الزهراء (ع) بنتا وزوجة وأما
كتابة الاختين الفاضلتين حنان الهواشم وزهراء آل تريك
بمناسبة شهادة الزهراء نتعرض لشيء من حياتها المباركة .ومن ذلك عناوين تهم المرأة المسلمة بل الرجل المسلم في حياته العامة ، وسنتناول –بشكل مختصر- العناوين التالية : - الزهراء عليها السلام بنتًا وزوجة وأمًا . وفي هذا الجانب تحتاج المرأة المسلمة الى الى نموذج أعلى ومثلاً أسمى تقتدي به في هذه المراحل الثلاث (بنت ، زوجة ، أم) وكما يهم هذا الجانب المرأة كذلك يهم الرجل ، حيث أنه تارة يكون ولدًا وأخرى زوجًا وأب . حتى تتخرج ابنته – مثلاً – أو زوجته على هذا النموذج الراقي ولتتخرج من هذه المدرسة وضمن تلك التعاليم . فالامر إذًا يهم كلا الجنسين وإن كان اقرب الى المرأة المسلمة في حالة الطفولة والصبا والشباب وفي حالة الامومة وسنتطرق الى بعض مانقله المؤرخون عن سيرة سيدتنا ومولاتنا الزهراء (ع): أولاً : فاطمة الزهراء بنتا :- سيدتنا الزهراء وُلدت على المحقق عند مؤرخينا بعد خمس سنوات من بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أي بعد الإعلان عن البعثة النبوية بخمس سنوات ، وعاصرت الفترة المكية إلى أن هاجر رسول الله ، ومن ثمَّ هي هاجرت برفقة أمير المؤمنين علي الذي خلّفه رسول الله لأداء أماناتهِ والقيام على شؤونه وللتغطية على خروجه السري من مكة المكرمة ، وهذه الفترة التي عاشتها فاطمة كانت لا تزال صغيرة السن ، ومع ذلك فقد قامت بأدوار مهمة ذكرها التاريخ ، حتى لقبها الرسول (ص) بأمَّ أبيها(1) نظرًا لما كانت عليه من حنان وعاطفة واهتمام لأبيها مع صغر سنها . ولقد ذُكِرَ أنَّ السيدة فاطمة الزهراء وأمها السيدة خديجة كانتا اذا استبطئا عودة رسول الله الى المنزل خرجتا لتبحثا عنه ، ومرارًا كانت ترى سيدتنا أن كفار قريش قد آذوا رسول الله بإلقاء القدا والأحجار وبعض الأشياء التي لاتناسب مقامه الشريف ، فتقوم سلام الله عليها – بإزالة كلَّ ذلك ، وتمسح عنه ماتجده فيه من التعب والألم النفسي والبدني . هكذا كان اهتمامُها سلام الله عليها بوالدها ، بالرغم أن المعتاد والمتبادر الى الذهن أن الأب هو من يعتني بإبنته ، لا سيّما إذا كانت صغيرة السن ، وقد كان رسول الله في عمر الأربعين ، أي أنه في مستوى القدرة والقوة ، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (2) آية (15) الأحقاف إلا أننا نجد سيدتنا الزهراء تبالغ في الاهتمام والعناية بأبيها وتبحث عنه وتوصل لأمها عن مكان تواجده ، وكانت تميط عنه الأذى – كما أسلفنا – إذا ما أوذي من كفار قريش . وهذا الدور استمر من عناية واهتمام بأبيها ولم ينقطع بزواجها سلام الله عليها ، بل بقيت على هذه الحالة ، ويذكر أنه حينما رجع رسول الله من غزوة أحد – وتعلمون أنَّ المسلمين في غزوة أحد انكسروا ظاهريًا وهزموا بعد أن شارفوا على النصر على إثر عصيانهم لكلام رسول الله ، وأصيب الرسول (ص) وكُسرت رباعيته ، وذلك لأنَّ رسول الله كان مقاتلاً ، على خلافِ ماكان يزعمه بعضُ المؤرخين من اتباع المدارس الأخرى ، الذين كانوا يصورون رسول الله بأنه يجلس في عريش ، ويأمر وينهى وهو في مكانه ، فالرسول (ص) كان مقاتلاً وكان اقربهم مكانًا الى الأعداء (3) ، وكان يقتل بعض الأعداء كما عليه التحقيق ، ويكفينا كلامُ أمير المؤمنينِ – المشهور عنه – قال : (وكنّا إذا اشتد القتال واحمرَّ البأس لذنا برسول الله حتى لا يكون أحدٌ أقرب منه الى العدو) . أي أن الرسول (ص) كان أشجع الناس وأقواهم ، لذلك حينما جُرح في غزوة أحد ورجع الى بيته ، أخذتِ الزهراء تمسح الدم وآثار الحرب عنه وبدأت تضمِّد جراحه ، ولما رأت أن الدم لا يتوقف ، عمدت الى قطعة حصير فأحرقتها (4) – وهذا من الطب العربي القديم والحديث – وأخذت رمادها ووضعتها على موضع جرح رسول الله فتوقف الدم . وفي الخندق ، خرجت الزهراء من منزلها وذهبت الى موقع معركة الخندق .(5) وقد خبزت شيئًا من الخبز حتى تطعمه رسول الله ، فيقول لها : اما أنه أول طعام دخلَ جوف أبيكِ منذ كذا وكذا (6) مع أن رسول الله كانت لديه تسع زوجات ، ومع ذلك تجد فاطمة الزهراء المسؤولة الأولى عن العناية برسول الله ، وفي هذا إشارة الى أنَّ دور البنت يكون في صورته المثاليه في علاقتها بأُمِّها وأبيها يترسم خط الزهراء عليها السلام .. الأمثلة كثيرة على ذلك ولكن لا نستطيع الإستطراد لضيق المقام ، لذلك ننتقل الى : - الزهراء زوجة لأمير المؤمنين : إنَّ زواجَ الزهراء (ع) بأمير المؤمنين كان زواجًا إلهيًا ، كما ورد : (لولا علي لم يكن لفاطمةَ كفوٌ أبدًا) (7) ، ولذلك ردَّ النبيُّ خاطبيها من كبار الصحابة ، وكل واحد منهم كان يتمنى أن يكون صهرًا لرسول الله في خصوص فاطمة ، حيث كان لديه بنات أُخر (8) ، على ماهو عليه التحقيق ، خلافًا للرأي القائل بأنهم ربيباته . اذن كان لفاطمة خصوصية من بين بنات رسول الله (ص) واضحة للقريب والبعيد ، لذلك طمع في مصاهرة النبي بخصوصها عدد كبير من الصحابة ، كان يردهم ويقول : (إني أنتظر أمرُ الله فيها) ، بينما بناته الأخر لم ينتظر أمرًا إلهيًا فيهم ، أما الزهراء فإنتظر فيها أمرًا إلهيًا لكي تبدأ بصناعة الأسرة التي تكون امتدادًا للنبوة في فرع الأمامة الناتج عن اقتران عليٍّ بفاطمة . دخلت فاطمة بيت عليٍّ بذلك الزواج المتوازن المعقول – لا نقول المتواضع ، فمهر الزهراء لم يكن الشيء البسيط ، كان مهرًا معقولاً – بمقدار (400) درهم [أربعمائة درهم] إذا قيمناه وفقًا لزمننا المعاصر لا يصل حتى الى (100) دولار ، ولكن ربما في ذلك الزمان كان الشاة بخمسة دراهم ، ومعنى ذلك أن مهر السيدة فاطمة ربما وصل الى مايعادل (السبعين شاة (70) شاة) أو أقل بقليل أو أكثر بقليل نعم لم يكن مبالغًا فيه ولا غاليًا يُعسِر المهمة بل كان معقولاً ، ربما في زماننا لا يساوي شيئًا ، ولكن في ذلك الزمان ومع مستوى الحياة كان يساوي الكثير . جاءت الزهراء الى ذلك البيت البسيط الذي لم يكن فيه بهرجة ولا مغالاة ، وهذا يُلفِتنا الى أنه ينبغي أن لا يُأخَّر زواج الشباب أو الشابات انتظارًا للحصول على أموالٍ طائلة للإحتفال ، بعض الشباب يقول : لا استطيع الزواج لأنه لم يجمع مبلغًا ماليًا للضيافة ! فقد تُكلِّف الضيافة مبالغًا طائلة لا قدرة للشباب على تحصيلها ، ولذلك نقول للشباب : إذا لم يكن لديك فلاداعي لأن تقترض لتطعم أناسًا شبعى ، وقد يجدون في منازلهم أفضل مما تُقدِّم لهم ، فكم من الزيجات تأخرت لأجل هذا الأمر ، مع أنه ليس مطلوبًا إذا كان سببًا لتأخير الزواج ، المطلوب هو الإشهار ، وهذا يحصل بأدنى إجراء ، والإطعام والضيافة تتحقق حتى بمثل تقديم العصيرات والمرطبات وماشاكل ذلك ولا عيب في ذلك . ينبغي علينا أن نتوجه الى أخذ الروح التي سادت زواج فاطمة الزهراء من التسهيل في أمر الزواج والتهيئة ، فلو نظرنا الى جهاز فاطمة نجده جهازًا عاديًا ، الغرض منه قضاء حاجة دنيوية ، وهو أن يتهيأَ مكان للزوجية ، وليس الغرض منه المفاخرة والمكابرة . هناك صنف من الناس اذا أراد الزواج يؤسس أثاثًا لِيُدهِش به الآخرين ، وهذا أمرٌ غير مُحبب ، خاصة الى أكثر الشباب والشابات الذين لا يتمكنون من ذلك . جاءت الزهراء الى بيت أمير المؤمنين (ع) : ( ما اغضبتني مذ عاشرتها ولا عصيت لي أمرًا ، وإني كنتُ انظرُ الى وجهها فتنكشف عني الهموم والغموم)(9) أي أنها سلام الله عليها ماعصته في أمر ولا أغضبته بكلمة جارحة ولا كلفته بما لا يطيق ، وهذا الأمر أوضحته سلام الله عليها في مثل هذه الأيام حينما أوصت أمير المؤمنين ، قالت : (ياأبا الحسن ، يابن عم إما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني ، فقال عليه السلام : (معاذ الله ، أنتِ أعلم بالله وأبرَّ واتقى وأكرم وأشد خوفًا منه) . أي أنها سلام الله عليها لم تكذب ولم تخن ولم تعصي ولم تخالف له أمرًا وكانت لا تكلفه بما لا يطيق . لكن في زماننا الحالي نلاحظ أن كثير من حالات الطلاق التي تحدث في مجتمعاتنا هي على أثر مخالفات كلامية أو – العياذ بالله – خيانات زوجية أو عصيان للأوامر أو المعاشرة من غير المعروف أو أن أحد الطرفين يكلف الآخر بما لا يطيق ، ومثال على ذلك : أن يكلف الزوج زوجته أن تضع كل حسابها المالي في حسابه الشخصي ، وهذا أمر غير جائز شرعًا اذا كان عن غير رضى منها وعن غير طيب نفس ، فهذا يخلق مشاكل تؤدي في كثير من الأحيان الى وقوع حالة الطلاق . وقد يكون العكس ، فالزوجة تكلفه مالا يطيق ، بأن تطلب منه أموالاً حتى تتزين وتلبس ثوبًا جديدًا في كل مناسبة ، حتى قال أحدهم : أني اذا لم ألبي رغبات زوجتي في مثل هذه الحالة تتنكد حياتنا ! وللأسف هذه الزوجة غير مستوعبة أن هذا الأمر يُعكرُ الحياة الزوجية . هل أوجب الله عليك أيتها المرأة لبس ثوب جديد والذهاب الى الحفلات ، وعلى أثره يذهب نصف أو ربع راتب الزوج ؟! يُذكر في الرواية أنَّ أمير المؤمنين جاء ذات يوم الى منزله ، فقال لفاطمة : يافاطمة هل عندك شيء فتطعمينا ؟ فقالت : لا والله لا يوجد شيء ..)(10) فقال لها أمير المؤمنين : (أخرج وآتي لكِ ماتريدين) .. امير المؤمنين في ذلك اليوم لم يكن لديه مال ، فخرج واقترض درهمًا لكييي يشتري به طعامًا لِأهله ، وفي طريقه وجد المقداد بن الأسود الكندي ، فقال له أمير المؤمنين : يامقداد مالذي أخرجك في هذا الوقت ؟! – وكان الوقت وقت الظهيرة – فقال المقداد : خرجت لبعض شأني ، فقال له أمير المؤمنين : أصدقني القول: فقال المقداد : ذهبت الى البيت ولم أجد فيه شيئًا ، فخرجت ألتمس الرزق) (11) فقال له الامام علي : (هذا الدرهم لك خذه ) فذهب واشترى لأهله طعامًا ، وكان يعتقد أن هذا الدرهم زائد على حاجة أمير المؤمنين .. أمَّا مَاكان من أمر أمير المؤمنين فلم يستطع أن يقترض مرة أخرى ، فرجع الى المنزل واذا به يجد رسول الله واذا بفاطمة قد استقبلت قبلتها وجلست في محراب صلاتها ، واذا بطبق مغطى يتصاعد منه الدخان ورائحة الشواء تصدر منه ، فتعجب أمير المؤمنين ! فسأل فاطمة : من أين أتيتي بهذا الطعام ؟ فقالت : هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب . فالتفت النبي (ص) الى علي وقال : (هذه نظيرة مريم بنت عمران) . نعم ، كرامة الله تأتي لهؤلاء الذين يصبرون على قلة الطعام بل يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، فالزهراء سلام الله عليها لم تخالف لأمير المؤمنين له أمرًا ، بل لم تُنكد عليه ، وهناك نوع من النساء إذا قلل زوجها مصروفها نكدت عليه وأَهَمَّته ، وأخذت تُعيره بحاله وتقارنه بغيره من الرجال ، فلتنظر هذه المرأة وأمثالها الى موقف الزهراء ، التي كانت تقول : أخبرني رسول الله : (أن اذا جاء إليك زوجَك بشيءٍ فلا تسألي ألا أن يأتي به من نفسه) ، هذا من جهة السيدة فاطمة الزهراء . أما من جهة أمير المؤمنين عليه السلام فإنه ضَمِن لفاطمة مابعد الباب وضمنت له مادون الباب ، بل أن فاطمة كانت تتحمل أعباءًا ومسؤوليات أكثر من ذلك ، ففي الرواية بمضمونها : أن فاطمة استقت بالقربة الى أن أثر في كتفها ، وكانت تحمل القربة وتأتي بالماء من مصدره ، أي أنها تتحمل عناء الخروج من البيت وماتواجهه ، ولم تكن تأبه للألم والحرج الذي كانت تلاقيه - ولكن الذي كان يؤذيها هو خروجها بين الرجال – فقد كنست في الدار حتى دكنت ثيابها ، وخبزت حتى أسودت ثيابها ، وطحنت بالرحا حتى مَجُلت يداها ، فطلبت من رسول الله خادمًا ، ففي المرة الأولى ذهبت الى رسول الله – فلنرى التربية النبوية – وجلست معه فأخذها الحياء الى أن انصرفت وفي المرة الثانية كذلك ، وفي المرة الثالثة كان معها أمير المؤمنين أمير المؤمنين فأخبر رسول الله بالأمر ، والنبي ماكان تحت ملكه خادم ، وهو رئيس دولة ولكنه لم يستخدم أموال الدولة في أموره الشخصية ، فقال لهما : ألا أعلمكما ماهو خير لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعًا وثلاثين تكبيرة ، وسبِّحا ثلاثًا وثلاثين تسبيحة ، وأحمدا ثلاثًا وثلاثين تحميده ، فقالت فاطمة : رضيت عن الله وعن رسوله . ومن ذلك عُرف تسبيح الزهراء الذي عُرفت به الشيعة ، وهو مستحب وهو من الذكر الكثير ، وورد عن الامام الصادق : (لو علم النبي ذكرًا أحسن من تسبيحة الزهراء لنحله ابنته فاطمة ) . هكذا كانت الزهراء مع أمير المؤمنين في حياتها الزوجية ، ماكانت تخالفه ولا تغضبه وكانت تؤثره على نفسها ، وفي هذا الجانب يطول الكلام .
فلننعطف لنتحدَّث عن الزهراء (الام) : الأم هي من تحمل المسؤولية الكبرى في تربية أبنائها ، ولا ينبغي لها أن تكتفي بالحمل والرضاع وماإلى ذلك ، ولكن عليها أن تتوجه الى تربية طفلاً مسلمًا ، ننقل لكم شذرات عن سيرة سيدتنا الزهراء مع أولادها . يقول الامام الحسن عليه السلام : ( رأيتُ أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة فلم تزل راكعة وساجدة حتى الفجر عمودُ الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت لها : ياأماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يابني الجار ثم الدار )(12) أي أن الامام الحسن عليه السلام يظل مستيقظًا مع والدته فيلاحظها ، والامام الحسن في هذه الحادثة لم يتجاوز ست سنوات ، أي أن عمره خمس سنوات أو أقل ، لم يكن يظل مستيقظًا لعبث ، ولكنه كان يستقي من أخلاق أمه الزهراء سلام الله عليها . والتفات الامام الحسن الى دعاء امه الزهراء لسائر الناس ، يشير الى الزهراء كانت تصلي بطريقة لتجعل الامام الحسن يلتفت اليها ، ليأخذ آداب أمه ويتأثر بها . فمن المستحب أن يدعو المؤمن لغيره قبل نفسه ، وأنه من موجبات استجابة الدعاء ، فإذا كان لا يستجاب للإنسان لأسباب في نفسه وشخصه فالله يستجيب له لأنه دعى لغيره من المؤمنين وفي مضمون أحدى الروايات ، إذا دعوت لسائر المؤمنين حملتهم معروفًا ، وان الله يبعث لك بعدد من دعوت لهم من الملائكة فيدعون لك ، أي أنه بدعائك لهم أوجبت لنفسك حقًا ، خاصة اذا دعوت للمؤمنين الأموات وهم لا يستطيعون أداء حقك ، فيكون أداء هذا الحق بيد الله ، هو الذي يؤدي حقك ، ومما لا يخفى أثر هذا السلوك في الترابط والتكافل الاجتماعي . شاهدنا أن الزهراء كانت تُرِى ابنها صورة الالتزام والعبادة النموذجية ، علينا أن نكون على خطى الزهراء فنكون أسوة حسنة لأبنائنا فلا نريهم الا كل حسن ، فلا نريهم منا – والعياذ بالله – التهتك ، ولا نريهم منا غيبة او تهجم على الأخر ، فلنريهم منا صورة الصلاح والالتزام والبر والصلة ، وهذا ماكانت تحرص عليه سيدتنا الزهراء . وكانت سلام الله عليها اذا قربت ليلة القدر ، ونحن من عقيدتنا أن المعصومين يعلمون بليلة القدر ومتى هي ، ولكنهم لا يخبرون عامة الناس بها – فإذا قربت ليلة القدر أنامت أبنائها نهارًا ليستعينوا بذلك على احياء ليلة القدر ، وهذا من الأساليب التربوية . ومن الأساليب التربوية ، أنه اذا جاء الامام الحسن من المسجد ، تسأل ماذا قال جدك المصطفى محمد ؟ فكان الامام الحسن ينقل الى أمه ويخبرها بنفس ماكان يخطب به رسول الله . وفي يوم من الأيام أرادت الزهراء أن ترى الامام علي كيف أن الامام الحسن يخبرها ، فطلبت من أمير المؤمنين أن يختبئ ، فلما جاء الامام الحسن ، قالت له : ماذا قال جدك اليوم في المسجد ؟ فأراد أن يتكلم فلم يستطع – أخذته الهيبة وشعر بأن هناك شخص كأبيه يراقبه – فقال : كأنما عظيمًا يراني ! فخرج أمير المؤمنين ، وضمه الى صدره وقال : ( ذريةٌ بعضُها من بعض) ، ولذلك كان الامام الحسن من أخطب الناس . ويروى أنه في أحد الأيام أمر معاوية بن أبي سفيان بالخطبة في مسجد الكوفة وزعم بعضهم أن الامام الحسن يحصر أي لا يستطيع الكلام – واذا بالامام يخطب بإنطلاقٍ واسترسال ، فقال لهم معاوية : لو وقف هكذا الى الفجر لم لم يعد ولم يحصر .. لانه سلام الله عليه كان ينهل من محيط علم كبير . هكذا ربت الزهراء أبنائها ، فأسست ذلك البيت الشريف العظيم الذي هو أول بيت بهذا المستوى من التطهير والعلم وتحدثت عن ذلك آية التطهير والمباهلة وغيرها من آيات الفضائل . لذلك كان من الواجب أن تُراعى حرمة هذا البيت وأن يُراعى قدرهم وكان من اللازم أن يُلاحظ ماكان يفعله رسول الله كما رواه جابر بن عبدالله الأنصاري ، كان ولمدة ستة أشهر اذا خرج من الصلاة يتعمد المرور على بيت فاطمة فيطرق عليها الباب ، فينادي : الصلاة الصلاة ياأهل البيت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(13) (سورة الأحزاب أية (33) . وكان آخر الناس عهدًا به عند خروجه الى المعارك أو عند سفره هي الزهراء ، حتى تبقى صورتها مرتسمة في ذهنه وقلبه الشريف ، وكانت أول صورة يراها عند عودته ، ويستأذن رسول الله في الدخول عليها قائلاً : يابنية يافاطمة أأدخل الدار ؟ فتقول له : ياأبا يارسول الله الدار دارك أنا إبنتك ! كان يريد رسول الله من هذا السلوك أن يقول : باب فاطمة بابي وحجابها حجابي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر : (1) 1- قد اختلف العلماء في معنى هذه الكنيه العظيمة ، ويمكن استفادة معانٍ من قول الرسول عنها بأنها أم أبيها : 1- أن الزهراء كانت تداري وتراعي رسول الله كما تراعي الأم ولدها ، وكان الرسول يحترمها كما يحترم أمه ، ويجد منها العطف والرقة والشفقة والأنس ، -المصدر : الرحماني ، فاطمة بهجة قلب المصطفى ص204 2- أن النكتة في هذه التكنية هو محض إظهار المحبة ، تنزيل بمنزلة الام في المحبة والحرمة .. – المصدر : الرحماني ، فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى ص 204 3- إظهار أفضلية الزهراء على نساء النبي ، فإذا كانت النساء أمهات المؤمنين ، فهي أم أبيها .. نفس المصدر 4- أن أمَّ كلِّ شيء أصله ، فعليه يمكن أن يقال فاطمة هي أصل شجرة النبوة نفس المصدر ص 204 ، ص 205 (2) سور الأحقاف آية (15) (3) عن أمير المؤمنين ، وهو الشجاع الذي لم ولن يُشقُ له غبار ، أنه قال : (كنَّا اذا اشتد البأس وحمى الوطيس اتقينا برسول الله ولذنا به) – المصدر- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ، ج 13 ، ص 279 وقال : (وهو أقربنا الى العدو وكان من أشد الناس يومئذٍ بأسًا) - المصدر- بحار الانوار : ج 11 ص 232 في شجاعته . (4) كانت فاطمة تحاول تضمد جرح رسول الله وقطع الدم الذي كان ينزف من جسده الشريف ، فكان زوجها يصب الماء على جرح رسول الله وهي تغسله ، ولما يئست من انقطاع الدم أخذت قطعة حصير واحرقتها حتى صارت رمادًا فذرته على الجرح حتى انقطع الدم – المصدر – فضائل الخمسة : ج 3 ، ص 161 (5) الذين تشرفوا بزيارة النبي في المدينة ، يلاحظون المسافة بين مسجد رسول الله وبين المساجد السبعة التي هي مغلقة الآن – هي مكان معركة الخندق . (6) ان الزهراء (ع) جاءت يوم الخندق ورسول الله منهمك مع أصحابه في حفر الخندق لتحصين المدينة وحماية الإسلام ، وجاءت وهي تحمل كسرة خبز فرفعتها إليه ، فقال : (ماهذه يافاطمة؟ قالت : من قرصٍ اختبزته لإبني ، فجئتك منه بهذه الكسرة ) فقال (ص) : يابنية أما إنها لأول طعامٍ دخل في فم أبيك منذ ثلاث ) -المصدر : ذخائر العقبي : 47 ، وفضائل الخمسة 3 ، ص 161 (7) روي عن النبي (ص) : (لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين (ع) لفاطمة ، ماكان لها كفؤ على وجه الأرض) – المصدر – كشف الغمة ، للأردبيلي ، ج1 ، ص 463 ، بحار الانوار ، ج1 ص30 علوم أخبار الرضا ج15 ، ص 23 (8) هناك رأي ذهب اليه بعض علمائنا من المتقدمين والمتأخرين يقول : أن رقية وأم كلثوم وزينب هنَّ ربيبات رسول الله ، وان البنت الوحيدة له هي فاطمة الزهراء من خديجة عليهما السلام – وفي رأينا هذا لايستند الى أدلة قوية ، وانما الدليل القوي قائم على أنهنَّ بناته . (9) يقول أمير المؤمنين عن الصديقة الطاهرة : ( فوالله مااغضبتها ولا اغضبتني) (ولقد كنتُ أنظر إليها فتنجلي عني الغموم والأحزان بنظري إليها) – المصدر: المناقب للخوارزمي : ص 353 – المصدر : روضة الواعظين : ج1 ص 151 (10)الفقيه (1) –التهذيب (2) – علل الشرائع : الباب 88 (11)عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي بن ابي طالب : ذات يوم ساعيًا ، فقال : (يافاطمة هل عندك شيء تغذيينه؟ فقالت : لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ، ماأصبح الغذاة عندي شيء وماكان شيء أطعمناه مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني .. هذين (الحسن والحسين) فقال علي: (يافاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئًا ) فقالت : ياأبا الحسن اني لأستحي من إلهي أن أكلف نفسك مالا تقدر عليه ) – المصدر : بحار الانوار ، الجزء (2) ، ص 86 (12) عن الامام الصادق بسنده عن الامام الحسن بن علي – المصدر : المناقب للخوارزمي : 353 (13) سورة الأحزاب أية (33)
|