34 | في داخلك عبد أو فرعون؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف - سلسلة وصية الامام الكاظم في العقل
التاريخ: 30/10/1443 هـ
تعريف:

في داخلك عبد أو فرعون

كتابة الفاضل علي السعيد

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد، لا يزال حديثنا في وصية الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم البغدادي، ووصلنا فيها إلى هذه الفقرة: "يَا هِشَامُ مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى إِخْوَانِهِ وَاسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ‏ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ أَعْنَى لِغَيْرِ رُشْدِهِ....، يَا هِشَامُ إِيَّاكَ وَالْكِبْرَ عَلَى أَوْلِيَائِي وَالِاسْتِطَالَةَ بِعِلْمِكَ فَيَمْقُتُكَ اللَّهُ فَلَا تَنْفَعُكَ‏ بَعْدَ مَقْتِهِ دُنْيَاكَ وَلَا آخِرَتُكَ وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَسَاكِنِ دَارٍ لَيْسَتْ لَهُ إِنَّمَا يَنْتَظِرُ الرَّحِيلَ"، صدق سيدنا أبو الحسن الكاظم عليه السلام في مواعظه ونصائحه. في الفقرة الأولى من هذه الوصية الشريفة، يرتب الإمام عليه السلام (3) خصال، إحداها تكون مقدمة للأخرى، الصفة الأولى: (التعاظم في الذات)، الشعور بالعظمة، هذه الصفة الأولى تجر إلى صفة أخرى سيئة، وهي (التكبر على الإخوان، والاستطالة عليهم)، الصفة الأولى ميدانها النفس، والصفة الثانية ميدانها المجتمع، والصفة الثالثة هي الادعاءات الباطلة بما ليس من حقه، كأن يدعي رئاسة قوم وهو ليس في هذا المستوى، أن يدعي منصبا سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا وهو غير مؤهل لذلك. هذه النهاية هي أيضا بعد مقدمتين، العظمة والتعاظم في داخل نفس الإنسان، ثم الاستطالة والتكبر الاجتماعي، وهذه الخصال لاسيما الأولى منها أكثر الناس مهددون بها إن لم يلتفتوا إليها، الشعور بالعظمة، الشعور المتضخم بالذات، هذه من المشاكل التي يتعرض لها المتكلم، ويتعرض لها ربما السامع، وقد يلتفت وقد لا يلتفت إليها، توجيه الاجتماع اليوم يساعد بشكل كبير على الشعور بالعظمة، على الشعور الطاغي بالذات. لاحظوا بينما يوجه الدين في عباداته وفي أخلاقياته وفي فلسفته الحياتية إلى تخفيض الشعور بالذات إلى درجة اعتبار الإنسان نفسه أنه عبد، هل هناك مرتبة أقل من مرتبة العبد المملوك الذي لا يملك شيئا وهو مملوك لغيره؟ لا توجد مرتبة، هذه الدرجة التي يريدها الدين من كل إنسان أن يشعر بها في داخله إلى أن يصل أن أفضل الخلائق وهو سيد الأنبياء محمد صلى الله وآله وسلم، عندما جلس على الرغام وعلى التراب، وأخذ يأكل بيده الطعام، مرت عليه امرأة فقالت يا محمد إنك لتجلس جلسة العبد، وتأكل أكلة العبد، هذه الي يعملها العبيد. شخص يقعد على التراب ما بينه وبين التراب فاصلة، أنا وأنت لا نفعلها عادة، فكيف برسول الله؟ لكنه جلس على الرغام، وأكل بيده الطعام، فمرت عليه هذه المرأة، قالت له يا محمد، إنك لتجلس جلسة العبد، وتأكل أكلة العبد، أنت ليست عندك شخصية، ليس عندك شعور بذاتك، قال ويحكِ أي عبد أعبد مني؟ أنا أعبد الخلائق، لا يوجد أحد في الدنيا أكثر عبودية وتواضعا مني أنا رسول الله، ولذلك نقرأ في التشهد، وأشهد أنك عبده ورسوله، وإذا أراد ربنا سبحانه وتعالى أن يمدح بعض أنبيائه ماذا يقول؟ نعم العبد، (خوش عبد هذا)، ﴿... ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [سورة ص: 30]. كل توجيهات الدين بهذه الطريقة، الصلاة لماذا؟ لأنك تضع أشرف مواضعك على أخفض مكان على التراب، ولذلك هذا التأكيد أيضا من قبل أهل البيت عليهم السلام على أنه لا يصح السجود إلا على الأرض أو ما أخرجت الأرض، لا تسجد على السجاد، لا تسجد على الذهب، لا تسجد على الحرير، لا تسجد على الأشياء من هذا النوع، لابد أن تسجد على الأرض، إذا لم تكن هناك أرض، هات الأرض إلى داخل مكان سجودك، هات شيئا من الأرض وضعه، لماذا؟ حتى هذا الجبين الذي هو أعلى شيء فيك يكون في حركة السجود والتي هي أنزل شيء، لا يوجد شيء أنزل منها، هكذا انحناء، الركوع أيضا انحناء، أكثر من ذلك انحناء، آخر مرتبة هو أن الشخص يضع جبينه على الأرض، هذه لا توجد فيها مرحلة أبعد منها، وأيضا يجب أن تضعها على ماذا؟ على التراب، على الرغام، على الأرض، (جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا). وذات الكلام في الطهارة، أنت تتطهر، ولكن بماذا؟ بالرغام بالتراب بالصعيد في مثل التيمم، فقدت الماء لا توجد مشكلة، دعني يا أخي أضع عطرا وأتوضأ به، أتوضأ بالزيوت مثلا، لا، لا، تذهب إلى التراب الذي خُلقت منه، والذي يتوافق هناك مع أصلك وفصلك. انظر إلى توجه الدين ذاك الاتجاه، وهو تحقيق درجة العبودية الكاملة، وهي درجة العزة كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا إلهي أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب)، غاية العزة أن أكون عبدا من العبيد لك يا رب العباد، كل ما يستطيع الإنسان أن يكسر في نفسه ذاته، يكسر شعوره في داخله، لا يعتبر لنفسه قيمة في داخله، في أعين الناس عظمني لكن وفي نفسي فماذا؟ فذللني، دعني يا رب أشعر أنه أنا لا قيمة لي، لا اعتبار عندي، حقيقة أنا إنسان، لا قيمة لي، هذا إذا الإنسان يضع في داخل نفسه هذا المعنى، فقد حقق أفضل مراتب العبودية لله عز وجل، يا رب أنت أكبر وأنا أنزل شيء، أنت الرب وأنا المربوب، أنت الخالق وأنا المخلوق، أنت الرازق، وأنا المرزوق، أنت كل شيء وأنا لا شيء، عندي قدرة؟ لا، لا حول ولا قوة إلا بالله، عندي حركة؟ لا، بحول الله وقوته أقوم وأقعد، عندي مال؟ لا، لا أملك شيئا، هذا من فضل ربي. إذا الإنسان يسعى في هذا الاتجاه كما أمر الدين، فهو فائز، عكس هذا تماما هو الذي تبثه اليوم الثقافة المعاصرة، أول ما يأتي لك، ماذا يقول؟ أنت كن متميزا، يجب أن تتميز عن غيرك، ثوبك لها شكل، تسريحتك وقصة شعرك لها شكل، سيارتك بشكل، لماذا؟ حتى تتبين للناس أنك إنسان ليس هينا، حتى لو تذهب وتستأجر سيارة كما يصنع بعضهم ويستأجر سيارة مدة يوم ويأخذ بجنبها صورا وفيديوهات وغير ذلك، ثم ينشرها على أساس أنه ماذا؟ أنه هو المالك لهذه السيارة، وهو المالك لهذا البيت وما شابه ذلك، الغرض ماذا؟ أنه يا أيها الناس احترموني ترى (أنا مو سهل)، أنا عندي سيارة قيمتها مثلا نصف مليون ريال، (100) ألف دولار، (150) ألف دولار، أنا لست هينا، ما في مشكلة أذهب وأستعير ملابسا خاصة وأصور فيها فقط حتى الناس تفهم أنه أنا (مو إنسان سهل)، (أنا مو مثل العبيد)، أنا كالأغنياء كالأثرياء كالمليونيرية. هذا التوجه أين؟ وذاك التوجه أين؟ ذاك الذي يقول سيد الخلق يقول أي عبد أعبد مني، وهذا يقول لك لا أنت حتى لو ليست لديك اذهب واقترض فقط حتى تصور، حتى الناس يقولون ما شاء الله، ماذا؟ (شنو هالكشخة)، (شنو هالفخفخة)، (شنو هالامتلاك). على طرفي نقيض، التوجيه العام دائما أنت متميز، لا، أنا لست متميزا، إذا متميز فإنما ذلك بكثرة عبادتي وعبوديتي وتواضعي، لكن هذا التوجيه يقول لك لا، أنت متميز عندما تشرب سجائر (روثمان) أيام زمان، طيب أنت متميز إذا ركبت في السيارة الفلانية، أنتِ متميزة إذا استخدمت العطر الفلاني، هذا التوجيه تماما على خلاف ذلك التوجيه، هذا التوجيه محاولة تربية العظمة في داخل نفس الإنسان. لذلك إذا تلاحظون نتيجتها أن الإنسان بعد فترة فعلا يصدق نفسه، إلا من عصم الله، فإذا شخص قال له كلاما، يقول أنت من حتى تكلمني بهذا الكلام؟ أنا عبد من عباد الله أنصحك هذه النصيحة، لا، يستكثر، لماذا؟ لأنه مصدق أنه عظيم، العبد في داخل نفسه عادي، واحد يأمره، واحد ينهاه، واحد ينصحه، واحد يعظه، ما عنده مشكلة، الذي يمتلك العبودية في داخل نفسه عادي عنده هذه الأمور، لكن هذا الذي (شايف) نفسه ليس شخصا عاديا، تدري أنا من؟ أحدهم نصح شخصا آخر بأن يتقي الله، وأن يعمل عملا صالحا، قال أتعلم من أنا؟ قال بلى، أعلم من أنت، قال من أنا؟ قال أنت الذي جريت في مجرى البول مرتين، عندما أخرجك أبوك نطفة جريت في مجرى البول، وعندما أخرجتك أمك إلى هذه الحياة خرجت مرة أخرى، (أولك وتاليك) هو هذا، فسكت، هذا يستعظم على نفسه كيف يُنصح. إلى أن يوصل إلى ذاك الطاغية الأموي الذي صعد المنبر فقال لا يأمرني بعد هذا أحد منكم بتقوى الله إلا ضربته عنقه، هذه أي نفس طاغية؟ أي شعور متفجر بالذات في داخل نفس هذا الإنسان؟ أين هذا وأين توجيه الأئمة عليهم السلام الذي يقول خير إخواني أحب إخواني من أهدى إليّ عيوبي؟ أولا أنا عندي عيوب، ثانيا أنا ما أستنكف أن شخصا يأتي ويقولها، ثالثا إذا قالها لي وقدمها لي فهذا أحب الإخوان، وهو يقدم لي هدية، هذه النفسية أين ونفسية (تدري أنا منو؟) ولا تقل لي بعد هذا الكلام مرة ثانية، و(خلي عنك هالهرار اللي مدوخ راسي فيه)، هذا الشعور المتعاظم بالذات أول مفسد لشخصية الإنسان، تماما على خلاف توجيه الدين والإسلام. تأتي أيضا بعد ذلك على درجات، عالم الدين مثلي وأمثالي من الممكن أن في داخله يعتقد أنه أعمال الناس كلها (خرابيط)، لا يلتزمون بطهارة، ولا بأعمال (عدلة)، ولا يتوضؤون (عدل)، ولا يغتسلون، هذه أعمالهم كذا، أنا الذي أعرف الأحكام تماما، وأطبقها، من مثلي؟ أحيانا حتى العالم، حتى أمثالنا من المتحدثين في الدين، من الممكن أن يحدث له هذا، وأنا يعني الحمد لله وإن كان يقدم بعضهم إليك ويقول إليك أنا لا أمدح نفسي، وأعوذ بالله من كلمة أنا، وتعالوا وانظروا ماذا يقول بعد ذلك. فمن الممكن أن يحدث عند الإنسان العادي، من الممكن أن يحدث عند عالم الدين، من الممكن أن يحدث عند الإنسان المثقف، أنا قرأت مجموعة كتب فيها من هذا (اللوجي واللوجي واجد) (أبستمولوجي وما أدري أيديولوجي وإلى آخره) ما دام صرت أحفظ هذه الأشياء بعد ماذا أنصت إلى هؤلاء العوام من الناس الذي لا يفهمون (الهر من البر) كما يقولون، هؤلاء فقط للنوافل والزيارات والصلوات وغير ذلك، نحن لا شيء آخر أصلا. فقد يحدث للإنسان هذا، قلت عالم يحدث إليه، إنسان غير عالم بالمعنى المتعارف يحدث إليه، مثقف يحدث إليه، غير مثقف يحدث إليه، لذلك الإنسان يستطيع أن يتغلب على هذا، دائما بأن يشعر نفسه حقيقة...، انظر مثلا في الأدعية (اللهم إني أصبحت لك عبدا داخرا لا أملك لنفسي نفعا، ولا ضرا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا)، أعترف بنفسي على ذلك، أنا إنسان عبد، أصبح الصباح ما أدري ماذا؟ لا أمتلك في هذه الدنيا خيارا، أنا تحت رحمتك يا رب، وتحت لطفك، لا أستطيع أن أقدم ولا أستطيع أن أؤخر، الرزق ليس أنا الذي أفعله، أنت تسوقه إليّ، أنت تدفع عني، وأنت تمنع عني، وأنت ترزقني، وأنت تعطيني، وأنا لا شيء. إذا وصل الإنسان إلى هذا الأمر، لذلك من المستحبات أن يبدأ الإنسان يومه بعد البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، (أصبحنا وأصبح الملك لله، والأمر لله، والخلق بيد الله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)، كل شيء أنا لا أستطيع أن أفعله إلا ما وفق إليه ربي، وما أعانني عليه. الإمام موسى الكاظم عليه السلام يقول "مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ الْأَرْضِ..."، هذا وجود ناشز، هذه الشجرة وهي أطول منه وأصلب عودا منه تطيع ربها وتجري على وفق ما أراد منها ربها، تصبح محكومة مأمورة مخلوقة تؤدي وظيفتها التي جعلت لها في هذه الحياة، إذا مثمرة تعطي الثمر، إذا ليست مثمرة تعطي الظلال، إلى أن يأذن الله بعد ذلك ستموت. الشمس، هذه الشمس الهائلة العظيمة في كل يوم (إن صح هذا التعبير) عندما نصبح هي تجري لمستقر لها، مأمورة عبدة تنفذ ما أمر الله تعالى لها من دون أن ترفع (خشمها حسب التعبير)، لكن هذا الإنسان الضعيف الضئيل القليل الذي تؤذيه البقة وتقتله الشرقة، هذا العقدة فيه الذي يشمخ بأنفه، يناطح السماء، وينكر ربه الذي أنعم عليه، ويعصي إلهه الذي وجه الخير إليه، هذا الوجود الناشز، (آنئذ الملائكة ترى هذا شنو من شيء)، لا هو قوي، لا هو غني، لا هو أوجد نفسه بنفسه، هو محتاج في كل لحظة إلى ربه لكي يتنفس، ومع ذلك يصارع ربه بالمعصية ويجاحده بالنكران، أليس من حق الملائكة ملائكة الأرض أن تلعنه، ملائكة السماء تلعنه، لو أن الله سبحانه وتعالى ترك الملائكة تأخذ راحتها لكانت فتكت بمثل هذا العبد، نسأل الله العصمة لنا ولكم. هذه المرحلة عظمة داخل الذات، الإنسان لا يكتفي بهذا، لكن أن يصبح عظيما بهذا الشكل، لا، إذا تعاظم في نفسه، يريد هذا يقوم من مكانه إليه، أنت أصغر مني لماذا أن جالس هنا وأنا جالس في ذاك الطرف؟ يجب أن تعرف واجبك وتقوم، ما يحتاج أنا أقول لك، يستطيل على غيره، الشارع يسير فيه ويسير الكل، كيف يتقدم عليَّ هذا؟ سيارته كل جانب منها طايح وأنا سيارتي بنص مليون كيف يتقدم عليَّ هذا؟ كيف )يغوغي( إليه، لماذا لا يأخذ على جنب ويضرب لي تحية، يستطيل الإنسان على غيره، فلانة كيف تتقدم عليَّ وهي لا هي ذاك الجمال، ولا عندها ذاك المال، وغير ذلك، كيف تتقدم عليَّ؟ يجب أن تقدمني أنا، يجب أن تعترف إليَّ بالحق. يا هذا، ويا هذه، أنتَ وأنتِ واهمان، العظمة هذه عظمة كاذبة، لا أصل لها ولا حق، بل لو كانت حقيقية لما طلب الإنسان ذلك، الإنسان العظيم حقيقة لا يطلب التعظيم، ذكرنا: " اللهم ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها". هذا الإنسان بالعكس، يتصور ما دام هو كبير، راتبه كثير، كيف لا يحترمه الناس، عنده مرتبة علمية، أمام اسمه حجة الإسلام والمسلمين، لماذا الناس يتهافتون على يده وعلى جبينه حتى يقبلوها، لماذا لا يعرفون الواجب واللازم، أمام اسمه هناك كلمة أو حرف (الدال)، كيف يقولون فلانا ولا يقولون الدكتور الفلاني، وبعضهم يفعل معركة، صحيح الإنسان ينبغي أن يعطي لكل ذي حق حقه، لكن صاحب الحق إذا كان عاقلا لا يفتش عن هذه الأمور، ماذا ينفع الإنسان لو قيل له آية الله في العالمين، أو فقيه الأولين والآخرين، ماذا سيزيد عنده؟ ماذا يحصل إليه أكثر من هذا؟ لو قالوا هذا الدكتور الذي أنسى من سبقه، وأتعب من يلحقه، ماذا تحصل لو قالوا هذه المرأة ملكة جمال الكون؟ ماذا ستحصل هذه المرأة؟ أي شيء سيزيد فيها؟ تصبح عندها (3) أيد مثلا أو رأسان؟ أو منزلتها عند الله ترتفع؟ أو أخلاقها تكبر؟ فيبدأ في المرحلة الثانية هذا الإنسان يستطيل على غيره، يريد شعوره بالعظمة، هو صدق نفسه إنه عظيم في داخل نفسه، ليس عبدا، وإنما عظيم، يطالب من حوله بأن يمارسوا معه ما يقتضي ذلك، مادام أنا عظيم إذن خذوا لي تحية، ما دام أنا غني إذن قوموا بواجبكم في تكريمي، ما دام أنا جميل فإذا تأخروا عن طريقي حتى أنا أمشي أمامكم، وعلى هذا المعدل، يحوله إلى أمر اجتماعي، ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم، فقد ضاد الله، يعني يصبح هذا بمرتبة الضد لله عز وجل. الله هو الذي في هذه الدنيا يجب على الإنسان أن يوقره ويعبده ويخضع له ويظهر ذلك، يقول الله عز وجل، وقت الصلاة يذهب ويسجد على التراب تعظيما لله عز وجل، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، إذا واحد أراد أنه يصبح بهذا الشكل، قالوا فلان يجب على كل إنسان مثلا يأتي ويضرب تحية إليه، هذا يضاد الله في خلقه، "فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ‏ وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ أَعْنَى لِغَيْرِ رُشْدِهِ". المرحلة الثالثة هي الأخيرة ما دام أنا في نفسي عظيم جدا، وأطالب المجتمع أن يعترف لي بذلك فأستقيل عليهم تأتي بوابة الفتن الفكرية، يصير هذا يدعي مثلا الإمامة، يدعي المرجعية العظمى وهو غير أهل، يدعي الرئاسة الكبرى، وهو غير مؤهل، وعلى هذا المعدل. للحديث تتمة تأتي إن شاء الله في وقت آخر وصلى الله على محمد وآله الطاهرين؟
مرات العرض: 4205
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 75708.08 KB
تشغيل:

1 | وصية الامام الكاظم لهشام .. لماذا مهمة ؟
39 | جنود العقل وجنود الجهل