وزنوا بالقسطاس المستقيم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/1/1436 هـ
تعريف:

وزنوا بالقسطاس المستقيم

 


تفريغ نصي الفاضلة سكينة نسيم آل عباس 
"وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا" .
الآية المباركة من سورة الإسراء والتي وصفت مع غيرها في نهاية هذه التوجيهات  بأنها مما أوحي إلى النبي من الحكمة ، هذه الآية المباركة هي وصية  وأمر نبي الله شعيب على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام إلى قومه ، النبي شعيب هو أحد الأنبياء الخمسة العرب كا ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام بالإضافة إلى هود  وصالح وإسماعيل ونبينا المصطفى محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، بعث في منطقة الآن تقريبا تحاذي منطقة معان في الأردن ، في الأزمنة القديمة  كانت تسمى مدين وجوارها ، الآن المنطقة الجغرافية القريبة من معان يظهر أنها كانت محل بعثة نبي الله شعيب على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام ، وجاء بهذه الرسالة  وكما هو المألوف في دعوات الأنبياء والمرسلين أنهم يأتون بالأمر العقائدي و العبادي من جهة ، وبعلاج وتركيز على أهم الإشكالات الاجتماعية من جهة أخرى ،  فمثلا نبي الله لوط يأتي داعيا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له  وأن يتركوا الفواحش ، أن يتركوا المنكر الذي  يأتونه في ناديهم ، وهو بعض الأعمال المخالفة للآداب  بالإضافة إلى ترك الشذوذ الجنسي و الإنحرافي الأخلاقي ، يركز على هذا باعتباره مرض اجتماعي .
نبي الله شعيب جاء لكي يركز على العدالة الاقتصادية باعتبار أن المجتمع الذي بعث فيه كانت لديه هذه المشكلة الأساسية ، لم يكن يتعامل بالعدل ، لم يكن يتعامل بالقسط لم يكن يتعامل بالإنصاف ، في معاملاته التجارية  هناك حالة تظالم تغالب تغابن كل واحد يحاول أن يغلب الآخر ، يظلم الآخر ، يغبن الآخر ، يأخذ كثيرا ويعطي قليلا ، هذه جُعلت عنوانا اجتماعيا لرسالة نبي الله شعيب ، فقال " وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير .." الآن خير " وأحسن تأويلا " والتأويل هنا بمعنى العودة ، ما يؤول إليه الشيء ، نهاياته ، غاياته ، يقول هذا الأمر يؤول إلى كذا ، الإنسان يؤول إلى الكبر آخر الأمر ، الخير الذي ينتج عن القسطاس وعن العدالة خير حاضر وله آثار أيضا مستقبلية فهو أحسن تأويلا ، يصل المجتمع في نهاية أمره إلى هذه النتائج الحسنة ، هذا أوضح التفاسير إلى أحسن التأويل في هذا المكان .
حسب المعروف مما هو مذكور في قصص الأنبياء أنهم استمروا على انحرافهم ذاك فعوقبوا بأن احتبس عنهم الهواء والنسيم البارد ، الله سبحانه  وتعالى يحول أقل شيء وأبعد شيء عن الخطر إلى أكثر شيء خطورة ، الماء العادي الذي هو مصدر الحياة " وجعلنا من الماء كل شيء حي " من الممكن أن يتحول بإرادة الله إلى طوفان نوح ، الهوا ، الفضاء الذي نتنفس فيه وهذا يبين للإنسان كيف عليه أن يحمد ربه ، هذه نعم مجهولة أنت تتنفس من الهواء في كل لحظة في كل ساعة في كل يوم  من دون أن تدفع مالا من دون أن تبذل جهدا ، الله قدّم لك هذه المادة الحياتية ، لو تتغير درجة الحرارة قليلا في هذا الهواء ، زادت ، لمدة أسبوع تصعّدت حرارة الجو بشكل كبير ، من المعلوم أنه إذا ازدادت الحرارة إمكانيات التنفس تصبح صعبة ، فلمدة أسبوع حبس عنهم الهواء نظرا لحرارة الجو الكبيرة ، ثم بانت لهم غيمة ومعها نسيم عليل بارد ، فخرج هؤلاء العصاة خرج هؤلاء التجار الظلمة ، خرج هؤلاء  الناس الذين لم يكن ينصف بعضهم بعضا حتى يجلسون تحت هذه الغيمة لتظلهم عن الشمس وفي نفس الوقت يتنفسون هذا الهواء البارد ، هنا أتت الصاعقة وأحرقتهم جميعا ، هذا الأمر له تعليل .. شحنات موجبة مع شحنات سالبة .. ا انتهى هؤلاء بالعذاب بهذه الطريقة .
نبي الله شعيب عندما جاء بهذا أراد أن يقدم للناس جميعا قاعدة يقوم عليها البناء الاقتصادي والبناء الاجتماعي وهو أن يقوم المجتمع على القسطاس ، القسطاس البعض يقول بأنها كلمة في الاصل ليست عربية  وإنما هي كلمة رومية ، بمعنى الميزان الكبير ، دخلت إلى المجتمع العربي وأصبحت جزءا من الثقافة اللغوية العربية ، ونحن نجد مثل هذا بناء على أنها كلمة غير عربية .. مثلا استبرق موجود زبرجد وهي موجودة في النصوص الدينية مع أنه أصولها ليست أصولا عربية ، لكن لما دخلت ضمن الثقافة العربية وأصبحت جزءا من هذا المخزون اللغوي أصبح يتعامل معها على أنها كلمة عربية ، فلا يضر بوجود هذه بقوله  " بلسان عربي مبين " ، بعض يقول لا ، القسطاس هي من مفردات  القسط ، القسط في اللغة العربية موجودة ، لها جذر وهي من الكلمات التي تحمل معنيين متخالفين ومتقابلين ، عندنا قسط يعني جار وظلم  تقول فلان قسط معي ، هذا يكون ظالما جائرا ، لذلك القرآن الكريم استخدم هذا المعنى " فأما القاسطون كانوا لجهنم حطبا " الذين يقسطون بهذا المعنى يظلمون يجورون هؤلاء في نار جهنم ، وسمي أهل صفين بجانب معاوية بالقاسطين لأجل أنهم ظلموا وجاروا وتعدوا الحدود ، الفعل الآخر أقسط ، أقسط يعني عدل ، تقول فلان أقسط معي يعني عدل  ولذلك استخدم القرآن الكريم في الآية المباركة هذا الفعل " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " أقسط مقسط يعني عادل، قسط قاسط يعني ظالم .
القسط هنا في الاستخدامات ، القسط هو العدل ، والعدل أول شيء هو صفة الله عز وجل ، الله هو أول قائم بالقسط " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائما بالقسط "  الله قائم بالقسط وآمر بالقسط أيضا ، الله أمر أنبياءه بالقسط  وأمر الناس أيضا أن يكونوا مقسطين في ما بينهم وبين غيرهم ، فجوهر رسالات الأنبياء  هي في القسط وأن يكون الإنسان مقسطا  حتى يحقق رضا الله سبحانه وتعالى ، في قضية نبي الله شعيب أول ما نلاحظ ، نلاحظ الدعوة إلى القسط في الجانب الاقتصادي ، معاملات الناس فيما بينهم لابد أن تقوم على أساس ، لماذا هذا له أهمية ؟ لأن معاملات الناس تورد التشاح والتنافس ، يعني عندما أريد شراء منك شيء أريد المصلحة لي ، لو أستطيع أن آخذ منك أكثر مما أستحق لفعلتها ، وأنت أيضا لو بإمكانك أن تأخذ مني أموال أكثر أيضا لفعلتها ، عادة الانسان في مجالات التنافس على المصلحة أن يجر النار إلى قرصه ،يجر الخير إلى نفسه ، بناء على هذا المجتمع لو تركناه هكذا ، كل واحد يسحب المصلحة والفائدة إلى نفسه ، هل يمكن أن يكون بناء اقتصادي سليم بهذه الصورة ؟ كلا ، لا بد من أن يكون هناك قاعدة يحتكم إليها الجميع ، تلك القاعدة هي قاعدة القسط والعدل .
قد نلحظ في المجتمع أشكال وأمثلة من مخالفة القسط الاقتصادي وأن لا يحدث الكيل بالحق ولا الوزن بالمكيال الصحيح ، المكيال ليس بالضرورة أن يكون الأداة المستخدمة للكيل ، إنما هي لفظة عامة ، مكيال الزيت ، مكيال الحبوب شكل آخر ، مكيال التراب الكبير شكل آخر ، لا تستطيع أن تبيع الرمل بالمكيال المعتاد ، كل شيء له مكيال ، كل شيء له ميزان ، ميزان الحرارة شكل ، ميزان فحص الدم شكل ، ومكيال الزيت شكل آخر ، الغرض أن يكون هناك وزن بالحق ، كيل بالحق ، زنة بالقسطاس المستقيم .
أحيانا يحصل في الجانب الاقتصادي مخالفات ، أنا أذهب إلى تاجر أشتري منه سلع كثيرة وأعطيه مبالغ قليلة ، هذا أوضح أنحاء مخالفة القسط .
أحيانا في الاتفاقات ، خطيب من الخطباء صاحب المأتم يتفق معه على أن يأتي مثلا لشهر رمضان ، شهر محرم في مقابل شيء معين ، المفروض أن هذا الخطيب أيضا أن يستفرغ جهده  وما يستطيع في العطاء ، فلو أن خطيبا جاء وقال أنا لم أحظر لشيء ولم أفكر في شيء الآن سأقول ما يهديني إليه الله سبحانه وتعالى ،هذا لم يعمل بالقسطاس ، المفروض أن يقول له إما أنا طبيعتي هكذا فإذن يكون متفق على هذا الأساس وإما إذا كان كما هو المتعارف فالمتعارف أن هذا الخطيب يقدم أفضل ما يستطيع عليه من الحديث أو ما شابه ذلك وإلا خالف القسطاس ، عندما يأتي على سبيل المثال عامل من العمال أنا أتفق معه على أن يعمل عندي مقدار شهر من الزمان ثم يغيب ثلاثة أيام أربعة أيام  وفي آخر الأمر يأتي بإجازة مرضية من المستشفى وهو لم يكن مريضا هذا ارتكب مخالفتين ، واحد كذب لأنه لا فرق بين الكذب اللساني اللفظي وبين الكذب الكتابي ، وهذا قول العلماء ، أكثر من عالم من العلماء يفتون بهذا الكلام ، وأيضا ارتكب مخالفة أخرى هي أنه أخذ مالم يحل له ، لأن المفروض أن يشتغل ثلاثين يوم بينما اشتغل ستة وعشرين يوم ، خمسة وعشرين يوم ، هو لا يستحق أجرة خمسة أيام ، يجب عليه أن يردها إليّ ، ولا يجوز له أن يتصدق فيها ، قسم من الناس يذهب ويتصدق بها ، لا يجوز ، تقبل بان يأتي شخص ويأخذ من جيبك خمس مئة ريال ويقول سأتصدق بها عنك ؟ ما أذنت لك في ذلك ، إذا هذه الأموال لي  يجب أن تردها لي أما أن تتصدق ، لم أقل لك ذلك ، ليس من حقك ، الطريق الوحيد هو أن تردها إلي وتسترضيني ، هذا خلاف القسطاس ، أنني أنا اتفقت معك على شيء معين ، مدة زمنية معينة ، أخلفتها أنت ، وأتيت بإجازة غير صادقة فارتكبت في هذه الجهة مخالفتين على خلاف القسطاس ، عندما يتعامل على أساس قياسات معينة ، مواصفات معينة ، وأمثلة ذلك لاسيما في المشاريع العامة إلى ما شاء الله ، وليس هناك فرق مابين الجهة الرسمية أو الجهة الأهلية في هذا الجانب ، في بعض الجوانب تختلف ولكن في هذه الجهة لا يوجد اختلاف ،شركة تأتي وتأخذ مبلغ كذا مليون على أساس أن تعبد هذا الطريق ، إما نفس الشركة تعطيه إلى مقاولات الباطن كما تسمى ، أو هو نفسه صاحب الشركة حتى يزيد ربحه يقلل الكيفية ، بدل ما يفترض أن هذا الإسفلت ضمن القياسات الاعتيادية يبقى أربع سنوات ، أنا أعطي كيفية أقل بكثير بحسب القيمة تكفي لسنة واحدة وأحيانا ستة أشهر ثم يشطب مرة أخرى والحبل على الجرار.
هنا لا يحل لصاحب الشركة هذا المال الذي أخذه بناء على مواصفات معينة مطلوبة منه ، قدّم غير تلك المواصفات ، في بعض الحالات الفقهاء يقولون أصلا العقد ينفسخ ،وبعض الحالات يرد عليه بالتفاوت ، قلل ثلاثين في المئة من المواصفات يرجع ثلاثين في المئة ، قلل خمسين في المئة من المواصفات يرجع خمسين في المئة ، وفي بعض الحالات كل المعاملة تكون فاسدة ، العقد يبطل في حالات  معينة ، هذا خلاف القسطاس .. عندي سيارة مؤمن عليها  واصطدم بها ابني ، ابني لا يحمل رخصة ليس عنده تأمين ، أذهب مكانه وأقول أنا الذي اصطدمت أنا مؤمن وعندي رخصة ، فإذًا شركة التأمين هي التي ستدفع الخسارة ، غير جائز هذا ، هذا أكل مال بالباطل بالإضافة إلى أنه كذب ، لا يحل للإنسان ، الاتفاق معي على أن السيارة إذا قادها شخص يحمل رخصة القيادة أو كان مؤمنا مثلا تتحمل الشركة هذا ، والعكس أحيانا نفس شركة التأمين تخترع لك أمر معين ، نقطة أنت ما أخبرت بها ، مجموعة أوراق وقعتها ، لما صارت سيارتك في مشكلة يقول لك بناء على هذا البند الفلاني أنت لن تحصل على شيء ، هذا غير جائز من قبلهم ، هذا خلاف القسطاس ، خلاف العدالة ، أنا أعطيت أموال للتأمين صدقة ؟ هبة ؟ لا ، إنما هي هبة معوضة بمعني أنا وهبتك هذا بشرط إذا صار عندي ضرر في هذه السيارة أنت تتحمل مسؤولية الإصلاح ، فإذن هذه أشكال وألوان وأنواع من خلاف القسطاس في الجانب الاقتصادي ، مع ذلك العدالة في الجانب الاقتصادي ، القسطاس في الجانب الاقتصادي ، الزنة بالمكيال في الجانب الاقتصادي ممكنة وأكثر المؤمنين والحاضرون منهم بحمد الله يطبقون ذلك في حياتهم الاعتيادية ، معاملاتهم في الغالب معاملات مشروعة يلاحظون فيها الأحكام الشرعية يلاحظون فيها العدالة والإنصاف ، فالعدل والقسط في الجانب الاقتصادي ليس أمرا صعبا جدا ، الصعوبة إلى حد ما هو القسطاس الاجتماعي ، العدالة في جانبها الاجتماعي ، تعاملي أنا مع الأشخاص الآخرين وترتيب علاقاتي الاجتماعية و مواقفي منهم في كثير من الأحيان تبتلى بخلاف القسط ، لأضرب مثال هنا ، الإنسان ،أي إنسان لكي يتعامل مع الأشخاص يحتاج يكوّن صورة عنهم ، بل كل المخلوقات ذات الشعور لابد أن تحدد موقفها من الطرف ، الحيوان عندما يرى حيوان قريب منه يبدأ يشم الرائحة كما يقول علماء الحيوان ، ينظر هل هذه الرائحة مألوفة أو غير مألوفة ، إذا رائحة مألوفة يسترخي وإذا رائحة غير مألوفة يأخذ وضع القتال ، وضع الهجوم ويطرده ، هذا بالنسبة للحيوان ، بالنسبة للإنسان ليس بهذا الشكل ، الإنسان يتعامل مع الآخرين بناء عن الصورة التي كونها عنه ، يعني أنا  لما يأتي شخص إلى مكان معين أصنع صورة هل هذا عدو أم صديق ، إذا عدو أتعامل معه بتحفظ  باحتراس بترقب و إذا  كان صديق أسترخي وأرحب و إلى آخره ..، كيف أكون صورة عنه ؟ تارة تكوين الصورة بالقسطاس  يعني بالاختبار الشخصي ، أسمع كلامه  وأحكم في جانب منه على حسب هذا الكلام ، أجرب سلوكه تعاملا وأحكم عليه بناء على هذا السلوك ، أتعرف عليه كشخص وبناء على ذلك بالتدريج أتعامل معه ، هذه الحالة الطبيعية التي تطبق القسط ، أما إذا ما كان الإنسان يطبق القسط ماذا يصنع ؟ أول ما يأتي هذا الإنسان يحاول أن يخمن أو يحرز هذا هل هو مثلا مسلم أو غير مسلم ،  يفصل ، ثم  مسلم من الإمامية أو من غير الإمامية ، ثم من جماعتي أ و ليس من جماعتي ، بعد ذلك ينسبه ، مثلا تبين من البداية أنه شخص ليس من أتباع مدرسة أهل البيت فإذا سيكون من المدرسة الأخرى ، من المدرسة الأخرى أنا أختصره في أولئك أسوأ النماذج منهم ، لنفترض هذه المدرسة الأخرى  المدرسة الغير الشيعية  متعصبون ضد المذهب ؟ يعتقدون أن الشيعة كذا و كذا ؟ أرى أسوأ نماذج الحاقدين منهم و أقول هذا من أولئك ، هذا قلة قسطاس ، إذا شخص ليس من شيعة أهل البيت ، شخص من مدرسة الخلفاء أقبل عليه شخص من الشيعة الإمامية ،سيقول مثلا هذا من الروافض ، الروافض يعني هم اللذين يسبون الصحابة هم اللذين يطعنون في عرض زوجات النبي ، إذن ينبغي  أن أعاديه ، عين موقع العداء له ، والشيعي عين موقع العداء لذلك  غير الشيعي باعتبار أنه من الحاقدين ، من المبغضين للأئمة  وأمثال ذلك .. هذا خلاف القسطاس ، عندما يختصر الإنسان في فئته ويؤتى بأسوأ النماذج في تلك الفئة هذا خلاف القسطاس ، حتى لو فرضنا أنت يا أيها الإنسان من مدرسة الإمامية أتى لك شخص وكان من مدرسة الخلفاء ، في مدرسة الخلفاء هناك من هو هواه في أهل البيت وإن كان فقهه في غيرهم ، هناك أناس عندهم محبة لأهل البيت من هذه المدرسة مدرسة الخلفاء ، لماذا تنسبه لأسوأ النماذج وهكذا بالعكس ،أنت يا أيها الذي من مدرسة الخلفاء عندما يأتيك شخص من مدرسة أهل البيت ، لماذا تقول هو من الروافض اللذين يسبون الصحابة ويقومون بتحريف القرآن ويطعنون في أم المؤمنين ، هناك الأكثرية الساحقة من شيعة أهل البيت ليسوا كذلك ، المرجعية العليا فيهم تقول لا تقولوا إخواننا على أتباع مدرسة الخلفاء بل قولوا أنفسنا، لماذا لا تنسبه إلى مثل هذا الموقف ؟ ، هنا يصير عدم قسط عدم عدل أن يختصر الإنسان في فئة ، ثم يؤتى بأسوأ النماذج في تلك الفئة ، هذ من خلاف العادلة ، أحيانا حتى في وضعنا الداخلي ، أن أرى شخص على أي حال ثم أشخصه أنه من أتباع المرجع الفلاني ، فلا أقول اسمه ،أقول هذا فلاني ، هذا ما أنسبه إلى أهلى ولا إلى عائلته ، أنسبه إلى مرجعه ، ثم في ذهني أسوأ موقف في رأيي  عند تلك المرجعية  أحضره ، أقول هذا فلاني يتبع المرجعية الفلانية  وأسوأ شيء موجود عنده إذن هذا يطبقه ، أنت هنا ألغيت خصوصيته ، ألغيت شخصيته ، ألغيت ذاته ،ألغيت فكره ، لعله هو نفسه يشاركك أنه في ذلك الموقف لا يرتضيه ، هذا يحث بالفعل نسبة الشخص إلى فئة والاستشهاد بما هو أسوأ موجود في تلك الفئة والتعامل على ضوء ذلك ، وهذا واحد مما يفسر الأحقاد التي تحدث بين أناس لا يعرفون بعضهم بعضا ، أنا لا أعرفك أصلا ، لا أعرف نسبك ، لا أعرف شخصيتك ، لا أعرف أين تعمل ، فقط أعرف أنك فلاني من المرجعية الفلانية ، فأتخذ موقف العداء معك ، لماذا ؟ لم أرى منك شيء إلى الآن ، لم أجلس معك ، لم أسمع أفكارك ، لم أتعرف عليك ، هذا راجع إلى اختصار الشخص بفئته  واستيراد أسوأ النماذج من تلك الفئة ، هذا نفسه أيضا يفسر ، لماذا التكفيريين يذهب وسط ناس لا يعرفهم لم يلتقي بهم أصلا قبل هذه اللحظة ، لا يعلم صغار ، كبار ، متدينون ، غير متدينين ، عندهم محبة عندهم كراهية ، لا يعرف شيء جهل تام بهم ، لكن هو مصنف هذا تكفيري يصنف هؤلاء مثلا من عبدة القبور ، وعبدة القبور كذا و كذا ، إذن ابدأ فجّر ، هذا خلاف القسط الذي يحدث عند قسم من الناس ويجرهم إلى  التعامل على صور غير حقيقية .
 من خلاف القسط أيضا أن يختصر عمر الإنسان في موقف أو كلمة ، وهذا يحدث في مجتمعاتنا ، فلان من الناس زلت قدمه في عمل من الأعمال المنحرفة ، قام بعمل لا أخلاقي ، فأنا أنسى أن هذا عشرين سنة مصلي ، عشرين سنة صائم ، عشرين سنة إنسان طيب ، فقط اختصرته في هذا الذنب الذي ارتكبه ، أقول هذا زاني والعياذ بالله ، هذا شارب ، هذا سارق .....، هذا سرق وليس سارق ، هذا عشرين سنة متدين ، زلت قدمه مرة ومن الممكن تاب و أصبح أقرب إلى الله مني، فلا ينبغي أن أختصر كل شخصيته وحياته في هذه اللحظة ، في هذا الذنب .
زيد من الناس ، عالم من العلماء ، في فكرة من الأفكار اشتبه ، أخطأ ، لكن هذا كان كذا من السنوات يعمل على العلم وما شابه ذلك ، جل من لا يخطأ ، أنا عندما أريد أن أقيم أقول هذا الشخص لم من العلم كذا و كذا وكذا وله من الخدمة كذا وكذا وعنده من الخطأ فلان مورد ، هذه عدالة ، هذا قسط ، هذا قسطاس ، هذا وزنوا بالكيل  إذا كلتم ، هذا وزنوا بالمكيال  بالميزان الصحيح ، بالقسطاس ،هذا هو الصحيح .، أما أن تأتي وتقول هذا إنسان منحرف العقيدة ، هذا إنسان لا يسوى شيء ، بعضهم على أثر خلاف معين يأتي ويصف عالم ويقول هذا مرتد ، ذاك الإنسان هذا عميل ، وما أسرع إطلاق هذه الأحكام التي يختصر بها ، الملكان المقربان أربعين سنة  متعبين في  تسجيل أعمال وكذا وأنا في لحظة واحدة أقول هذا عميل ، هذا مرتد ، هذا فاسق ، هذا كافر ....، هذا جدا خلاف القسط  جدا خلاف العدل  قد يرتكبه الإنسان ، عندما يختصر الإنسان بكل حياته في موقف من المواقف  ويصبح ذاك الموقف هو عنوان الحياة ،خطأ سلوكي أقول هذا إنسان ساقط ، خطأ فكري أقول هذا الإنسان جاهل ،خطأ كذائي أقول هذا إنسان يريد هدم الإسلام وعلى هذا المعدل ، هذا خلاف الإنصاف ،خلاف القسطاس ، خلاف العدالة ، ولا يأمرنا أهل البيت به بل يخالفونا في منهجهم ، انظر إلى القرآن الكريم حتى الخمر ، لو أتى شخص وسألك ، ما رأيك في الخمر ؟ ماذا ستقول ؟ حرام ؟، نجس على المشهور ؟  من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما  ، كذا ، كذا.....، هذا كلها كلمات صحيحة ، لكن القرآن الكريم حتى يعلمنا منهج ماذا يقول ؟  " يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما " هذا تعليم أنت يا أيها الإنسان  لا تنظر في جانب واحد فقط وتركز عليه وتختصر هذا الأمر مع أن الوجه الظاهر من الإثم والضرر والمشاكل في الخمر أوضح من أن تخفى ، بس أنا إذا أتيت وقرأت القرآن ينبغي أن أتعلم هذا المنهج ، الآن عندنا جمعية ، عندنا نادي ، عندنا مؤسسة ، ما رأيك في الإدارة ؟ إدارة فاشلة لا تسوى شيء ...، جماعة الإدارة يعملون ، أحيانا ليلهم نهار ونهارهم ليل ،يبذلون جهد بالساعات ، ليس من السهولة أقول لا تسوى شيء ، إدارة كذائية وما شابه ذلك ، هذه الحالة إذا صارت عند الناس يتبين أنه لم يتمثل قول القرآن الكريم " وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم " قل نعم جماعة يذهبون من الصباح ليعملون يبذلون جهدهم لكن أفترض أن أفكارهم ليست عالية لذلك فشلوا في ذاك المورد وذاك المورد .
يحتاج الشخص أن يمارس القسط ، يمارس العدل ، الإنصاف مع الآخرين أما لا يسوى والفلس أعظم منه قيمة  هذا ليس صحيحا .
الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء في مقابل شمر ،شمر بن ذي الجوشن هو الذي حز رأس الحسين عليه السلام على المشهور ، هو الذي كان يضرب الأطفال والنساء في المسير ، قبل ذلك هو الذي فجر الحرب يوم العاشر لأنه كان موجود إلى اليوم الثامن في الكوفة ،فقال لعبيد الله ابن زياد يا ابن زياد أنت غافل والحسين هناك في كربلاء يحفر الآبار ويشرب الماء، ولديه في كل ليلة جلسة مسامرة مع عمر بن سعد ....، وإلى متى ؟ قال له ابن زياد إذن ما لعمل قال شمر اكتب له رسالة ، فكتب ابن زياد رسالة إلى عمر بن سعد وأعطاها بيد شمر بن ذي الجوشن يقول فيها ( لقد بلغني أن الحسين يحفر  الآبار وأنك تتسامر معه فإذا وصلك كتاب هذا فناجز الحسين الحرب والقتال فإن أبيت فحامل هذا الكتاب شمر هو على الجيش ) ناجز يعني الآن ، حرب ناجزة  ، فعلية  ، بالتالي هو الذي حرك القضية لقتل الحسين عليه السلام .
مع ذلك عندما جاء  شمر إلى معسكر الحسين في ليلة العاشر من المحرم والعباس تأثم أن يرد عليه الجواب بالرغم من المواقف التي وقفها وهي من أوضح وأجلى مصاديق الفسق ، فنادى أين ابن أختنا أين العباس وأخوته ،لأن شمر بن ذي الجوشن الضبابي الكلابي ، فاطمة بنت حزام الكلابية ، فهم يلتقون في القبيلة (كلاب) ، ابن أختنا ليست بالأخت الحقيقية وإنما من الأقارب ، حتى يقرب المسافة قال أين بنو أختنا ، أين العباس وأخوته ، فالعباس سكت لم يرد عليه ، رأى أن هذا بدوره القذر لا يستحق جوابا .
الإمام الحسين حتى يقدم إلينا هذا النموذج  قال لأبي الفضل ، أبا الفضل أجبه وإن كان فاسقا ..

 

مرات العرض: 3412
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2574) حجم الملف: 22737.87 KB
تشغيل:

لماذا تستقطب الاتجاهات المتطرفة الناس ؟
الأسرة بين العفاف  والخيانة الزوجية