الميراث في أحكامه الدينية ومشاكله الاجتماعية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/6/1436 هـ
تعريف:

الميراث في أحكامه الشرعية ومشاكله الاجتماعية


كتابة الاخت الفاضلة أم سيد رضا

الميراث : هو انتقال ما يملكه  المتوفى إلى جهة أخرى بعد موته .
الميراث كان من القضايا التي تعرضت إليها الديانات السماوية والانظمة الوضعية كالديانة المسيحية واليهودية .
الديانة المسيحية : يقولون ان عيسى بن مريم لم يأت حتى يقسم المال بين البشر وإنما جاء ليقسم المحبة  والسلام وبالتالي لم يأت بنظام يتكفل بتوزيع الاموال التي يتركها الإنسان بعد موته.
فلا يوجد في المسيحية نظام ميراث على طبق الديانة المسيحية الأصلية وهو ليس الحكم الإلهي الذي نزل على الأنبياء.
ولكن بلا شك أن الرسالة السماوية عند نزولها لا يمكن أن تغفل عن مثل هذه الاحكام التي يحتاجها البشر . ولكن الموجود الآن عند المسيحيين هو أنه لا يوجد لديهم نظام تشريعي في الميراث فلذلك يخضعون للأنظمة القائمة في نفس البلد المتواجدين فيه ، سواء نظام إسلامي أو نظام وضعي .
فمثلاً النظام الوضعي الغربي : هو النظام الذي وضع بعد نابليون ويقضي بأن الميراث يقسم بعد إخراج الضرائب التي تحق للدولة . ثم يخرج منه نصف للزوج أو الزوجة إذا كان الزوج هو المتوفى أو العكس ، والنصف الآخر يقسمه الاولاد ( بنين وبنات ) بالتساوي.
الديانة اليهودية: يقولون أن الإرث يكون للذكور ، أما الإناث فلا يحق لهن شيء من الإرث. وكذلك الولد الاكبر يأخذ ضعف ما يأخذه سائر الأولاد.
فبالطبع أن الموجود عندهم الآن هو مما طرأ عليه التحريف لأنه لا يتوافق مع قيم العدل والإنصاف التي تراعيها الديانات السماوية . ويصعب تصديق أن نبينا موسى بن عمران جاء بنظام في الميراث بهذا النحو ، ونعتقد أيضاً بان هذا مما طرأ عليه التحريف في الديانة اليهودية. وهناك أيضاً أنظمة أخرى وضعية مختلفة ومتنوعة.
ربما يكون ما وجد في الديانة اليهودية من حرمان الإناث نهائياً من الإرث قد تسرب بنحو من الانحاء إلى العرب في الجاهلية الذين يحرمون الإناث من الميراث وذلك لأن المرأة لا تحمل سيفاً ولا ترد عدواً ولا تغزو، بعكس الذكور الذين يقومون بأمور القتال والدفاع. وظلت هذه العادة الجاهلية موجودة إلى ان جاء الإسلام ونسخها .

ميراث النساء في الاسلام
فعندما جاء نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم بديننا الحنيف ، جاء بنظام الميراث منسجماً مع قيم الإنسان والعدالة التي تأطر الإسلام بشكل تام . ((للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون نصيباً مفروضاً )) .
فهناك قضية حدثت في بداية العصر الإسلامي: بأن أحد الرجال المسلمين توفي وترك ابنتين و زوجة، فجاء أعمام البنات ( أخوة المتوفى ) وأخذوا كل ما ترك ، فشكت الزوجة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعندها نزلت الآية المباركة التي تبين أن للرجال نصيب وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وأن نظام الجاهلية غير معترف به في الإسلام .
فالبعض أيضاً كان يعتقد أن المؤاخاة التي عقدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع المسلمين في المدينة بأنها تأهلهم للإرث ، فنزلت الآية المباركة (( وألوا الأرحام أولى ببعض في كتاب الله )) .
وبعد الدين من ليس بقريب وجعل في قضية الميراث أنه لا بد أن يكون هناك قرابة رحمية وليس اجتماعية ، وجعل أولي الأرحام أيضاً بحسب طبقاتهم .

طبقات الورثة
الطبقة الاولى : هي الطبقة الأقرب إلى الإنسان المتوفى وهم الوالدان ، الأبناء ،( والزوجة أو الزوج  وهما يرثان مع جميع الطبقات ) .
فإن كانت الطبقة الأولى موجودة ولو فرد واحد فقط، ( باستثناء الزوجين ) لا يرث أحداً من طبقة أخرى. كما جاء في القرآن الكريم (( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض )). فالأكثر قرابة يمنع الأبعد.
الطبقة الثانية: الأخوة والأخوات مع الجدات
الطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال وأبنائهم. وكذلك أيضاً أي طبقة سابقة على الطبقة الأخرى فإن الطبقة المتأخرة لا ترث أبداً.
وبناء على ذلك وضع الإسلام هذا القانون ورتب موضوع الإرث على أساس تشريع الله عز وجل ، وكتب الإسلام بعد ذلك أن للذكر مثل حظ الأنثيين .
بلا شك أن الأنثى ترث ولكن من العدل أنها لا تتساوى مع الذكر، لأن الذكر له أحكام شرعية ليست ثابتة للنساء، كوجوب النفقة على الزوجة وإن كانت غنية وموظفة وهو فقير. بعكس المرأة التي لا يجب عليها الإنفاق على زوجها وإن كان محتاجاً لذلك، وإن لم يصرف عليها فيكون ديناً لها عليه.
ولكن الدين أمر الإنسان أن يكون محسناً وتوجد رحمة ومودة بين الزوجين، فإن رأت الزوجة زوجها محتاجاً للمال فلا مانع ان يتشاركان، فالحياة الزوجية تعني المشاركة والبذل والعطاء بين الزوجين.
يأتي بعد ذلك موضوع السهام: فقد عين الإسلام السهام للورثة ( الثلث والربع وضعفهما ونصفهما ) وذلك يحتاج بحث آخر بإذن الله.
ومن المسائل والابتلاءات التي يكثر السؤال عنها للوارث أو الموروث ، هي أن الإنسان المتوفى عندما يرحل من هذه الحياة تخرج كل أمواله وحقوقه من ملكه وتنتقل انتقالاً قهرياً أي مجبراً على ذلك إلى الورثة. فأول ما يجب فعله هو تخليص التركة أو الورث من الديون، ويشمل ذلك:
1 – ديون الآخرين: كأن يكون المتوفى له دين على أحد يجب فيجب أن يخرج فوراً ولا يجوز أن يكون جزءاً من الميراث.
2 – الديون الإلهية: بمعنى الحق الشرعي ( الخمس )، فلا يجوز لأصحاب التركة التصرف في الميراث إلا بعد إخراج الخمس منها لأنه ليس داخلاً في ملك المتوفى حتى يورثه. كما جاء تعالى في كتابه الكريم ((واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه)).
3 – الوصية : فالإنسان قبل موته إن لم يكن مديوناً فيستحب له أن يوصي بوصايا برية وخيرية، لذلك يجب إخراجها إلى مقدار الثلث، ولا يجوز التصرف في الميراث إلا بعد إخراجها. كما جاء تعالى بقوله: ((من بعد وصية توصون بها او دين )).
نأتي بعد ذلك إلى المبادرة في تقسيم التركة على أرباها وأهلها الورثة ، فيحرم على الوصي أن يأخر حق الورثة عن التقسيم من غير مبرر شرعي أو عقلائي. فلو تأخر بضعة أيام لأسباب معينة كانشغال أهل الميت بأيام العزاء وما شابه ذلك، فلا يعتبر أنه تعمداً على التأخير. ولكن إن أخرها أكثر من ذلك كمن يؤخرها لشهور او سنوات، فهذا يعني أنه يمارس الحرام طيلة أيام تأخيرها لأنه حال بين أرباب التركة وبين حقهم.
مثال على ذلك:
• بقاء أهل الميت في المنزل، فلو كان لدى الميت زوجة وأولاد باقون في المنزل ولديهم مجموعة من الأخوة والأخوات خارج المنزل، فلا يجوز للباقين أن يبقوا داخل المنزل إلا بعد استئذان الطرف الآخر من الأخوة والأخوات الذين ممن هم خارج المنزل.
• إن كان الجميع موجودون داخل المنزل فيجب على كل فرد أن يتحلل من الآخر، فإن استجازوا لبعضهم فيجب على الوصي أن يبادر بالتقسيم.
• بعد ان يتم التقسيم : إن اتفق الجميع على بقاء المنزل وكان أحدهم ممن هو خارج المنزل محتاجاً للمال، حينها يطلب من الذين هم شركاء في الإرث أن يتكفل أحدهم بشراء سهمه، فإن اشتراه حينها يبقى المنزل كما هو، وإن لم يشتره فيجب على الوصي ان يبيع المنزل ويقسم قيمته على الورثة. وإن أخذ الموضوع حياءً كأن يستحي ان يطالب بحقه خوفاً وحياءً مما سيقوله الناس والمجتمع عنه، فهذا يكون غير شرعي وغير جائز. ولكن إن تطوع من نفسه كأن يتنازل عن سهمه من المنزل لإخوته فيجوز له ذلك.
• إن كان لديهم إخوة غير بالغين فيعزل لهم مع مراعاة الغبطة والمصلحة العامة ويقسم الباقي من الإرث ولا يجوز الانتظار حتى يبلغ الصغير. ولا يجوز أيضاً للوصي استثمار المال قبل تقسيمه على الورثة لان المال الناتج من الاستثمار يكون للورثة وليس من حقه. لذلك لا يجوز تأخير تقسيم الميراث أبداً ويحب المبادرة في ذلك.
فقضية الميراث كانت أحد أشكال دعوى سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام على مؤسسة الخلافة التي كانت في ذلك الوقت. فقد كانت فدك تحت يد سيدتنا فاطمة ، كما جاء أمير المؤمنين في نهج البلاغة: بلا كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء. فاليد حجة على الملك مالم يعلم خلاف ذلك .
فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعطى لفاطمة فدك من بعد سنة 7 للهجرة بعدما نزلت عليه الآية المباركة (( وآت ذا القربى حقه )). واستلمتها الزهراء وتحقق القبض فأصبحت فدك هبة تامة للسيدة فاطمة عليها السلام.
كأن لو أن إنسان في أثناء حياته وهب أحداً شيئاً كسيارة مثلاً، فيجب عليه الموهوب ان يقبضها ويتصرف فيها باعتباره أنه المالك كان يقبض مفاتيحها ويقودها. وإن لم يتصرف فيها فذا لا يعتبر قبض أو تعتبر هبة غير تامة، ولو توفي على هذه الحال فإنها ترجع في الميراث .
ففاطمة عليها السلام قبضت فدك وعينت لها عمالاً أيضاً وكان ذلك بقرابة ثلاث سنوات، ولما جاءت قضية الخلافة فيما بعد وحصل ما حصل، قامت مؤسسة الخلافة بطرد فاطمة عليها السلام والسيطرة على فدك.
السيدة الزهراء هنا رفعت قضية الميراث وبينت أن فدك لم تفتح بقتال وإنما كان تسليم سلمي لها، وبحسب القانون الإسلامي فأن فدك هي مما أفاء الله على رسوله فأصبحت ملكا خاصا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقد كانت أصغر بنات النبي وأبناءه غير فاطمة هي زينب التي توفيت في السنة الثامنة من الهجرة، وأصبحت فاطمة هي الابنة الوحيدة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فعندما توفي النبي أصبحت فدكاُ جزءاً من الميراث، ـ حيث لم تقبل الخلافة كونها نحلة لفاطمة ، فإذن تبقى ميراثا ـ لهذا جاءت فاطمة تحتج في قضية الميراث وخطبت خطبتها المشهورة واستشهدت بالقرآن الكريم قائلة : أمن العدل في كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا، أ فعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول (( وورث سليمان داؤود )).
فعندما يقول البعض ناقلاً عن النبي نقلاً غير تاماً ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ) فكيف يقول القرآن ((وورث سليمان داؤود))؟؟ ، وهناك أدلة أخرى أيضاً من القرآن الكريم تدل على وراثة الأنبياء بعضهم للبعض الآخر. فهل يجوز لنا أن نقول باشتباه القرآن الكريم أو باشتباه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟ نعوذ بالله من ذلك. إذاً فهذا الحديث غير صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك احتجت عليهم فاطمة بالقرآن الكريم وأخذت تخاطبهم ولكن بلا جدوى فقد عادت وهي كاظمة أي: ممتلئة غيظاً منهم.

 

 

 

 

مرات العرض: 3399
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2564) حجم الملف: 47264.53 KB
تشغيل:

الوصية في فلسفتها وأحكامها
فدك قضية الزهراء التاريخ والدلالات