العناصر المشتركة في الأديان السماوية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 3/9/1437 هـ
تعريف:


4- العناصر المشتركة بين الأديان السماوية

 

تفريغ نصي الفاضل محمد رضا الطريفي الجمريّ

"وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" المائدة /47

 حديثنا بإذن الله تعالى يكون بعنوان "العناصر المشتركة في الديانات السماوية". في تحديد دائرة البحث؛ الديانات السماوية التي نتحدث عنها الآن هي بحسب الترتيب اليهودية والمسيحية والإسلامية. هناك ديانات ذكرنا أنّها محل نقاش في أنّها هل هي سماوية وأنّ أتباعها ينطبق عليهم عنوان أهل الكتاب، كالصابئة والمجوس أو الزرادشتيين أو لا وهذا يأتي الحديث عنه في مستقبل الليالي. وهناك ديانات يُتعامل معها على أنها ليست ذات كتاب سماويّ كالهندوسية والبوذية والطاوية وغيرها من النحل التي لها أتباع في هذا العالم . حديثنا ي القسم الأول من الديانات، العناصر المشتركة بين الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) .

الباحثون في علم الأديان يلاحظون أنّ هناك عناصر مشتركة بين هذه الديانات على مستوى العقائد الأساسية كالايمان بالله والأنبياء واليوم الآخر، أو على مستوى العبادات كالصلاة والصيام والجهاد وإلى حدّ ما الحج والزكاة، وأيضاً بالنسبة الى التشريعات والقوانين والأخلاق، التشريعات الاجتماعية أو الفردية وكذلك بالنسبة الى الأخلاق والآداب. يوجد عناصر مشتركة بين هذه الأديان في هذه العناوين الأساسية سنشير إليها بعد قليل إن شاء الله.

هذا المعنى (وجود عناصر مشتركة بين الديانات) يختلف عن مصطلح شائع الآن في الساحة الثقافية والإسلامية والعربية بعنوان (التعددية الدينية)، عندما نتحدث عن العناصر المشتركة بين الأديان لا نقصد ما يُتحدّث عنه في الساحة الثقافية المسلمة والعربية في هذه الأزمنة بعنوان (التعددية الدينية)، هذا المصطلح أيّها الأخوة نحتاج أولاً لأن نشرحه شرحاً بسيطاً وقريباً الى التناول والفهم، لأنّ فيه شيء من الأغلوطة التي لابدّ أن تتضح.

ماذا يعني (التعددية الدينية) ؟

يوجد هناك معنيان للتعددية الدينية، معنى مقبول ومعنى غير مقبول .

المعنى المقبول للتعددية الدينية هو تعددية التعايش، بمعنى أنّ المجتمعات البشرية اليوم مجتمعات خليطة من حيث أتباع الديانات فيها، في مجتمع واحد أنت تجد مسلماً ومسيحياً ويهودياً وبوذياً وصابئياً وغير ذلك. وأوضح شيء في ذلك البيئة العراقية، البيئة العراقية من المجتمعات شديدة التنوع القومي والديني والمذهبي، فيها من مختلف الديانات ومن مختلف المذاهب ومن مختلف القوميات.

تعددية التعايش المقبولة تقول أنّنا لا ينبغي أن نتعامل مع غيرنا في المجتمع على أساس اتّفاقه التام معنا وإلا نرفضه. نأتي الى هذا مثلاً أنت تتفق معي %100 أو اطلع خارج هذا المجتمع، هذا لا نقول فرضاً ، هناك بعض المجتمعات عندما يحدث كلام وفئة على مذهب معيّن تقول خلاص هذا البلد بلدنا، تريدون أن تصبحوا مثلنا وإلا تخرجون خارج البلد ! اذهبوا الى بلدكم الأصلي المكان الذي أتيتم منه، ما دام مذهبكم غير مذهب الأكثرية فاذهبوا الى ذاك المكان.

وتصوّر مثلاً لو أنّ هذا الأمر صار شائعاً، وهذا مما يخشونه من المرشّح الجديد في أمريكا، الذي قال بأنه سيمنع المسلمين من الدخول الى أمريكا، صار هذا شعار انتخابي أراد أن يستفيد فيه من الوضع وركوب موجة ضد الارهاب، ولكن لو فرضنا إنسان قال هكذا؛ حسناً أنت لا تسمح لمسلم أن يأتي، والمسلم الذي عندك ماذا تفعل فيه؟ تخرجه خارجاً؟ .

التعددية الدينية بمعنى تعددية التعايش، يعني أنني لا أطلب أن يتّفق معي جاري في كل شيء حتى أتعايش معه، أقول له أنت على دينك على مذهبك على طريقة حياتك على ثقافتك على تقاليدك على أساليبك على لباسك الخاص بك على شعائرك المختصة بك أنت براحتك، نعم لا تعتدي على غيرك ولكن أنا أتاعيش معك وينظم هذه العلاقة قول الله عزّ وجل (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة / 83 .

هذا المعنى من التعددية في الثقافات مقبول، في التقاليد مقبول في الفنون مقبول في الأزياء مقبول، أساساً يقول لك جمال المجتمعات هو في تعددها بهذا النحو تعددها اللغوي الثقافي الديني المذهبي، هذا يشكّل عنصر ثراء لهذه المجتمعات.

هذا المعنى من التعددية بمعنى تعددية التعايش معناً مقبول تماماً بل هو صمّام أمان للمجتمعات المختلط في هذه الأزمنة.

المعنى الثاني: (التعددية الدينية)، بمعنى أنّ كل دين من الأديان له نصيبٌ من الحقيقة وهو أحد الطرق الى الله عزّ وجل. يعني أنت يا أيها المسلم – يقولون هكذا- الحقيقة ليست عندك، عندك جزء من الحقيقة وذاك المسيحي عنده جزء من الحقيق واليهودي عنده جزء من الحقيقة وفلان عنده جزء من الحقيقة، وبالتالي كل واحد له جانب من جوانب الحقيقة وله طريق الى ربه وبالتالي ينتهي هذا بحسب الفرض الى أنّ هذا صحيح اليهودية والنصرانية والاسلام وفلان مذهب وفلتان مذهب.

هذا المعنى معناً غير صحيح، في إضاءة تاريخية على هذا المعنى من التعددية والذي معروف الآن بإسم (بلوراليسم) أصل اللفظة واضح أنها انجليزية (بلورال) يعني متعدد، وأطلق هذا المعنى وأصبح مذهب من المذاهب، أهم فلاسفته كان بعد الحرب العالمية الثانية صار حدث بعد الحرب العالمية ثارت هجرات وحركات بشرية من منطقة الى منطقة، الدين السائد في اوروبا الأكثر كان ( المسيحية -الكاثوليكية) وهؤلاء عندهم أن من لم يكن مسيحياً فهو في النار، أتت هذه الموجات البشرية موجات المهاجرين، فيها مسيحيون وفيها يهود وفيها من ملل ونحل مختلفة، المسيحيون على اختلاف فرقهم ترى المسيحيون عندهم فرق مثل ما عند المسلمين وأكثر وبينهم معارك وحروب طاحنة سوف نتعرض عند حديثنا عن المسيحية تشريحها في المستقبل الى جانب منها تيارات وشلالات من الدماء، في أرثودوكس و هؤلاء أكثر من كنيسة ، في بروتستانت، في أنجيليين وهؤلاء أكثر من كنيسة وهكذا.

حسناً أتوا هؤلاء الى مناطق جديدة بحسب النظر التقليدي أنّ من لم يكن مسيحياً فهو في النار، هؤلاء أتوا من غير المسيحيين وقالوا كيف في النار ؟! نحن نذهب للنار ؟ لماذا نذهب للنار ؟ اليهود على سبيل المثال هم يعتبرون نفسهم القاعدة الأصلية للمسيحية، فكيف نذهب للنار ونحن أصلكم ! أنتم تعتمدون على العهد القديم التوراة لنا ونحن نذهب للنار وأنتم للجنة ؟!

نفس المسيحيين على اختلاف فرقهم في أهم العقائد في قضية التثليث، في قضية العذراء في قضية الشفاعة في أمور مختلفة سوف نتعرض لها في المستقبل، قالوا كيف نحن نذهب للنار وأنتم تدخلون الجنة، اضطروا لإيجاد انسجام اجتماعي أن يقولوا لا يخالف، أنت اليهودي على حق، وأنت المسيحي الأرثودوكسي على حق، أنت المسيحي البروتستانسي على حق، أنت الكاثوليكي على حق، هذا على حق هذا على حق لحل مشكلة اجتماعية.

تطورت بعدها الفكرة الى كلام أنّ الحقيقة وبالتالي الطريق الى الله مثلاً لا يعرفه شخص واحد، بل كل شخص يعرف واحد من الجوانب، أنت المسلم تعرف جانب، المسيحي يعرف جانب، اليهودي يعرف جانب، وذاك فلان يعرف جانب وعلى هذا المعدّل.

صار إذاً الطرق كما قالوا الى الله بعدد أنفاس الخلائق، صار كل مذهب وكل دين يمكن أن يوصل الى الله. ما الداعي لأن أتديّن بالاسلام ؟ ما دام باستطاعتي أن أصل الى الجنة والى رضا الله فما الداعي لأن أصير مسلم ؟ خلاص أصير مسيحي، أصير يهودي، هذا جانب من القضية. ترجمت هذه الفكرة وأتت الى بلاد المسلمين وصارت في الوسط الثقافي المسلم على هذا الأساس أنّ يمكن للإنسان أن يمتلك جانباً من الحقيقة، والحقائق ليست حكراً عليكم أيها المتديّنون وليست حكراً على المسلمين من المتديّنين إنما كل واحد يستطيع أن يصل الى جانب من الحقيقة حتى لو لم يكن متديّن حتى لو لم يكن مسلم.

هذا الكلام قد يؤيدونه ببعض ظواهر القرآن الكريم، مثل ما جاء وهذه دائماً يستدلون بها، القرآن يقول (لكُم دينُكُم وليَ دين) الكافرون / 6 ، خلاص أنتم بدينكم ونحن بديننا وكل واحد يسير على دين، القرآن هو بعد قال لنا اذهبوا على دينكم !

يأتي ويقول لك أنّ القرآن نفسه قال : "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ "المائدة/47 ، خلاص الانجيليون المسيحيون يستطيعون أن يتاحكموا الى كتابهم والى ديانتهم والى مبدأهم، ما الداعي لأن يصبحوا مسلمين؟ وأمثال ذلك من الأمور، هذا الجانب الديني نحن نتكلّم عنه وإلاّ هي القضية فيها أبعاد مختلفة.

نقول هذه الفكرة فكرة غير صحيحة، هذه الفكرة من التعددية الدينية ومن أنّ كل فريق يمتلك قسماً من الحقيقة وبالتالي يجد طريقاً الى الجنة أو الى الله وليس عليه غبار هذه الفكرة فكرة غير صحيحة، لماذا ؟

أولاً: لأنّها تلغي أمر الرسالات، نحن نعلم بأن أولاً بحسب ترتيب الرسالات جاء نبيّ الله موسى ثم جاء نبي الله عيسى ثم جاء سيّد الأنبياء محمد (ص). إذا كانت اليهودية سوف تكون الى الأخير – ليس في وقتها – الى الأخير الى الآن، يعني طريقاً الى الله وطريقاً الى الجنة ماذا يعني أن يبعث الله عيسى ابن مريم؟ هذا لغو . إذا كانت المسيحية طريقاً الى الآن، في وقتها كانت طريق في وقتها هي الحق جاء النبي موسى برسالة الله الحقة ثم جاء عيسى برسالة الله الحقة، ولم يكن يجوز لمن كان في عهد عيسى أن يبقى على رسالة موسى وهذا أحد معاني أولوا العزم، أولوا العزم عندنا رسل خمسة، أحد معاني أولوا العزم وهي ذات معاني متعددة ، واحد منها أنّ كل منهم يأتي برسالة عازمة جازمة نافية لما سبقها، فإذا جاء عيسى ابن مريم خلاص لا يستطيعون أن يبقوا على رسالة موسى، وإذا جاء نبينا محمد (ص) لم يكن يجوز لهم أن يبقوا على رسالة عيسى وهكذا.

إذا كان طريق موسى الى الآن طريق الى الله والى الحقائق وبيده نصيب من الحقيقة فماذا يعني أن يبعث الله عيسى؟ واذا كان عيسى الى الآن طريقه الى الله سالكَ وواضح ومؤدي إليه فما معنى أن يبعث الله النبي المصطفى ؟ لا معنى لذلك هذا لغو.

ثانياً: كل دين من هذه الأديان لاسيّما الأديان المعاصرة نحن نتكلم في فترتها الحاضرة، المسيحية تقول أنّ النجاة في التثليث الأب والإبن وروح القدس، العبادة الحق لا تتم إلا بالتثليث، الدين الاسلامي يقول لا تتم الا بالتوحيد، أن يكون شيء واحد تثليث وتوحيد هذا لا يمكن أن يكون معقولاً، واحد وثلاثة أو أن واحد = ثلاثة هذا غير معقول. ولذلك قال القرآن الكريم (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ) المائدة / 73 ، القائلون بهذا القول ليس عندهم نصيب من الحق أبداً، هذا الموضوع المرتبط بتعريف الله عندهم تعريفٌ خاطئ. أولئك الذين قالوا عُزَيرٌ ابن الله هذا أيضاً لا يمكن أن يساوي (ما اتّخَذَ اللهُ من ولَد) المؤمنون / 91 سبحانه، هذا يؤدي الى التناقض واحد ينفي وواحد يثبت، هذا يقول نعم وهذا يقول لا، كيف يكون هذا له خيطٌ من الحقيقة في هذه القضية وذاك أيضاً يكون له خيط من الحقيقة في هذه القضية، لا يكون ذلك.

فإذاً هذه الفكرة تنتهي في الموضوع الديني الى انتفاء الحاجة الى النبوات التالية والرسالات اللاحقة، لا نحتاج بعد الى نبي بعد ذلك، لا نحتاج الى رسالة اخرى. وأيضاً نتنهي الى التناقض أو الى التضاد، واحد = ثلاثة غير معقول ، الله له ولد والله ليس له ولد هذا تناقض، كيف يمكن أن يكون التناقض حقيقة، فإذاً هذا المعنى معنى غير صحيح من التعددية الدينية. الذي يقول لك كل فريق كل واحد كل إنسان الناس العاديين ممكن ولكن بالنسبة الى من يبلّغ عن الله أنا إذا أقول القرآن فيه جانب من الحقيقة والتوراة فيه جانب من الحقيقة والإنجيل فيه جانب من الحقيقة يلزم هذه المحاذير.

فإذاً عندنا معنيان في التعددية الدينية، معنى التعددية الدينية بمعنى التعايش، أنّ المجتمعات فيها ناس مختلفوا الديانات والمذاهب والثقافات والقوميّات والتقاليد وأنّ عليهم أن يتعايشوا لا على أساس مسطرة العقائد أنت معي %100 لا يخالف أعيش معك، لست معي %100 فاخرج خارجاً. لو جرّبنا هذا طبعاً يوجد قسم من الناس يفكرون هكذا، لو فرضنا على سبيل المثال بلداً مسلماً فيه -افرض يوجد بلد من هذا النوع-، فيه مسلمون لا تذهب أيضاً الى المسيحيين، المسيحيون ينطردون بمعنى أنه لا نتعايش معهم مثلاً، نأتي الى المسلمين، المسلمون سنة وشيعة إذا اعترفوا بأن الشيعة مسلمين يقولوا لا نستطيع التعايش معهم فيخرجونهم للخارج ، نبقى نحن هذه الفئة الخاصة، فيها أربعة مذاهب هذه الأربعة مذاهب أيضاً بينها اختلاف ويلزم أن نطبّق المسطرة ، يبقى فرضاً المذهب الحنبلي الباقي لازم يطلعوا للخارج، المذهب الحنبلي فيه أكثر من فهم، يعني هو الفهم الذس شيّده الشيخ احمد ابن تيمية والفهم الحنبلي القديم قبل ابن تيمية هؤلاء الذين على هذا الفهم لازم أن يطردون من سواهم، وبعدين يأتي الدور الى هؤلاء وتصير النتيجة ان جتى مثل هؤلاء كما نجد في بعض الأماكن معينة يتقاتلون ويفجّرون بعضهم بعضاً باعتبار مختلفين حتى على هل نبدأ الهجوم من هذا الجانب أو من ذاك الجانب.

مشكلة عدم التعايش تنتهي الىى أن الانسان آخر شيء لا يبقى الاّ أن يعيش مع نفسه، حتى مع زوجته يختلف معها فيجب أن يطلّقها.

التعددية الدينية بمعنى التعايش مطلوبة بل هي صمام أمان للمجتمعات اليوم.

التعددية الدينية بمعنى أن كل دين وكل نحلة بيدها الحق أو الجانب الأساسي من الحق في العقائد والعبادات وغير ذلك هذا الأمر ينتهي كما قلنا الى عدم الحاجة الى الرسالات والى التعبد بالتناقض والتضاد.

نعم يوجد شيء آخر وهو وجود المشتتركات، وجود المشتركات بين الأديان السماوية، وهذا طبيعي نظراً لان مبدأ هذه الأديان واحد وهو الله سبحانه وتعالى. لذلك القرآن يقول : "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ "المائدة/47  مبدأه هو الله، في إشارة أيضاً الى أنّه في زمان رسول الله (ص) قسم من الانجيل كان صحيحاً وقسم إخر لم يكن صحيحاً، أو في آية أخرى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. المائدة / 43

"إنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ" فيها هداية ونور ليس كلها كذلك فيها تحريف طرئ، وسنتحدث بعد ذلك عن هذا الموضوع مستقبلاً.

المبدأ واحد وهو الله تعالى، المنتهى واحد وهو القيامة والآخرة، الغرض خلق الانسان المؤمن الذي بعبادته لله على هذا المنهج يوصل الى الجنة ويعمر الدنيا بشكل صحيح، هذا نفس المنهج كلها الديانات مشتركة فيها. إذاً لماذا لا يكون أن كل شخص يختار الدين الذي يريده ما دام هكذا المبدأ واحد والمنتهى واحد والبرنامج التربوي واحد ؟ نقول هنا تأتي مسألة التوقيت، هناك بعض الأدوية لها صلاحية لمدة معينة من سنة 2010 الى سنة 2016 بعدين هذا الدواء ليس فقط لا يفيد بل كثراً ما كان ضاراً ، خلاص انتهى لا تستطيع أن تقول هذا نفس المصنع قسم بالله نفس المصنع الذي صنع هذا الدوار بنفس العلامة التجارية وبنفس التركيبات، كل هذا صحيح ولكن أيضاً جعل عليه تاريخ صلاحية، وهناك بعض الأدوية من الممكن أن لا يكون لها تاريخ صلاحية أصلاً الى الأخير هذه ممكن أن تستخدمها. بعض الرسالات لها زمان معيّن ينتهي تاريخها وتاريخ فائدتها وصلاحيتها بهذا الوقت، وبعض الأديان عامة الزمان وعامة الإستخدام من قبل كل البشر وهذا ما نجده في رسالة المصطفى محمد (ص).

نأتي الآن للعناصر المشتركة، أصبح واضحاً تعددية دينية بذاك المعنى غير صحيح ، إمكانية التعبد بهذه الديانات مع انتهاء زمان صلاحيتها غير ممكن، لعلّ واحد يقول أنّ القرآن بيّن هذه الأشياء – هذا بحث ما كنت أريد أن أدخل فيه لأنه يأخذ من عندنا وقت ولكن مجرد إشارة هكذا – لاحظوا القرآن يقول وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه الانجيل الذي موجود بعد عيسى في زمان رسول الله (ص) غير معلوم أنه أيّهُ أنزل الله فيه وأيّهُ كان تحريف، انت عندك مجموعة حبوب 50 حبة تعلم من هذه الحبوب 30 حبة سامة ولكن ليس عندك تمييز بينها، كلها بلون واحد وبكيفية واحدة و 20 حبة منها سالمة، ماذا تفعل ذلك الوقت ؟ تقول دعني أجرّب والذي يحدث يحدث ؟ لا تفعل هذا الأمر، نظراً لاختلاط هذا الأمر على نحو لا يمكن تمييزه فأنت تقول هذا صلاحيته منتهية. اذا حصلت بما أنزل الله فيه مثل العناصر المشتركة التي سوف نقولها ذاك الوقت نعم ولكن أين تستطيع الحصول عليه، أضف الى ذلك نفس الذي أمرهم بأن يعملوا بما أنزل الله فيه نفسه قال (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) البقرة/ 137 نفسه قال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا) آل عمران / 85، نفسه وبّخ الباقين على اليهودية على النصرانية الى ما بعد زمان رسول الله (ص)، نفسه الذي قال دعهم يحكمون هكذا هو قال بعد ما دام أتى النبيّ انتهى الأمر.

فنشير الى هذه العناصر المشتركة بين العقائد:

أولاً: أنّ الأنبياء عندما جاءوا جميعاً دعوا الى مثلث الإيمان بالله عز وجل والاعتقاد بنبوة النبي المرسل والايمان باليوم الآخر المحشر والمعاد، كل الأنبياء الذين أتوا هذا المثلث موجود عندهم. لاحظوا مثلاً رفض قضية الشركاء رفض الأوثان رفض الأصنام، يقول القرآن الكريم : "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ – وهذا إشارة الى ما سبق وأن ذكرناه هل أن هناك رسل وأنبياء في خارج منطقة الشرق الأوسط في الأماكن البعيدة أو لا؟ الآية تقول نعم في كل أمة بعثنا رسولاً – رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" النحل / 36 كل أمة كل رسول كان يأتي يصرّح بهذا المعنى وإذا أحد من أتباع الديانات غيّر يأتي الإنكار عليه، وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" المائدة / 116

الطريف، يقولون آيتين جمعت في القرآن الكريم الوصايا الموسوية العشر، هناك عشر وصايا تركها نبيّ الله موسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، هناك عشر وصايا مهمة عند اليهود تسمى بالوصايا الموسوية العشر وتعلّق عادة ويشار إليها نفسها جاءت في القرآن الكريم في الآيات المباركة، وهي نفسها قالها النبي (ص) لأسعد بن زرارة عنما جاء الى مكة يقول أنا ذهبت الى مكة وكان عندي صداقة مع أبي سفيان فرأيته مهموم فسألته ما القضية فقال هذا جاءنا واحد ادّعى أنه نبي وخرّب شغلنا كلّه والآن سوف يسمعك كلام غير جيّد فأنت لا تسمع له فقال ماذا أفعل إذاً؟ قال وقت الذي هو يكون هنا ضع في أذنك قطن، فبعدها فكّرت وقلت ماذا هل أنا طفل لكي أضع في أذني قطن حتى لا أسمع كلام هذا ؟ أنا رجل راشد عاقل وأسمع كلامه وإذا كان صحيح كان بها، غير صحيح رددت عليه، هل يضع عليّ ولاية هذا أبى سفيان، فيقول لما سمعت بعض كلام رسول الله (ص) أعجبني كلامه فلما فرغت من الطواف جئت إليه وقلت له يا محمد الى ماذا تدعوا ؟ ما هو عملك وماذا تريد ؟ فنزلت الآيات المباركة هذه وهي تحمل نفس الوصايا الموسوية العشر . (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ مِّنْ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الأنعام / 151-152

إذا تحسبها عشر وصايا هي نفس الوصايا التي جاء بها نبي الله موسى من نفس المصدر الإلهي وهذا مما لم يتطرق إليه التحريف في التوراة، بقيت هذه الوصايا.

ثانياً: عندنا مثلاً في العبادات، العبادات أيضاً جزء منها مشترك، مثلاً الصلاة عندنا اليهود لديهم صلاة، المسيحيون لديهم صلاة، المسلمون لديهم صلاة، نعم هي تختلف في كيفياتها، حتى عندنا عنوان الصلاة في الإسلام مختلف، واحد من الصلاة: الصلاة على محمد وآل محمد، وصلاة الجنازة وهي الصلاة على الميّت وهي واضحة الاختلاف في كيفيتها عن بقية الصلوات، و الصلوات اليومية اثنتين وثلاث وأربع بعضها خصوصاً في المستحبات بسور مخصوصة وبعضا بسور غير مخصوصة، صلاة الجمعة لاسيّما على طريقة الإمامية فيها شيء من الاختلاف عن الصلاة المعتادة، مثل ما عندنا هذا المقدار في داخل الدين من الاختلاف في عنوان الصلاة؛ هناك عنوان أكبر من الاختلاف بين دين الاسلام وبين سائر الديانات في عنوان الصلاة، ولكن أصل الصلاة مفروضة وأصل الصلاة أيضاً مفروضة كما يشير الى ذلك القرآن الكريم، كم من الأنبياء ذكر أنه أوصي بالصلاة فعيب قالوا له "أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آبائنا من قبل"، النبي عيسى على نبينا وآله الصلاة والسلام يقول (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) مريم / 31 وهكذا سائر الأنبياء. ابراهيم يقول (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) ابراهيم / 40 وهكذا سائر الأنبياء.

الزكاة أيضاً كذلك، الحج بمقدار أقل، وبعضهم يقول كان هناك حجٌ لهم إلاّ أنه لم يكن الى الكعبة لكن عنوان الحج موجود عندهم. الجهاد (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم) آل عمران / 146، ابراهيم عندما خرج من العراق متجهاً الى فلسطين لكي يستقر فيها خاض حروباً هناك بناءاً على بعض الروايات الواردة في مصادر الإمامية، هكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً وارد في تشريعات الانبياء. وحتى القوانين الأخلاقية والتشريعات الجنائية قضايا الميراث، الحدود، القصاص أيضاً هذا الأمر موجود في هذه الديانات مع شيء من الاختلاف وإلاّ في الغالب مثل قضية القصاص كقانون "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" هذا بالإضافة الى أنه تهدي إليه العقول هو تشريعٌ من التشريعات المشتركة، بل حتى في التفاصي يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن التوراة ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا – يعني التوراة - أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) المائدة / 45 العقوبات على مثل الزنا وعلى مثل اللواط وأمثال ذلك من المحرمات مشتركة في أصل العقوبة مع اختلاف في تفاصيلها.

فإذاً نحن نلاحظ توجد عناصر مشتركة بين الأديان السماوية على مستوى العقائد، العبادات، الأخلاق، الذي دعوات الاخلاق واضح أنها مشتركة بين هذه الديانات وأيضاً حتى في التشريعات والقوانين قوانين الديات قوانين القصاص أن من قتل أحداً يؤخذ القاتل بجنايته ويعاقب على ذلك هذا موجود في الديانات السماوية وأنه جعلت لوليّ الدم سلطانٌ يطلب به دمَ وليّه ، الإبن بالنسبة الى أبيه ويكون وليّ دمه وعكس ذلك الأب بالنسبة الى إبنه وأمثال ذلك ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ) الإسراء / 33 ولذلك أولياء الدم عادةً بهذا القانون الإلهي وبهذا التفويض الرباني يطلبون معاقبة المجرمين والقتلة وفاعلي الموبقات والمنكرات.

ولهذا نجد في شعر شعراء الامامية عندما يُستنهض الإمام المهدي (عج) عادة ما يلحظ الشاعر هذا المعنى لكونه حفيد الإمام الحسين عليه السلام ومن أبنائه فكأنما هو المطالب بثاره والآخذ بدمه "أين الطالب بدم المقتول بكربلاء"

مرات العرض: 5732
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 53111.47 KB
تشغيل:

الفاضل الشيخ ابراهيم بن سلمان القطيفي
النبي آدم وقصة الخليقة