السيّد البروجردي فارس الوحدة والتنوير
تصحيح الاخت الفاضلة سلمى آل حمود
" وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ".
حديثنا سيكون بإذن الله حول شخصية آمنت وطبقت هذه الآية المباركة عملياً وسعت إلى تحقيقها في الواقع الخارجي ألا وَهِيَ شَخْصِيَّةُ زَعِيمِ الطَّائِفِةُ آيَة اللهَ العُظْمَى السَّيِّدُ حَسَنٌ الطبطبائي البروجردي, وَالمُتَوَفَّى سَنَةٌ 1380 هُ عَنْ عَمْر يَصِلُ إلى 87 سنة .
دور السيّد البروجردي في انقاذ الحوزة العلميّة
حَيَاةُ السَّيِّدِ البروجردي (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) هِيَ أَكْبَرُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَنْ نُحِيطَ بِهَا فِي حَدِيثٍ أَوْ مُحَاضَرَةٌ أَوْ جَلْسَةٌ وَاحِدَةٌ إِذْ أَنَّ هَذَا الرجل يعتبر هو المؤسس الثاني بل المؤسس الحقيقي للحوزة العلمية في قمْ . بعد أن بدأ الشيخ عبد الكريم الحائري ( رضوان الله عليه ) التدريس في الحوزة العلمية في قم، وبدأ يجتمع إليه طلاب العلم ثم انتقل إلى رضوان الله عز وجل وَخَلْفَهُ عَدَدٍ مِنْ المُجْتَهِدِينَ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَنُظَرَائِهِمْ وَكَادَتْ الحَوْزَةَ العِلْمِيَّةَ فِي قُمْ أَنْ تَتَلَاشَى وَتَنْتَهِي إِلَى أَنْ جَاءَ السَّيِّدُ البروجردي بِطَلَبٍ مِنْ أَعْظَمِ ثَلَاثَةٍ مُجْتَهِدَيْنِ فِي ذَلِكَ الوَقْتَ فِي قُمْ المُقَدَّسَةَ وَهَمَ السَّيِّدُ الحُجَّةَ الكوهكمري, وَالسَّيِّدُ الخونساري، والسيد الصدر أي صدر الدين الصدر (رضوان الله عليهم اجمعين ) وقر رأيهم على أن يستنقذوا الحوزة العلمية من الانهيار بواسطة عالم جليل في مستوى السيد البروجردي ( رحمة الله عليه )
وَالَّذِي كَانَ مِنْ أَعْيَان تَلَامِذَةٌ الأخوند الخَرَسَانِيُّ وَكَانَ إِلَى ذَلِكَ الوَقْتُ يَقْطُنُ فِي بَلْدَتِهِ فِي بروجرد مَعَ مَجِيءِ السَّيِّدِ البروجردي إلى قمْ وما كان عليه من العلم من جهة والتدبير من جهة أخرى. بدأت الحوزة العلمية في قمْ تنتعش من جديد ولذلك يعتبر بحق مؤسساً ثانياً أو حقيقياً للحوزة العلمية في قم ولأجل هذا وجدنا أنّه أهم مدرسي البحث الخارج الآن في هَذَا الزَّمَانُ وَفِي قُمْ كَان المُدَرِّسُونَ الكِبَارُ لِلبَحْثِ الخَارِجِ فِي الأُصُولِ وَالفِقْهِ هُمْ مِنْ تَلَامِذَةِ السَّيِّدِ البروجردي إِذْ أَوْصَى تلامذته، بل وجدنا عدد من مراجع الطائفة ممن يعتبرون تلامذة له أو تلامذة المنهجية ( رضوان الله عليه )، فبلغت الحوزة العلمية في قمْ مرتبة عالية من العلم من الانتشار.
أَصْبَحَ عَدَدُ العُلَماءِ فِيهَا كَبِيرًا, وَ أَصْبَحَ فِيهَا الخُطَبَاءُ وَالكِتَابُ وَهَذَا مَا كَانَ يُؤَكِّدُ عَلَيْهِ السَّيِّدَ البروجردي أَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّ يكون العالم قادراً على الخطابة. وقادراً على الكتابة حتى يستطيع أن يوصل رسالته إلى الناس وكان يقول أن هذا هو الفرق بين الحوزة العلمية في قم المقدسة، وأختها في النجف الأشرف في ذلك الوقت.
فِي ذَلِكَ الوَقْتُ لَمْ يَكُنْ التَّوَجُّهُ فِي الحَوْزَةِ فِي النَّجَفِ إِلَى الخِطَابَةِ وَإِلَى الكِتَابَةِ كَالَّذِي نَجْدَةٌ فِي قُمْ المُقَدَّسَةَ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى أثر دفع وتشجيع وتخطيط السيد البروجردي (رحمة الله عليه). هَذَا كَلَامٌ يَطُولُ فِيهُ الحَدِيثُ .
منهج السيد البروجردي في الفقه
لَوْ أَرَدْنَا أن نتحدث عن منهجيته العلمية في التدريس سواءً في الفقه الذي كان له نظرية فيه خاصة به وتعتمد على أساس دراسة المسألة المعينة ضمن تسلسلها التاريخي وضمن تسلسلها أيضاً وتنوعها المذهبي. وكيف نظرَ بقيّة فقهَاء المَذاهب إلى المَسألة مَا هيَ أراءهُم فيها؟
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ كَمَا يَقُولُ تَلَامِذَتُهُ وَدَارِسِي تَرْجَمَتُهِ, بِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنْ بِالإِمْكَانِ لِلفَقِيهِ أَنْ يَفْهَمَ بِشَكْلٍ أَكْبَرَ وَأَعْمَقَ مِنْ خلال أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في حال عُرفت الفتوى الرسمية في زمان صدور النص. يعني مثلاً إذا عرفنا أن رَأْيُ المَذَاهِبِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي زَمَانٍ العَبَّاسِيَّيْنِ مَثَلًا حَوْلَ نَجَاسَةِ الخَمْرِ كَذَا وَ كَذَا فَإِنَّ مَعْرِفَتَنَا بِفَتَاوِيهِمْ تَنْفَعُنَا أَنْ نَفْهَمَ بِشَكْلٍ أَوْضَحَ
حَدِيثُ الإِمَامِ الصَّادِقُ وَحَدِيثُ الإِمَامِ الكاظم لِأَنَّ أَحَادِيثَ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهُمْ السَّلَامُ) نَاظِرَةً إِلَى الوَاقِعِ الخَارِجِيِّ وَالفِقْهِ السائد نظر الحاشية إلى المتن وهذا الأمر واضح مثل الآن لو أردنا هذا المثال، فأنت الآن عندما تعيش في مجتمع يكون القضاء الرسمي فيه لغير مذهب أهل البيت(عليهم السلام). إذ تذهب إلى المحكمة إلى حاجه من الحاجات ويقضى إليك بِشَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ فَلَا تَكْتَفِ بِهِ ثُمَّ تَذْهَبُ وَتَسْأَلُ شَيْخٍ مِنْ مَحَلَّتِكَ أَوْ إِمَامِ جَمَاعَتِكَ أَوْ المَرْجَعِ الَّذِي تَرْجِعُ إِلَيْهُ بِأَنَّهُ يُوجَدُ قضية كذا و كذا فهل هذا الحكم صحيح أو غير صحيح؟ هل آخذ بالحكم أم لا؟ فيفتيك بنفس هذا الكلام و أنه كان موجوداً في زمان المعصومين(عليهم السلام).
الشِّيعَةُ سَوَاءً كَانُوا فِي الْكُوفَةُ أَوْ فِي المَدِينَةِ أَوْ فِي الرَّأْيِ أَوْ فِي سَائِرَ الأَمَاكِنَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعِيشُونَ فِي ظِلِّ فِقْهٍ رَسْمِيٍّ وَهُوَ غَيْرَ فِقْهِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهُمْ السَّلَامُ) فَكَانَ يَقْضِي لِهُمْ بِبَعْضٍ القضاءات حَتَّى تَنْتَشِرَ بَعْضُ الفَتَاوَى مِنْ قَبْلِ الفُقَهَاءِ الرَّسْمِيِّينَ لِدُوَلِهِ إِذْ يَحْتَاجُ هَذَا الإِنْسَانُ الشِّيعِيُّ أَنْ يُحَدِّدَ مَوْقِفَهُ الشَّرْعِيَّ, فَيَذْهَبُ إِلَى الإِمَامِ وَيَسْأَلُ الإِمَامُ عَنْ هَذِهِ القَضِيَّةِ فَيُجِيبُهُ, لِذَلِكَ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَعْرِفَ هَذَا الحَدِيثَ فِي أَيُّ جُو جَاءَ, وَ يُعَالِجُ أَيُّ قَضِيَّةً, وَنَاظَرَ إِلَى أَيُّ مَوْضُوعٌ? فَلاَبُدَّ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا كَانَ سَائِدًا مِنْ الفَتَاوَى وَلِهَذَا كَانَ يُصِرُّ عَلَى أَمْرِ دِرَاسَةٍ وَمَعْرِفَةٍ فقهِيَّةٍ.
وَكَانَ عِنْدَهُ أَيْضًا غَيْرُ الأَمَامِيَّةِ مَنْهَجٌ خَاصٌّ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ حَدِيثٌ تَخَصُّصِيٌّ وَ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَحَدَّثَ عَنْهُ بِالكَامِلِ, وَلَهُ نَظَرِيَّةٌ وَطَرِيقَةٌ فِي مَعْرِفَةِ الأَسَانِيدِ وَتَرْتِيبِ طَبَقَاتٍهَا, وَكَيْفَ يَسْتَطِيعُ هَذَا الفَقِيهَ أَوْ الرَّجُلَ أَنْ يُحَدِّدَ أَنَّ السَّنَدَ مُتَّصِلٌ أَوْ غَيْرُ مُتَّصِلٍ, وَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ الاِجْتِهَادُ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ بِغَضٍّ النَّظَرَ عَنْ كِذْبِ الرِّجَالِ أَوْ لَا؟ فَكَمَا قِلَّتُ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ نَخُوضَ فِيهُ إِنَّمَا هِيَ إِشَارَةٌ فَإِنَّ حَيَاةَ هَذَا العَالَمِ وَتَنَوُّعِهَا وَأَخْذُهِ بِأَطْرَافِ المَجْدِ (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ) كَانَتْ كَثِيرَةً. وَلَكِنَّ نَحْنُ نَعْطِفُ بِالحَدِيثِ إِلَى قَضِيَّةٍ مِنْ القَضَايَا المُهِمَّةُ الَّتِي تَتَّصِلُ بِنَا فِي هَذَا الزَّمَانَ.
دور السيد البروجردي في مسيرة التقريب بين مذاهب الأمة.
كان للسيد البروجردي (رحمة الله عليه) دورٌ في بناء مسيرة التقريب بين مذاهب الأمه وفي السعي نحو توحيد هذا الإِسْلَامِيُّ العَرِيضُ خُصُوصًا وَنَحْنُ نَعِيشُ اليَوْمَ فِي ظُرُوفٍ بَلَغَ فِيهَا التَّشَنُّجُ الطَّائِفِيُّ وَالبِدَايَاتُ الخَطِيرَةُ حَتَّى أَصْبَحَ هَذَا التَّشَنُّجُ يُهَدِّدُ الأَمَانَةَ الشَّخْصِيَّةَ لِلإِنْسَانِ بَلْ وَ يُهَدِّدُ السِّلْمَ الاِجْتِمَاعِيُّ لِلأُمَّةِ حَيْثُ يَتَبَيَّنُ هُنَاكَ كَيْفَ أَنَّ طَرِيقَةَ هَذَا العَالَمِ الجَلِيلُ وخطواته كانت في محلها تماماً ولو اتخذت منهاجاً يُسارعليه لكانت الأمة في وضع أفضل بكثير مما تعيش فيه اليوم.
السَّيِّدُ البروجردي (رَحِمَهُ الله) لَمْ يَكُنْ يُعْتَبَرُ مَوْضُوعَ التَّقْرِيبِ مُجَرَّدٌ قَرَارًا سِيَاسِيًّا مُؤَقَّتًا, أَوْ عَقْدُ مُؤْتَمَرٍ عَابِرَ لِفَتْرَةٍ مِنْ الوَقْتِ, أَوْ لِقَاءٌ بَيْنَ عَامِلَيْنِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ أَوْ عُلَمَاءَ مِنْ مَذَاهِبَ. فَلَمْ يَكُنْ الأَمْرُ فِي هَذَا الحُدُودُ بَلْ كَانَ السَّيِّدَ البروجردي(رحمه الله) يرى أن هذه المسيرة هي مسيرةٌ أمة ينبغي أن تكون، ومسيرة قادة الأمة ينبغي أن تكون في هذا الاتجاه وعبر خطوات كثيره صنعها السيد البروجردي (رحمه الله):
الخطوة الأولى
فِيمَا يَخُصُّ قَضِيَّةَ التَّقْرِيبِ وَالتَّأْلِيفَ وَالتَّوَحُّدَ فَقَدْ كَانَ يَعْتَمِدُ طَرِيقَةَ التَّوَاصُلِ المَعْرِفِيِّ وَالعِلْمِيِّ إِذْ يُبِينُ: نَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَبْنِيَ تَقْرِيبَ بَيْنَ جُمْهُورٍ المُسْلِمِينَ, وَ بَيْنَ اِتِّبَاعِ المَذَاهِبِ وَهَذَا لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَرْضِيَّةٍ مِنْ المَعْرَفَةِ "تَقُولُ أَنَا أَفْهَمُكِ وَأَنْتَ تفهمني " و " انا أعرفك وأنت تعرفني" ثم نتفاهم ونتواصل، فالناس أعداء ما جهلوا و كثيرٌ من المواقف المتشنجة و المعقدة مبنية على أساس واحد من تلك الأسس وهو الجهل و أن الإنسان لا يعرف الطرف الآخر , لماذا ؟ لأن الناس أعداء ما جهلوا.
السَّيِّدُ البروجردي (رَحِمَهُ الله) هَذَا العَالِمُ الجَلِيلُ قَالَ: عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَعْرِفُوا بَعْضَهُمْ بَعْضًا لِيَعْرِفَ السَّنَةَ الشِّيعَةَ وليَعرف الشيعة السنة لتتعرف المعاهد العلمية في مدرسة الخلفاء على عقائد وفقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ولتتعرف الحَوزات العلمية في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) على فقه وعقائد مدرسة الصحابة والخلفاء، و إذا جاءت المَعْرَفَةُ سَتُقِلُّ التَّشَنُّجَاتِ وَ تَقُلْ المِحَنَ, وَ تَقُلْ البَغْضَاءَ وَ تُصْبِحُ أرْضِيَاتٌ مُشْتَرَكَةٌ.
فَمَاذَا يَقُولُ السَّيِّدُ البروجردي (رَحِمَهُ الله)؟ يَقُولُ أَنَّ هَذَا الطَّرِيقُ كَانَ هُوَ طَرِيقُ العُلَماءِ الأقدمين يَعْنِي أَنَّ العُلَماءَ القُدَامَى كانوا يعرفون رأي المذاهب الأخرى. فشيخ الطائفة الطوسي كان محيطاً بفقه أهل السنة كما يعرف الفقه الإمامي و يعرف فقه أبي حنيفة ويعرف فقه مالك ويعرف فقه الشافعي ويعرف فقه أحمد بن حنبل . ولذلك ألف كتاب سماه (الخلاف) أي أن المسائل الفقهية كلها قد أتى فيها بآراء المذاهب الأخرى وأدلتهم ثم يأتي برأي مدرسة أهل البيت عليهم السلام ودليل هذه المدرسة كان محيطاً بالفقه الآخر .
المُحَقِّقُ أَلَحَّلِي كَذَلِكَ وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرَائِعِ (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ). فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ اِسْمُهُ (المعتبر) هَذَا أَيْضًا فِقْهٌ مُقَارِنٌ وَ يَأْتِي بالمسائل الفقهية ورأي المذاهب الإسلامية الأخرى ثم يستدل على فقه أهل البيت ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) كان للعلامة الحلي ابن أخته وهذا الرجل المعروف والشهيد أيضاً كان عنده كتاب اسمه (تذكرة الفقهاء) و أورد فيه آراء المَذَاهِبُ الإِسْلَامِيَّةُ الأُخْرَى فِي المَسَائِلِ الفقهِيَّةَ وَأُورَدُ قَوْلَ أَهْلِ البَيْتِ وَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ.
الشَّاهِدُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا كَانَتْ قَلَتْهُ فِي هَذَا الجَانِبِ, وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يُذْكَرُ فِي تَرْجَمَةِ حَيَاتِهِ أَنَّهُ أَخَذَ العَلَمَ بِالإِضَافَةِ إِلَى تَعَلُّمِهِ على فقهاء أهل البيت، فأخذ العلم عن قرابة 40 عالم من غير الشيعة وكانوا أصناف، وشوافع، وموالد سواءً يقرأ عليه كتاب أو يجلس معه عدة جلسات ودرس الفقه في المدرسة النورية في بعلبك على المذاهب الخمسة. هذه كانت هي السيرة الطَّبِيعِيَّةُ لِعُلَمَائِنَا وَهِيَ إِحَاطَتُهُمْ وَمَعْرِفَتُهُمْ بِفِقْهِ المَذَاهِبِ الآَخِرُ.
يَقُولُ البَاحِثُونَ إِلَى أَنْ جَاءَ زَمَانُ الدَّوْلَةِ الصفوية وَجَاءَ المَرْحُومُ الشَّيْخُ عَلَى عَبْدُ الْعَالِي الكُرْكِيَّ, فَفِي ذَاكَ الزَّمَانُ بَدَأْتُ المواجهة العنيفة الشديدة بين الدولة الصفوية التي كان مذهبها الرسمي التشيع وبين الدولة العثمانية التي كان مذهبها الرسمي المذهب الحنفي من مذاهب أهل السنة فانقطع هذا التواصل و صار مكاناً للمواجهة داخل الحالة الشيعية.
يَقُولُ بَعْضُ البَاحِثِينَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَاجَتْ الحَالَةُ الإِخْبَارِيَّةُ وَهِيَ لَا تَرْتَاحُ إِلَى دُخُولِ آرَاءٍ السَّنَةَ وَالمَذَاهِبِ الأُخْرَى فِي مَنَاهِجَ الشيعة فتقول: دعنا على مناهجنا خالصة صافية و ليس فيها أي شيء آخر وكانت تعيب على العلماء الذين يوردون كلاماً من خارج مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فكان هذا الأمر من جهة سياسية وذاك الأمر من جهة فقهية إذ حجّم التفاعل وَالتَّعَامُلُ وَالتَّوَاصُلُ وَالتَّفَاهُمُ العقيدي وَالفقهِيُّ وَالمَعْرِفِيُّ بَيْنَ المَدْرَسَتَيْنِ إِلَى أَنَّ تَوَقُّفٌ وَأُكْتُفِيَ بِمَا لَدَيْهُ حَيْثُ أَصْبَحَتْ المذاهب السنية لا تعتني بالمذهب الشيعي و كان في ذلك الوقت أيضاً فيما بعد القرن الثامن الهجري فصاعداً أصبح المذهب الشيعي أيضاً منكمشاً و لا ينفتح على الحالة السنية .
فَأَتَى السَّيِّدُ البروجردي وَ قَالَ بِأَنَّ هَذَا خَطَأٌ وَ لَيْسَ صَحِيحًا لِأَنَّنَا حَتَّى إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَفْهَمَ رِوَايَاتِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهُمْ السَّلَامُ)بشكل أفضل وأعمق فلابد أن نعرف الوسط المُحيط الذي قيلت فيه و على ماذا ترد هذه الفتاوى و إلى أي شيء هي ناظرة؟ إذ لابد أن تكون ناظرة إلى فتاوى وإلى قضايا كانت موجودة، ففهْمُ تلك الفتاوى و فهْمُ تلك القضايا يُعين على فَهِمَ رِوَايَاتِ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهِ السَلَامُ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ, فَأَوَّلُ شَيْءٍ مَاذَا صَنَعَ؟ صَنَعَ السَّيِّدُ البروجردي تَوَاصُلًا عِلْمِيًا ومعرفيًا مع مَدرسة أهل السنة ومَذاهبهم ولذلك كان في بحثه الفقهي يأتي بآراء المذاهب الأخرى، ويأتي بكتاب الخلاف لشيخ الطائفة الطوسي وينقل منه آراء المذاهب الأخرى ويستدل على صواب مذهب أهل البيت (عليهم السلام). أضف إلى ذلك أنهّ أوصل الفقه الشيعية إلى الجامعة العلمية في مصر – وخاصة في جامع الأزهر إلى أن كان في ذلك الوقت هو المَرْجَعِيَّةُ الدِّينِيَّةُ الوَحِيدَةُ لِلعَالَمِ السُّنِّيِّ الآنَ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةَ. تَعَدَّدَتْ المَرْجَعِيَّاتُ حَتَّى صَارَ بَعْضُهُمْ خِرِّيجًا مِنْ كُلِّيَّة الشريعة أربع سنوات ليصبح قاضياً ومفتي ويُعلن التغير العام ويعلن التعبئة العَامة ويصير هو المرجع الأعلى .
لَمْ يَكُنَّ هُنَاكَ مَرْجَعِيَّةٌ دِينِيَّةٌ إِلَى الأَزْهَرِ الشَّرِيفَ فِي ذَلِكَ الوَقْتُ, وَكُلُّ العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ كَانَ يُخْضِعُ إِلَى رَأْيِ الأَزْهَرِ, وَيَجِدُ أن هذه هي المرجعية العليا للمدرسة السنية ، ثم بدأ يُوصل إليهم كتب أهل البيت عليهم السلام ( كتاب المبسوط) لشيخ الطائفة الطوسي في الفقه والمكون من 16 مجلداً و أرسل منه دورات إلى شيخ الأزهر، وإلى مكتبة الأزهر ، وإلى العُلَمَاءُ حَتَّى يَتَعَرَّفُوا عَلَى مَذْهَبِ الإمامية, فَأُعْجِبَ بَعْضٌ هَؤُلَاءِ إِعْجَابًا كَبِيرًا بِأَنَّ هَذَا الفِقْهُ يَحْمِلُ هَذَا المِقْدَارُ مِنْ التَّفْصِيلِ ومن الاتساع والاستدلال، بل قام بعض العلماء المصريين بالتعاون مع وزارة الأوقاف في حينها بطباعة كتاب (المختصر النافع) الذي هو مختصر الشرائع للمحقق الحلي وهو من الكتب المهمة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام. طَبَعَ مِنْ قِبَلِ وِزَارَةِ الأَوْقَافِ المِصْرِيَّةِ فِي وَقَّتَهُ وَوَزَّعَ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي تُوَزِّعُ عَلَيْهِ الكُتُبَ وَ الَّتِي تَطْبَعُهَا وِزَارَةُ الأَوْقَافِ حتى يصبح الناس، الخطباء، العلماء، و أئمة الجماعات يتعرفون على فقه أهل البيت صار فيما بعد أيضا على أثر السعي.
اعتراف جامع الأزهر بمذهب أهل البيت عليهم السلام.
سَوْفَ نَتَحَدَّثُ فِي قَضِيَّةِ صُدُورِ فَتْوَى رَسْمِيَّةٍ مِنْ الأَزْهَرِ بِالاِعْتِرَافِ بِمَذْهَبِ أَهْلِ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامَ هَذَا ضِمْنَ جُهُودِ زَعِيمِ الطَّائِفَةِ السَّيِّدِ البروجردي فِي مَا بَعْدَ صَارَ حَتَّى أَيْضًا الفِقْهُ الإمامي يَدْرُسُ فِي الجَامِعِ الأَزْهَرَ بِاِعْتِبَارٍ أَنَّهُ أَحَدٌ المَذَاهِبِ الإِسْلَامِيَّةَ مِثْلَهُ كَمِثْلِ سَائِرَ المَذَاهِبَ الأَرْبَعَةُ فَهَذَا أَوَّلُ شَيْءِ صُنْعِهِ السَّيِّدُ البروجردي أَنْ يَصْنَعَ جِسْرَ مِنْ التَّوَاصُلِ المَعْرِفِيَّ وَالعِلْمِيَّ بَيْنَ المَرَاكِزِ الدِّينِيَّةِ الشِّيعِيَّةَ وَالسُّنِّيَّةَ هَذَا وَاحِدٌ,
تحديد مركز الخلاف بين الطائفتين :
الأَمْرُ الآخِرُ السَّيِّدِ البروجردي أَنَّهُ وَجَّهَ سُؤَالٌ وَهُوَ أَيْنَ مَرْكَزُ الخِلَافِ بَيْنَ السَّنَةِ وَالشِّيعَةِ, وَ أَيْنَ يَكْمُنُ مَرْكَزٌ الخلاف ؟ فلابد من تحديده وهذا كلام عجيب لمن يسمعه. مثلا : يقول السني بأنّه نحن لا نجتمع مع الشيعة لا على إله واحد ولا على نبي واحد ولا على كتاب واحد، وكذلك الشيعي يقول : نحن لا نجتمع مع السنة لا على إله واحد ولا على نبي واحد ولا عَلَى كِتَابٍ وَاحِدٌ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يُفَلْسِفُ الحِكَايَةُ بِطَرِيقَةٍ مِنْ الطَّرَفِ, فَهَذَا كَلَامٌ يُقَالُ لَدَى بَعْضِ النَّاسِ الَّذِي لَيْسَ لهم تأثير واضح ولكن هناك أناس هكذا يتكلمون في الطرفين .
فَقَالَ السَّيِّدُ البروجردي: تَعَالَوْا لِنُحَدِّدَ أَيْنَ هُوَ مَرْكَزُ الخِلَافِ? وَفِي رَأْيِهِ أَنَّ مَرْكَزَ الخِلَافِ فِي نُقْطَتَيْنِ وَهُمَا نُقْطَتَانِ أساسيتان و تتفرع منهما كل نقاط الخلاف الأخرى وتفاصيلها.
فَيَقُولُ فِي النُّقْطَةِ الأُولَى: أَنَّ الخَلَافَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهُ) كَقَضِيَّةٍ تَارِيخِيَّةٍ هِيَ مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فالشيعة يعتقدون بأنه كان من اللازم أن يأتي أمير المؤمنين وهو الخليفة الشرعي المنصوص عليه، والسنة يقولون لم تكن هناك وصايا ولا تعيين و إنما انتخب المسلمون الأصلح لهم وكان الخليفة الأول! وهذه نقطة الخلاف الأولى.
نُقْطَةُ الخِلَافِ الثَّانِيَةُ: يَقُولُ السَّيِّدُ البروجردي (رَحِمَهُ الله) فِيمَا يَخُصُّ المَرْجَعِيَّةَ الدِّينِيَّةَ فِي هَذَا الزَّمَانَ, مِنْ أَيْنَ نَأْخُذُ أَحْكَامِنَا الدِّينِيَّةَ? وَ مِنْ أَيْنَ نَأْخُذُ مَعَارِفِنَا؟ فَهَذَا محلُ خِلَافٌ أَيْضًا. فَمَدْرَسَةُ الصحابة وَالخُلَفَاءُ يَقُولُونَ أَنَّنَا نَأْخُذُ مِنْ كِتَابٍ اللهُ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلَةٌ) وَالبَاقِي عَمِلَ الأَصْحَابَ وَالاِسْتِحْسَانَ وَالمَصَالِحَ المُرْسِلَةُ وَ وَ وَ... إلخ.
تقول مدرسة أهل البيت: نحن نأخذ من القرآن وسنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أحاديث المَعصومين عليهم السلام طِبْقًا لَمَّا جَاءَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلَةٌ) وَ هُوَ حَدِيثٌ الثِّقْلَيْنِ المَعْرُوفَ "مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا مِنْ بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي"
إِذْ يَقُولُ السَّيِّدُ البروجردي: بِالنِّسْبَةِ لِلقَضِيَّةِ الأُولَى وَهِيَ الخَلَافَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلَةٌ), فَالخِلَافُ فِيهَا خِلَافٌ تاريخي الآن سواء ما وقع صحيح كما يقول أهل السنة أو غير صحيح كما يقول شيعة أهل البيت(عليهم السلام) و لا نستطيع أن نغير فيه شيء، فهل نستطيع أن نرجع عقارب الزمن للخلف ونعزل الخليفة الأول ونضع علي بن أبي طالب مكانه ؟ لا نستطيع ذلك بالطبع. فالشيعي يقول هذا الذي حدث كان خطأ وذلك السني يقول الذي حدث كان شيء صحيح، أَمَّا فِي الحَيَاةِ العَمَلِيَّةِ الآنَ فَهَذَا مَا يُؤَثِّرُ عَلَيْنَا فِي المَعْنَى التَّارِيخِيِّ تَأْثِيرًا كَبِيرًا.
وَيَقُولُ: النُّقْطَةُ المُهِمَّةُ وَالأَسَاسُ هِيَ النُّقْطَةُ الثَّانِيَةُ. وَهِيَ أَنَّكَ أَنْتِ الآنَ فِي مُعَامِلَاتِكَ وَ فِي عِبَادَاتِكَ, وَ فِي أُمُورِكَ الدِّينِيَّةِ. من أين تأخذ تشريعاتك ؟ فيقول: لو أن المسلمين توصلوا إلى نقطة سواء متفق عليها وقبلوا أمر أهل البيت (عليهم السلام) وعترة أهل البيت على أنها جزء من المصادر فتنتهي المشكلة، وإذا لم يحدث فيبقى هذا مذهب والباقي مذاهب أخرى، فتحَدِيدُ مَرْكَزِ الخَلَافَةِ هُوَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ "سُبْحَانَ اللهِ" نَفْسُ الكَلَامِ قَالَهُ الإِمَامُ السَّيِّدُ عَبْدُ الحُسَيْن شَرَفُ الدِّين - رَحِمَهُ الله- في المراجعات وفي كتاب الفضول المهمة في تأليف الأمة إذ يقول : إنه ينبغي علينا أن نبحث في موضوع حديث الثقلين ولذلك السيد البروجردي أمرَ بعض العلماء أن يؤلف في حديث الثقلين كتاب مستدل علمي هادئ اللهجة وأن يُطبع في مصر، فألف أحد العلماء الشيخ الوشنوي كتاب عن حديث الثقلين وبالفعل طُبع في مصر فتحديد مركز الخلاف مهم كان عند السيد البروجردي شيء مهم.
النُّقْطَةُ الثَّالِثَةُ: كَانَتْ عِبَارَةٌ عَنْ إِزَالَةِ نِقَاطِ التَّوَتُّرِ هُنَاكَ وَ فِي كُلِّ فَرِيقٍ يُوجَدُ نِقَاطٍ تُوَتِّرُ هَذَا إِذَا كَانَ الطَّرَفَانِ يَسْعَيَانِ لإزالتها. في بَعْضِ مَا يَنْقُلُ عَنْ السَّيِّدِ البروجردي يُقَالُ أَنَّ السَّيِّدَ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الاِتِّجَاهَ العَامَّ فِي وَسَطِ العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ السُّنِّيِّ يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَهَّمَ مَنْهَجٌ أَهْلَ البَيْتِ عَلَيْهُمْ السَّلَامُ, وَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَاعَلَ وَيَتَعَاطَفُ مَعَ مَنْهَجِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهُمْ السَّلَامُ) لَكِنْ هُنَاكَ خطٌ أُمَوِيٌّ فِي الوَسَطِ هَذَا وَيَدْعُوَا إِلَى التَّشَنُّجِ, يَدْعُوا إِلَى التَّفَرُّقِ, يَدْعُوا إِلَى القَطِيعَةِ, يُهَاجِمُ, وَ يُخَرِّبُ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ وَلَقَدْ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ اليَوْمَ وَ الآنَ أُصْبِحَ هَذَا الخَطَّ الأُمَوِيَّ جِدًّا وَاضِحٌ وَلَا يُوجَدُ مَكَانٍ إِلَّا وَ فِيهُ هَذَا الخَطَّ الأُمَوِيَّ فِي الفِكْرِ وَالعَقِيدَةِ.
فَتَرَى النَّاسَ يَعِيشُونَ حَالَةٍ مِنْ السَّلَامِ وَالتَّفَاهُمِ وَالهُدُوءِ فَإِذَا جَاءَ هَذَا بِالأَمْوَالِ, وَبِالفِكَرِ المُتَطَرِّفُ خَرْبُ الدِّيَارِ وَأَفْسَدَ العُبَّادُ. وَ مِنْ ذَلِكَ الوَقْتِ كَانَ يَقُولُ البروجردي: المَفْرُوضُ أَنَّنَا نُحَيِّدُ هَذَا الخَطَّ الأُمَوِيَّ عَنْ عَامَّةِ الأُمَّةِ وَ نَجْعَلُهُ مَحْصُورًا فِي جِهَةٍ, لَا يُصْبِحْ هُوَ المُمَثِّلَ الرَّسْمِيَّ لِلحَالَةِ السُّنِّيَّةِ وَ لَا يُصْبِحْ هُوَ المُمَثِّلَ لِهَؤُلَاءِ, فَأَنْتَ خَطٌّ مُتَطَرِّفٌ, أَنْتَ إِنْسَانٌ مُتَطَرِّفٌ وَ لاَبُدَّ أَنْ يُنَحِّيَ عَلَى جَانِبٍ وَإِلَى بَاقِي أَبْنَاءِ الأُمَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهِمْ هَذَا التَّوَجُّهَ.
كَانَ ذَلِكَ فِي صَالِحِ شِيعَةِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهُمْ السَّلَامُ) حَاوَلَ أَنْ يُقَلِّمَ لِلاِتِّجَاهَاتِ المتشنجة, فَمَثَلًا: يَنْقُلُونَ كَمَا يَنْقُلُ أَحَدُ كُتَّابِ السِّيرَةِ وَهُوَ الشَّيْخُ وَاعِظٌ زَادَهُ الخَرَسَانِيُّ يَقُولُ: كُنَّا نَشْتَغِلُ عَلَى كِتَابٍ (جَامِعُ أَحَادِيثِ الشِّيعَةِ) وَهُوَ كِتَابٌ مُهِمٌّ وَ أَصْبَحَ تَحْتَ إِشْرَافِ السَّيِّدِ البروجردي - رَحِمَهُ الله - وَ إِلَى الآنَ أَصْبَحَ مَطْبُوعٌ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ 35 مُجَلَّدٍ
أهمية كتاب (جامع أحاديث الشيعة).
هُنَاكَ تَفَاصِيلُ عَنْ أَهَمِّيَّةِ هَذَا الكِتَابِ يَقُولُ فِي يَوْمٍ مِنْ الأَيَّامِ وَنَحْنُ نَعْمَلُ فِي هَذَا وَكَانَ السَّيِّدُ البروجردي يَأْتِي لِيُصَحِّحَ هَذَا وَيُلَاحَظُ عَلَى ذَاكَ غَيْرُهُ, مُشْرِفٌ عَلَى كُلِّ العَمَلِ وَتَفَاصِيلِهِ. فَيَقُولُ: جَاءَ ذَاكَ اليَوْمَ وَكَانَ جِدًّا مُتَأَذِّيَ وَمُنْفَعِلٌ فَقُلْنَا سَيِّدِنَا خَيْرٌ إِنْ شَاءَ الله? فَقَالَ: فُلَانٌ ذِكْرُ اُسْمِي فِي هَذَا الكِتَابِ إِنْ هَذَا فِي عَهْدِ زَعِيمِ الطَّائِفَةِ فُلَانِ بِنْ فُلَانٍ الفلاني مَا هِيَ فَائِدَةُ هَذَا الكَلَامِ الَّذِي يَسُبُّ فُلَانٌ وَيُشَتِّمُ عَلَى فُلَانٍ فَفِي أَيُّ زَمَانٍ نَحْنُ? مَاذَا نَنْتَفِعُ بِمُثُلِ هَذِهِ الكَلِمَاتِ غَيْرَ إِيقَادِ نِيرَانِ العَدَاوَةِ, فَأَنَا أَمَرْتُ أَنْ يُجَمِّعَ هَذَا الكِتَابَ فَإِمَّا أَنْ تَحْذِفَ هَذِهِ الصَّفَحَاتِ وَالكَلَامَ الَّذِي لَا يُفِيدُ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوَزِّعُ لِأَنَّ هَذَا فِيهُ ضَرَرًا أَكْثَرَ مِمَّا فِيهُ مِنْ المَنْفَعَةِ
دقة السيّد البروجردي في تصفية المذهبْ من مَظاهر غير نافعة.
فَكَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ القَضَايَا مِنْ التَّطَرُّفِ وَمِنْ التزيت الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى عُمُومِ الطَّائِفَةِ, فَيَنْهَى عَنْهَا وَ يَتَحَدَّثُ فِيهَا فَإِذَا كَانَ لَهُ سَلَطَةً عَلَيْهِ لَا يَتْرُكْهُ, حَتَّى نَقَّلُوا أَنَّ أَحَدَ مقلديه فِي أَصْفَهَان وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ التُّجَّارِ الكِبَارَ وَكَانَ لَدَيْهُ مَجْلِسٌ ضَخْمٌ جِدًّا فَدَعَا أَحَدُ الخُطَبَاءِ وَهَذَا الخَطِيبِ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ قَاسٍ فِي الحَدِيثِ وَضِدَّ رُمُوزِ أَهْلِ السُّنَّةِ, شَدِيدٌ وَحَادَ فِي الكَلَامِ, فَأَرْسَلَ إِلَى هَذَا التَّاجِرِ الأصفهاني وَقَالَ هَلْ أَنْتِ تُقَلِّدُنِي أَوْ لَا تُقَلِّدَنِي? قَالَ نَعَمْ, قَالَ إِذَا كُنْتَ تُقَلِّدُنِي فَيَلْزَمُ أَنْ تُغَيِّرَ هَذَا الخَطِيبَ وَأَتَشَرَّفُ بِهَذَا أَوْ أَنْ تُلْغِيَ المَجْلِسَ, فَهَذَا المَجْلِسُ وَ هَذَا الصَّرْفُ الَّذِي تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهُ مَنْفَعَةً لِأَهِلَّ بَلَدُكَ إِلَى أَصْفَهَان لِأَنَّ أَصْفَهَان تَارِيخُهَا فِي الأَسَاسِ مُتَعَصِّبٌ فِي الاِتِّجَاهِ الآخَرُ وَفِي أَطْرَافِهَا وَفِيهُ مَنْ يَنْهَجُ مَنْهَجَ المَدْرَسَةِ الأُخْرَى فَهَذَا لَيْسَ فِيهُ فَائِدَةً وَلَا فِيهُ مَنْفَعَةٌ, إِذْ تَجْمَعُ النَّاسَ حَتَّى تَجْعَلَهُمْ أُنَاسًا متشنجين وَمُتَعَصِّبِينَ, لِمَاذَا ؟
إذا كنت أنا مرجعٌ لك، فأنا آمرك أن تغير الخطيب أو أن تلغي المجلس. فكان السيد يحمل هذه الصفة بل حتى بعض الأمور التي من الممكن أن تُفهَم فهماً خاطئاً عن التشيع و لم يكن يرضى بها.
يَقُولُونَ كَانَ السَّيِّدَ فِي مشهد فِي زِيَارَةِ الأَمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَلَامُ) فَرَأَى أَحَدُ الزُّوَّارِ قَدْ أَنْحَنِي وَوَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى عَتَبَةِ بَوَّابَةِ الأَمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَلَامُ) فَاِسْتَدْعَاهُ وَقَالَ لَهُ لِمَاذَا أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا العَمَلَ? فَهَذَا رَجُلٌ عَادِيٌّ! قَالَ لَهُ أَنْتِ بِهَذَا العَمَلِ الَّذِي تَفْعَلُهُ يَتَّهِمُونَنَا غَيْرُنَا بِأَنَّنَا نُعَبِّدُ الأَئِمَّةَ وَنَسْجُدُ لِهُمْ كِذْبًا وَزُورًا, وَنَحْنُ لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلهِ وَلَا نُعَبِّدُ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قِسْمٌ مِنْ الطَّائِفِيَّيْنِ المُتَعَصِّبِينَ وَ بِدُونِ أَنْ يَرَوْا شَيْئًا يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ يُعَبِّدُونَ أَهْلُ البَيْتِ وَيَسْجُدُونَ لِهُمْ, فَكَيْفَ إِذَا رَأَوْا مِثْلَكِ وَأَمْثَالُكَ يَسْجُدُونَ عَلَى هَذَا المَكَانِ!
قَالَ لَهُ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْجُدُ شُكْرًا لِلهِ تَعَالِي عَلَى أَنَّهُ وَفُقْكِ لِلزِّيَارَةِ وَلَكِنَّ هَذَا التَّصَرُّفُ الَّذِي يَجْعَلُ الآخَرِينَ يَذُمُّونَ المَذْهَبَ وَيُنَفِّرُونَ النَّاسُ مِنْهُ, إِذْ لَا يُعَدُّ هَذَا اِحْتِرَامٌ لِلإِمَامِ (عَلَيْهِ السَلَامُ) بَلْ بِالعَكْسِ هَذَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي صَدِّ النَّاسِ عَنْ مَنْهَجِ أَهْلِ البَيْتِ (عَلَيْهُمْ السَّلَامُ), نَقُولُ لِلسَّيِّدِ البروجردي إِذَا كُنْتَ فِي زَمَانِنَا مَاذَا سَتَفْعَلُ؟! بِالكَلِمَاتِ الَّتِي تُنَقِّلُ هُنَا وَهُنَاكَ؟ وَ بِالمُمَارَسَاتِ الَّتِي تُنَقِّلُ هُنَا وَهُنَاكَ؟ فَكَانَ هَذَا السَّيِّدُ رَحِمَهُ الله دَقِيقًا وَشَدِيدًا فِي أَمْرِ تَصْفِيَةٍ المُذَهَّبُ مِنْ المُظَاهِرِ وَمِنْ الأَفْكَارِ الَّتِي لَا تُنَفِّعُ وَلِي مُحَقِّقَةٌ إِذْ أَنَّهُ أَحْيَانًا يَسْمَعُ خَطِيبٌ مِنْ الخُطَبَاءِ يَقُولُ حِكَايَةَ غَيْرٍ صَحِيحَةٌ وَيُوقِفُهُ سمع السيد في أَحَدٌ المَجَالِسِ أَنَّ الخَطِيبَ يَقُولُ فِي مُوَلِّدِ الإِمَامِ الحُسَيْن (عَلَيْهِ السَلَامُ) عِنْدَمَا وُضِعَ الحُسَيْن فِي القِمَاطِ اِرْتَفَعَ إِلَى عَرْشٍ الله سبحانه وتعالى ووضع الله يده على القماط. فاستدعاه وقال له: من أين لك بهذا الحديث؟ أنا رجلٌ قارئ للأحاديث ومتى كان في عقيدتنا أن لله تعالى له يد ؟ فالله سبحانه ليس كمثله شيء وهذا التجسيم والتجسيد خلاف مذهبنا. فالخطيب كان يُرِيدُ أَنْ يُعْظِمَ فِي رَأْيِهِ شَأْنِ الحُسَيْن عَلَيْهِ السَلَامُ فَيُرَفِّعُهُ فَوْقَ. كَانَ السَّيِّدَ البروجردي فِي هَذَا الجَانِبُ حَازِمًا وَصَارِمًا ويُخالف من يكون بهذا التوجه و ليس له معنى في ذلك.
السيد البروجردي من خلال هذا النشاط العاقل و من خلال هذا التخطيط الرائع استطاع أن يُبقي هذه المؤسسة الدينية المرجعية العليا في زمانها على الرغم من أنّه لاتزال هُناك محاولة لإضعافها وكسرها في زمانها ولم يستطع أحداً أن ينازع الأزهر الزعامة الدينية.
فَنَفْسُ هَذِهِ الجِهَةِ الدِّينِيَّةِ تَأْتِي وَتَقُولُ: أَنَّ المَالِكِي مِثْلَ الجعفري, وَ أَنَّ شَافِعِي المُذَهَّبَ هُوَ جعفريٌ أَيْضًا وَ فِي نَفْسٍ المستوى فيقبل منه القاضي ويعلم في المدارس الدينية، و يأخذ برأيه وإلى غير ذلك. هذا هو العمل الصحيح في خدمة المذهب، بل في خدمة الأمة الإسلامية خلال الفترات الماضية و في زمن المرجعيات هذه والعلماء وهذه التوجهات التي لم تشهد احتراباً داخلياً بين السنة والشيعة.
اليوم وفي ظل ما نعانيه من الطائفية فيعني أنّه إذا كان القائد حكيماً و يعتقد نظرياً ويسعى عملياً إلى الآية المباركة " وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ". ينتهي إلى هذه النتائج وهي:
أنّ السيد البروجردي لم يكن هكذا فقط بل كان لديه اعتقاداً في أمر الأئمة من دون الأئمة فاطمة المَعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام).
انتقال السيّد البروجردي إلى جوار السيدة المَعصومة عليها السلام.ُ
فَصَارَ عِنْدَهُ مَرَضٌ شَدِيدٌ جِدًّا, وَ نُقِلَ السَّيِّدُ البروجردي إِلَى طَهْرَان وَ فِي الطَّرِيقُ لَاحَتْ لَهُ قُبَّةٌ وَمَنَارَةُ السَّيِّدَةِ المَعْصُومَةُ عليها السلام فبينه وبين هذه السيدة المَعصومة نذرٌ لله أنّه إذا أنا شفيت من هذا المَرض الذي كان هو مرضُ عضال أن آتي لأجاور هذه السيدة الجليلة مع أنها ليست مَعصومة ولكن اسمها هكذا. وبالفعل عندما شُفي في طهران ذهبَ و زار الإمام الرِّضَا (عَلَيْهِ السَلَامُ) ثُمَّ جَاءَ إِلَى قُمْ وَاِسْتَقِرَّ فِي قُمْ إِلَى الأَخِيرِ إِذْ كَانَ يَسْتَشْفِي وَيَتَدَاوَى بِتُرْبَةِ الإِمَامِ الحُسَيْن (عَلَيْهِ السلام) لما ورد عنده و صح من الأخبار في أن الله عوض الحسين(عليه السلام)عن شهادته بأن جعل استجابة الدعاء تحت قبته وجعل الأئمة من ذريته. وصَلى الله على سيّدنا ونبينَا أبي القاسمْ محمد وعلى آله الطيبينْ الطَاهرينْ |