كيف يواجه الدين بنية الشرك
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/9/1433 هـ
تعريف:


 كيف يواجه الدين بنية الشرك

 كتابة الفاضلة ر. ع

قال تعالى : (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُون) 72 (أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّون َ  (73) الشعراء .

حديثنا عن كيفية مقاومة الإسلام للتوجهات الشركية وكيف يمنعها من التكون في المجتمع الإسلامي.

في البداية لابد أن نميز بين الكفر والشرك من حيث المصطلح لكل منهما.

فماهو الكفر؟

الكفر هو جهة سلب ونفي .

فالإنسان الذي لايعترف بوجود إله ويجحد وجود المدبر والخالق يقال له كافر، لأن الكفر جهة سلب ، جهة عدمية .

أصل معنى كَفَرَ ويَكفُر في اللغة : التغطية ، عدم الإظهار.

كلمة "كفر" كما وردت في العديد من المعاجم العربية ومنها لسان العرب لابن منظور تعني "غطّى"، فتقول كفَرَ الشيءَ أي غطّاه .

لذلك حين نقول : ( اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ) – يعني غطيها ، استرها ، الغيها.

فالكفر بهذا المعنى يعني أن الشخص ينكر، يجحد ، يسلب .

لا يؤمن بوجود إله أو آله في الكون وعبر القرآن عن فئة يقولون : (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ ) 24 الجاثية .

لايوجد إله ولا رب يحي ويميت وإنما القضية ضمن الحالة الطبيعية أو حتى في العصور الحديثة هناك من يعتقد بعدم وجود إله مدبر وإنما هي الطبيعية هي التي تدير نفسها وماحولها من الأشياء على أساس مصادفة أو نظام أو غير ذلك لا يوجد رب مدبر ولاخالق ولامدير و لاغير ذلك . يعبر عن هذه الجهة السلبية والعدمية بالكفر.

ماهو الشرك ؟

أما الشرك فهو جهة إضافة جهة زيادة جهة ايجاب فوق الإله بمعنى إن المشرك يقول أن الله موجود ولكن بجنبه الملائكة أو موجود ومعه نصف إله ثلث إله هناك عزير يساعده أو الروح القدس يشاركة في الأمر أو المسيح يدبر بعض الأشياء أو الجن هؤلاء شركاء.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ) 100 الأنعام - الله يقول أنه هو من خلقهم ومع ذلك جعلوهم شركاء له يعني شركاء في الربوبية والألوهية .

فالشرك يعني أن يضيف المشرك جهةً أو شخصاً أو كوكباً أو فلكاً أو شمساً أو قمراً أو نبياً او عبداً صالحاً أو أي شئ إلى جنب الله كأنه يقول هذا يشارك الله ، مثلما أن الله يدبر فهو يدبر مثلما هذا يخلق فهذا يخلق أيضاً ، مثلماهذا يرزق فهذا أيضا يرزق ، يعني إلى جنب الله ، في عرضه ، هذا نسميه الشرك .

من الناحية النهائية القرآن الكريم اعتبر الشرك كالكفر، فمثلا من يقول الله موجود ومعه واحد يساويه من يقول الله غير موجود في القيمة النهائية ، ولذلك عبر القرآن الكريم عن المشركين بأنهم كفار، فقال عزوجل : ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ )73 المائدة.

المسيحيون في بعض فرقهم يقولون إن الله واحد من ثلاثة الذين يديرون الكون : الله والإبن والروح القدس ، القرآن الكريم يقول عنهم لقد كفروا مع أنهم يقولون إن الله واحد من ثلاثة لكن في النتيجة يقول لهم هؤلاء كمن يجحد الله لأن الإيمان بالله يجب أن يكون بالله الذي لاإله إلا هو لاشريك له ، مجموعة واحدة اذا حذف جزء منها الكل اختل ، يعني لوقال واحد أنا اؤمن بالله و معه شريك ، أؤمن بالله الذي معه إله ، يقال له أنت لم تؤمن ضمن النظرية الإسلامية وبهذا يضع الدين أول أساس من أسس محاربة الشرك والتوجهات الشركية.

كذلك عند الحديث عن الشرك في القرآن الكريم ينعته بأقبح الأوصاف والنعوت ، فلا يتصور أحدهم عندما يقول أنا أعطي الله حقه وأعطي الآلهة حقها ، لا وإنما يقول عزوجل : ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) 111 النساء.

أي هذا لم ينحرف قليلا وإنما ضل ضلالاً بعيداً وفي موضع آخر أنه أيضا ًمارس الظلم وليس أي ظلم إنما ظلم عظيم قال تعالى : (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ  ) 13 لقمان .

معناها إذا صار الظلم فهذا الظلم مستقبح في عقول البشر، يستقبحه العقل قبل الشرع ، و الشرك نوع من أنواع الظلم والظلم العظيم.

كيف يكون الشرك من الظلم العظيم ؟ ذلك بأن تجعل الجن بمقام الله عزوجل و الله عزوجل هو من خلقة فهذا ظلم بمقام الله عزوجل ، أن تجعل من صنم وهوحجر لا يتحرك ولا يعقل ولا يضر ولا ينفع تجعله في جنب الله و في عرضة ومساوياً له فهذا ظلم لمقام لله عزوجل .

أو أن تجعل نبي من أنبياء الله إلى جنب الله والله قد خلقة ويستطيع إهلاكه متى شآء ، تجعله مساوياً مع الله ويتمتع بنفس الميزات فهو ظلم لمقام لله عزوجل بل ظلم لذلك الشريك ، لأن الظلم هو عبارة عن وضع الشئ في غير موضعه ، سؤاء بزيادة او نقيصة .

أنت تكون ظالماً إذا وضعت الشيء في غير موضعه ، فإذا وضعت عبدا ًمخلوقاً ضعيفاً في مقام الله الخالق القادر، أنت كما ظلمت مقام الله عزوجل فتكون ظلمت هذا العبد الضعيف حيث وضعته في غير موضعه ، فليس مكانه هذا المكان ، ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ  ) 13 لقمان .

وفي مكان آخر لتقبيح هذه الحالة وهذا الذنب حيث أن حديثنا عن كبائر الذنوب ، قلنا في حديث سابق وفي روايات وآيات أن الشرك ظلم عظيم .

واشرنا إلى ماذكره السيد دستغيب الشهيد في كتاب من كتبه القيمة اسمه الذنوب الكبيرة ، يذكر فيه ان الشرك مذكور باسمه من ضمن الكبائر في روايات أهل البيت عليهم السلام وينطبق عليه مقياس أنه من الذنوب الكبير وأنه وعد عليه النار ولعن عليه صاحبه وأنه مخلد فيها وماشابه ذلك .

إذا واحد من الأشياء التي يقبح فيها الدين هذا الذنب وهذه الحالة وأ يتهدد صاحبه بأنه محروم من الجنة قال عزوجل : (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) 72 المائدة

إذن الجنة محرمة عليه فالتالي مصيره نار جهنم ، هذه من الأشياء التي يسعى القرآنالكريم من أجل تقبيح هذا الذنب وتبيان شناعتها .

دور الإسلام والقرآن الكريم في هدم الأسس الشركية

نقطة أخرى يقوم بها في هذا الشان وهي مهمه أنه يهدم الأسس الفكرية التي يبني عليها فهكر الناس ، فعندما يشرك هذا الإنسان فإنه يحتاج لمحاججة وانتقاد ويحتاج لتهديم الأساس الذي يعتمد عليه ، لذلك فالقرآن الكريم في كثير من آياته يتعرض لموضوع الشرك بل وربما أكثر من تعرضه لموضوع الكفر نظراً لأن المجتمع الجاهلي المنزل فيه القرآن كان مشركاً في الغالب ، ولم يكن كافراً بمعنى أنه لايعتقد بوجود إله أصلاً وإنما كان يعتقد بوجود الله وإلى جانبه الأصنام والأوثان والجن والملائكة وإلى غير ذلك، فكان القرآن الكريم يتعرض إلى علاج ذلك ، في بعض السور أو ربما سور بأكملها تتوجه إلى معالجة قضايا الشرك مثل سورة الأنعام .

فنجد مثلا أن هناك ختم يدعى ختم سورة الأنعام عادة تقرأها النساء لطلب الحاجات واستجابة الدعاء ، هذا بذاته لابأس فيه لأن القرآن فيه من الآيات مايستجاب به الدعوات ولكن الظاهر من التركيز على ختم سورة الأنعام نفسها أن ذلك راجع الى أن موضوعها العام مركز في محاربت الشرك ومناقشه حجج المشركين في مناقشة الأسس التي يتسرب من خلالها الممارسات الشركية ،فعندما تتأمل فقراتها تجد أن كل فقرة من فقراتها تناقش جانب من قضية الشرك حتى القصص التي توردها تجدها تخدم هذا الإتجاها قال عزوجل : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) 76الأنعام . نجد هنا أن المجتمع الذي كان يعيش فيه النبي إبراهيم عليه السلام مجتمع مشرك ، كان يعتقد أن الكواكب شريك لله عزوجل وأن مايصنعونه من الأصنام الحجرية وغيرها هي إشارات إلى تلك القوى المهيمنة في الكون .

نبي الله إبراهيم جاء وبحركة مسرحية أمام الناس وقام بهذا العمل حتى يبطل الأسس التي يبنى عليها الشرك ، فقال لهم هذا الكوكب الآفل يعني الشيء المنفعل ، الشئ الذي يحضر مرة ويغيب مرة ، يتأثر بالحضور وبالغياب ، مرة يظهر ومرة يختفي ، بالرغم منه هذا منفعل متأثر لايمكن أن يكون إله لأن الإله لابد أن يكون حاضراً و ناظراً مهيمن ومصيطر هو ينفعل ويؤثر في غيره ليس أنه هو من تجري عليه لانفعالات ، فبهذه الحركة أبطل حجتهم واعتقادهم من الأساس ، فمثلاً في سورة الانعام هكذا تحدث وأيضا نبي الله إبراهيم عندما حاجهم وفي عبادتهم وهم يعبدون الأصنام وهم في زعمهم ( قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ( (73)الشعراء.

المفروض أأنك تنادي واحدا يسمعك وينفعك حين تحتاجه ونهم يسمعونكم ويستطيعون منحكم النفع والضرحين تطلبون فهل يفعلون ذلك ؟ انهم لايسمعون أي شيء ، وفي موقع آخر حين حطم الأصنام وعلق الفأس على كبيرهم قال اسألوهم ان كانوا ينطقون : ( قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63الأنبياء .

لكنهم لاينطقون ، فلايمكن سؤالهم ولايمكن أن يكونوا هم الذين كسروا الباقين ، فبهذا تراه يهدم تلك الأسس التي يعتمد عليها هؤلاء .

هنا يأتي الإسلام يسعى في آيات قرآنية كثيرة في تهديم الأسس الفكرية التي يتسرب منها الشرك و التي يتعلق بها المشركون ، ( قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ) 53 الأنبياء .

اذاً أنتم وآبائكم في ضلال مبين (قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(  53 الأنبياء

اللذين رأيتموهم يفعلون ذلك ، كلهم عدو لي إلا رب العالمين ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ  (77 الشعراء

بعد ما يهدم الأسس التي يتسرب منها حالة الشرك يجعل الإسلام بوابة الدخول إلى الإيمان بأن يجتنب الشرك بأن يكفر بالشرك بحسب التعبير ، لأن بداية الإيمان كفر، نحن نقراء آية الكرسي وهي من الآيات العظيمة جداً نظراً لما تحويه من معاني عظيمة في قضية التوحيد والولاية ، ماذا يقول القران الكريم في آية الكرسي : (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ) 256 البقرة

أنتم تعلمون أن آيات القرآن في ترتيبها ليس كيفياً أو اعتباطياً ، يعني نقدم هذا القسم أو نؤخره نفس الشئ كلا لابد أن تكون كما نزلت، لاتقديم ولاتأخير.

اذاً لماذا لا نقول فمن يؤمن بالله ويكفر بالله عكس ذلك تقديم وتأخير لأنه لابد أن تقول : لا إله ، حتى تكفر بكل ماعدا الله ثم تؤمن بالله إلا الله حتى يتحقق الإيمان.

فلو أن إنساناً لم يمر بهذه الخطوة وقال أنا أؤمن بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل وأصلي وأصوم وأحج ، ولكن هذه لا اله الا الله ، لا أقولها بما تحوي عليه من هذه المعاني، هنا نقول له لست مؤمناً ولم تدخل الإسلام ولم تدخل الإيمان لأن بوابة دخولك أن تكفر بكل ماهو دون الله عزوجل من الأنداد والأشبها والأضداد و غير الله عزوجل ثم بعد ذلك تثبت الألوهية و الربوبية و التوحيد لا إله إلا الله خالصة لله عزوجل ، فبهذا تبدأ لأنه الأصل العقيدي ، كيف تدخل فيه من البداية إلى العبادات ، الصلاة و الحج وفي سائر الأمور فهي عبادات تكرس التوحيد لله وتنفي الأضداد وإلى حتى المستحبات ، يعني من الأصول العقائدية من أول الدخول في الإسلام إلى نهاية المشوار في الأذكار والمستحبات مثل التسبيحة الكبرى ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر(  فهي من الأذكار العظيمة والمهمة .

تلاحظ أنه ورد في تفسير قول الله عزوجل : (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) 64الكهف. في أحد التفاسير للباقيات الصالحات أنها التسبيحة الكبرى السبيحات الأربع.

كما تلاحظ في صلاة جعفر وقيل إنها الإكسير الأكبر وهبها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعمه جعفر بن أبي طالب ، حين رجوعه من الحبشة وعلمه صلاة جعفر، ففي الحديث: ( أنه «صلى الله عليه وآله» استقبله اثنتي عشرة خطوة، وقبَّل ما بين عينيه، وبكى وقال: ما أدري بأيهما أنا أشد (سروراً) فرحاً, بقدومك يا جعفر, أم بفتح الله على أخيك خيبر، وبكى فرحاً برؤيته).

البحار ج21 ص24 والخصال ص484 وعيون أخبار الرضا ج2 ص231 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج12 ص226و (ط دار الإسلامية) ج8 ص595.

 ( فلما رآه جعفر أسرع إليه هرولة، فاعتنقه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وحادثه شيئاً، ثم ركب العضباء، وأردفه، فلما انبعثت بهما الراحلة أقبل عليه، فقال: يا جعفر يا أخ، ألا أحبوك؟ ألا أعطيك؟ ألا أصطفيك؟   قال: فظن الناس أنه يعطي جعفراً عظيماً من المال. قال: وذلك لما فتح الله على نبيه خيبر، وغنمه أرضها وأموالها وأهلها. فقال جعفر: بلى فداك أبي وأمي، فعلمه صلاة التسبيح).

البحار ج88 ص193 عن جمال الأسبوع، ومستدرك الوسائل ج6 ص225 ودرر الأخبار ص620. وهي المعروفة بصلاة جعفر.

نجد أن المميز فيها التسبيحات الأربعة ، وهذه التسبيحات لها ميزة في هذه الصلاة أنها تقوم مقام فاتحة الكتاب التي تقوم عليها الصلاة والتي تنعدم قيمتها وتبطل بعدم وجودها، فمن ترك الفاتحة متعمداً فصلاته باطله ، فتركه الفاتحة بمعناها الواجب يبطلها لكن هناك لك مكانين من الممكن أن تبدل فيها بالتسبيحات وهي في صلاة جعفر في الركعتين الثالثة والرابع بمعنى أن يخير بالفاتحة أو التسبيحات الأربع على خلاف بين العلماء أيهما أفضل فعند علمائنا الأخباريون أن الفاتحة أفضل ، وعند علمائنا الأصوليون أن التسبيحات هي الأفضل ، وعلى كل حال فإن هذه تقوم مقام تلك ، أي أن التسبيحات تقوم مقام الفاتحة التي لاصلاة بدونها.

لو تتأمل التسبيحات الأربع تجدها كتلة توحيد أول بدايتها تقول سبحان الله يعني أنا أنزه الله من النقص والعجز والعيب و وجود الشريك له عجز ونقص وعيب وذل ، فأنت تقراء : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ (111 الإسراء .

يعني بسبب الذل لأن من يتخد الشريك والمعاون كإلاه فهذا نقص وعجز، فالحاجة دليل على العجز فلو اتخد شريكاً مهما كان فهو عاجز و ضعيف ومحتاج للغير والله تعالى عن أن يكون كذلك ، فأنا أنزه الله عن العجز ، سبحان الله معناه أنا أنزهه.

الحمد لله ، الحمد لله انا أحصر الحمد كل الحمد ، لأن ( ال ) هنا تسمى ( ال ) الجنس تشمل في داخلها على كل أنواع الشكر والمدح والثناء والحمد كلها مجموعة في الحمد ، لمن لله عزوجل فقط ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2 الفاتحة.

ولذلك ينقلون أن الإمام زين العابدين عليه السلام فقد ناقته فقال: (لئن ردها الله تعالى إليّ لأحمدنه بمحامد يرضاها).وهي كلمة جدا قوية، وقد تصور الناس أو بعضهم أن الإمام سيطيل الحمد لله، ربما بقدر عشر صفحات مثلا من الحمد، سيُثنى على الله سبحانه وتعالى فماذا حدث ؟

ورد عن الصادق (عليه السلام) أنه قال:
( فقدَ لأبي بغلة فقال: لئن ردَّها الله عليَّ لاحمدنَّه بمحامد يرضاها، فما لبث أن جيء بها بسرجها ولجامها، ولما استوى وضمَّ إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله، ولم يزد، ثم قال: ما تركت ولا أبقيت شيئاً، جعلت جميع أنواع المحامد لله عزوجل فما من حمد إلا وهو داخل فيما قلت) تفسير البرهان: 1 / 29 وقريب منه في اصول الكافي: 2 / 97، الحديث: 18.
وعنه ـ سلام الله عليه ( ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال: الحمدلله، إلا أدَّى شكرها )اصول الكافي: 2 / 96، الحديث: 14.

قال : الحمد لله رب العالمين ، فقط ، هذا كله موجود في الحمد لله رب العالمين ، الحمد محصور وملصق بالله عزوجل دون سواه ، لا إله إلا الله واضح فيها أمر التوحيد ونفي الأنداد و الأضداد والأشباه والشركاء والله أكبر من أن أيوصف بهذه الأوصاف ، فأي وصف آخر لا يمكن أن يصل إلى حقيقة الله أنما هو أكبر من ذلك بينما من يعد شريكاً يمكن وصفه بأيسر الأوصاف فيأتي الدين هنا ليصنع لنا منظومة توحيدية متكاملة تبدأ من أسس الأعتقاد و أصولة إلى العبادات إلى المستحبات و الأذكار ولهذا ينبغي أن يلتفت الإنسان أن هذه الأشياءالتي أستحبت إنما استحبت لأجل مافيها من معاني وليس فقط لأجل أن نكرر اللفظ على ألسنتنا هذه درجتنا وليس أن بتكرار باللسان إنما باستحضار المعاني المخبؤة في هذا الذكر والتسبيح

دورالإسلام في ازالة كل أسس الشرك ومنعها

 وأخيراً منع الإسلام أي شيء يمكن أن يتطرق من خلاله الشرك وأجرى عليه قدم البطلان .

مثلاً أن يذبح أحدهم لغير الله فهذا حرام ، فأنت اذا ذبحت هذه الذبيحة لغير الله تحرم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) 3 المائدة. بل أكثر من ذلك مالم يذكر اسم الله عليه (لَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ) 121 الأنعام

نأتي لمثال آخرالنذر، إذا انسان نذر نذرا ما ولم يذكر اسم الله عليه فهو باطل ، فمثلا نذر أحدهم أن أفعل كذا إذا حصل كذا ، فهنا يُسأل هل أتيت بالصيغة وبلفظ الله سبحانه وتعالى ؟

يعني قلت لله على كذا فإذا لم يأتي بإسم الله مذكوراً وملفوظاً به فهذا النذر باطل ، و الحاصل أن الكثير من الناس لايذكرون ، فمثلاً احداهن تقول: أنا قلت عندي أبنة ان صبحت بحال أفصل سأهدي أم البنين كذا وكذا ، إذا ابني نجح سأصوم ثلاثة أيام ، هذا النذر ليس ملزم ، بمعنى أحببت أن تنفذه بإمكانها وان لم تحب فليس ملزم لها لأنه ليس نذرا صحيحا ، لانها لم تذكر اسم الله في صيغة لفظها ، فلابد من ذكر اسم الله عليه حتى لايشوبه أي شائب فيكون فيما لم يذكر اسم الله عليه ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)  الأنعام. ، يقول نبينا ابراهيم عليه السلام.

توضيح وتصحيح التفسير لبعض الممارسات التي تفسر بتفسيرات مغلوطة

أحياناً يثار الغبار على ممارسات يمارسها شيعة أهل البيت عليهم السلام وأن هذه الممارسات لاتتفق مع هذه الرؤيا وهذا الكلام ، فمثلا يقال أنكم تسجدون لغير الله وتستغيثون بغير الله وتطلبون حوائجكم من الأولياء من الائمة و من النبي وتدعون هؤلاء عند قبورهم وهذا لايتفق مع هذا الكلام .

الجواب بالنسبة إلى القسم الأول الذي ما يدعى انه من السجود لغير الله :

هذا بالقطع واليقين حرام وغير جائز ولايصنعه شيعة أهل البيت بالمعنى العبادي ، وربما يُرى البعض يسجد في جهة ضريح المعصوم فالمقصود منه أنه سجد لله شكراً ان بلغه الله الوصول لهذا المكان ، مثله مثل إنسان يسجد لله شكرا في أي جهة لأن سجود الشكر ليس شرطاً فيه أن تستقبل القبلة ، فهناك بعض أنواع السجدات لا تجب فيها استقبال القبلة مثل سجدت الشكر، فمثلا جائك خبر مفرح أو لديك ابن مريض وجائك خبر شفائه شفاء تام فقمت وسجدت على اي جهة فهي جائزة ولكنها ليست شرطاً ، و بعض أنواع السجود كسجود السهو السجدة المنسية في الصلاة لابد من استقبال القبلة بل لا تصح بدون استقبال القبلة، وأما لو ان انسان سجد للمعصوم فهذا غير صحيح ولا يفعله الشيعة وقد نص علمائنا عدم جوازه وقد ورد في نص لإستاذ المراجع الشيخ اليزدي وباقي المراجع لم يعلقوا على هذه المسألة مما يعني أنهم يوافقون السيد فيها،وهي

المسألة 24 في العروة الوثقى ج1/534 وباقي الرسائل العملية مذكور فيها ولكننا اخترنا من هذا المكان ـ قال السيد اليزدي في (العروة الوثقى) : " يحرم السجود لغير الله تعالى فإنه غاية الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء والعظمة ".

تصحيح الفهم الخاطئ للسجود فسجدوا لآدم وخروا ليوسف . وعلى هذا فمعنى(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ ) 100 يوسف أي جعلوه كالقبلة، ثم سجدوا لله شكرا لنعمه ، هذا وقد سجد الملائكة لآدم عليه السلام سجود تحية وتكريم، ولم يسجدوا له سجود عبادة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ) 34البقرة ؛ وقال سجودهم لآدام لم يكن له انما كان قبلة لهم يعني سجدو لجهته ، مثلما تقول صليت للكعبة ، يعني صليت لله ولكن جهة الكعبة وليس للكعبة ، أو تقول صليت للمغرب أو المشرق يعني وجهة وجهي جهة المشرق أو وجهة وجهي جهة المغرب ولكن صلاتي كانت لله عزوجل ، أي لم يكن السجود لآدم بل كان قبلة لهم، كما ان سجدت يعقوب وابنائه لم تكن ليوسف وإنما لله وكانت جهة يوسف ، فيعقوب عليه السلام نبي وهو ومدرك لمن يكون السجود وانه ليس لغير الله فأولاده وغن كانوا مخطئين غلا انهم على دين أبيهم مؤمنين بل كان سجودهم لله تعالى شكراً حيث رأوا ماعطاه الله تعالى ليوسف من الملك ، لذلك فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين وغيرها صورتاً هو ساجد يقول من رئاه أنه مشكل إلا انهم يقصدون به الشكر كما هو حاصل لأن أول مايقوله (َالْحَمْدُ للهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا اَنْ هَدانَا اللهُ، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي هَداني لِوِلايَتِكَ وَخَصَّني بِزِيارَتِكَ وَسَهَّلَ لي قَصْدَكَ (.ويخر ساجداً شكراً لله عزوجل بينما غيره من الناس محروم لم يرزق الزيارة ولم يستطع الوصول فهو ساجداً شاكراً لله ولكنه لم يتجه جهة القبلة – إلا أنه يقصد سجدت الشكر التي لايشترط فيها جهة القبلة.

اذاً كلام علمائنا واتفاقهم انه لا يجوز السجود لغير الله ولغير القبلة، ماعدا سجدت الشكر فهي شكراً لأنه وفقه لهذا المجيء وليس لانه ساجد للإمام فهذا غير جائز أبدا وهذا لايصح ابدا و كذلك بالنسبة إلى سائر القضايا جوابها واحد ، وفي حال الإستغاثة وعند الطلب المباشر من الإمام أو المعصوم كما ذكرنا سابقاً في قضية الشرك ليست قضية لفظية أي ليس إذا قلنا يافلان اصبح مشركاً واذا لم أقل أصبحت موحدا ً.

فقضية الشرك قضية اعتقاد قلبي إذا أنا أعتقد أن هذا المنادى في عرض الله في جنب الله مساوياً لله كما أطلب من الله أطلب منه وباستقلال هذا شرك ومن يعمله بهذا العمل فهو مخطئ وعمله غير صحيح ، ولكن إذا كان كعقيدة الشيعة خواصهم وعوامهم على أن الله سبحانه هو الخالق الرازق المعطي الشافي الخالق الرازق الباسط القادر وأن من دونه من البشر نبيا ً كان أو ولياً أو إماماً فإنما هم مجاري لنعمة الله عزوجل ومسالك ووسائل للوصول إلى الله سبحانه وتعالى وأنا إنما أتوسل بهم أو اناديهم أو أستغيث بهم أوأطلب منهم بهذا الإعتبار انهم بطول الله ، هم تحت والله ربهم وقد أعطى لهم مجالا ً لكي يغيثوا باذن الله ويتكرموا على الناس بشفاعتهم ، فهذا المعنى لامانع منه و ليس شركاً بل هو عين وتمام وكمال التوحيد ولامحذور فيه ابداً سواء ناديت المعصوم أو الإمام وقلت يارسول لله اشفع لي في قضاء حاجتي أو قلت يارسول الله اقضي حاجتي ، فلا فرق مع وجود الإعتقاد بأن رسول الله لايقضي الحاجات بنفسه وإنما هو طريق إلى لله عزوجل ، ليس شريك لله ليس نداً لله ليس في عرض الله وليس مساوياً لله وإنما هو عبد من عبيد الله أكرمه الله بأن أجرى النعمة على يديه ، هذا المعنى إذا اعتقد فيه كما يعتقد فيه عامة الشعية لايختلف الحال عندما تقول يارسول الله اشفع لي عند الله في قضاء حاجتي أو عندما تقول يارسول الله اقضي حاجتي فلا يوجد فرق عندما تكون لديك تلك العقيدة ، فلا يوجد فرق أبدا بل لافرق فيها بين أن يكون الإنسان المدعو والمستغاث به أن يكون حياً او كان ميتاً في الظاهر، لا يوجد فرق كما كانوا يأتون لرسول الله فيستغفر لهم فيغفر الله لهم ، كذلك عندما يأتي رسول الله وهو ميتاً ظاهراً ميت البدن ظاهراً ويطلب منه ، مادام ذلك الإعتقاد موجود لديه ذلك الإعتقاد الذي ذكرنا أنه ليس في عرض الله إنما في طول الله ليس شريكاً لله إنما هو عبد لله تجر بنعمة الله عليه نعم الله على الناس وحوائجهم بواسطته حين ذلك لا فرق بين أن يكون بين أعين الناس او تحت التراب ولذلك ان الإنسان لوذهب لقبره وطلب منه فهو يمارس عين التوحيد وكمال التوحيد ولايوجد اي شائبة شرك في هذا الإتجاه بل هذه القبور منبع من منابع الهدى ومن منابع الإيمان عندما يأتي الإنسان ويتذكر هذا النبي العظيم وذلك الإمام العظيم ولماذا جاهدوا ولماذا اعطوا يتحرك الإنسان باتجاه الإيمان وبإتجاه التقوى.

يقول الشاعر :

شَمَمْتُ   ثَرَاكَ   فَهَبَّ   النَّسِيمُ             نَسِيـمُ  الكَرَامَـةِ مِنْ  بَلْقَـعِ

وعَفَّرْتُ  خَدِّي  بحيثُ  استراحَ             خَـدٌّ   تَفَرَّى   ولم   يَضْـرَعِ

وَخِلْتُ وقد طارتِ  الذكرياتُ              بِروحي  إلى   عَالَـمٍ   أرْفَـعِ

وطُفْتُ   بقبرِكَ   طَوْفَ الخَيَالِ              بصومعـةِ  المُلْهَـمِ   المُبْـدِعِ

 

 

مرات العرض: 6587
المدة: 00:54:53
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 19 MB
تشغيل:

حقيقة الشرك وأبعاده
جناية التاريخ على شخصيات الإسلام