الشيخ مغنية ...(علمه البيان)
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 14/9/1434 هـ
تعريف:

الشيخ محمد جواد مغنية ( علمه البيان )


تصحيح الأخت الفاضلة ليلى الشافعي 
 
   ( الرحمن* علم القرآن* خلق الإنسان* علمه البيان)) صدق الله العلي العظيم
     سورة الرحمن تُعتبر عروس القرآن لجهة سبكها المتميز ولجهةٍ أخرى أيضاً هي المضامين العالية التي احتوت عليها آيات هذه السورة المباركة، في مطلع هذه السورة المباركة يُعدد الله سبحانه وتعالى نِعمه وآلائه على الإنسان فيذكر في طليعة ذلك أنه علمه البيان,, البيان هو إيصال الضمير وما في داخل الإنسان إلى غيره بوسيلةٍ من وسائل التبيين
أما اللسان, وأما الكتابة باليد أو غير ذلك من الوسائل إذا حصلت.. وأهمية هذه النعمة وهي نعمة البيان على الإنسان دون الحيوانات مثلاً أنه لولا قدرة الإنسان على البيان والتبيين لما تَراكمت العلوم ولما أصبح بناء حضاري في المجتمعات ولا عاش الإنسان في أول مراحل العلم يبقى متكرراً فيها,,
كيف تنشأ الحضارات ؟؟
     يأتي جيل من الأجيال فيصل عبر تجارب وعبر تنظير إلى مستوى من العلم يتكلم به ويدرسه أو يكتبه . فيأتي جيل آخر من النقطة التي وصل إليها ذلك الجيل الأول فيبدأ وينطلق إلى مشوار كبير ، حتى إذا بلغ منتهاه من العلم ، نقل هذا العلم بالنطق والتكلم والبيان أو بالكتابة والتأليف فيأتي جيلٌ ثالثٌ ليبني من آخر ما وصل إليه الجيل السابق،  وهكذا يتراكم العلم وتنطلق الحضارة بهذا الأسلوب.. فلو فرضنا أن الإنسان لا يستطيع أن يُعبر عما ما وصل إليه من العلم ولا يستطيع أن يبين ،ولا يستطيع أن يشرح النظريات ، ولا يستطيع أن ينقل الأفكار،  فسيتوقف العلم وتتوقف الحضارات ولهذا كانت نعمة البيان على الإنسان من أهم النعم الإلهية بل بها يُمكن الاستفادة الكاملة من العقل فيتميز الإنسان على باقي المخلوقات.. هذه النعمة بمقدار ما تحصل عند البشر، عند الناس يتفاضلون فيها.. فقد تجد عالماً لا يستطيع أن يبين أفكاره ولا أن يشرح نظرياته فلا يمكن الاستفادة منه الاستفادة الكاملة .  فهو عالمٌ لنفسه  لكنه لا يستطيع أن يوصل علمه وأن ينقل فكره لغيره من الناس أو لا يستطيع أن يبينه بالكتابة . هذا لا ينتفع بعلمه كثيراً بمقدار ما يستطيع هذا العالم أن يبين ويوضح ويشرح فيمكن الاستفادة من علمه من قِبل الناس لاسيما إذا كان بيان هذا الإنسان رشيقًا وساحرًا ومؤثرًا كما ورد في الخبر (( إن من البيان لسحرًا )) فكما أن السحر يؤثر في الآخرين فالبيان الجذاب من الممكن أن يؤثر في الآخرين ويُغير من قناعاتهم..
الشيخ مغنية مصداق لجودة البيان  :      

      نتحدث بهذه المقدمة لنبين المنزلة الرفيعة التي كان عليها أحد أُمراء البيان من علمائنا الأبرار وهو المرحوم العلامة الحجة الشيخ محمد جواد مُغنيه العاملي (رضوان الله عليه) والذي توفى سنة 1400هـ هذا الرجل في كتابته وتأليفه كان من مصاديق البيان النافع الذي يحول المطلب الصعب المغلق إلى شيء خفيف سهل تصل إليه تتطعمه وتستفيد منه.. أحياناً تجد حتى في كتاباته في المسائل العقلية .
    العقليات في الفلسفة الإسلامية في كتابه (الله والعقل النبوة) و(العقل المهدي), و(العقل شبهات الملحدين والرد عليها ) والتي هي غالباً مطالب فيها جوانب عقلية ونظرية وفي الغالب لا تكون جذابة ولكنه يُحولها برشاقة بيانه وسلاسة أسلوبه إلى مطلب خفيف قابل للفهم مُثير للتفاعل به من قبل القارئ ..
      هذه ميزات المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية وأنا أنصح أخواني الشباب وأخواتي المؤمنات أن يتطلعوا إلى قراءة كتب هذا العالم الجليل التي سادت لفترة طويلة من الزمان يعني نحن شهدنا على مدة عقود ربما أربعة عقود من الزمان كانت كتب المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية هي الزاد الدائم للشباب المثقف، لشباب الجامعات ، للمقبلين على المطالعة خصوصاً في تلك الفترات التي كان الناس يحتاجون فيها إلى إعادة ثقتهم بالدين ومبادئه وأفكاره . فقد أسهمت كتب الشيخ محمد جواد مغنية التي بلغت قريباً من ثمانين كتاباً في مثل هذا الأمر وأنصح على وجه الخصوص على أن يطالع كتبه كتب التجارب لأن هذه تختزن تجربة عمر كامل مثل كتابه المهم كتاب (تجارب الشيخ محمد جواد مغنيه ) بقلمه حوالي 450 صفحة فهو كتاب قيم يؤرخ فيه حياته بتفاصيلها حيث كان يعيش في ضيق الحياة والفقر وصعوبة العيش على أثر أنه توفي والده وهو في عمر مبكر واضطر إلى أن يذهب للعمل وكسب المعاش في وقت كان أمثاله من الأولاد الصغار لا يقومون بمثل هذه الأدوار ولكنه كان قد أخذ الحياة بجديةٍ كافيه و ذهب بهذا الاتجاه إلى أن  توجه فيما بعد إلى الدراسة الدينية أولاً في بلده وبعد ذلك ذهب إلى النجف الأشرف ثم عاد إلى لبنان حيث مارس إمامة الجماعة والوعظ الديني وبقي مدة 10 سنين في إحدى القرى في الجنوب وسنتعرض بعد قليل إلى بعض هذه الأمور ثم بقي في بيروت قاضيًا أعلى للمحكمة الجعفرية العليا الشيعية وكان له دورٌ مهمٌ في القضاء. ولكن الدور الأبرز كان هو أنه اهتم بالكتابة والتأليف وبيان علوم آل محمد..
مميزات الشيخ مغنية :
     من ميزات وصفات المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية
أولاً: أنه كان منفتحاً على الثقافات العربية والأجنبية بشكل واسع.. صفة الانفتاح عنده هذه قبل ستين سنة أو خمسة وستين سنة من الزمان نحن نتحدث عن عالم يتطلع إلى قراءة كتب الأجانب والمؤلفين العرب خارج المذهب والاطلاع على النظريات المختلفة في وقت لم يكن عالم دين مطالب بهذا . فهو قد أدرك لاسيما مثله يدرك أن العالم يحتاج لكي يؤثر ولاسيما في جيل الشباب أن يعيش معهم وأن يطلع على النظريات التي يطلعون عليها وأن يُحيط خُبراً بالثقافات السائدة . فليس صحيحاً أن يتصور طالب العلم أن حفظه مثلاً للأدلة في العقائد وحفظه للمسائل الشرعية من الرسائل العملية والإلمام بمجموعة من المعارف التقليدية هذا يُمكنه من ممارسة دوره الديني والعلمي بشكله الأفضل ليس صحيحاً هذا الأمر لاسيما في هذا الزمان. هذا الزمان في الثقافة تُروج الإعلانات هذا الزمان الذي توصل النظريات إلى ذلك دون أن تطلبها تأتي عبر الإنترنت وتصل للشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن يخطط الإنسان ، فتصل إلى كل هؤلاء ، فالاكتفاء بشيء من المعارف الدينية التقليدية في الفقه والأصول والعقائد وما شابه ذلك مع أنها مهمة إلا أنها غير كافيه لعالم الدين لكي يُلبي كل الحاجات المعرفية والثقافية وأن يُناقش ما يدور في أذهان الشباب لتوجيههم في هذا الزمان..
     هذاالأمر أصبح واضحًا الآن لكن في زمان بدايات المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية يعني نحن نتكلم سنة 1940م قريب من 63 سنة أو أكثر من ذلك أن يتطلع الإنسان لمعرفة الثقافات السائدة هذا يعتبر انفتاحاً طيباً ومبادرةً جيدةً . ولعل أهم أسباب هيمنته على المعارف السائدة وقدرته على بيان الأفكار التي يريدها جزء منها أنه كان لديه هذا الانفتاح فيتحدث و يقول : أنه صارت لي فرصة في القرية التي كنت مُقيماً فيها بعدما رجعت من النجف الأشرف صار إماماً وواعظاً في إحدى القرى في الجنوب اللبناني قريب من بلدة (معركة ) ، ذهب هناك وبقي فيها عشر سنوات . فيقول بطبيعة الحال كانت احتياجات البلدة احتياجات بسيطة فأنا صرفت جُل وقتي في الاطلاع والقراءة فقرأت هذا النص له ( فقرأت آلاف الكتب يقول قرأت كثيراً للكُتَاب العرب : لزكي جميل محمود للرافعي ، للسباعي ، لحسين هيكل ، لجبران خليل جبران ، ولأمثال هؤلاء من المؤلفين في تلك الفترة . وقرأت أكثر كتبهم . كما قرأت لأجانب قرأت لشكسبير, لتلستوي, لفكتورهيغو, لديستوي فسكي, لنيتشه, لغاندي ، لطاغور، لنهرو قرأت لكل هؤلاء ويوصف كل واحد مثلاً هذا أعجبني فيه حسه الإنساني ذاك يقول أعجبني فيه مثلاً سلاسة أسلوبه وقدرته على تصوير المشاعر الإنسانية، فلكل واحد تجربة، وكل واحد هو نظرية، وكل واحد هو فكرة،و كل واحد هو عالم يؤثر في محيطه تعرف على الثقافات المختلفة ليس بالضرورة الإنسان يصدقها أو يتأثر فيها ولكن أن يطلع عليها لاسيما من كان في مثل دور ومنزلة المرحوم الشيخ محمد جواد مُغنية هذا أمر مهم.. فكان منفتح على الثقافات والمعارف ومطالعاً شيئاً كثيراً مما أمكنه أن يُهيمن على الجو الثقافي الذي يتحرك في الساحة العربية.
هذا واحد من الصفات المهمة..
جرأته وشجاعته في طرح آرائه :
صفة أخرى نلحظها جرأته وشجاعته في قول آرائه وفي اتباع الحق مهما كانت النتائج.. فنحن حين نعود إلى كتبه سواء كتبه التخصصية مثل كتاب مهم عنده في الفقه.( فقه الإمام جعفر الصادق) في ستة أجزاء مطبوع في ثلاث مجلدات دورة كاملة في الفقه هذا الكتاب يُدرس في بعض الحوزات التي ترغب في التجديد للمعرفة الفقهية يُدرس فيها
هذا الكتاب . فقد كُتب ببيان جميل جداً ويصل فيه الكاتب المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية إلى النتائج التي يريدها مع حذف الزوائد والفضول والأشياء التي طالب العلم ليس بحاجه لها إذا رأى مطلباً من المطالب قام الدليل عنده على رأي، بينما مشهور العلماء سواء العلماء السابقين أو العلماء اللاحقين رأيهم مخالف ، يقول أنا من غير الممكن أن آخذ بهذا الرأي كلا وإنما أتبع الدليل فإن كان الدليل ينتهي إلى تأييد مقالة المشهور صرنا مع الدليل وإذا كان الدليل ينتهي إلى خلاف ما قاله المشهور لا نهتم بالمشهور,, يعني نأخذ رأي موافق مع ما دل الدليل عليه . فكان شجاع في إبداء آرائه وعلى هذا المطلب جرى كثيرًا في فقه الإمام الصادق . عنده كتاب تخصصي آخر وهو (علم أصول الفقه في ثوبه الجديد) الذي يتحدث عنه هو فيقول أنا سرني بعدما طلع الكتاب وانتشر جاءتني رسائل من طلاب جامعات وأساتذة جامعات ليست في مناطق أهل البيت تتحدث على أنه نحن أول مره نعلم أن في مدرسة أهل البيت هذا الثراء العلمي في مادة أصول الفقه . وهذا ليس ابتكاراً المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية وإنما هو هضم هذه الأفكار بشكلها الممتاز ثم صاغها صياغةً راقيةً وسلسةً أصبح الطالب الجامعي وأستاذ الشريعة وأصول الدين وأصول الفقه في الجامعات الأخرى يستطيعون أن يقرؤوا هذه المطالب وهذه المواضيع بشكل جيد ويتفهمونها لكن لو أرسلت إليهم بعض الكتب التي تدرس في حوزاتنا العلمية مثلاً كفاية الأصول وغيره من الكتب ربما لا ينتفعون به على أنه هذا البيان لا يناسب مثل هذه الجامعات طلاباً ومدرسين.. فكان جريء في آرائه، جريء في أفكاره أولًا، وجريء أيضًا في تطبيق ما يعتقده من الحق ، يُنقل عنه أن بعدما بقي عشر سنوات في هذه القرية التي هو فيها ،القاضي الجعفري الأول في المحكمة الشرعية الجعفرية في لبنان انتهت مدته فلابد من تعيين قاضي آخر بمستوى علمي متقدم وقع اختيارهم على الشيخ محمد جواد مغنية نظراً لمعرفته العالية فأرسلوا إليه حتى يأتي للقضاء في البداية أصبح قاضي بعدها أصبح رئيس المحكمة الجعفرية العليا في هذه الفترة التي بقي فيها قام بعمل أنظمة من جملة ذلك .. أنه أقر نظام الامتحان لمن يُرشحون للقضاء ضمن نظرية أن هذا القاضي سوف يُصبح مؤتمناً على أحكام الله فهو يُطبقها في قضايا ترتبط بالأموال ، والمواريث ، ووصايا , وإقرارات, وغير ذلك في قضايا ترتبط بالأعراض ، والفروج ،و الطلاق ،و إثبات نسب وما شابه ذلك وميراث وأمثال ذلك من القضايا فيحتاج أن يكون القاضي ممتحنًا .
     طبعاً تعلمون عندنا في الإمامية هناك رأي يقول أنه لا يصُح أن يقضي القاضي إلا بعد أن يكون مجتهداً..فالقاضي لابد أن يكون مجتهد وغير المجتهد لا يكون قاضياً هذا موجود وهو رأي قوي له أتباع في مدرسة أهل البيت ..  وهناك رأي آخر أنه لا يكتفي بأن يكون القاضي على منزلة علمية رفيعة وأن يقضي على حسب مرجع التقليد الذي يرجع إليه لأن في القضاء هناك مسائل خلافيه كيف يقضي إذا هو مجتهد يقضي برأيه باعتباره مجتهد وإذا لم يكن مجتهداً يقضي على طِبق فتوى المرجع الذي يرجع إليه ولابد أن يكون على مستوى علمي حتى يعرف,, قبل مجيء الشيخ محمد جواد مغنية كان هناك تدخلٌ من قبل السياسيين وأصحاب النفوذ في تعيين القضاة يعني أنا مثلاً وزير أو أمير أو صاحب منصب اجتماعي أقول إلى الشيخ الفلاني يا شيخ أنت قدم اسمك وأنا سأدعمك حتى تصبح قاضي في القرية الفلانية بعدها أنا أمشي أموري كلها من خلال هذا القاضي لأني أنا الذي نصبته ..
     الشيخ محمد جواد مغنية حين تولى هذا المنصب قال لا يوجد هذا الكلام أي قاضي يصبح لابد أن يقدم امتحان إن نجح في الامتحان كان بها وإن لم ينجح مع السلامة.. فأحد زعماء العوائل والسياسيين عيَن واحدًا وقال له أنت قدم أوراقك للقضاء ، ووقعت أوراقه من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وغيرها إلى أن وصل إلى آخر توقيع لابد أن يوقعه رئيس المحكمة الجعفرية العليا الشيخ محمد جواد مغنية فأتوا له بالأوراق وقال لهم : أنا لا أوقع على أي ورقة إلا بعد أن يقدم الامتحان.  فقيل له : أن فلان أتى باسمه ووقع عليه من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة إلى كذا أو هذا من طرف فلان ، فقال : لو من طرف من يكون لابد أن يُقدم الامتحان إن نجح كان بها وإن لم ينجح لا يقبل.. قدم الامتحان فإذا به لا يصلح حتى إمام جماعة لمسجد صغير وليس قاضي يقضي في الدماء والفروج والأموال قال هذا مرفوض,, ثار هذا الزعيم وهدد وأرعد وأزبد إما أن تعين فلان أو كذا وكذا فصار يهدد .  فقال : مادمت أنا في هذه المحكمة لا يمكن أن أوقع على شخص لا يستطيع أن يعرف في القضاء وبالتالي كل قضية باطلة تصير في رقبتي سواء كان هذا من عند فلان أومن عند رئيس الجمهورية أنا أعتزل ولا أعين أحداً لا أراه مناسب .
      فقد كان شجاعاً وجريئاً وينقل هو قصةً أخرى أو تنقل عنه في نفس هذا الإطار صارت قضية ميراث أن رجلاً من أبناء الجالية اللبنانية في الخارج وكان له أموال طائلة جدًا توفي وخلف أمه وولدين ومن الطبيعي هنا أن الأم تأخذ السدس والباقي يذهب إلى الولدين والزوجة إذا موجودة أيضاً تأخذ الثمن .. هذه الأم طمعت في الميراث ذهبت إلى أحد الزعماء السياسيين وقالت له : أنا أريد هذا الميراث فابني أنا التي تعبت عليه وأنا التي كذا وكذا وهؤلاء أولاد صغار ماذا فعلوا له؟؟ أنا بذلت نفسي ودم قلبي بحسب التعبير أنا التي ربيته كيف  آخذ أنا هذا المقدار فقط  . و إذا أصبح هذا الميراث لي فأنا وإياك نشترك فيه أيها الزعيم الفلاني . ( ليس من المطالب المهمة في كل مكان أن يكون هناك فصل بين السلطات السلطة السياسية ليس لها حق أنها تتدخل في القضاء، الملك لا يصح أن يتدخل في القضاء، رئيس الجمهورية لا يجوز أن يتدخل في القضاء، الأمير لا يجوز أن يتدخل في القضاء، نائب المجلس لا يجوز أن يتدخل في القضاء، الجهات السياسية كلها لا يجوز أن تدخل على خط القضاء.. والقضاء هو تطبيق حكم الله في هذا المكان,,)
     فأرسل هذا الزعيم إلى الشيخ محمد جواد مغنية أنه تتريث في القضاء في هذا الموضوع فهذه ((القضية فيها تداخل فيها كذا )) بعدها أصبحت الرسائل تأتي إلى الشيخ محمد جواد مغنية أنه هذه الأم مسكينة لا تملك شيئاً وهؤلاء الأولاد بالتالي يكفيهم أقل القليل و الشيخ محمد جواد مغنية كأنه لا يفهم هذه الإشارات أصلاً ولا يعتني بها إلى أن وصل الأمر أن هذا الرئيس هذا الزعيم الرئاسي وهو من أبناء الطائفة أيضًا ومن الشخصيات الاجتماعية أرسل ابنه إلى المحكمة إلى مكتب الشيخ ليقول له ( على بلاطة حسب التعبير) أنه أنت إما أن تقضي بأن الميراث إلى الأم أو حَوِل القضية إلى غيرك من المشايخ و نحن نتفاهم معه ، إذا أنت لا تريد أن تقضي!! حولها إلى قاضي ثاني... ولا عليك من شيء وإلا الوالد يقول غدًا أنت لا تداوم في هذا المكان يعني نعزلك من القضاء فأتى وأوصل الرسالة بهدوء أنه أنت يا شيخنا لا تورط نفسك في مثل هذا الأمر حولها إلى قاضي آخر واسترح منها أو أنظر ما المطلوب؟ وإلا يمكن أن  تعزل عن القضاء ... فقال له الشيخ : لا عليك أنت انتظرني نصف ساعة في الخارج وأنا أرتب الأمر إن شاء الله يصبح خير ,,, فطلب الملف وطلب الأشياء وإثبات النسب  ,, إثبات نسب الولدين ونسب الزوجة وغيرها من هذه الأمور الرسمية تأكد منها وتوثق منها ثم كتب الحكم النافذ الجازم من نسختين . نسخة أعطاها لجهة الأجراء حتى ينفذ ونسخة أخرى تركها في ظرف وقال له أوصل هذه الرسالة إلى والدك المكرم وقل له هذا حكم الشيخ ولو أني لا أداوم غدًا ، ما عندي مشكلة في هذا الأمر .
      فالرجل يرى أن الحق وحكم الله في هذه الجهة نأتي نغير ونبدل وتريد أن تتقاسم وتلبسها في عالم من العلماء لا يخلصك هذا من العذاب ولو عشرين قاضي قضى لك ماذا ينفعك؟ والقاضي أيضاً في هذه المسألة يكون قاضي قضى بالباطل وهو في النار أيضاً...
كان الرجل جريء وشجاع ذاك الزعيم أرعد وأزبد وهدد وكذا.
حسب تعبيرنا هذا أعلى ما في خيلك أركبه ,, وبالفعل استطاع أن يزيل الشيخ محمد جواد مغنية في ذلك الوقت فقال الشيخ هذا يوم انعتاقي وتحرري لأنه أنا كنت أؤدي خدمة دينية للناس الآن أصبحت متفرغ لكتابي وكتابتي وتأليفاتي .
تفرغه للتأليف والكتابة :
      كان يطالع ويكتب ما بين 14 إلى 18 ساعة في اليوم. لذلك ألف التأليفات الكثيرة في القرآن الكريم عنده ثلاث تفاسير..
1- تفسير (الكاشف) وهو تفسير قيم وجيد لاسيما للشباب في ستة أجزاء.
2- وتفسير (المبين) مختصر وملخص.
3-  وكتاب (إسرائيليات القرآن ) حول الأشياء في التفسير التي جاءت وليس لها مصدر يوثق به في العقليات ذكرنا في العقائد تحدثنا عن شبهات الملحدين تحدث عن المبادئ الأخرى
4-  وعنده أيضًا كتاب (( هذه هي الوهابية )) يرد على أفكار هذا المسلك
5- وعند كتب متعددة حول ( التشيع والشيعة والحاكمون ) أنصح المؤمنون الشباب أن يقرؤوا هذا الكتاب فهو قيم يفيض حيوية ويتوهج حماس واندفاع رسالي لمن يقرأه
6- الشيعة والحاكمون.
7- الشيعة في الميزان.
8- والتشيع والشيعة.
 وغيرها من الكتب النافعة .
 أما ما يرتبط بحياته الشخصية ففيها تجارب مهمة ،فالشيخ محمد جواد مغنية بقلمه وكتابه مع علماء النجف الأشرف كتب قيمة طلبة العلم يمكن لطلبة العلم أن يرجعوا إلى كتابي (فقه الإمام جعفر) و((علوم أصول الفقه)) في ثوبه الجديد فهما كتابان جيدان جداً يُعطيان الإنسان طالب العلم إشرافاً جيداً على الأدلة وعلى النظريات المطروحة سواء في الفقه أو في الأصول وعدد كبير من الكتب الأخرى في مختلف المجالات كان قد كتبها رحمة الله عليه كلها ببيان سلس وبأسلوب جذاب وأخاذ. انتشرت هذه الكتب عنه في أكثر من مكان سواء في العراق أو في لبنان بل حتى في مناطقنا هنا .فأنا أذكر قبل أكثر من 35 سنة كانت كتب الشيخ محمد جواد مغنية تقريباً تملأ الساحة مع أنه كانت الأوضاع ليست مناسبة للانتشار إلا أن الطلب عليها كان طلباً كثيراً وكانت بمثابة المصدر والغذاء للخطباء ولطلاب العلم وللمثقفين الشباب ولا تزال إلى الآن تحتفظ بحيويتها ، تحتفظ بقوتها، يُنصح الأخوان الشباب بمطالعة هذه الكتب التي وصلت إلى جامعات مصر.
     ينقل الشيخ محمد جواد مغنية هو نفسه في كتابه هذا (تجارب الشيخ محمد جواد مغنية ) بقلمه حادثة لطيفه في مصر يقول أنه أنا إذا سافرت إلى بعض هذه الأماكن التي لي فيها معارف كثر  ، الأيام الأولى أتنكر يعني ما أظل بعمامتي وزيي أنتهي من أشغالي وآخذ راحتي قبل ما تنتهي المدة بثلاثة أو أربعة أيام أتصل بأصحابي أصدقائي وآخذ الجهة الرسمية والزي الرسمي حتى إذا أردت أن أزور أحدًا أو أحد يزورني لا تصبح مقاطعة ما دمت  أنا ذاهب لذلك المكان . فيقول في يوم من الأيام وقد لبس الغترة والثوب العادي وذهب إلى زيارة الجامع الأزهر وهناك في الجامع الأزهر يقول رأيت شيخ مصري تسالمنا سلمت عليه رد السلام فقال لي : من أين أنت ؟ قلت له : من لبنان. قال : أهلاً وسهلاً ومرحباً هل تعرف عالم جليل هناك له كتب رائعة جداً نحن نقرؤها ونستفيد منها اسمه الشيخ عبد الجواد مغنية يقول : (الحمدلله ما كان معنا  واحد عراقي حتى يسمع كلمته الجيم المصرية تذهب إلى معنى آخر) نعم أعرف هذا الشيخ حق المعرفة . فراح يثني ويمدح وقال لي أمانة إذا رجعت إلى لبنان أن تسلم عليه . قلت له : أوصل سلامك بسرعة كما تحب. فهذا يشير إلى أن هذه الكتابات الجميلة والرائعة والقوية وصلت إلى هذه الأماكن المختلفة وعكست صورةً ناصعةً عن فقه أهل البيت عليهم السلام وعن تراث أهل البيت صلوات الله عليهم .
ابتكارات الشيخ مغنية :
     المرحوم الشيخ محمد جواد مغنية كان أيضاً صاحب ابتكارات يعني لا تتصور كان كاتباً سطحياً أنا أعرض لك بعض الكلمات حتى تعرف ما وراءه .
     الشهيد السيد محمد باقر الصدر معروف في علمه وفقاهته وعمقه يكتب مقالة عن ( فقه الإمام جعفر الصادق ) الذي هو كتاب الشيخ محمد جواد مغنية فيقول بعدما طالع الكتاب يقول ما أظن أنني قرأت أو سأقرأ لعالم شيعي أو غير شيعي بحثاً عميقاً عن المدلول الاجتماعي للنص بالإضافة إلى المدلول اللفظي كما قرأته في كتاب العالم البحاثة الحجة الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه فقه الإمام جعفر الصادق . هذا القائل من؟؟ القائل أساتذته مثل الشيخ مرتضى آل يس، مثل السيد الخوئي، مثل السيد الحكيم، وأمثال هؤلاء من الأعاظم وهو نفسه الشهيد السيد محمد باقر الصدر.. إن شاء الله تكون لنا فرصة نتحدث عنه هذا عبقري هذا الزمان يقول أنا ما قرأت ولا أظن أنني سأقرأ بحثاً وتوضيح إلى نظرية تبحث عن المدلول الاجتماعي للنص شرعي فعادةً علمائنا يبحثون المداليل اللفظية أما هذا العالم الشيخ مغنيه ذهب وراء المدلول الاجتماعي للنص وهناك فرق بين الأمرين ، الآن ليس هناك وقت  حتى نوضح الفرق بين هذا الأمر ولكن نأتي به لك في السياق كشاهد أن مثل الشهيد الصدر رحمة الله عليه يقيم هذا الكتاب بالتقييم العالي ويقول أنا ما قرأت ولا أظن أنني سأقرأ لأحد بهذا المستوى وبهذا التفصيل و السعة. فالرجل لم يكن مجرد صاحب بيان فقط البيان مسيرة البيان نعمة, البيان قدرة استثنائية ولكن هذا كان عالماً أيضاً مبتكراً ومجدداً في كثير من المسائل له دراسات كثيرة جداً سبقت زمانها في عدد من المسائل الفقهية رحمة الله على هذا الشيخ بما صنع وبما أعطى.

 سكتة قلبية على المنبر :

بعد عمر 78 سنة غادر هذه الحياة الدنيا وكان راضياً مرضيا بما صنع وبما قدم وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان المؤمن يعمل في الدنيا عملاً عندما يأتيه الموت يكون راضياً (( يأيتها النفس المطمئنة** ارجعي إلى ربك راضيةًً مرضية)) كان على منبر الإمام الحسين عليه السلام في يوم العاشر من محرم الحرام سنة 1400هـ فدُهم بنوبة قلبية وهو يخطب ويتحدث وكان خطيباً ذهب إلى البحرين وخطب فيها، ذهب إلى إيران والعراق في أماكن مختلفة.. كان خطيباً جيداً في يوم العاشر أيضاً كان له خطاب على منبر الحسين عليه السلام يتحدث عن هذا البطل العظيم سيد الشهداء صلوات الله عليه وسلامه في يوم العاشر من المحرم داهمته نوبة قلبية وقع من المنبر ولم يستطيع أن يُكمل ، حملوه وأسعفوه وذهبوا به إلى المستشفى استرد عافيته وصحته ولكنه التفت إليهم معاتباً قال لهم :لم أنقذتم حياتي كنت أتمنى أن أموت وأنا على منبر الحسين في مكان أنا أكون فيه خادماً للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه..
يا ليت ما نهضت هذه النهضة وأنقذتموني فكنت أجمع نهاية الحياة بهذه الطريقة وأكون في خدمة الإمام عليه السلام ولم يطل عمره ففي 19 محرم الحرام انتقل إلى رحمة الله ورضوانه,,

 
 

 

مرات العرض: 3435
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2576) حجم الملف: 18353.06 KB
تشغيل:

مرجعية الإمام الحكيم وصفحات من التصدي
الإمام الزنجاني عبقرية مجهولة وعالم ضاع