(14)هل هناك طلاق جيد ؟
المؤلف: Shaikh Fawzi Alsaif
التاريخ: 21/9/1437 هـ
تعريف:

هل هناك طلاق جيد؟

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين

في القرآن الكريم يقول ربنا سبحانه وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).

ذكرنا في حديث سابق أن على الإنسان، إذا لم يستطع أن يصنع الانسجام، وأن يدير أمر العلاقة بينه وبين زوجته، فلا ينبغي أن يتعجل في إنهاء هذه العلاقة. قسم من الناس يقول: ليس بيني وبينها حب، أو هي تقول: ليس بيني وبينه حب، فإذن لا بد أن ننفصل.

هذا تفكير خاطئ من جهتين: الجهة الأولى في اتخاذ قرار مصيري بناء على حالة معينة. ففي الزواج درجات كثيرة: درجة المساكنة، المعاشرة، وبناء الأسرة. والحب أيضا فيه درجات بين الزوجين. فأنت في أي مرحلة من هذه المراحل؟ هل هناك بغض وكراهية منك أو منها؟ هذه مرتبة. أو لا، لا يوجد هناك بغض أو كراهية، وإنما لا توجد - كما يقول بعضهم - حالات رومانسية. فإذا لا توجد أيضا ينبغي أن ينفصلا. هذا قرار ليس سليما. ولا سيما إذا كان متأثرا ببعض ما يمثل على الشاشات. ويكفي في عدم صحته أن نقول: إنه تمثيل. فلو كان على أرض الواقع، تستطيع أن تقول: أنا أريد نموذجا بهذا المقدار. أما هذا الممثل وتلك الممثلة اللذان يأخذان مالا - من جيبي وجيبك طبعا، لأنه بالنتيجة: المشاهد هو الذي يدفع المال. يشاهده في السينما فيدفع المال، ويشاهده على التلفزيون أيضا فيدفع المال بطريقة أخرى. وبالنتيجة: أنا الذي أدفع هذا المال أو جزء منه - لكي يمثل اثنان كلاما كاذبا يبيعانه علي، وفوق ذلك تفسد علاقتي مع أهلي وزوجتي مصدقا هذا الكلام الكاذب التمثيلي الذي أنا أعطي قيمته وثمنه. هل رأيتم صفقة أخسر من هذه الصفقة؟! أن يشتري إنسان كلاما كاذبا. ثم بعد ذلك، يفسد علاقته بأهله وزوجته على أثر هذا الكلام الكاذب! ويقرر قرارا أنه: ما دامت زوجتي لا تقول لي هذا الكلام، لا تعطيني هذه الممارسة، لا تمارس معي بهذه الطريقة، أو بالعكس الزوجة تقول: ما دام زوجي لا يعمل كما يعمل هؤلاء في التلفزيون والأفلام، لا أريده. أريد شيئا بتلك المقاييس.

فينبغي أولا، أن لا يفكر أحد من الطرفين في إنهاء الموضوع، يقول لك: "خل ننهي الموضوع"، وهذه النقطة مهمة. سمعت عن شخص كان متزوجا، ثم قيل لي أنه طلق زوجته، لماذا؟ ومتى؟ قالوا: خلال أسبوع واحد. خلال أسبوع واحد ساءت العلاقة بينهما، هي قالت له: لا بد أن نتطلق. هو أيضا ما وفر القضية وما أخرها، إما اعتبرها إهانة له، كيف لواحدة لا تريديني أن أريدها! انتهى، مع السلامة. خلال أسبوع واحد!

أين الحكمة في إدارة المسألة! أين استشارة الآخرين! أين (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)! أيننا نحن، نقول أن هذه الزوجة ربما تكون خاضعة لظرف نفسي معين على أثر مرورها بما تمر به النساء من الدورة الشهرية أو غير ذلك! أيننا أن نقول بحالات من ضغوط الخارج قد تؤثر على الزوج أو الزوجة. خلال أسبوع واحد أنت تأتي وتنهي الأمر من البداية إلى آخره، وتتصور أنك أنهيت الموضوع، كلا. لم ينته الموضوع.

الطلاق - بالرغم من أننا سنأتي بعد قليل ونقول أن الإسلام دين واقعي، يقول في بعض الحالات: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ)، لكن التصور دائما بأن - حسب ما قال أحدهم - : الضرس اللي يوجعك اقلعه. لا يفيد معه أي علاج. هذا كلام في العوائل، في العلاقات، في بناء الأسر غير صحيح. تعمل طبيب أسنان، اعمل. لكن لا تأتي بعدة طبيب الأسنان إلى داخل بيتك. لا تعالج المشاكل بطريقة: كل ما وجدت مشكلة، قلعتها. لأنه يوما من الأيام لا بد أن تقلع نفسك؛ لأن المشكلة ستصبح داخلك. الإنسان أحيانا تصبح المشكلة في داخله، يصبح نفسه مشكلة، فهل يقلع نفسه؟!

فلا نوصي أبدا بأن يكون هناك تعجل. افرض ساءت العلاقة، اعط نفسكَ فرصة، واعطي لنفسكِ فرصة كافية؛ للتفكير، لتجربة الحلول، للاستشارة، للأخذ والرد. لا يكون الأمر بينكما: "خذوه فغلوه"، كما يقولون.

أحيانا تكون هناك مقارنات بالأفضل، لماذا لا تقارن بالأسوأ؟!

أنا الزوجة أقارن فأقول: "زوجي كذا وكذا، إيده مو مفتوحة، مو سخي". وهذه نقطة مهمة أيها الأخوة، أيها الأحبة، أيها الرجال: المرأة، أي امرأة تحب الزوج السخي. وليست المرأة فقط. الله يحب السخي. "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الجَوَادَ السَّخِّيَّ". عندنا حديث بهذا الشكل. والناس أيضا يحبون الإنسان السخي، وأقرب الناس إليه – أي الزوج -: زوجته وأبناؤه، يحبون فيه ذلك أيضا. لمن تدخر المال؟ نحن تحدثنا في هذا الموضوع سابقا.

تقول: "زوجي إيده مقبوضة، إذن أتركه". حسنال لا تقارني هذا بمن هو أحسن. ماذا لو أن الله ابتلاك مكان هذا غير السخي بإنسان منحرف، فاسد أخلاقيا، سخي لكن يأتي بالنساء الفاسدات إلى بيتك. سخي ولكن يشرب الخمر في منزلك، سخي ولكن لا يعرف جهة القبلة، وهناك أناس من هذا النوع. فلا ينبغي من الإنسان أن يقارن دائما بالأفضل، ليقل: هذا الموجود عندي، أحمد الله عليه، وأحاول أن يكون أفضل.

عكس هذه المسألة: "زوجتي لا تصنع كذا، لا تعمل كذا، لا تعطي كذا". حسنا، لماذا تقارنها؟! يقول: "أمي شوف شلون؟ خواتي شوف شلون؟ أنا عايش في كذا". ماذا لو كان رزقك امرأة لا تحفظ نفسها عن الأجانب. "امرأتي ما تتبرع بشيء للبيت مع أنها موظفة وكذا وكذا"، ماذا لو تبرعت لك بشيء، ولكن لم تكن متدينة، لم تكن مؤمنة.

لا تقارن قدر الإمكان. ولا تتطلع إلى ما هو أحسن. احمد ربك على ما هو عندك، وقل: الحمد لله أن زوجتي ليست فاسدة، أو قولي: الحمد لله أن زوجي لا يشرب. خذ الجانب الإيجابي فيها، وخذي الجانب الإيجابي فيه.

الزوج التفصيل والزوجة التفصيل ليسا موجودين. قسم من الناس يشترون ثيابهم جاهزة من السوق، وقسم آخر لا بد أن يفصل ثيابه بنفسه؛ إما لأن مقاسه يحتاج إلى تفصيل أو لأن الثوب التفصيل يأتي على المقاس بشكل جيد وقيمته ليست غالية. أن تطلب زوجة تفصيل، ليست موجودة. أن تطلبي زوجا تفصيل، على مقاسك، ليس موجودا. الموجود هو الجاهز، هذا الزوج جاهز، هذه الزوجة جاهزة. لا بد أن تذهبا للشيء الجاهز، وقدر الإمكان، بحسن التعامل، وبإدارة المشاكل، تتربيان معا وتنسجمان. هذه نقطة أولى: أن لا يتعجل الإنسان في قرار الطلاق وأن لا يزعم أنه بذلك يحل المشكلة وينهي الموضوع.

من الإشكالات في التفكير في هذا الأمر: التفكير المادي. يتصلون رجال وأحيانا نساء، ويسألون: إذا أنا أطلق، كم أخسر؟ كحكم شرعي، تقول مثلا: إذا صار دخول، أنت أيها الزوج – سواء كان دخول من الأمام أو من الخلف – من الناحية المادية تخسر المهر كله. وإذا كان لم يحصل دخول، تخسر نصف المهر. فإذا يخسر المهر كله، تجده يتوقف. أما إذا يخسر نصف المهر، يقول ل بأس، نرى كيف نلملم التتمة من الباقي. ماذا عن الشبكة والهدايا؟! وبعضهم كان يسأل: ماذا عن الأماكن التي ذهبنا إليها؟ يعني مثلا كم أسبوع ذهبنا وتغدينا في مكان ما، وكم شيء اشتريناه من هنا وهناك، كم علبة عصير مثلا، هل يمكنني استرجاع قيمة هذه الأشياء أم لا؟ طبعا هذه بالإضافة إلى أنها حالة تستطيع أنت أن تعبر عنها. إلا أن أصل التفكير غير صحيح. هنا الخسارة ليست خسارة مادية. الخسارة المادية هي آخر الأشياء. وإنما الأصل: أنك خسرت أسرة أو أقمت أسرة. ولا سيما إذا كان وراءكم أطفال، إذا كان بينكم أولاد: ذكور وإناث. الخسارة هناك، لا بد أن تفكر فيها، أن تفكر في مستقبل هؤلاء عندما ينمون نموا في الغالب مشوها، إلا إذا التفت الإنسان. أطفال ينمون في أسرة غير مجتمعة، يفتحون أعينهم على مشاكل أبويهما، ويعيشون الحرمان العاطفي، هذا كتب عنه العلماء والباحثون الاجتماعيون كثيرا مما يؤثر على أخلاقهم ومستقبلهم. فلا يكون التفكير في تقييم أن أقدم على الطلاق أو أتركه: إذا سأخسر مقدارا من المال أو لا.

وهكذا الحال بالنسبة إلى الزوجة. "أنا أريد أطلق، طلاق خلعي، كم لا زم أعطي؟" قبل هذا، بين قوسين: لا بد أن أشير إلى أن موضوع الخلع لا يصح إلا بعد أن تكون المرأة كارهة للزوج كراهة شديدة تجعلها لا تقيم حد الله معه. أي أنها لا تقوم بوظائفها، ولا تلتزم بواجباتها تجاه زوجها كراهة له وبغضا له، وإلا: "أنا ما لي خلق أستمر، أريد شوية أدرس أكثر، هو الرجال ما في مشكلة زايد، بس أريد أطلق طلاق خلعي"، هذا لا يصح. لأن من أركان الطلاق الخلعي أن تكون هناك كراهة من الزوجة للزوج إلى حد يبلغ بها أن لا تقيم حد الله معه، ولا تلتزم بأحكامها الشرعية بالنسبة إليه، ولا تقوم بواجباتها من شدة الكراهة له. فسواء في هذه الجهة أو تلك الجهة، لا ينبغي الحساب المادي: أنا كم أخسر وكم أربح؟ هذا الحساب خاطئ. ولا بد أن يتم التفكير بنحو مغاير.

على فرض تقرر الطلاق، ووصل الأمر إلى نهايته، ينبغي أن نشير هنا - كما أشرت أعلاه - إلى أن الإسلام دين واقعي، لا يقول كالمسيحية الكاثوليكية. الكاثوليك - المسيحيون هم عدة طوائف، المشهور منهم ثلاثة: الكاثوليك، البروتوستانت، الأرثوذكس. وإن شاء الله يكون عندنا حديث في شهر رمضان حول الديانات نوضح فيها هذا الموضوع والفروق بينهم - لكن الشاهد: أن الكاثوليك من الأمور الموجودة عندهم أنهم لا يسمحون بالطلاق. يقولون: أن هذا عقد وميثاق عُقِد في السماء من خلال الدين ويمكن لأحد أن يفصم هذا الميثاق ويفصله.

الدين الإسلامي يقول: لا، الأمر ليس كذلك. الطلاق غير مرغوب فيه، وغير محبذ، ولكن قد تصل الأمور إلى حد أن يكون الطلاق حلا بين الطرفين: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ). في بعض التفاسير: يغني الله كلا منهما عن الآخر. كان المفروض أن يستغني كل منهما بالآخر: يستغنيا عاطفيا، ماليا، استقرارا. الزوج يغطي الفراغات موجودة عنده من خلال زوجته، والزوجة تغطي الفراغات الموجودة عندها من خلال زوجها: على مستوى العاطفة، على مستوى المال، على مستوى الأسرة. لكن هذا لم يحدث. والآن يتفرقا. فمن الممكن أن يغني الله سبحانه وتعالى كلا منهما عن الآخر، بمجال آخر، بشخص آخر، يجدان فيه ضالتهما.

فالدين الإسلامي في هذه الجهة واقعي. وبالتالي لا يحبذ الطلاق، ولكن لو رؤي أن الطلاق هو الحل وأنهما لا يمكن لهما الاستمرار في هذه الحياة المضطربة والقلقة، عندها يأتي ويشرع. فيقول أولا: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). طريقة الطلاق ينبغي أن تكون محافظة على القيم الأخلاقية. ويلاحظ الأخوة هنا، أنه لم يقل – سبحانه وتعالى - في هذه الآية المباركة: فإمساك بمعروف أو تسريح بمعروف. في موارد أخرى: قال ذلك. لأن في قضية السراح: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، هذه آية. في آية أخرى: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا)، في هذه الآية: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ). وهذه ثلاث درجات.

أما الدرجة الأولى الأدنى: أن يكون التسريح بمعروف. والمعروف ضد المنكر. والمنكر مثل: الطلاق الضرري؛ إضرارا بها يريد أن يطلقها. الإسلام يقول: لا، مثلما أخذتها بمعروف لا يكن تسريحك إياها إضرارا بها، ظلما لها، اعتداء عليها، وإنما ليكن ضمن إطار المعروف، مما هو متعارف شرعا، متعارف ضمن البيئة الاجتماعية، هذه درجة.

الدرجة التي هي أفضل من السابقة: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا). أنتما بينكما الآن: تاريخ، عواطف، فترة حياة مشتركة، وربما أيضا أبناء، لذا ينبغي أن يكون الانفصال بينكما منسجما مع هذا التاريخ. في آية من الآيات، يقول تعالى: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، الإفضاء: سواء كان بالمعنى الجنسي، أو بما هو شيء أعم. فالمراد: أنك صرت في حالة مع هذه الزوجة، وأنكِ أيتها زوجة صرت في حالة مع هذا الزوج، لا تكون منكما مع أحد على الإطلاق. الزوج والزوجة يكونان في حال من التواصل النفسي والجسدي لا يتكرر، أي لا يقومان ببعض تلك الأحوال مع الأرحام، ولا مع الأجانب، ولا مع أقرب المقربين. هي من الانفتاح الكامل العاطفي والجسدي، ويكون فقط بين الزوج والزوجة. أنتما بينكما ميثاق غليظ. بينكما إفضاء بهذا المستوى. لذلك لا ينبغي أن يُتناسى هذا، وإنما (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا).

في آية أخرى، يقول: سرحوهن بإحسان. والإحسان فوق المعروف. فرضا، أحدهم أعطاك عشرة، فأعطيته عشرة أيضا، هذا معروف. لكن لو أعطيته 15، هذا إحسان. هي أقبلت عليك، أو هو أقبل عليك، بهذا المقدار من العاطفة، إذا تبادله، وإذا يبادلها، بنفس المقدار، هذا معروف. أعطاها 50 وأخذ 50. لكن إذا أحدهما أعطى فوق ذلك، تجاوز هذا الحد، صار إحسان. القرآن هنا يقول: إذا سيقع الطلاق، ليقع بإحسان. بعضهم، بعض العلماء، حتى في صيغة النكاح قالوا: أن من الأفضل حين عقد النكاح، ليس فقط أن تقول له مثلا: زوجتك نفسي، أو الوكيل يقول: زوجتك موكلتي. وإنما أن يقول: على كتاب الله، وسنة رسوله، وعلى إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، زوجتك موكلتي. يعني أني ضمن هذا الإطار، أزوجك: على كتاب الله، وسنة رسول الله، وقاعدة: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فهذا مما ينبغي أن يكون بين الزوجين، وأن يحفظ كل منهما الآخر حتى لو تطلقا، فيحفظان هذه العشرة التي كانت، هذه العواطف التي بذلت، وهذه العلاقة التي صيغت.

مما ينقل في هذا المعنى في كتب الأدب، قصيدة أنشدها الفرزدق – المعروف، ابن غالب، صاحب قصيدة المدح في الإمام زين العابدين (ع) - أنه طلق زوجته متسرعا على أثر مشاكل بينهما، وقد كان اسمها نوار، وكانت الظروف آنذاك متشنجة - وكثيرا ما يقع الطلاق في وضع متشنج. هي متشنجة، هو متشنج، الوضع المحيط متشنج، فيتسرع الزوج في أمر الطلاق رغبة في إنهاء القضية والتخلص من التشنج، ثم بعد ذلك يستيقظ – فلما انقضت العدة، وراحت السكرة وجاءت الفكرة، استيقظ الفرزدق، وأنشأ هذه القصيدة: "ندمت ندامة الكُسَعِي لما غدت مني مطلقةٌ نُوار". الكسعي: يضرب به المثل في شدة الندامة، "وكانت جنتي فخرجتُ منها كآدم حين أخرجه الضُرار"، بمعنى كنت في الجنة وطلعت منها، مثل ما طلع آدم منها بسبب الشيطان. و"كنت كفاقئ عينيه عمدا فأصبح ما يضيء له النهار، ولا يوفي بحب نوار عندي ولكن كلفي بها إلا انتحار، ولو رضيتْ يداي بها وقرت لكان لها على القدر الخيار، وما فارقتها شبعا ولكن رأيتُ الدهر يأخذ ما يعار".

الشاهد، يقول: أنا صرت نادما ندامة الكسعي، وأصبحت مثل آدم لما طلع من الجنة، لكن بعد ماذا؟! بعدما انتهى الموضوع. لذلك ترون حكمة الإسلام في جعل قضية العدة. العدة؛ لكي يتمكن الزوجان من التراجع عن قرار الطلاق، ومدتها: ثلاثة أشهر أو ثلاث حيضات. فتنتهي تلك الظروف المتوترة والمتشنجة، ومن الممكن أن يرجعا لبعضهما؛ ولذلك يحرم دينيا أن يُخرج الزوجُ الزوجةَ من بيتها، ويحرم عليها أن تخرج: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ)، هذا خلاف ما نراه من قسم منهم. أصلا هي قبل وقوع الطلاق تأخذ أشياءها وتذهب إلى بيت أهلها أو بيت أبيها، أو هو - قبل أن يجري صيغة الطلاق - يقول لها: "خلاص روحي بيتكم وما أريد أشوف وجهش". هذا لا يجوز شرعا، لا له ولا لها. وإنما يجب أن تبقى في منزلها - إذا كان الطلاق طلاقا رجعيا - ثلاثة أشهر، أو ثلاث حيضات. وفي علتها، يقول الإسلام: (لعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)، تهدأ النفوس، يراجع كل منهما حساباته؛ ولهذا أيضا، نعتقد أن من الجريمة أحيانا ما يقوم به بعض وكلاء الطلاق من الاقتراح على الأزواج أنه: أنا سأطلقها منك ثلاث طلقات، بأن أجري صيغة الطلاق، وأنت توكلني في الرجوع، فأرجع بالنيابة عنها أو ترجع أنت، ثم يكون طلاق ثان، ثم ترجع شكلا ولو رجوعا لفظيا، ثم أطلقها طلقة ثالثة، فيصبح الطلاق بائنا، ولا مجال للرجوع عنه نهائيا. هذا النوع أحيانا هو من الخديعة بالنسبة إلى هذا الإنسان. إذ إن المفترض: العكس، أن تنصحه بأن لا يتعجل في أمر الطلاق. ولو قرره، ليكن طلاقا رجعيا، (لعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)؛ لأنه صعب على الرجل بعد الطلاق لثلاث مرات، أن تتزوج مطلقته زوجا آخر، ليمكنه هو أن يرجع إليها. يصعب على الإنسان عادة أن يرجع هكذا. فلماذا تسد سبيل المعروف؟! لماذا تريد أن تقضي - مع سبق الإصرار والتعمد - على هذه الأسرة؟! أن تنهيها، أن تحطمها، وتفتتها؟!

يراد طلاق؟ طلق طلقة واحدة؛ ليبق لديهم مجال، لو تغيرت الظروف، تغيرت المسائل، تغيرت هي أخلاقها، أو هو تغيرت أخلاقه، والتفتوا ولو بعد سنة إلى أنهما كانا بحاجة لبعضهما، يمكنهما الرجوع، ما دام الطلاق: طلقة واحدة. أما إذا أتيت أنت وطلقتهم ثلاثا، أو الزوج تسرع وقال: أريد أن أنهي الموضوع.

فما يدريك بقلبك؟! قلبك يتغير، ظروفك تتغير، أنت لا يمكنك أن تسيطر على عواطفك بعد أسبوع واحد. اليوم تحب إنسانا، بعد أسبوع تكرهه. اليوم تكره إنسانا، بعد أسبوع تحبه. ليس في وسعك السيطرة، لست بخشبة ولا كونكريت مسلح لا يتغير. تريد الآن أن تطلق، طلق. ولكن طلقة واحدة، فإذا مرت ثلاثة أشهر، أصبحت هي حرة، وأنت أصبحت حرا. ولو حدث وتغيرت الظروف فبإمكانكما الرجوع.

لاحظوا مثلا، أنه نقل أن الإمام الحسن (ع) كان إذا أراد الطلاق - ونحن ذكرنا في عدد من المحاضرات وأشرنا إلى الخطأ المنقول في تشويه صورة الإمام الحسن (ع)، وأنه كان كثير الزواج. بحثنا هذا بشكل مفصل جدا، وبينا بالأدلة التاريخية الموثقة خطأ ذلك. لكن كانت هناك حالات من الطلاق، سواء من الإمام الحسن أو غيره - يمتع المطلقة. وهذا موجود في القرآن: (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا). بمعنى: هدية. الإمام (ع) كان يمتعها، فهو فوق أنه يسوغها المهر، كان يعطيها مبلغا من المال أو الهدايا كنوع من حفظ الود. نحن الآن تطلقنا، ولكن هذا ليكن فيه شيء من المودة.

لدينا بعض الدقائق، نشير إلى عدة أمور بشكل سريع وننهي حديثنا إن شاء الله.

بعد الطلاق، ينبغي أن يكون الطرفان شهمين. فأنت إنسان مؤمن، وأنت إنسانة مؤمنة. لا يصح أن تنشرا غسيلكما على الهواء الطلق. الزوج يريد أن يذهب ليتزوج، إذا بعائلة الزوجة تتبرع أحيانا بالحديث ضده، وعنه، وعن أخلاقه، وأنه كذا، وعنيف، ويضرب، ويلعب، وإلى آخره. أو بالعكس، يسألون أهل الزوج أحيانا: أنه لماذا فلان طلق فلانة؟ نحن نريد أن نخطبه. "أووو الله يجيركم هذا ترا لا تقربوه، هالوادي أصلا لو توصلوا هناك تشموا الريحة الجايفة".

هذه ليست شهامة، بل ولا إيمان. الإيمان هو أن يحفظ الإنسان سر شريكه. أنتما تفاتحتما، أخذنا منكم ميثاقا غليظا، أفضى بعضكم إلى بعض. كن، وكوني على مستوى هذا الميثاق الغليظ. لا تهرج عليها، ولا تهرجي عليه. لا ينفع أن تضريه، ولا ينفع أن تضرها. بل هذا يكون منشأ إلى العقوبة والعذاب. هذه مثل خيانة، أنت ائتمنت على شيء، ثم بعد ذلك أفشيته. فكيف إذا كان ذلك الأمر كذبا، صار افتراء، وصارت العقوبة مضاعفة.

وإذا يريد الإنسان أن يقتدي بأحد، ليقتدي بزيد بن حارثة وزينب بنت جحش. زينب بنت جحش التي أصبحت زوجة النبي (ص) فيما بعد، كانت في البداية زوجة زيد بن حارثة. زيد ابن حارثة من طبقة اجتماعية - بحسب تلك المقاييس في تلك الأزمنة - دونية. فا انسجما، هل لهذا السبب أو لسبب آخر، لكن النتيجة: ما انسجما؛ لذلك القرآن الكريم يقص القضية: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) وكان في هذا حكمة أيضا: (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ)، فزيد كان متبنى من النبي (ص)، وعند العرب المتبنى يصبح مثل الولد الحقيقي، وهذا الحكم كان لا بد يكسر. الولد المتبنى لا يصنع لا محرمية ولا يرث ميراثا، يبقى أجنبيا، وبالتالي يمكن أن يتزوج المتبني زوجة ابنه المتبنى. زيد الذي كان متبنى من رسول الله (ص) قبل أن تنزل الآيات، طلق زوجته، فبعث النبي (ص) زيد بن حارثة إلى زينب بنت جحش ليخطبها إليه.

يقول زيد: أنا لما أتيتها لم أستطع أن أنظر إليها. مع أنها زوجته، أمس، قبله. لكن الآن لمقام رسول الله، قلت هذه تصبح حرم النبي، زوجة رسول الله (ص)، فحولت وجهي إلى الجدار، وقلت لها: يا زينب ألا أبشرك؟، بشارة ما، قالت له: نعم، مثلك من يبشر بخير. هذان مطلقان من بعضهما. هو يقول لها: أنا أبشرك، وهي تقول له: مثلك من يبشر بخير. انظر هذه الأخلاقية، فقال: إن رسول الله (ص) يريد أن يخطبك زوجة. فوافقت على ذلك.

لا حظ هذه العلاقة، وقارن بين هذا النموذج وبين امرأة إذا طلقها زوجها مثلا، الزوج لا يسكت عن سيرتها السيئة، والزوجة لا تسكت عن سيرته السيئة. أولئك أين وهذان أين! أولئك إيمان وهذان خلاف الإيمان. يبقى لنا حديث إن شاء الله لو كانت لنا فرصة حول قضايا الحضانة وهي مما يتأخر عن أمور الطلاق وفيها حقوق شرعية.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا، وأن يجنب أهلنا وأبناء مجتمعنا هذه الانهيارات التي تسبب الطلاق وأن يديم العشرة والاستقرار بين المؤمنين والمؤمنات إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3391
المدة: 00:41:13
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2550) حجم الملف: 37.7 MB
تشغيل:

10 هكذا نواجه الابتزاز الجنسي
18الحقوق المتبادلة بين الآباء والاولاد فقها واخلاقا