الشيخ المظفر وتجديد الحوزة العلمية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 11/9/1434 هـ
تعريف:

الشيخ المظفر (رحمه الله) وتجديد الحوزة العلمية


كتابة الأخ الفاضل أبي فاطمة الكشي ،والأخت الفاضلة أم فاطمة الكشي

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ] الروم: 69[، حديثنا اليوم بعون الله تعالى عن الشيخ المظفر والتطوير الداخلي للحوزة العلمية.
  في البداية لا بد أَنْ نتعرف على مصطلح الحوزة العلمية، فبعض النَّاس يتصور أَنَّ الحوزة العلمية هي مدرسة دينية كبيرة كسائر الجامعات أو المعاهد، ولكنها تتميز عنها بأنها أكبر ، والحال أَنَّ الأمر ليس كذلك، فالحوزة العلمية هي عبارة عن مجموع الجهود العلمية التي يقوم بها العلماء في منطقة من المناطق، وقد تكون ضمن إطار ديني، وقد تكون دروسًا في المساجد والبيوت، ويحضرها عدد قليل شخصين أو ثلاثة ، وقد يكونوا ثلاث مئة أو خمس مئة، وقد لا تقتصر على هذا، فالجلسات العلمية والنقاش في ما بين العلماء والطلبة قد نعبر عنها بالحوزة العلمية، ولذا فهي لا تعبر عن مدرسة واحدة معينة حتى لو كانت تلك المدرسة مدرسة تنتمي للمرجعية العليا، لكنَّ الحوزة العلمية هي أكبر وأشمل من ذلك، ولعل أقدم صورة لها بهذا المعنى المعروف في زمان شيخ الطائفة الطوسي المتوفى سنة (460هـ) الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف ( بشيخ الطائفة) من تلامذة الشيخ المرتضى، والشيخ المفيد، وعاش في بغداد ، ووصل إلى رتبة الأستاذ الأول مع أَنَّ بغداد في ذلك الوقت خليط من السنة والشيعة، والعلماء ينتمون إلى كلا المدرستين، ومرتبة الأستاذ الأول تعني أَنَّ شيخ الطائفة الطوسي أعطي كرسي الكلام، فكان يدرس ويحضر درسه العلماء من مختلف الطوائف الإسلامية.
 وكان هذا الانفتاح والتواصل الذي استفاد منه شيخ الطائفة نتيجة لسياسة حكام بني بويه البويهيين فتعززت حالة الدرس والتعليم والتعلم بين المختلفين في المذاهب، وظل شيخ الطائفة في بغداد ضمن هذا الإطار إلى أن جاء السلاجقة إلى بغداد، وسيطروا على الحكم وطردوا البويهيين وكان فيهم متعصبين، فالعسكري غالبًا لا سعة في صدره يريد الجميع يلتزم ضمن نظام عسكري معين.
 ومن عوام النّاس تحرك الحنابلة في ذلك الوقت وكان فيهم تطرف وشدة ، فحدثت بوادر فتنة طائفية أُحْرِقت مكتبة شيخ الطائفة الطوسي وأُحْرِق كرسي الكلام ، فخشي الشيخ على نفسه ولـدرء الفتنة انسحب من بغداد إلى النجف الأشرف، وإلى جوار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وفي ذلك الوقت كانت النجف بليدة صغيرة، وبعض النَّاس القلائل الذين كانوا قد قطنوا في هذه البلدة الصغيرة.
 ولما علم طلاب الشيخ تواجده في النَّجف الأشرف، ذهب قسم منهم من بغداد إلى النجف الأشرف وقسم جاءوا من أطراف النجف لأخذ العلم على يد الشيخ الطوسي ( رحمه الله) ، فصار تجمع لطالبي العلم في تلك المنطقة ودرسوا على يد شيخ الطائفة، وبدأ الطلبة أصحاب الدرجة العلمية العالية تدريس الطلبة الأقل علمًا منهم، فكانت هذه البداية الرسمية الواضحة لما يعرف اليوم بالحوزة العلمية، واستمرت هذه الحالة في النَّجف الأشرف إلى قريب من (100 ) سنة.
 وبعد هذه الفترة انتقل الثقل العلمي والحوزوي إلى الحلة؛ لأن الحالة الموجودة في الحوزة العلمية في الحلة كانت الأبرز والأقدر على التدريس في فترتها، ولذا يتوجه لها الطلبة، فلا يوجد قرار رسمي يلزم الطالب باختيار المكان والأستاذ ، ولذا حدثت حالة علمية متطورة في الحلة والتي هي بين النجف الأشرف وبين بغداد ، فوجد فيها ابن إدريس الحلي صاحب السرائر، وفيما بعد المحقق الحلي صاحب الشرائع، وابن طاووس والتلامذة ، وفيما بعد العلامة الحلي ( رحمهم الله جميعًا).
 ولذا انتقل الحجم العلمي الكبير إلى الحلة، وأصبحت الحوزة العلمية الأساس في الحلة، وبقيت حوزة النجف الأشرف فيها مجموعة من الطلاب والمدرسين، لكن الحوزة الأكبر ذات المدرسين الأكفء كانت في الحلة، واستمرت هكذا إلى أكثر من قرنين من الزمان ، وبعدها لوحظ ازدهار في الحوزة العلمية في جبل عامل هذه المنطقة الشيعية التي شهدت بروز علماء كبار، أمثال الشهيد الأول والشهيد الثاني، والتلامذة الذين حفوا بهما.
 وكانت تشهد ازدهار بحيث كانت أوجه الحوزات العلمية في ذلك الوقت ، وبعدها بفترة من الزمن انتقلت الحوزة العلمية إلى كربلا المقدسةء أيام السيد المجاهد، وأيام صاحب الرياض، وأيام صاحب الحدائق، وأيام الوحيد البهبهاني هؤلاء تواجدوا في كربلاء فنشطت الحوزة العلمية في كربلاء ، ولكن بعد هذه الفترة، وبالذات في زمان الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وصاحب الجواهر، ومن بعدهم الشيخ الأنصاري ومن بعدهم حوالي (200 ) سنة إلى الآن بقيت الحوزة العلمية في النَّجف الأشرف نقطة جذب أساسية للمدرسين وكبار العلماء، وهذا لا يعني عدم وجود حوزات علمية في مناطق أخرى فوجدت حوزات علمية في خُراسان، ومشهد، وطهران، وقم، وفي المنطقة الشرقية، والبحرين، وفي لبنان هذه المناطق كانت فيها حوزات علمية، ولكن بحدودها وبحجم العلماء وشهرتهم وقدرتهم تشتهر هذه المناطق أو تخف شهرتها.
 وفي هذه الفترة الأخيرة لعل الحوزتين الكبيرتين في العالم الشيعي تقريبًا خلال( 40 ) سنة من الزمان هي الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وقم المقدسة.
 فهذا سير تاريخي سريع وإلا فكل فترة، ومنطقة تحتاج لبحث أكثر توسعًا للإحاطة بجوانبها المتعددة، وتوجد دراسة جميلة في مقدمة كتاب اللُّمعة الدمشقية كتبها الشيخ الآصفي ( رحمه الله) حول المدارس التي كانت في تاريخ الشيعة، وهي دراسة قيِّمة وموثقة لمن أراد الاطلاع عليها خلال هذه السنوات ، وربما لأكثر من (80) سنة إلى أيامنا.
 وتوجد دعوات من قبل عدد غير قليل من العلماء باتجاه تطوير الحوزة وتجديد برامجها نظرًا للمنافع التي يتوقع أن تحصل مع التطوير والتجديد، وكثير من العلماء يبدون ملاحظات باتجاه لزوم تطوير المناهج الدراسية للحوزة العلمية، وباتجاه إيجاد نظام حديث في الحوزة مما يكون مساهمًا في نتائج أفضل، وأحد هؤلاء الذين دعوا إلى تطوير وتجديد المناهج فيها كان المرحوم آية الله الشيخ محمد رضا المظفر ( رحمة الله تعالى عليه) ، والشيخ المظفر ( رحمة الله تعالى عليه) أصوله من المدينة المنورة قبيلتهم من الحروب ،وأصوله ترجع إلى هذه القبيلة من آل علي الحربيين، وهؤلاء يعيشون في منطقة العوالي في المدينة المنورة.
 وهاجر جدهم مظفر آل علي منذ حوالي (250) سنة إلى مدينة النَّجف الأشرف، وهناك بقيت هذه الأسرة ، ولكن أصولها ترجع للمدينة المنورة ، فبدأ دراسة العلم، وهو يتيم الأب لكن ذلك لم يفت في عضده فَحَصَّل العلم بشكل جيد، ودرس على يد علماء أجلاء إلى أن بلغ درجة الاجتهاد المطلق، وأجيز بذلك من قبل أستاذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني المعروف بالكومبني وهو أستاذ معروف للسيد الحكيم، والسيد الخوئي، وأمثال هؤلاء وهو أستاذه المباشر، وممن أثر في الشيخ المظفر بشكل كبير وأجازه بالاجتهاد ، وأيضًا أستاذه السيد عبد الهادي الشيرازي كان يدرس على يده، وقد اهتم به وأجازه مجتهدًا وعرف في الوسط العلمي بأن علميته متقدمة، وهذا مما أعطى لحديثه وكلامه عن تجديد الحوزة العلمية وتطويرها مصداقية أكبر، فمن الممكن أن خطيب من الخطباء يتحدث عن تجديد الحوزة وتطويرها أو مثقف من المثقفين يتحدث عن تطويرها ، وأول إشكال قد يرد على هذا المتحدث أنه كم حصل من هذه الحوزة من علم ومعرفة حتى تتحدث عن تغيير الحوزة ، وأما إذا كان المتحدث مَنْ قد درس هذه الدروس، وعرفها بشكل تخصصي عالي، وأصبح مجتهدًا فيها فهو مشرف على إيجابياتها وعلى ما فيها من نقائص، فهذا يعطيه مصداقية أكثر عندما يتحدث عن التطوير والتجديد ولاحظ الشيخ المظفر ( رحمه الله) أنَّ هناك إشكالين أساسيين في الحوزة العلمية لو تم رفعها فإن هذه الحوزة سيكون نتاجها أكبر، وهو يقول هذا العلم الموجود في الحوزة العلمية شيء كبير، لكن مع الأسف الحوزة لا تمارس دورًا مهمًا في العالم الإسلامي باستثناء دور المرجعية العليا، فلا يوجد دور يتناسب مع حجم العلم الموجود في الحوزة العلمية.
السؤال: ما هما هذان الإشكالان؟
الإشكال الأول: يقول إن الكتب الدراسية التي تدرس في الحوزات العلمية لم تكتب على أساس أن تكون منهجًا دراسيًّا، ولذلك فيها إشكالات أنها ليست صالحة في بعض الجهات للتدريس، مثال: عندما يريد أحدهم أن يكتب منهجًا معينًا للصغار لا بد من كتابته بصيغة معينة، وبطريقة خاصة وواضحة توصل المعنى إلى هذا الطفل، و إلَّا لم تكن فائدة للصغير، وكذلك الأمر بالنسبة للطالب الجامعي لا بد من كتابة تناسب مستواه حتى يستفيد مما كتب.
 وطريقة كتابة المناهج بأسلوب تدريسي هذه طريقة خاصة، فالمؤلف لا بد أن يلاحظ أَن أمامه طالب، وهذا الطالب يتلقى، ولذا لا بد أن تكون العبارة غير صعبة الفهم، و لا تكون معقدة، وكيف يصل الدرس إلى النتائج المطلوبة بأسرع ما يمكن ، وكيف يكون فيه تمارين وأسئلة وحلول وتطبيقات هذه الأمور بدأت تراعى في التدريس ، فيستبعد الكتاب الذي لا يكتب بشكل منهج دراسي ، ويقدم كتاب آخر مكتوب بصورة منهج دراسي، فالشيخ المظفر يقول: ما هو موجود في الحوزات العلمية لم يكتب على أنه منهج دراسي.
 ولنفرض المحقق الحلي ( رحمه الله ) ألف كتاب (الشرائع) ليس على أساس أن يكون برنامج ومنهاج تدريسي، ولذلك لم يلحظ فيه هذا الجانب، وبعدها بفترة بعد أن نظر إليه بعض المدرسين استحسن أن يكون هذا الكتاب منهجًا للتدريس ، فَجُعِل كتابًا دراسيًّا، والشيخ الأنصاري عندما ألف كتاب في (الرسائل في الأصول) لم يكن يعتقد أنه يكتب منهاجًا لتدريس الطلبة. وإنما كتب نظرياته وأفكاره في مختلف المسائل في علم الأصول، وليس بالضرورة كان واضع في فكره أن يدرس هذا الكتاب ، وبعد مدة رأى قسم من تلامذته أَن الكتاب مناسب للتدريس.
 ولكن مع مرور الوقت وتطور الفكر وأساليب اللُّغة والمنهجية طرح سؤال مهم، وهو لماذا يتم البقاء على كتاب ألف بلغة (900) هـ قبل (500) سنة أو سنة (650)هـ أكثر من ذلك بما يقارب (800) أو (900) سنة، فقال نحن نحتاج تغيير في طرق التدريس والمناهج بحيث تصبح مناسبة لطلبة هذا الزمان، وتختصر الوقت ولتصل لنتيجة بأسرع ما يمكن، وفي نفس الوقت تكون معمقة من ناحية المعنى ، وليس من ناحية اللفظ.
الإشكال الآخر:
 قال إنَّ طالب العالم يحتاج لأداء دوره الديني إلى مجموعة عريضة من العلوم فالآن الموجود في زمانه تدرس اللُّغة العربية مثلًا، والفقه وتدرس أصول الفقه ، ويقول نحن نحتاج لتدريس عدد كبير من العلوم ، نحتاج مثلًا لتدريس علوم القرآن ، وأصول التفسير، ونحتاج لتدريس علم الرجال، والدراية في الحديث ليعرف الطالب كيفية التعامل مع الرواية ضمن مناهج محسوبة ، ومعدة ، ونحتاج لتعليم الفلسفة الإسلامية ومقارنتها بسائر الفلسفة الأخرى، ونحتاج لتدريس الأدب العربي ووسائل وأساليب الكتابة والبيان، ونحتاج لتعليم الخطابة وكيفية محادثة الجمهور والتأثير فيه، ونحتاج لتدريس الاقتصاد الإسلامي، ونحتاج لتدريس العقائد ضمن مناهج متتالية، ونحتاج لتدريس الفقه المقارن مع سائر المذاهب الأخرى، فاليوم أصبح التواصل بين المسلمين على مستوى تبادل المعرفة الثقافية كثير، و لا يصح أن يبقى الشخص غير عارف بفقه المذاهب الأخرى أصلًا.
 يوجد عدد كبير من المناهج لا بد من تدريسها في الحوزة العلمية، وهو عمل على عدة أمور :
 الأمر الأول: وضع بعض الكتب واعتبارها مناهج دراسية متقدمة بالقياس إلى ما كان موجودًا منها سابقًا، ومنها: كتاب أصول الفقه المعروف عند الطلبة والحوزات باسم (أصول المظفر) ، وفيه نظريته، وقد بسطها للطلاب، ونلاحظ لو أن شخصًا متخرج من المدرسة المتوسطة، ومباشرة انتقل إلى الجامعة ستكون المصطلحات ، ومقدار العلم المطروح غير مفهوم في الجامعة بالنسبة له وتناقش نظريات وإشكالات عليها ملاحظات عند الدكتور ، والطالب أصل القضية لم يسمع عنها أو سمع عنها بشكل بسيط جدًّا، ولذا لا بد أن تكون هناك مرحلة بين الجامعة والمتوسطة تمهد له الوصول إلى المعارف والعلوم التي تدرس في الجامعة، والشيخ ( رحمه الله) يقول: إِنَّ لدينا في الحوزات العلمية فجوة كبيرة ما بين المقدمات والتي تليها مباشرة السطوح العالية الكفاية ونحوها، وهذا غريب وصعب من المستوى العادي إلى أعلى مستوى.
 فطالب العلم لا يستطيع فهم وإدراك كتاب الكفاية للآخوند الخرساني؛ لأنه يحتاج إلى قفزة كبيرة، ولذا ألف الشيخ المظفر ( رحمه الله ) كتابه ( أصول المظفر) ليكون بمثابة الجسر الرابط بين المستوى الأول، والأخير، وجعله بصورة منهج تدريس فكان نافعًا في هذا الباب، وصار كتاب ( أصول المظفر) يدرس كمادة أساسية في أغلب الحوزات العلمية سواء المدارس العربية أو الحوزات العلمية الفارسية ، ومثله كتاب المنطق للشيخ المظفر، فهذه الخطوة الأولى والأمر الأول في ما يرتبط بالمناهج.
الأمر الثاني:  
 رأى أن قضية التغيير في كل الحوزات العلمية أمر صعب لماذا؟ ؛ لأنه التوجه التقليدي لم يكن مطمئنًا تمام الاطمئنان إلى أَنَّ عمليات التغيير والتطوير – وقد يكون لبعضهم الحق في ذلك- فقد يقول بعض العلماء إننا جربنا المناهج القديمة، وأخرجت لدينا المراجع والعلماء الكبار ولا نعلم المناهج الجديدة لو جربناها ماذا ستخرج لنا؟ فهل ممكن تخرج علماء كبار أم لا؟ فهذا صنع حاجز في عملية تطوير الحوزات العلمية ، والمرجعيات الدينية لم تستقبل عملية التجديد بقوة وسرعة، والشيخ المظفر( رحمه الله) كان مؤمن بالفكرة، والخطوة فعمل على افتتاح كلية الفقه وأخذ  ترخيص رسمي من وزارة التعليم العالي في العراق، وافتتح كلية رسمية في النجف الأشرف (كلية الفقه) ، وبدأ في كتابة وترتيب مناهجها هو ومجموعة من العلماء، ووضع فيها مدرسين من كبار المجتهدين، وقرر نوع المواد التي تدرس فيها، مثل : الاقتصاد الإسلامي، الفقه المقارن، أصول الفقه، التفسير، علوم القرآن، الأدب العربي، الدراية والرجال، الفلسفة الإسلامية، الخطابة، الكتابة، وعمل لها برامج ومناهج تدريسية، وبالفعل بدأ في هذا الاتجاه بجلب قامات شامخة من المدرسين من أمثال آية الله محمد تقي الحكيم ( رحمة الله عليه) فهو من أعاظم الأصوليين والفقهاء وأمثاله وكلًا في بابه يدرس، وانتخب نخبة من شباب الطلبة الذين هم مؤمنون بتطوير الحوزة وحاضرون للانتظام والتدرج، وبالفعل استقبل هؤلاء ونجح في هذا الجانب نجاحًا باهرًا ، ولو حاول أحد منكم أن يقرأ ترجمات المؤلفين والخطباء من الحوزة العلمية من حوالي (50) سنة إلى الآن لوجد نسبة كبيرة منهم كانوا من خريجي تلك الكلية ( كلية الفقه)، ومن قبل فترة قريبة توفي أحد طلاب تلك الكلية الفقهية، وهو الشيخ الفضلي وقبله الشيخ الوائلي، وقبله السيد جواد شبر من الخطباء المنبريين الكبار (رحمهم الله جميعًا) ، وأمثال هؤلاء فاستقطب مجموعة من هؤلاء الذين كان لديهم استعداد ذهني، وجدية في الدرس، وبالفعل استطاعوا خلال فترة ليست طويلة أن يصلوا لمدارج عالية من العلم والمعرفة فحقق بهذا نجاحًا، وإلى الآن كلية الفقه لا تزال قائمة، وخرجت عدة دورات على اختلاف المستويات.

الأمر الثالث:
 قيامه بتجديد منهج الخطباء فقد رأى أَنَّ الخطابة بالطريقة السائدة لا توصل رسالة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا تمثل الحجم العلمي الموجود في الحوزة العلمية؛ لأن الغالب كان حالة الرثاء والقصائد و ما شابه ذلك، مع أنه كانت بدايات حتى قبل الشيخ المظفر ، وهي بدايات منهج جديد بدأ من أيام الشيخ كاظم السبتي، ومن تلاه لكن كمنهج معد ومرتب وصفوف دراسية لم يكن هذا الشيء ، فقد عمل الشيخ المظفر بشكل شخصي على بعض الأفراد، كما يذكر ذلك الشيخ المرحوم الوائلي ( رحمه الله) في كتابه ( تجاربي في المنبر) يقول: إنَّ الشيخ المظفر كان يطلبه، ويقول له إذا أردت أن تقرأ مجلس ابدأ هكذا، وتحدث بهذه الطريقة ، وواصل الموضوع بهذا الشكل ثم اختم بهذه الطريقة إلى أن أخذت هذه الطريقة مسارها، بل فتح صف لتعليم أصول الخطابة الحسينية بالشكل الجديد لكن هذا واجه معارضة ، ويذكر الشيخ الوائلي ( رحمه الله) حادثة طريفة على المنبر يقول بعد ما بدأنا هذا البرنامج، وصارت الدروس، وبدأ بعض الطلبة يتفاعلون وجدت جماعة من غير الواعين، والذين لم يفهموا هذه الرسالة بشكل صحيح، وقالوا إنَّ هؤلاء يريدون أن يتعاونوا على المنبر، ويسقطونا من تاريخ الشيعة فماذا نفعل، يقول الشيخ الوائلي في أحد الأيام هجموا على المكان الذي ندرس فيه، وكسروا الأدراج والكراسي والطاولات، وبالطبع هذا لم يكن هو الاتجاه الغالب والسائد، ولذا سارت حركة التطوير مع تصحيحاتها سواء في الحوزة العلمية وإلى الآن التوجه إلى تجديد البرامج سواء في الحوزة العلمية في قم أو الحوزة العلمية في النَّجف الأشرف، فهذا التوجه توجه قائم وسائد، ويستشعر كثير من الطلاب فائدته ومنفعته، و لا يوجد صدام لكن أكثر مَنْ يشعر بفائدته ممن أصبحوا ضمن هذا الاتجاه الجديد في الخطابة، بل يستشعر الناس فائدة هذا التوجه، وكونه موصل لأفكار أهل البيت ( عليهم السلام) إلى النَّاس على نحو أفضل، بل عمل على تحسين كتابة طلبة العلم، و لا بد أن يكون لطالب العلم القدرة على الكتابة الأدبية الجيدة فيكتب بحث أو كتاب يكون مقروءًا لعامة النَّاس بلغة يفهمها أهل هذا الزمان؛ لأن أسلوب الكتابة يختلف من زمان لآخر ، فلو جلبنا كتاب لطالب من (500) سنة لا يرتاح لهذا النمط من الكتابة، و لا يرتاح  في قراءته لكن لو جلبت له كتابة من الكتابات الحديثة، وبالطرق المعهودة في النثر العربي الحديث يتفاعل معها و يقرؤها.
 وعمل الشيخ المظفر مع آخرين لتشكيل الرابطة الأدبية لتعريف الطلاب على أساليب الأدب الحديث شعرًا ونثرًا، وصار هناك توجه، كما أنه ألف كتب بهذا الاتجاه منها: (كتاب السقيفة) بحث تاريخي هادئ قوي الحجة رزين الأسلوب عندما يتلقاه شرف الدين وهو العالم البحر في هذا الجانب ، ويريد كتابة رسالة إلى الشيخ المظفر يقول فيها: " وقع بيدي هديتكم الثمينة فألفيته قوي الحجة جيد الأسلوب حري بالمطالعة وكنتم – يخاطب الشيخ المظفر- لا زلتم معقد الآمال في تجديد الجامعة العلمية في النجف الأشرف، وإني أرى أنه لا ينتشر الهدى إلا من حيث ينتشر الضلال بنفس الأسلوب الذي غزونا به أهل الضلال من الكتابات الجميلة والشعر الرائد نحن نستطيع أن نوصل إليهم هذه الأفكار " .
 وكان للشيخ المظفر ( رحمه الله) عدد جيد من المؤلفات منها: عقائد الإمامية ، كتاب في الفلسفة الإسلامية، مناقشة مع صدر الدين الشيرازي، مناقشة مع ابن سينا، كتاب في فقه المعاملات، وهكذا.
 وكان شاعرًا محلقًا فمن يراجع شعراء الغري يجد ترجمة، وعدد من قصائده التي تعرب عن شاعرية قوية لهذا الشيخ الجليل الشيخ المظفر ( رحمة الله عليه) دَوَّن في هذا الشِّعر أحاسيسه تجاه فقد العلماء، وتوجهاته العامة، واحتجاجه على بعض المظالم الموجودة في العالم الإسلامي،  رثاءه لأبطال وشهداء كربلاء ( رضوان الله عليهم).

 

مرات العرض: 3458
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2568) حجم الملف: 16926.95 KB
تشغيل:

خديجة سيدة نساء الجنة
العلامة الأميني والبحث العقائدي