آفاق المعرفة في خطبة العقيلة زينب عليها السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/1/1437 هـ
تعريف:

آفاق المعرفة  في خطبة العقيلة زينب في الشام

كتابة الأخت الفاضلة زهراء محمد  

من خُطبة لعقيلة الطالبيين السيدة زينب بنت أمير المؤمنين على أبيها وعليها أفضل التحية والسلام قالت مُخاطبة يزيد ابن معاوية: (أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِيثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وآفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا، نُسَاقُ كَما تُساقْ الأُسارى بِأنَّ لكَ عَليْه كَرَامَةً وأَنّاَ لنا عَليهِ هَوَاناً؟؟ وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِنده فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفٍك جَذّلانَ مَسّرورا حِيثُ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُتَّسِقَةً والْأُمُور مُسْتَوْسِقَةً وَحِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا وَخَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا فَمَهْلًا مَهْلًا لَا تَطِشْ جَهْلًا! أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللَّه:
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)
• ماهية الخَطابة أو الخِطابة...
هي عبارة عن فنّ اقناع السامع من قِبل المتكلم بفكرة ما عبر مُقدمات يُمهدها الخطيب بحيث تنتهي إلى أن يقبل السامع هذه الفكرة وهذا الخِطاب، وأصحاب الدعوات والقادة والأنبياء هُم ممن يحتاجون إلى هذا الفن لكي يستطيعون أن يُمارسوا دورهم الرسالي في إيصال ما يريدون إلى الناس وأشار البعض إلى أن هذا الفن هو فنٌ قديم جداً وقيل أن أرسطو  من الأوائل الذين وضعوا لفن الخطابة منهجاً وتحدث فيها بشكل عملي كما أنه ألّفَ كتاب أسمه الخطابة بيّن فيه بعض الأُسس التي تعتمد عليها الخطابة، ولكن لم يكن هو الوحيد البارع في هذا الجانب فقد تحدث القرآن الكريم عن أنبياء كانوا يمتلكون هذا الفن ببراعة ومقدرة أمثال نبي الله سُليمان على نبينا وعلى آلة وعليه أفضل التحية والسلام في قول الله عزّ وجلّ: (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)  وكذلك نبي الله شُعيب الذي لُقِب بخطيب الأنبياء ولعل الذي يرجع إلى آيات القرآن الكريم ويرى طريقة حواره مع المخالفين له والمكذبين لدعوته يجد آثار هذه القدرة موجودة في كلامه حتى إذا وصل الأمر إلى النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآلة الذي كان يملك جميع المقومات التي تجعل كلامه مُقنعاً ومؤثراً وحيث أنه أيضاً أُوتي جوامع الكَلِم  وكان أفصح العرب كما قال عن نفسه بلا مباهاة ولا تكبر ( أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش) فكان النبي صلى الله عليه وآلة صاحب معاني قوية وكلمات مُتدفقة ومن يقرأ في سيرته يلحظ هذه المعاني.
وأما أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فكان مشهوراً ومعروفاً بخطاباته المؤثرة وكلامه البليغ الذي كان طوع يديه وخير شاهد ما حدث في كربلاء عندما بدأ الإمام الحسين عليه السلام يخطب في القوم فنطق أحد الحاضرين قائلاً: (هو كأبيه لو وقف طيلة نهاره لما عيّي أو أُحصر) وفي هذا إشارة إلى قدرات أمير المؤمنين عليه السلام وقدرات الإمام الحسين عليه السلام فلا يتردد ولا يتلجلج ولا ينحصر في الكلام وكان أيضاً ممن يملك هذا الفن بإتقان وإبداع هي العقيلة زينب عليها السلام فقد قال عنها الأمويين أمثال ابن زياد ويزيد ابن معاوية عندما سمعوا منها ذلك الكلام القوي معنى والبليغ مبنى في خُطبها التي خطبتها في كلُ من الشام والكوفة: (إن تكن سجاعة  فأباها قد كان سجّاعاً) وذلك لكي لا يعترفوا ببلاغتها وبلاغة أبيها أمير المؤمنين عليه السلام.
*خُطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد ابن معاوية...

(اعجاز الخطاب ومرارة الظروف المحيطة )
 العناصر التي تُساهم في إضعاف الخِطاب بشكل عام ومقارنتها بالأجواء التي كانت مُحيطة بالسيدة زينب عليها السلام...
1/ خطبت السيدة زينب عليها السلام خُطبتها في مجلس يزيد ابن معاوية في الشام وكان خِطابها آنذاك ارتجالياً والخطاب الارتجالي عادةً ما يكون أقرب إلى الضعف من الخطاب المُحبّر والمُعد مُسبقاً وذلك لصعوبة هذا النوع من الخُطب فحينما تأمر أحداً في مجلس ما بالقيام والتحدث في موضوع معين دون سابق إخبار ربما ينحصر ويعتذر وربما يتلعثم ويتأخر حتى وإن كان عالماً فإنه لن يُتقن الحديث بمقدار لو كان قد أعدّ له مُسبقاً، وخطاب العقيلة زينب عليها السلام كان ارتجالياً وذلك حينما رأت يزيد ابن معاوية وقدّ قُدم إليه رأس الحسين عليه السلام وبدأ ينكت ثناياه ويتمثل بتلك الأبيات المعروفة عنه عندها قامت السيدة زينب عليها السلام وخطبت، فالملاحظ هُنا انها لم تكن تعرف ما سيحدث مُسبقاً وبالتالي قد تكون أعدت له وإنما حدثٌ حدثَ أمامها وترجلت بالخطاب فمن المفترض أن يكون هذا الارتجال عُنصر سلبي يُضعف هذا الخطاب.
2/ يتمثل العنصر الثاني في الوسط الذي يتم الخطاب فيه فالمرأة عندما تُريد أن تخطب في وسط النساء تكون أكثر انطلاقاً وعلى العكس إن كانت في وسط رِجال ولا سيما إن كان هؤلاء الرجال يمثلون أعداء فيُشكل هذا الوسط عامل إضعاف للخطاب.
3/إن وضع السيدة زينب عليها السلام النفسي والروحي بل والبدني كان سيئاً فمن الناحية البدنية فقد كانت في سفر شاق مسيرة 20 يوماً من الكوفة إلى الشام وأما من الناحية النفسية فهي للتو فقدت أبنائها  والأم حينما تفقد ابن من أبنائها وفي مثل عُمر السيدة زينب الذي تخطى 53 سنه تتضعضع قوتها وكذلك شهِدت مصرع أخوتها وحُماتها وتحملت مسؤولية الأطفال واليتامى بالإضافة إلى شماتة الأعداء.
جاءت هذه الخطبة في ظروف صعبة جداً وتؤدي إلى دور مُعاكس إلى خُطبة العقيلة زينب عليها السلام فمن المفترض أن يكون الخطاب ضعيفاً وليس في أفضل حالاته لكنما نقله المؤرخون ووصل إلينا أبهر العقول المتأملة في ذلك الخطاب بل ويُنبأ عن قُدرة استثنائية تميزت بها العقيلة عليها السلام ففي مدة قصيره وبحدود 30 سطر تحدثت السيدة الجليلة زينب في مواضيع كثيرة جداً ومتنوعة بل وبلغت كُل الغاية التي كانت تهدف إليها من وراء خطبتها وهذا من الأمور التي تكاد تقُرب إلى الإعجاز البلاغي.
*تأملات في خطبة السيدة زينب عليها السلام...
  *انتخبت الحوراء زينب عليها السلام في مقدمة خُطبتها آية من آيات القرآن الكريم تُناقش أمراً عقائدياً ينطبق تماماً على يزيد ابن معاوية فكان أول ما بدأت به بعد البسملة وحمد الله عزّ وجلّ والصلاة على محمد وآل محمد هو قولها: صدق الله حيث يقول (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)  فيتجلى معنى هذه  الآية التي تُشير إلى تدرج الانسان في المعصية التي تنتهي به إلى الكفر فحينما يبدأ الانسان بالتجاوز وممارسة المنكرات كالزنى وشرب الخمر فهو بذلك يُعد فاسق مع بقاءه على أصوله العقائدية ولكنه لا يلتزم بها ولم ينكر بعد وجود الله ولكنه على أثر الاستمرار والتوغل في المعصية تقوم هذه السيئات والمعاصي بتطويق صاحبها بالتخبط وبظُلمة القلب إلى درجة وصوله إلى التكذيب بآيات الله عزّ وجلّ فينقلب من مجرد فاسق إلى مُكذب بآيات الله   ويكون بذلك قد انتقل من فساد جوارحي إلى فساد جوانحي ومن خلل في الفعل إلى خلل في العقيدة ويصل بالتالي إلى درجة الكفر ويُصبح ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ) وهذا التفصيل في المعنى ينطبق تماماً على يزيد ابن معاوية حيث أنه بدأ بشرب الخمر فقال :
                 ما قال ربُك ويلٌ للذي شربوا      بل قال ربك ويلٌ للمصلينا
وكان يُمارس الزنا ويعمل المنكرات وهي كُلها من فساد الجوارح ووصلت به هذه المعاصي والتوغل فيها إلى أن قال مُتمثلاً بأبيات عبد الله ابن الزبعرا السهمي الكافر على زمان رسول الله صلى الله عليه وآلة وأضاف إلى تلك الأبيات أبيات أُخر من عنده والتي تُعبر عن إنكاره الحقيقي للنبوة والوحي حيث قال:
                   لعبت هاشم بالملك         فلا خبر جاء ولا وحيٌ نزل  
ففي انتخاب العقيلة زينب عليها السلام لهذه الآية التي تُشخص حالة يزيد ابن معاوية قمة الإبداع.
*تقول العقيلة زينب عليها السلام: (أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِيثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وآفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا، نُسَاقُ كَما تُساقْ الأُسارى بِأنَّ لكَ عَليْه كَرَامَةً وأَنّاَ لنا عَليهِ هَوَاناً)
إن المتأمل في هذا المقطع من خُطبتها عليها السلام يتضح له أنها أشارت إلى أمراً هامُ جداً وهو أنه لا ملازمة أبداً بين انتصار شخص من الناحية الظاهرية وبين كونه على الحق ومُقرباً من الله عزّ وجلّ وإنما قد يكون من أولئك الذين كفروا فيُملي الله لهم لكي يزدادوا إثماً في هذه الدنيا ولهم عذاب مُهين في الآخرة وهذا المعنى موجوداً حتى يومنا هذا عند قسم من العُلماء من غير مدرسة أهل البيت علهم السلام  فهم يعتقدون أن هناك ارتباط بين النصر الظاهري وبين كون الإنسان على حق، فحينما يُرى أن جماعة ما أو فرقة أو دولة هي دائماً في حالة النصر والتوفيق فهي على حق! وهذا بحسب القرآن الكريم وبتوجيهات أهل بيت العصمة عليهم السلام أنه غير صحيح لأن معادلة الحق تعتمد على قوة أدلته وبراهينه ومعادلة الانتصار هي الأخذ بالأسباب المؤدية إلى الانتصار وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أما أن هؤلاء سيظهرون عليكم ليس لأنهم أولى بالحق منكم ولكن لطاعتهم أميرهم ومعصيتكم إمامكم) فإذاً معادلة النصر تختلف عن معادلة الحق حيث يقول الباري عزّ وجلّ (كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)  ويقول أيضاً: (إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
وتعتبر هذه المفاهيم في غاية الأهمية ولا بدَّ من التنبه لها لأنه هناك بعض من المشايخ الذين لا يزال تأثيرهم إلى يومنا هذا على بُقعة واسعة من أراضي المسلمين أمثال الشيخ أحمد ابن تيمية الحراني المتوفي سنة 738ه والذي كان مُزامن للعلامة الحلّي (رحمه الله) ويُعتبر ابن تيمية صاحب تغذية الفكر التكفيري ضد شيعة أهل البيت عليهم السلام ولا سيما في كتابه ( منهاج السنه)  الذي تُرجم إلى كل اللغات ويُطبع ويُوزع مجاناً في كل مكان كما عُرف عنه أيضاً بموقفه الشديد العداوة والبغض لأمير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام ووصل به بُغضه أنه يعتبر أي حديث يحتوي على فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام أنه لا أصل له ولا يعرفه أحد من أهل العلم وله في هذا الشأن مقولات منها قوله :( أنه لقد أخطأ علي ابن أبي طالب في 17 مورد) وقوله أيضاً: ( إن علي ابن ابي طالب كان مخذولاً أينما توجه) وفي الردّ على هذا التحامل يُستفهم في مواقف أمير المؤمنين عليه السلام البطولية في معركة بدر هل كان مخذولا! وفي معركة أُحد وقد كان فارسها هل كان مخذولا أيضا! وفي قول رسول الله صلى الله عليه وآلة في حق علي عليه السلام (برز الإيمان كُله إلى الشرك كُله) في يوم الخندق هل كان مخذولا! وفي خيبر (يحبه الله ورسوله ويُحب الله ورسوله كرار غير فرار) هل كان مخذولا!  ويُستنتج من هذا الزعم والافتراء أن علي ابن ابي طالب على زعمه مدام مخذولاً فهو ليس على حق، والرسول صلى الله عليه وآلة يقول (علي مع الحق والحق مع علي).
وتؤكد السيدة زينب عليها السلام هذه الحقيقة وهذا المفهوم العميق بقولها ليزيد (أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِيثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وآفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا، نُسَاقُ كَما تُساقْ الأُسارى بِأنَّ لكَ عَليْه كَرَامَةً وأَنّاَ لنا عَليهِ هَوَاناً) فهي هاهنا توضح أن الحالة التي يعيشها يزيد وهي حالة النصر والاستبشار لا تعني قُربه من الله وبعدهم عنه وإنما هو استدراج من الله سُبحانه وتعالى حيث يقول: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)
*وثائق تاريخية زينبيه المصدر...
تُسجل السيدة الحوراء زينب عليها السلام في هذه الخُطبة وثائق تاريخية محزنة وبشعة أسفرت عنها واقعة كربلاء وهي بذلك تُعتبر الشاهد العيان فيها ولا شك في قبول هذه الشهادة من بنت الرسالة وسليلة بيت الطهارة وكانت ولا تزال أفضل رد على الكتابات الأموية من المؤرخين وأصحاب العقائد أمثال ابن تيمية القائل:
• ان بنات رسول الله أو عائلة بني هاشم بعد انتهاء المعركة تم أخذهن من كربلاء إلى الكوفة في عزة وكرامة وبعد ذلك أُلحقت كلُ واحدة بذويها وان القائل بأنهن تعرضن للأذى وذهبن أسيرات ومُكشفات هذا غير صحيح.
هنا في هذه الخُطبة ترد السيدة زينب سلام الله عليها على مثل هذا القول فتقول:( أَمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ؟! تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف! ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ)
رداً واضحاً وقوياً على ما ذكره ابن تيمية فهي تُبين أولاً المسؤول المباشر عن الأفعال الشنيعة المرتكبة بحقهن وهو يزيد ابن معاوية حتى لا يأتي قائل يقول ان يزيد لم تكن نواياه سيئة إنما قام بذلك عُبيد الله ابن زياد فتُأكد ذلك بقولها (أَمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء) أي أنت يا يزيد قد هتكت الحُرمات وسبيت النساء وأخذتهن أُسارى تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد يستشرفهن أهل المناهل  والمعاقل   ويتفرج عليهن الكبير والصغير والشريف والوضيع ليس لهن من حماتهن حمي ولا من ولاتهن ولي ،فإذا هذا هو الحال كما ذكرت ووصفت العقيلة زينب وهي من حضرت وشهِدت وعاينت الواقعة وما بعدها وليس كما يذكر ابن تيمية.
• الوثيقة الأخرى التي توثقها عقيلة بني هاشم وينقضها كُتاب بني أمية هي جلب الرأس الشريف وقرعة بالخيزران فتقول: (مُنحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها  بمِخْصَرتك) فتؤكد السيدة زينب عليها السلام على جلب الرأس الشريف إلى مجلس يزيد ابن معاوية وجريان حادثة نكت أو نكث أضراسه.
• إن كفر يزيد ابن معاوية وجحده بالوحي وبنبوة رسول الله صلى الله عليه وآلة من المسائل الخلافية والتي هي مثار نزاع وخلاف عند أتباع مدرسة الخُلفاء فهناك القائل بشرعية وخلافة يزيد وانه إمام من أئمة المسلمين ولا بد لهذا القائل بهذا المعتقد أن يستجدي جواباً على ما وثقته سيدة الطهُر زينب عليها السلام من حال يزيد وهو مُتمثل بأبيات ابن الزبعرا وقد زاد أبيات من نظمه  ولو لم يُسجل فكان من الممكن أن يقول قائلهم إن هذا ادعاء باطل ولكن أنّى ذلك وقد شهِدت ذلك ابنة أمير المؤمنين فتنقل حاله وهو يقول غير متأثم ولا مُستعظم
لعبت هاشم بالملك فلا                           خبر جاء ولا وحيُ نزل
قد قتلت القرم من ساداتهم                         وعدلناه ببدر فاعتدل
لستُ من خندث إلا لم                            أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
• (حَسْبُك بالله حاكماً، وبمحمّدٍ خَصيماً، وبجبرئيل ظَهيراً، وسيعلم مَن سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين) في هذا المقطع تُشير العقيلة زينب عليها السلام إلى المسؤول الأكبر عن هذا الحدث الجلل وهو معاوية ابن أبي سفيان الذي مكّن ابنه يزيد من رقاب المسلمين وجعله على هذا المنصب وهو بالتالي المسؤول المباشر على تلك الأفعال الإجرامية من القتل والسبي وهتك الحُرمات وفعل ما لا يفعله مُسلم لذلك بعض أتباع مدرسة الخلفاء غير قادرين على التحدث عن يزيد وأفعاله لأن ذلك سيجرهم إلى التحدث عن من ولاّه ونصبه وهو أبيه معاوية ومعاوية باعتبارهم هو سدّ الصحابة ولا يمكن التحدث عنه بسوء.
• (فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد)
إن المتأمل في موقف السيدة زينب عليها السلام والمتمثل بموقفها يقف مُتعجباً ومُندهشاً من قوة هذه المرأة وجبروتها في مواجهة طاغوت زمانها بالرغم من كونها امرأة مهزومة ظاهراً وفاقدة وبلغت من العمر مبلغاً وقد أُذيت وشُتمت وضُربت ومع ذلك كانت شامخة وقوية تُحقر من شأن يزيد وتستصغره وتستكثر عليه حتى الكلمة فتقول له: (ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك) ثم بعد ذلك تُبين له بأن ما علق به من العار بسبب جريمته لا يُغسل أبداً وأن المستقبل والانتصار الحقيقي هو لهم و مع وعد الله حيث يقول: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)

مرات العرض: 3409
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 41591.47 KB
تشغيل:

كيف نوقف انهيار القيم الدينية
حيّ على مجمع الكمال ـ الصلاة