الشيخ الزنجانيْ عَبقرية مَجهُولة
تصحيح الأخت الفاضلة سلمى آل حمود
قال النبي (صَلى الله عليه وآله): « ارحموا ثلاثة ، وحقّ أن يرحموا : عزيزاً ذلّ من بعد عزّه ، وغنيّاً افتقر من بعد غناه ,وعالماً ضاع في زمن جهّال ». في هذا الحديث الشريف المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله إذ يذكر الرسول الكريم ثلاث فئات من الناس تستحق الرحمة والاحترام وتوقير جانبها ..
فئاتْ تستحق الرَّحمة.
أحد تلك الفئات هي الشخصيات العزيزة كرَجل له مكانه اجْتماعية و كان ذا شخصيّة مُهمة ولكن على أثر ظروف ألمت به زال عنه ذلك العز وانتهت عنه تلك الحالة من الجَاه الاجتماعي فأصبَح بالقياس إلى تلك الفترة ذليلاً أو بفعل فاعل كسلطة أذلت إنسان عزيز مثلاً فهذا يستحق الرّحمة والنظر بعين الاحترام و لا تكن قاسياً عليه.
والآخر، غنياً افتقر من بعد غناه أيّ أنّه كان يملك بحبوحة منْ العيش ووفرة من المَال لاسيما إن كان من حلة و تغيرت الظرُوف، فانكسرت تجارته أو خسر اسهمه فتحطم وضعه الاقتصادي، و افتقر فهذا يَحتاج لرحمة و لا يكون الانسان قاسياً عليه في الانتقاد أو المُعاملة وإنما يسعى الانسان بأن يُفرج عن كربه الموجودة لديه بشيء من الاحترام فذلك يُعوض عليه ما خسره من المَال بشيء من الاحترام والتقدير.
الطائفة الثالثة، هو العالم الذي يَضيع بين جُهال أو في زمن جهال. يحصل أحياناً أن عبقرياً من العباقرة كان عالماً كبيراً من العُلماء، ويوجد في غير زمانه أو في بيئة غير بيئته فهَذا تعظُم عليه المُصيبة في أن هذا العلم وهذه العبقرية وهذه المعرفة لا تجد لها سوقاً أو أحداً ينتفع بها، فهذا ينبغي أن يوقر جانبه.
و من مصاديق الفئة الثالثة نجد أحد عُلمائنا الأعاظم الذي جُهل قدره وشأنه ورُبما إلى الآن لم يسمع الكثير باسمه مع جلالة شأنه وعظمة دوره أو إذا سَمعوا باسمه لم يتعرفوا على شخصيّته.
سيرة الشيخ عبد الكريم الزنجاني
العالم العظيم الشيخ عبد الكريم الزنجاني المتولد في النجف والمتوفى سنة 1388 هـ. هذا العالم فعلاً يعتبر من مصاديق الفئة الثالثة، فهو العالم العميق في علمه والمُهم في دَوره ولكنْ الزمان الذي عاش فيه لم يفهمه ولم يتفهمه فاصبح مهجوراً بل أصبح متجنباً كما سيأتي الحديث عنه.
هذا العَالم دَرس ضمن الأطر المَعروفة وكان يتميز بحدة الذكاء وبالنبوغ المُبكر، لذلك قيل إنه بلغ الاجتهاد في الفقه والأصول قبل أن يصل إلى سن 30 من العمرْ.
وقد درس على يد أعاظم الطائفة من أمثال السيد كاظم اليزدي صَاحب كتاب العُروة الوثقى ومن أمثال شيخ الشريعة الأصفهاني المُدرس القدير السيد محمد الفيروز أبادي. له أيضاً شرُوح استدلالية في الفقه بعضها على العروة الوثقى.
نجد أيضاً بالنسبة للفلسفة والدرس الفلسفيْ حيثُ قيل أن أعاظم المراجع الذين قلدوا في المنطقة أنّه درس الفلسفة على يده لبرهة من الزمان، إذ كان الغالب عليه أنّه عُرف بهذا الجانب. ذكر بعض المترجمين لشخصيته أنه عندما ظهرَت نظرية أينشتاين و هي النظرية النسبيّة فكان الذين يفهمون النظرية بكافة جوانبها عددٌ قليل وكان الزنجاني من بينهم فهمها فهماً جيداً فكان له مُلاحظات ومناقشات عليها بالذات في ما يسمى بالبعد الرابع وقد قيل أنه أرسل هذه المناقشات والملاحظات عبر أحد الباكستانيين المُقيمين في الخارج إلى صاحب النظرية ولقيت استحسان وثناء مُؤسس هذه النظرية ومنشأها.
وكان له اهتمامٌ سياسي مُتميز في وقت كان أمر الاهتمام بالسياسة في الحَوزة العلمية يُعتبر مثلبة ومنقصة ورُبما يعد اتهاماً على عكس هذه الأزمنة إذ أصبح شبه عَادي أن يهتم العُلماء بالسياسة ويُمارسونها ويتدخلون فيها لكننا نتحدث عن سنة 1936 ميلادية يعني قبل 80 سنة من الزمان والذي كان إلى قبل فترة ليست ببعيدة رُبما 45 سنة أقل من ذلك أو أكثر وكانت الحَوزة العلميّة لم تكن تألف أو ترحب، وحتى عامة الناس لمْ يكونوا يرحبوا بمن يتناول الشأن السياسي بل إن أردت أن تُهون من شأن عالم من العلماء تقول : إنه مُهتم بالسياسة وكأنه ليس ذاك العالم الذي ينبغي أن يُحترم وهذا قبل 40 أو 50 سنة، فما بالك ب 80 سنة إذ كان الشيخ الزنجاني رحمة الله تعالى عليه له مَعرفة سياسية و أدوارٌ عملية أيضاً كما فهمها وشخصها.
أصعدَة ثلاثة عمل عليها الزنجاني
في ذلك الزمان رأى أن هُناك ثلاثة أصعدة يُمكن أن يتحرك فيها الأول : الصّعيد الإسلامي العام. والصعيد الثاني هو : الصعيد العربي. والصعيد الثالث: الصعيد المحلي العراقي باعتبار أنه من مواليد النجف الأشرف.
الصعيد الأول.
بالنسبة للصعيد الأول هو الإسلامي، وكان أحد أهم المشاكل التي تعترض طريق الأمة الاسلامية هي مُشكلة التفرقة المذهبية وأن هذه الامة كلما أرادت النهوض، قام المستعمر أو الجَهلة من أبناء الأمة بإحداث فتنة طائفية بين أبناءها فبدلاً من أن تتحد الأمة وأن تسلك طريقها نحو التقدم والتنمية، يكون اهتمامها في الصراع بين المذهبين الأساسيين فيها ويكون بأسها فيما بينها حيث لا تكون قوتها في مجال العمران والتقدم والتنمية. فإذن، الحل في رأيه بأن يَكون هُناك سعيٌ باتجاه تخفيفْ التشنجات وباتجاه تحقيق الوحدة بين جمهور المسلمين..
فتحرك على هذا الصّعيد فترَاسل أولاً مع شيخ الأزهر وهو الشيخ محمد مُصطفى المراغي سنة 1353 هـ قبلَ ثمانين سنة على أثر مُشكلة حَدثت بين الشيعة والسنة في شمال الهند، و في تلك الفترة كان هناك سعياً من المسلمين للاستقلال عن الهند وتشكيل الدولة و دولة باكستان واعتمادها كبلد للمسلمين والتحرك على هذا الاساس البريطانيون كانوا هناك حاضرين.
كما قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: كم نكبة تحطم الإسلام والعرب كان الانجليز أصلها. فَتش عن السبب وقام البريطانيون لإعاقة هذه الحَركات الاستقلالية الإسلامية بافتعال فتنة بين الشيعة والسنة كادت أن تجر لحرب بين الطائفتين حتى وصلت الأخبار إلى الشيخ الإمام الزنجاني، فتواصل مع شيخ جامع الأزهر وتحدث معه لإطفاء هذه الفتنة. و الأزهر باعتبار موقعيته الدينية في الوسط السني كان يستطيع أن يؤثر، والحَوزة العلمية في النجف باعتبار تأثيرها في الوسط الشيعي تستطيع أن تؤثر بالشيعة وتطفأ هذه النائرة وهذه الفتنة. وفي أثناء هذا التواصل، طرح الإمام الزنجاني رحمة الله عليه فكرة تشكيل مجلس إسلامي أعلى و يضم كبار علماء الشيعة أو ممثليهم ويضم علماء السنة أو من يعينه الأزهر وهذا ينعقد بصورة مستمرة للقضاء على الفتن والتخطيط المشترك لطائفتين. هذه كفكرة، رحب بها الشيخ المراغي وهو شيخ الأزهر، ثم سافرَ الإمام الزنجاني لمصر لأجل هذا المسعى و لتوطيد الوحدة الاسلامية والتواصل بين الحوزة العلمية في النجف والجامع الازهر، والسعي لتشكيل المجلس الإسلامي الأعلى الذي يقضي على الفتن والمؤامرات. ولقي الشيخ عبد الكريم الزنجاني الذي سافر لمصر لهذا الغرض سنة 1355 هـ استقبالاً كبير وترحيب حافلاً وأعد له الأزهر محاضرةً دعا لها كبار شخصيات مصر من علماء، أدباء، مفكرين، مثقفين، شعراء، مدرسي الجامع الازهر، و كبار الشخصيات والتي سجلت تاريخياً في كتاب اسمُه ( رحلة الإمام الزنجاني إلى مصر)..
في هذا المجلس دُعيَ الشيخ الزنجاني للإلقاء وكان خطيباً مفوهاً وقوياً، بالإضافة إلى علميته الفائقة فطرح فكرة فلسفية كانت في تلك الفترة حديثة الطرح و ساخنة، و لاتزال نظرية أينشتاين تتموج في العالم باعتبار أنّه أحدث النظريات فقام الشيخ عبد الكريم الزنجاني بعقد مُقارنة في هذا المجال بما يسمى البعد الرابع من النظرية النسبية، فعقد مُقارنة بين رأي صدر المتألهين الشيرازي الفيلسوف المعروف وبين نظرية آينشتاين، وبيّن مواضع للملاحظة على كل منْ الملاحظتين.
هو وضح رأي كل واحد منهُم وقارن، ثم أبْدى رأيه فيها وكان هذا بالنسبة للحاضرين شيئاً فوق التصَور أنّ عالماً إسلامي ديني في النجف الاشرف والتي يتصور الناس أن علماء النجف في آخر الدنيا وبعيدين عن هذه الأمور، فيتحدث عن نظرية هي الأحدث والأقوى في ذلك الوقت ويشرحها ويقارن بينها وبين نظرية أخرى ويبدي رأيه في المسألتين إذ كان هذا شيئاً عجيباً بالنسبة للحاضرين.
إعجاب الدكتور طه حسين بفكر الإمام الزنجاني.
بعد ساعتين من الإلقاء كان من جملة الحُضور طه حسين عميد الفكر العَربي وخريج السور بون وأحَد القامات الفكرية المُهمة في مصر، والدكتور محمد وجدي صاحب دائرة معارف القرن العشرين كان أحد الشخصيات العلمية المهمة، كذلك شيوخ الأزهر والكُتّاب والأدباء متواجدون في هذا الجمع، و ما إن انتهى الإمام الزنجاني من طرح تلك المحاضرة إلا وطه حسين وكان كفيفاً يقول لقائده: خذ بيدي إلى هذا الحبر العظيم، و التقى طه حسين مع الشيخ الزنجاني وأخذ يد الشيخ الزنجاني وقبلها وقال طه حسين: بعد يد والدي هذه أول وآخر يد أقبلها احتراماً للعلم وإجلالاً للمعرفة، ولقد ظننتني أسمع الى ابن سينا قد بُعث من جَديد. وكان يقول طه حسين: لم أكن أتصور أنّ هناك أحداً يستطيع أن يتحدث بهذا العُمق من الناحية العلمية والسلاسة والبيان من الناحية الأدبية.
استُقبل الشيخ الزنجاني في مصْر منْ قبل مُختلف الطبقات استقبالاً رائعاً، وكان الشيخ الزنجاني بالإضافة إلى هذه القضية بين قضايا وأصول التشيع وأن لا يوجد اختلافات تؤدي إلى التشاحن والتفارق وإنما هذه الأمة أمة واحدة لها دين واحد وقبلة واحدة والاختلافات تحدث بين أبناءها.
أحدثت محاضراته ضجة في مصر فاستمر مُدة من الزمان في مصْر لتشكيل مَجلسٌ إسلامي أعلى لتوحيد كلمة المسلمين. فأول صعيد اشتغل عليه كان الأمة الإسلامية وأنها لكي تنهض لابد أن تتغلب على إشكاليات التفرقة وأن لا تنشغل بالحُروب الداخلية عن التقدم والمعرفة هذا الصعيد الأول الصعيد الاسلامي.
الصعيد الثاني.
الصعيد الثاني : هو الصعيد العَربي في قضيّة فلسطينْ، فعندما يتحَدث فيها العُلماء والسياسيون عن ذلك فهذا أمرٌ طبيعي جداً لأن الاهتمام بالشؤون السياسية أصبح أمراً طبيعياً جداً ولأن قضية فلسطين دخلت إلى الذهنية العامة العربية والإسلامية، لكن قبل 80 سنة من الزمان لم يكن الأمر هكذا ولكن مع ذلك رأى الشيخ الجليل الزنجاني والعبقري أن هناك تخطيطاً من قبل الغرب وبالذات من قبل البريطانيين لتسليم فلسطين لليهود والسيطرة عليها فانتهضَ للقيام بما يمكنه القيام به، ولكن الشيخ الزنجاني لم تكن لديه مرجعية و كانت لديه قدرة على الحديث والحشد والتواصل وعلى بناء العلاقات فكان يتحرك ضمن اطار قدرته.
ولهَذا عزم سنة 1936 م على أن يَذهب لفلسطين فيْ وقت قد نضّج البريطانيون قضية تسليم فلسطين لليهود التي توجت سنة 48 م، و لأجل هذا ولأجل تحشيد الفلسطينيين وتعضيد موقفهم والاحتجاج على هذا المسعى الإنجليزي والأوربي، قام الشيخ عبد الكريم الزنجاني وأعلن عن نيته لذهاب للقدس فوصَل الخبر لفلسطين.
أرسلَ السيد أمين الحُسيني رسالة للإمام الزنجاني: ونصَحه بعدمْ المجيء نظراً لأن العصابات الصهيونية ( كعصابة الهاغانا ) وغيرها من العصابات بدأت تعمل على الاغتيالات وإن قدمت الى فلسطين لا نستطيع تأمين الحماية وبالتالي لو تعرضت للاغتيال لا نستطيع الحماية وبالتالي تكون خسارة للعَالم الإسلامي، و نحن موجودين في فلسطين نستطيع تدبير أمورنا لكن من الصعب أن تأتي إلى فلسطين وبالتالي نخشى عليك ونظن أن هؤلاء قد يستهدفونك. رفض الشيخ الزنجاني طلب السيد أمين الحُسيني وقال هذا تكليفي ولو تعرضت لشيء فأنا إن شاء الله شهَيد، وذهب من العراق إلى القدس وهناك ألقى خطابات كثيرة في تل أبيب التي كانت في ذلك الوقت لاتزال قرية صغيرة وألقى في القدس وكان حاصل كلامه عدة اتجاهات: أننا نحن لسنا ضد اليهود كدينْ إذا تعايشوا مع إخوانهم المُسلمين على قدم المساواة، و ليست هناك مشكلة فهم يعيشون مَعنا في العراق، ولكننا ضد الصهيونية كمشروع سياسي يريد طرد الفلسطينيين من أرضهم ويستبدلهم بأشخاص من مختلف أصقاع العالم فيجلبهم من كل مكان، ونحن ضد هذا الأمر ولا نقبله من الناحية الدينية.
أيضاً، كان يركز على عدم جَواز بل حُرمة بيعْ الفلسطينيين لأراضيهم لليهود مَهما بلغت الأثمان نظراً لامتلاك اليهود مقابل الأثمان ومُساعدة الاستعمار لهم، وإذا باع الفلسطيني أرضه ومزرعته لليهودي سيأتي يومٌ لا يمتلك الفلسطيني شيءٌ يتمسك به في هذا المكان من مُلك ونحُوه فعدَّ بيعْ الأراضي نوعٌ من مُحاربة الله ورسوله و لا يجوز.
بالإضافة إلى ذلك، اشتغل على إنشَاء تواصُل بين مُسلمي فلسطين والمُسلمين خارج فلسطين فدعا سائر المسلمين لذهاب لفلسطين. ذهب للأردن وطلبَ منهم ذلك وحثهم على زيارة الأراضي الفلسطينية لتقويتهم، وكذلك في مصر والعراق وشجع على زيارَة فلسطينْ فهناك المَسجد الأقصى من ناحية دينية ومن ناحية أخرى وضح لهم بأنّه: إن أحببتم تواصلكم يقوي جانب المسلمين في فلسطين ويدعم إسلامية هذا البلد. أكثر من هذا، كان لديه تواصل مع الحُكومة العراقية فطلب من الحُكومة العراقية في ذلك الوقت بالذات و في زمانْ الملكية طلبَ منهم أن يُعلنوا الجهاد وقال: نحن حاضرون أن نجند الناس بالذات بعد أن اشتد الأمر وإسرائيل بدأت في قتل الفلسطينيين وبدأت نذر الحَرب.
فدعا الحُكومة العراقية لتعلن أمر الجهاد وقال: نحنُ العلماء حاضرينْ بأنْ نجند الناس ونقنعهُم للقتال لاستخلاص الأرض المُغتصبة والسليبة. في الواقع، هذا الكلام إذا قلناه في هذه الأيام يعتبر أمراً طبيعياً و لكن في تلك الفترة ما يقارب قبل 70 سنة وقريب من ذلك، فهذا ينبئ عن نظرة ثاقبة للمستقبل ونظرة دقيقة للأمور كان يمتلكها هذا الشيخ رحمة الله عليه. فهذا كان بالنسبة للمستوى العربي.
الصعيد الثالث.
الصعيد الثالث: هو المَحلي إذ أعلن الشيخ الزنجاني مَوقفه تجاه الشيوعية بشكل صَريح و ذكرنا ذلك في ليال مضتْ وهو أن الشيوعية كانت في تلك الفترات والحزب الشيوعي في العراق بدأوا يعملون عمل مكثف وتوغل ذلك العمل في أبناء الشعب العراقي والشباب حتى أنّ بعض التقارير تقول ولو تقديرية ولو مبالغة وإن كانت تعكس جانباً من الموضوع، بعض التقارير تفيد أنّه 50% تقريباً من الشباب العراقي كانت لديهم توجهات بالنسبة للحالة الشيوعية. قد يكون فيه مبالغة إلا أنه يعكس استشراء وتفاقم الوضع في توغل الحركة الشيوعية في الشباب.
هنا جاء الإمام الزنجاني رحمه الله يتحدث عن الشيوعية والاشتراكية، ولم يكن ذلك فقط على مستوى الفتوى وأن هذه كفر والحاد وأنها تناقض الأديان، بل أصدر فتوى في ذلك على مستوى آخر معرفي وهو أنه نقد النظرية الاشتراكية في الاقتصاد وقال: أن هذه النظرية تبتلى بهذه الإشكالات الاقتصادية والتي تنتهي الى الإخفاق إذ أن أي دولة تطبق الاشتراكية كما تريدها الشيوعية سوف تنتهي إلى الإخفاق. وهكذا كحالة سياسية أيضاً فهي نظرية غير مناسبة بالإضافة إلى أنها تصَادم الفطرَة الإنسانية و التي تعْتقد بالدين وبالله عزّ وجلْ وترى في الدينْ مَصدر أمان واستقرار سياسيْ واجتماعيْ.
فاشتغل فيْ هذا المَجال هذا الشيخ الجليل بهذه الدرجة من الإمكانات الكبيرَة وتعرّضَ لحملة تسقيط اجتماعيْ حتى َصار مصداق من مصاديق الحَديث الشريف « ارحموا ثلاثة ، وحقّ أن يرحموا : عزيزاً ذلّ من بعد عزّه ، وغنيّاً افتقر من بعد غناه ,وعالماً ضاع في زمن جهّال ».
(عالم ضاع في زمن جهال)
على أثر الحَملة التسقيطية والاتهام السيء التي قامت به أكثر من جهة من الجهات، صَار هذا العَالم الجليل الذي كان يمكن لو كانت الأوضاع عادية أنْ ينفع الأمة والطائفة نفعاً كبيراً إلا أنه أصبح بعد الحملة المُقامة ضده مضطراً لإلغاء درسه الفلسفي وأن يفترق عنه تلامذته حتى قال الشيخ محمد جواد مغنيه: أنا رأيته في النجف وهو عالم جليل لكن تفرق عنه الناس يعني الطلبة لأن طالب العلم إذا سمع الكلام والدعايات قد ينفصل عن هذا الانسان. فاشتغل على اسقاطه عدة جهات وهذا من العجيب.الجماعات التي سعت لإسقاط الشيخ الزنجاني :
أولاً: الجماعة الذين يعادون التوجه الوحدوي في الأمة هم الذين اشتغلوا على تسقيطه وادعوا بأنه غيرُ شيعي وإنما هو سني.
ففي حَال إذا أْصْبح لأحداً توجهات وحودية فإن الناس يقسمُونه إلى درجات ويدّعُون تشيع وسنية الآخرين بمُعدلات بادعاء أن منهم من يريد تضييع عقائد المذهب أو فكر المذهب وهذا عقائده خفيفة والآخر ثقيلة وهذه التصنيفات تسقط الشخصيات بل تسقط في ما بعد المُجتمعات إذا صدّقها المجتمع.
هذا العَالم الذين كانوا على خلاف مع التوجهات الوحدوية أيّ (الوحدة الاسلامية ) كانوا يرَون بأن حَركة الشيخ في سفره وتصريحاته وأعماله في هذا الاتجاه خطير، فاتهموه أنّه في هذا الإطار وبدأوا يُحاولون إسقاطه. وكذلك، جماعات أخرى من الذين كانوا لا يرَون تدريس الفلسفة ولا يرون التوجه إليها صالحاً وصَحيحاً، و قسمٌ كان في نطاق النظرية ليس فيه إشكال وبالتالي صَاحب نظرية وهذا صاحب نظرية وما يتعلق بالمدرسة التفكيكية ورؤيتها بالنسبة للفلسفة.
لكن هناك ناس قشريون، وقسم يقولون أن من يدْرس الفلسفة لديّه رغبة في جلب أفكار إلحادية للحَوزة العلمية فإذا كان هذا يدرس درسٌ فلسفي فمعنى ذلك أنّ هذه نافذة تتسرب منها أفكارٌ الإلحاد للحَوزة العلميّة فبدأوا في هُجومه.
الجمَاعة التي كانت لا تعْجبهم الحركة السياسيّة ضدْ الاستعمار وضد البريطانيينْ، وفي تأييد حُقوق المسلمين وربما بعضهم من دون أن يعلم كان يُنفذ شيءٌ من المُخططات من دون وعي، هؤلاء أيضاً بدأوا يتكلمون ضده و أعجب ذلك الشيوعيين وخاصّة لما رأوا أنّه يتحدث عنهم فقاموا باتهامه ببعضْ التهم الباطلة مثلاً أنّه شاربٌ للخمر. فنجد أن شيوعي يتهم عالم دين على مستوى من العلم والمعرفة و التفقه بمثل هذه التهم لكن الغرض من ذلك هو التسقيط وتحققَ لهؤلاء بالفعل ما أرادوا وخاصةً عندما تجاوب قسمٌ من المُجتمع فضاع هذا العالم في زمن جُهال إلى حد أنّهم قالوا أن هذا العالم الجليل عندما توفي شيع جنازته 17 شخصاً فقط لا غير.
فهذا العَالم الجَليل الذي ناقش آينشتاينْ، وهو الذي يقُوم عميد الأدب العَربيْ بتقبيل يده احتراماً وإكباراً على إثر الإسقاط الاجتماعي والتهم التي أثيرت حوله إلى تشييعه فقط بهذا العدد القليل وهذا يُفهمنا درس أن لا يشرك الإنسان في زفة إسقاط زيدٌ أو عمر عالمْ من العلماء. قد تختلف معه فاجعله جانباً وانتخب آخر فلا أحد يُغصبك على إتبّاعه، فاذهب لمن تثق به لكن إياك أن تسقط أحد و إياك والافتراء والحمْلة التي تشنْ على أحدَهُم لأنّه يوم القيامة الله سُبحانه وتعالى لن يسألك لماذا سقطت العَالم الفلاني لكن سيسألك أنك لو فعلت ذلك وكان هذا الشخص بريئاً مما اتهمته به. اجعل الناس تتعرف عليّه قسمٌ من الناس لا يَعي هذا العالمْ ماذا يقول لا يعرف عنه شيئاً و لا يعرف توجهُه ونظريّته ورُبما لم يرهُ و لم يسمعْ له ولكن مادام زيدٌ قال أو عمر قرر بأن يُسهم مَعهم في سبه وشتمه وعلى أثر سوء الفهم يسقط العديد منهم وعلى أثر ذلك من سيبقى ؟ |