاع عن الدين لا يقل عن ذاك شأنًا ومرتبة .

هم يأخذون هذا من أهمية الدين التي بذل الإمام الحسين عليه السلام نفسه النفيسة فيها .

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة البقرة آية 111

[2] ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم , ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) صحيح مسلم /4651

[3] سورة البقرة آية 47

[4] سورة المائدة آية 13

[5] سورة المائدة آية 78

[6] بحار الأنوار ج65 ص156

[7] سورة العنكبوت آية 46

[8] سورة ال عمران آية 75

[9] سورة الجمعة آية 2

[10] عندنا نحن الإمامية الكذب على الله وعلى الرسول ويلحق ذلك بأهل البيت (ع) لأنهم وارثون للرسول (ص).

[11] سورة التوبة آية 30

[12] سورة مريم آية 27

[13] سورة مريم آية 28

[14] سورة مريم آية 41-42

[15] سورة ال عمران آية 24

[16] سورة البقرة آية 80

[17] سورة البقرة آية 81

[18] سورة ال عمران آية 75

[19] سورة ال عمران آية 72

[20] سورة المائدة الايات 78-79-80

[21] حتى المسلم إذا تنجست يده بنجاسة خارجية تصبح نجسة ولا بد من تطهيرها.

[22] سورة النساء آية 141

[23] لا يجوز حتى الذبيحة الخاصة بالمتدينين اليهود , والتي تسمى ( الكوشر ) فهي لا يباشر ذبحها أيا كان ولها طريقة خاصة ومنها لابد من فري الأوداج الأربعة مثل المسلمين .

[24] سورة المائدة آية 3

[25] سورة البقرة آية 187

[26] سورة يونس آية 59

مرات العرض: 3385
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 58133.03 KB
تشغيل:

وداع الشهر بزكاة الفطر
13 رمضان / الانجيل في المسيحية وعقائدها