المجتمعات حين تسقط نفسها
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/1/1435 هـ
تعريف:

   المجتمعات حين تسقط نفسها

                 قال الله تعالى في كتابه الكريم

                    بسم الله الرحمن الرحيم

(ولاتقف ماليس لك به علم أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)

حديثنا عن ظاهرة قد تحدث في بعض المجتمعات عندما تقوم بأسقاط نفسها من خلال إسقاط رموزها وقيادتها وكبارها. بعض المجتمعات وهي المتقدمة غالباً تحول الإنسان الصغير إلى كبير عبر تشجيع وبرنامج وتصنع من مشروع القائد قائد بالفعل ومن صاحب الإنجاز المستقبلي إلى منجز حالي ولذلك تنطلق في هذه المجتمعات الطاقات ويكبر الصغار ضمن فترة قصيرة ويتكاثر فيها القادة والرموز والشخصيات في مقابل ذلك نجد مجتمعات ليس فقط لاتشجع هذه الحالة وإنما تأدّ القائد بالفعل وتغطي على صاحب المشروع الفعلي فضلاً عن إنها لاتعينه ولاتساعده ولذلك تجد بالرغم من وجود الأمكانيات الهائلة الموجودة في مجتمعاتنا المسلمة إلا أنك تلحظ أن هذه المجتمعات الغالب أنها ترواح مكانها بل أن صاحب العلم وصاحب القدرة أذا أراد أن ينتج أنتاجاً استثنائياً لابد أن يقوم بالهجرة من بلده إلى الخارج عشرات ألألاف من الأطباء المتخصصين ومن المهندسين على الدرجات العليا في أمريكا وأروبا .أحد أهم تلك الأسباب أن هؤلاء لايجدون مجتمع يقدرهم ويرفعهم أولا يعيقهم على الأقل هم نكرات ومغمورون في مجتمعاتهم  المسلمة لايوجد إلا مجموعة من الأشخاص المرتبطين غالباً بالوضع السياسي أوالوضع الإجتماعي الخاص وإلا الباقي ليس كذلك فهناك فرق بين مجتمعين مجتمع ينمي مشروع القائد ليصبح قائد بالفعل وبين مجتمع يسلب القائد الفعلي أمكانات ممارسة قيادته في عصور الإسلام الأولى. تجارب كثيرة واحدة منها ماقام به النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله من تقديم أسامة بن زيد حيث كان عمره ثمانية عشر سنة في هذه الأيام خريج ثانوية لايُعبأ به في الكثير من الأحيان ولكن رسول الله جعله قائداً عاماً للقوات المسلحة الإسلامية.

هذا الذي لديه إمكانية القيادة يتحول الى قائد بالفعل وأسامة كان من البيئة العادية يعني ماكان من بيت رسول الله ولامن ضمن الدائرة الهاشمية صحيح كان أبوه زيد بن حارثة الذي  له منزلة عند النبي صلى الله عليه وآله ولكن النبي يريد أن يعلّم المسلمين ان العمر والنسب وماشابه ذلك لايكون العامل الأول في مثل هذه الموارد وإنما اختاره رسول الله لما توسمه فيه من صفات قيادية جعلته في هذا الموضع .الشئ الأسوأ الذي يمكن أن نراه في مجتمعنا هوالإسقاط حالات الإسقاط ومايسمى بإغتيال الشخصيات وهذا لايقتصر على الجانب السياسي بل حتى في الجانب الإجتماعي يعني من الممكن أنا وأنت أن نمارسه كلاّ في إطاره هذه النقطة يجب الألتفات إليها وتسليط الأضواء عليها

من المهم أن نسعى لأنهاض المجتمع وأن نتجنب حالات الأسقاط لشخصياته لقياداته، لمفكريه ،ولعلمائه، ولكفاءاته .حتى يصبح هذا المجتمع ليس فقط منتجاً للمبدعين بل رافعاً لمن ليس كذلك

مما يمارس أحياناً في إسقاط الشخص ،اختصار الشخص في موقف أوكلمة .

إسقاط الشخص إجتماعياً أسهل من إسقاط الأفكار . أسقاط الشخص ماعليك ألا ان تقول عنه شئ سيئ وينتهي أمره و إما إسقاط الفكرة فأمرها يطول لابد أن تعرض فكرته وتناقشها وبالتالي يمكن أن يختلف الناس عليك اما إذا قلت هذا الإنسان سيئ لأنه من الطائفة الفلانية أومن الجماعة الفلانية أومن المرجعية الفلانية هنا لم تتورط في أمر مثل مناقشة الأفكاروكذلك يمكن ان يختصر الشخص في موقف .

زيد من الناس له تاريخ له إنتاج له عمل. فكره من أفكاره كان فيها خاطئ ممارسة من ممارساته كان فيها مشتبهاً عمل من أعماله كان فاشلاً أنا أربط بين ذلك الشخص وبين ذلك الفاشل الفكري أوالعملي واجعله صبغة له .

 هذا زيد من الناس هوالذي يقول كذا وكذا طيب هذا خلف تراث فكري خمسين ستين سنة إنتاج فكري علمي (لاهذه كله اجعله على جانب)هذا صاحب الفكرة الفلانية إذاً يسقط.

 فلان قائد محنك واحب أنجازات يخفق في موضوع معين نقول عنه هذا صاحب الفشل الفلاني طيب خلفه تاريخ من النجاح .لابل نربطه بهذا الشئ القبيح المشوه حتى يسقط وهذا يحدث على مستوى الآفراد وكذلك على مستوى الجماعات .

واحد مثلاُ يريد أن يُكره السنة وأتباع مدرسة الخلفاء إلى الشيعة ماذا يقول هؤلاء الذين هم ضد علي بن أبي طالب خلاص انتهى.. هؤلاء ليسوا كتلة صماء فكرة أنهم ضد ليست صحيحة ولكن المقصودة هو إسقاط هذه الفئة أو العكس .الشيعة من هم يقال هم الذين يألهون علي بن أبي طالب.

إذا أراد فرد إسقاط فرد أو أسقاط فكر أو أسقاط جهة يختصره في شئ واحد ويختار الشئ القبيح وربما كان كذباً. نحن بعض الأحيان نمارس هذامثلاً أتكلم عن عالم من العلماء أريد أفصل الناس عن هذا العالم لا أقول أن هذا العالم يحمل الأفكار الفلانية الجيدة أوالكتب الفلانية الممتازه وإنما أنتقي فكره واحدة من تلك الأفكار التي ربما يكون مخطئاً فيها فأصبغ فيها كل شخصية هذا العالم هو الذي يقول كذا وكذا ماعنده غير هذا القول عمره ستون سنة سبعون سنة ماتكلم بكلمة إلا هذا الكلام ليس له تاريخ فكري ولاثقافي ولا إنتاج.

 فأول ممارسة في إسقاط الشخصيات والكفاءات أن نختصرها في موقف أو كلمة أو رأي وننتقي الشئ الذي يكون عند السامع سيئاً.

الأمر الثاني: الدخول على عالم النيات إذا أراد شخص أن يسقط آخر في المجتمع ماذا يقول .يقول:هذا مثلاً يريد تغريب المجتمع هذا يريد تغييب الدين هذا يريد الكيد للإسلام والمذهب .

كلمة يريد ماذا تعني بها ؟ الأرادة شيئ قلبي الذي يعلمها هوالله سبحانه وتعالى أن الله عليم بذات الصدور.

هذه الأرادة  يريد ينوي يستهدف هذه أفعال قلبية لاتستطيع الجزم بأن فلان من الناس يريد كذا وكذا حتى إذا هو أخبرك ليس بالضرورة أن تتقين أن كلامه صحيح ربما أخطأ في التعبير عن إرادته .فهناك من الناس يدخلون على عالم النيات ويحاولون بهذا إسقاط شخصيات الآخرين .

الأمر الثالث: الذي يجر إلى أسقاط مايعبر عنه إنه (أساء سمعاً فأساء أجابة) كم نحتاج أيها الأخوة والأخوات إلى التدقيق في الكلام قبل إتخاذ الموقف دقق في الكلام ماذا قال بالضبط بل في أي سياق قيل هذا الكلام لأن كثير من القضايا والمنازعات راجعة إلى عدم الدقة في الكلام .الآن أنا أتحدث لو سألت أربعة أشخاص من الذين خرجوا عن فكرة واحدة قلتها أنا أويقولها غيري ماذا قيل ترى أن هؤلاء الأربعة يختلفون على أربعة إتجاهات هذا يأتي بها بشكل كبير وذاك بشكل مختصر ذاك بشكل موافق وذاك بشكل مخالف هذا أمر طبيعي ولكن إذا أردت أن ترتب أثر على هذا وتتخذ موقف لابد أن تكون دقيق هل قال هذا الكلام أم لا في أي سياق قاله أما إذا كان يريد في بعض الأحيان شخص يقول كلام وآخر يسمعه أويفهمه بشكل آخر هنا تقع المشكله..

يقال هناك فليسوف جاء إلى قرية وقال أريد ان امتحن أهل هذه القرية أرى من هو أعلم واحد في القرية ولكن أختباري وإمتحاني على أساس الأشارة فقط بدون كلام أنا أُأشر أشارة وهو يجيب بالأشارة كذلك.

أكثر الحاضرين قالوا نحن لانعرف هذه الطريقة كيف نفهم ماتريد من خلال الإشارة واحد من القرية عنده تغفيل (قليل الفهم) قال أنا حاضر له حاولوا يثنوه عن ذلك أنت في الأمور السهلة البسيطة لا تفهم لها فكيف بالإشارة قال لا عليكم، جاء الفيلسوف ورسم دائرة هذا الرجل عمل خط في الدائرة نصفها نصفين الفيلسوف تعجب .أخرج الفيلسوف من جيبه برتقالة هذا الرجل أخرج من جيبه بصلة هذا رفع حاجبيه أحترام وقام واقفاً ماهذه العقلية الكبيرة والناس متعجبين ثم أشار له أمام عينه والرجل أشار له كذلك أمام عينه الفيلسوف أكبره وزاد في إعجابه الفيلسوف أشار نحو السماء الرجل أشار إلى الأسفل فقام الفيلسوف يقبل جبين هذا الرجل وقال هذا عالم كبير لاتضيعوه سألوا الفيلسوف مالذي سألته وهو بماذا أجاب قال أنا رسمت له دائرة وأُريد بذلك أن أسأله هل الأرض كلها يابسة أم فيها ماء فهو خطا خطاً في الوسط يعني أنها نصفها يابس ونصفها ماء وهذا فهم ممتاز ثم أخرجت له برتقالة أقول له هل الأرض هكذا مصمتة كتلة واحدة فأخرج لي بصلة أي أنها طبقات مثل قشر البصل، أشرت له من الذي خلق السماء فأشار إلى الأرض أي هو نفسه الذي خلق الأرض .ثم ذهبوا إلى ذاك الرجل ماهي الأسئلة التي سألك الفيلسوف قال لهم : قال لي إنه يأكل رغيف كامل قلت له أستطيع أكل نصف رغيف وأبقي إلى آخر النهار أخرج لي برتقالة يقول أنها تكفيه طول النهار فأخرجت له بصلة قلت أنا تكفيني بصلة ثم أشرّ على عيني يريد أن يفقأ عيني فأشرت له أنا أفقأ عينيك  ثم أشار لي إنه سيرفعني إلى فوق فأشرت إليه أني سأجلد بك الأرض .

هذا أين يتكلم وهذا أين ؟ فلا يكون الإنسان (أساء سمعاً فأساء إجابة ) يرى ظاهر الكلام لا يفهمه ذكرنا سابقاً أن أحد الأشخاص كان يلعن ملا صدره (صدرالمتألهين)أحد فلاسفة الإسلام سأله أحدهم لماذا تلعنه تعرفه قال:لا اذاً لما تلعنه قال لأنه يقول بوحدة واجب الوجود مايفهم النظرية واجب الوجود هوالله لابد أن يكون واحد هوسمع كلام لم يفهمه يحتاج الإنسان في الكلمات في الأفكار في التوجهات أن يفهم. أذن إسقاط الشخصيات سواء كانت دينية ،سياسية ،علميــة ،أجتماعـية  .أسبابها إما أنه يختصر الشخصية في مفردة من المفردات أو إنه يدُين نيته وهولايعلمها أولأنه لم يسمع أويفهم كلمته بشكل دقيق. إذاً ماهو المطلوب في المقابل؟

أولاً : يجب أن نتحقق ونتأكد من دقة الكلام لاسيما في هذه الأزمنة يومياً تأتي لنا عبر الوتساب والفيس بوك وتويتر عبروسائل الاتصال كلمات وآراء وخطب لايعلم من أين مصدرها لابد أن يكون المصدر دقيق  لأنه قد يترتب على ذلك أثر عملي لأنه قد يتورط الإنسان في أمور نتيجة أن المصدر لم يكن صحيح ليس كل مصدر نثق به. بعض الناس بمجرد أن يأتيه أي خبر أومعلومة نسخ ولصقه وبعثه للآخرين لاسيما إذا كان الأمر يرتبط بالأخرين فيه هتك لمؤمن إسقاط لشخصية محترمة فيه تعدي على مسلم لاينبغي للإنسان أن يصنع ذلك .

نحن في الأصل عندنا مشكلة في أن المجتمع لا يشجع القيادات والكفاءات ثم تأتي إلى من لديه شخصية ولديه قدرة وكفاءة ونسفهه أذن لابد أن نتأكد من الكلام ونتأكد في أي سياق جاء هذا الكلام .

ثانياً:لانختصرالأفراد إلا فيما نعلمه عنهم مثلاً فلان أعرف عنه عشر معلومات هذه ليست كل حياته هذه ليست كل شخصيته شخصيته عالم آخر لا أعرفه قد لايشكل نصف واحد في المئة من شخصيته فأنا لا أستطيع أن أحكم عليه إلابنسبة معرفتي إليه لاسيما في جهة الإسقاط أما في جهة الثناء فالإنسان مأمور بحسن الظن بالآخرين .فنحن نحتاج مثل هذه الأخلاقيات حتى نحقق ماجاء في الآية الكريمة (ولاتقف ماليس لك به علم إن السمع والبصروالفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً)

كل هذه منافذ للعلم نحن مسؤلون عنها (العلم أتبع)إما علم رأيت إما علم سمعت شيء متأكد منه إما من الفؤاد كالقضايا التحليلية القضايا الكليات والعقليات هذه منافذ العلم أنت مسؤول عن الإستفاده منها وعن حسن إستخدامها .

نسأل الله ان يتفضل علينا وإياكم وأن نكون في مستوى مكارم الأخلاق وهي جوهر الرسالة المحمدية .قسم من الناس يتصورون أن الرسالة هي عقائد.الرسالة فيها عقائد وفيها شريعة وفيها أخلاق وهناك ارتباط وثيق بين هذا المثلث وليس هناك إنفصال بينهم منظومة واحدة مرتبطة . وهذا مايمكن أن ندرسه من نهضة الإمام الحسين لأنه خرج من أجل إقامة هذه الشريعة بتمامها وكمالها ولذلك ركز في خطبه على الجوانب الأخلاقية التي ينبغي أن يلتزم بها الإنسان المسلم.

دفعوا صلوات الله عليهم حياتهم الشريفة وبذلوا دمائهم من أجل هذه الشريعة شيب وشباب صغار وكبار ومن أولئك كان القاسم أبن الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليهما الإمام الحسن  شارك من أبنائه في كربلاء عبدالله بن الحسن، أبوبكر بن الحسن وقيل هو نفسه عبد الله ويكنى بأبي بكر،الحسن بن الحسن المعروف بالمثنى ، والقاسم بن الحسن الشهيد الذي لم يبلغ الحلم كان صغير السن ولكن كبير الوعي و الأراده عليه السلام.

 

 

 

 

مرات العرض: 3414
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2576) حجم الملف: 16995.52 KB
تشغيل:

بناء الأمل في بيئة الإحباط
 المجتمع الشيعي و السمعة الحسنة