قال الله العظيم في كتابه الكريم (وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين فستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)
مر لنا حديث حول تسبيح الله عز وجل من الانسان المؤمن وبينا معناه وما يتصل بالثواب المترتب عليه والأثار التي تحدث للإنسان بسبب ذلك، وقلنا إن مما يقدمه القرآن الكريم للإنسان أن في التسبيح شفاء الصدر كما تقول الآية (ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك)
وفي موضع آخر يشير القرآن الى أن التسبيح طريق نجاة من أعظم المأزق و المهالك الدنيوية فضلا عن الأخروية ففي قصة نبي الله يونس يتبين أن التسبيح فيه شفاء ونجاة وهو في ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض ومع ذلك في ذلك الموضع كان التسبيح وما سمي فيما بعد بالذكر اليونسي هو المنجى ( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون ) هل هذا خاص بنبي الله يونس ، هل هي قضية إعجازية منفردة ، القرآن الكريم يجيب في موضع آخر بانه لم يكن خاص بنبي الله يونس فهو كان في مأزق و كان في الظلمات فنادى أن لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ، فالأمر ليس خاص به وكذلك ننجي المؤمنين .
في قصة نبي الله يونس هناك امتزاج بين التسبيح والتهليل واعتراف الانسان بانه ظالم لنفسه.
فببركة هذا المثلث التسبيح والتهليل والاعتراف ينجي الأنسان من مأزق كسجن الحوت وليس خاصا كما قلنا بنبي الله يونس، والدليل تعقيب الآية في نهايتها وكذلك ننجي المؤمنين.
فأفعال الله عز وجل ليست معلله بالقدرة وانما هي بالإضافة الى ذلك محكومة بالحكمة ، الله يستطيع أن يفرج عن جميع الأسراء المؤمنين في كل بقاع الارض يقدر على ذلك ، كما أن الله يستطيع أن يغني جميع فقراء الكون ،و الله قادر ان ينصر كل مظلوم من عباده في كل مكان بالنسبة الى كل قضية ولكن هذا ليس خاضع فقط للقدرة وانما جميعها متعلق بحكمة الله في عباده فهناك من يسبح ويهلل ويعترف ويستغفر ولا يستجاب له لان حكمة الله لم تقتضي ذلك، بل الله قادر ان يغير وضع اي عبد من عباده بدون تسبيح أو تهليل واعتراف فالله على كل شيء قدير ارادته وحكمته فقط تقتضي ذلك .
في قصة نبي الله يونس التهليل يسبق التسبيح في قوله لا اله الا انت سبحانك فالتقديم والتأخير في القرآن الكريم له غاية وسبب فترتيب آيات القران الكريم وترتيب مقاطعها ناشئ من الحكمة بمقدور الله ان يقول في آياته سبحان الله لا اله الا الله او يقول سبحانك لا اله الا انت ولكن في هذه الآية قدم التهليل على التسبيح ومن بعدهما الاعتراف ، فلابد أن يعترف الانسان بألوهية ووحدانية الله ثم يتعجب من حكمته ثم يثني عليه فيؤسس الاساس ثم بعد ذلك يضفي عليه عناصر المدح والتنزيه وما شابه ذلك فهذا ليكن مطلعا لحديثنا حول التهليل وهو قول العبد لا اله الا الله كما أن سبحان الله تسبيح وكما قول لا حول ولا قوة الا بالله حوقلة وكذا قول بسم الله تسميتا، فقول لا إله الا الله تهليل ، جاء في القرآن الكريم مكررا وكثير فقد جاء في آيات متعددة احصاها البعض واوصله الى 37 مره بهذا العنوان لا اله الا الله او لا الله الا أنت أو لا اله الا هو ، وجميعها تنتهي الى معنى واحد هو افراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية مثلا ما جاء في هذه الآية ( وذا النون اذ ذهب مغاضبا ....) ومنها قول الله عز وجل في أية الكرسي وهي أعظم الآيات فيقول (الله لا إله الا هو الحي القيوم) وهذه الآية تحتاج الى احاديث كثيرة لنتوصل الى عظمتها وعظمة المعاني التي وردت فيها ، الشيخ محمد فلسفي تحدث في شهر رمضان ثلاثين ليلة حول آية الكرسي وطبع كتاب بهذا العنوان وهو مترجم أيضا الى اللغة العربية ، وهي تستحق ذلك لما فيها من أسرار وأثار ، آية الكرسي هي آية واحدة الا اذا جاء خبر أن تقرء الآيتين التي تليانها في بعض الصلوات المستحبة ففيها جاء نص أن تقرء آية الكرسي بالإضافة الى ما بعدها الى قوله تعالى خالدون ، وورد في فضلها أنه قيل كما في الروايات ( فاذا قرء آية الكرسي مرة واحدة وكل الله به ملكا يحفظه من كل سوء ، فاذا قرء آيتين وكل الله به ملكين واحد من الامام وواحد من الخلف ، فاذا قراءها ثلاث واربع وكل الله به ثلاث ملائكة واربع ملائكة ، فاذا قراءها خمس مرات تولى الله عز وجل حفظه ورعايته ) وهذا فيه مبالغة في الحفظ فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
آية الكرسي محورها حول لا إله الا هو الحي القيوم ثم بعد ذلك تأتي الآيات والفقرات مؤكدة للمعنى الاول.
ومما ورد الله لا اله الا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، وهذا فيه مقدمة ونتيجة فما دام الله لا اله الا هو لا توجد هناك قوة في الكون ولا سلطان ولا أحد يقدم ويؤخر الا الله فليكن التوكل على الله وليس على أحد من عباده ، لماذا الانسان ينتظر النصر من أحد بينما الله موجود هو نعم المولى ونعم النصير ، لا بأس من سعي الانسان وراء السبل والوسائل التي جعلها الله سبحانه وتعالى في الحياة ويتخذ الاسباب ولكن لابد من ان يكون في قناعة الانسان انه لا ميسر لما عسر الله ولا مقدم لما أخر الله ولا ناصر لمن خذل الله فهو لا اله الا هو ، الجميع يقر بالشهادة بان لا اله الا الله في اذانه واقامته وصلاته وفي الاذكار ولكن احيانا تكون السلوكيات مخالفه لهذا الاعتراف اللفظي فحينما يخاف الانسان من شيء يعلم ان لا حافظ ولا ضار ولا نافع ولا ناصر الا الله فلماذا اذا وقع الانسان في مأزق يخاف ويجزع لماذا لا يتوكل على الله فالله قادر على صرف السوء وقادر على نصرة عباده وتغيير احوالهم الى الافضل ويفرج ما وقع من كرب وغير الله لا يستطيع ذلك ، وهناك من يقول لا اله الا الله بلسانه ولكن يلجأ لحل مشاكلة الى أمور محرمة كاللجوء للسحرة وهو يعلم بأن الذاهب الى الساحر والمستمع له كافر لان من يلجأ له يعتقد بأن هذا الساحر يستطيع من تغيير الموجود الى الافضل حسب ما يريده ويرغب به من غنى وصحة وانجاب وسعادة ،بينما كل ذلك بمقدرة الله وأرادته فالساحر غير مأذون من الله بفعل ذلك ، فالله اعطى الكرامات لا ولياءه من عباده المؤمنين والصالحين بينما الساحر يلجأ الى ما حرم الله ومن يقصده فهو ابتعد عن الله وعبد غيره واعتقد بقدرة غير الله وكأنه يعبده ويتوكل عليه فلهذا الآية تؤكد الله لا اله الا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون .
في آية آخره (رب المشرق والمغرب لا اله الا هو فأتخذه وكيلا) اي توكل على الله واستعن به لا بغيره فهو نعم المولى ونعم النصير، فمن يقرا هذه الآية بلسانه ويلجأ لغيره هذا دليل أن ايمانه خاطئ وهكذا سائر الآيات المباركة (وإلهكم إله واحد لا إله الا هو) (لا إله الا هو الرحمان الرحيم) 37 موضع في القرآن اكدت الآيات بانه لا إله الا هو سبحانه وتعالى.
حينما يقول الانسان لا إله الا الله يحوز على ثواب كثير بمجرد أن يتلفظ بهذه الشهادة، في الرواية عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال (من قال لا إله الا الله مئة مرة كان أفضل الناس ذلك اليوم عملا الا من زاد) فالذكر عمل من الاعمال فالمؤمنون ذاكرون يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم.
وفي رواية أخرى عن ابي عبد الله الصادق عن ابيه اي الباقر عليهما السلام انه قال (جاء أعرابي الى النبي محمد فقال يا رسول الله هل للجنة من ثمن؟ قال نعم، قال ما ثمنها؟ قال النبي لا إله الا الله يقولها العبد مخلصا بها، قال وما أخلاصها؟ قال العمل بما بعثت به في حقه، وحب أهل بيتي، قال فداك ابي وامي وأن حب أهل البيت لمن حقها؟ قال ان حبهم لا عظم حقها)
فهذه الرواية تبين ان لكل شيء ثمن وثمن قول لا اله الا الله ان كان قائلها اعتقاده صحيح بها فهو يتكل على الله ويعبده حق عبادته وليس فقط تلفظ يكون ثمنها الجنة فمن ينطق بالشهادة يكون مسلم ولكن يجب عليه العمل بمقتضى ذلك ، وفي هذه الرواية يتبين العلاقة بين قول لا اله الا الله وحب أهل بيت النبي عليهم السلام ويفسر هذا الحديث قول الامام الرضا في الحديث المشهور عندما ذهب الى طوس ووقف عند نيشابور واجتمع مئات المحدثين وقالوا حدثنا يا أبن رسول الله حديثا ننقله عنك مباشرة المعروف بحديث سلسلة الذهب فقال حدثني ابي موسى ابن جعفر قال حدثني ابي جعفر بن محمد قال حدثني ابي محمد ابن علي قال حدثني ابي علي ابن الحسين قال حدثني ابي الحسين ابن علي قال حدثني ابي علي امير المؤمنين قال حدثني رسول الله صل الله عليه واله قال حدثني جبرائيل عن الله وهذا افضل سند فبعض الخلفاء يقول لو قرئ هذا السند على مجنون لأفاق من بركته قال ( لا اله الا الله حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي ثم سكت قليلا واخرج رأسه مرة أخرى وقال بشروطها وأنا من شروطها ) وهذا نفس الكلام وان حب أهل البيت من حق لا اله الا الله مخلصا قال انه لأعظم حقها لإنه شرط من الشروط وانا من شروطها ثبتنا الله على حبهم وولاء يتهم عليهم السلام