لا حول ولا قوة الا بالله آثارها التكوينية
التاريخ: 5/10/2024 م
تعريف:

لا حول ولا قوة إلا بالله آثارها التكوينية

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

لا يزال حديثنا عن الأذكار التي على المسلم أن يكررها باستمرار لأن لها أثرًا في تعميق عقيدة الإنسان بخالقه ومسؤولياته تجاهه وهي أشبه ببرقيات قصيرة الألفاظ لكنها تختزن معاني كثيرةً جدًا وكبيرةً للغاية . فمثلًا عندما تقول لا إله إلا الله فأنت بهذا تعترف بوحدانية الله عز وجل وأنه لا شريك له وهكذا عندما تكرر ذكرًا آخر مثل الحمد لله رب العالمين فأنت تعتقد أن من مسؤولياتك كعبدٍ مخلوقٍ أن تعترف لله بالحمد والشكر على نعمه فهذه معانٍ عقيدية وبالإضافة إلى ذلك يوجد في هذه الأذكار آثارٌ من جعة الثواب والجزاء فإنه وردت أحاديث كثيرةٌ في أن من قال ذكر لا إله إلا الله كان له من الأجر كذا ومن قال التسبيحات الأربع كان له من الأجر كذا وعلى هذا المعدل والإنسان المؤمن العاقل يبحث عن الثواب والأجر ليضمن في يوم القيامة دخوله الجنة بل في أرفع الدرجات في الجنة بهذا الثواب والأجر المضاعف من قبل الله . وكذلك أيضًا لهذه الأذكار آثارٌ تكوينية خارجية فإن الله سبحانه وتعالى وهو الذي خلق الخلق وربط الأشياء بعضها ببعضٍ فربط مثلًا بين الماء وبين نمو الشجر وهذا يحتاج إلى ارتباط لكنه لم يربط بين مثلًا النفط وبين نمو الشجر على الرغم من أن هذا سائل وذاك سائل فجعل الله من الماء كل شيءٍ حي فجعل وإلا هو نفسه الماء ليس له قابلية وإنما الله سبحانه وتعالى جعل في الماء قدرةً على إحياء كل شيءٍ قابل لهذه الحياة بدءً من الإنسان والحيوان والأشجار وغير ذلك . فالله الذي صنع هذه الروابط والعلائق قال أيضًا على لسان أوليائه أن هناك ارتباطًا بين الذكر وبين بعض الآثار التكوينية ، فإذا قال المؤمن بعد الغداة سبع مرات لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقال بعد صلاة العشاء مثل ذلك وُقي ما بينهما من سبعين نوعًا من البلاء . وقد أجبنا على سؤالٍ سابق أنه نحن نقرأ هذا الدعاء ولكن لا يحدث لنا هذا الأثر قلنا أنه لو أن الله سبحانه وتعالى استجاب كل دعاءٍ لكل شخصٍ وبشكلٍ فوري فسينهدم كل الكون ولا يستقيم شيءٌ على شيء فأنا أدعو أن يارب ارزقني مليار وأنت تدعو أن يرزقك اثنين وذاك يدعو أن يرزقه أربعة فمن سيعمل ؟ فسينهدم النظام الاقتصادي . وحين يدعو الإنسان يارب اهدِ ابني وذاك يقول يارب اهدِ ابنتي والزوج يقول اهدِ زوجتي فلو أن الله استجاب فورًا لكل أحدٍ كل دعاءٍ لاختل نظام الكون . فذاك الوقت من يربي ومن يوجه وإذا دعا لأولاده بأن يكونوا علماء فمن سيذهب للمدرسة والحوزة والجامعة وجلسات الاستماع ؟ فالله قادرٌ على إجابة كل دعاء لكن الحكمة تخالفه فحكمته تتماشى مع قدرته وعلمه يتماشى مع سطوته ولذلك الكون يستقيم بحكمة الله عز وجل ويقوم أساسًا بقوته أما لو جئنا لنحوٍ آخر كأن يقول من أراد أن ينفي الفقر فليكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فيقول أحدهم أني منذ شهر وأنا أقول لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا أزال فقيرًا فأولًا كما ذكرنا سابقًا لو أن الله يستجيب للإنسان في كل شيء فسيصبح هذا الإنسان كسول لا يعمل وهذا فيه فساد للشخص وللمجتمع . وعلى فرض أن الله سبحانه وتعالى حكمته اقتضت تأخير الإجابة في جهةٍ فإن سائر الآثار المترتبة فالله تعالى ما خلصني من الفقر خلال أسبوع ولكن الأثر الآخر وهو الثواب الكثير المرتبط بهذا الذكر موجود والمعرفة بالله عز وجل والتسليم له وما يحصل عند الإنسان أيضًا موجود. عن الإمام الرضا عليه السلام ( إذا خرجت من منزلك في سفرٍ أو حضر فقل بسم الله آمنت بالله توكلت على الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله فتلقاه الشياطين فتنصرف وتضرب الملائكة وجوهها وتقول ما سبيلكم عليه وقد سمَ الله وآمن به وتوكل عليه وقال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ) فهذه أذكار بسيطة جدًا ولو تعودها الإنسان في كل خروجٍ يخرج فيه من بيته ، فهذا الحديث يذكر الآثار التكوينية ولا يذكر الثواب . وضحنا شيئًا من معنى لا حول ولا قوة إلا بالله ونوضح الباقي الآن . من معانيها يعني لا تحول من معصية الله إلى طاعته إلا بقدرته عز وجل . وهذا الأصل (ح و ل ) حول يحول تحول تنبثق منه معانٍ كثيرة منها قضية التحول والانتقال من حالةٍ إلى حالة ومنها سمي الحول حولًا يعني سنة فتقول إذا دار عليك الحول فخمس أموالك وكذلك الزكاة فالحول تعني السنة وسميت بذلك كما يقولون لأن الأرض تمر في مراحل مختلفة والشمس من مرحلة إلى مرحلة ومن فصل إلى فصل فتتحول من حالةٍ إلى حالة إلى أن ترجع إلى ما كانت عليه فإذا بدأت في الصيف ترجع في الصيف بعدما تحولت من فصلٍ إلى فصل والشمس في مشارقها ومغاربها أشرقت عليها من حالةٍ إلى حالة إلى أن صارت دورتها السنوية فصارت حولًا . فلا حول هنا بمعنى التحول والحركة والانتقال والتغيير فلو كانت درجة من درجات إيمانك عشرة فصارت بحمد الله عشرين وكنت فيما سبق غير مواضب على المسجد فصرت مواضبًا ، وكنت لا تصلي النافلة فصرت تصليها ، فتحول أمرك من حالٍ إلى حال وهذه الحركة هي الحول. فأحد المعاني أنه نحن عندما نقول ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) يعني لا نتحول تحويلًا من حالةٍ سيئةٍ من معصية إلى طاعة من كسل إلى نشاط فلا يحصل هذا التحول والانتقال إلا بالله عز وجل . عن الحسين بن علوان عن الإمام الصادق عليه السلام قال سألته عن تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله فقال : (لا يحول بيننا وبين المعاصي إلا الله ولا يقوينا على أداء الطاعة والفرائض إلا الله سبحانه وتعالى) فنحن لا نملك القوة لهذا التحول فكأنك تعترف هنا لله عز وجل بأن كل شيءٍ من عنده . معنى آخر أنه ليس فقط المعصية والطاعة وإنما كل شيءٍ لا يستطيعه الإنسان إلا بحول الله يعني قوة الله وحيلة الله . فمن معاني الحول الحيلة مع القوة فتقول في الدعاء ( اللهم إني بك أحاول وبك أطاول ) فأحاول يعني أعمل حيلتي وتقديري وتخطيطي وأفكاري فالحيلة ليس بالضرورة أن تكون شيئًا سيئًا فالله سبحانه وتعالى عنده حيلة والمؤمن عنده حيلة وغاية الأمر في الأمر الحسن ، كأن تقول فلان قوي فالقوة قد تستخدم في الشيء السيء وقد تستخدم في الشيء الحسن . والقوة مرة تكون جبارة ومرة تكون ذكية فالقوة الذكية تعادل الحول الحيلة وكلاهما عند الله عز وجل . وهذا مثل المصارعين أحدهما قوي جدًا والآخر ذكي فهذا الذكي يعرف نقاط الضعف عند الآخر فيقفز هنا وهناك ويتفادى الضربات فهو وإن كان لا يمتلك نفس القوة البدنية لكنه يمتلك قوة الذكاء والتخطيط والحيلة ، وفي كثيرٍ من الأحيان هذا الثاني هو من يغلب بحسن تخطيطه . فبعضهم يرى أن الحول هو من هذا القبيل فالحيلة والتي هي القوة الناعمة هي الحول والقوة الشديدة هي القوة . فأنا لا أملك التخطيط ولا التفكير ولا التدبير ولا عندي قوة جبروتية إنما هي بالله عز وجل . بل أكثر من هذا لا أستطيع أن أقوم بأي شيءٍ من أموري صغيرها وكبيرها إلا بالله عز وجل . يذكر في التاريخ شاهد على هذا وهو ما جرى بين يحيى بن عبدالله بن الحسن وهو من نسل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبين عبدالله الزبيري والد مصعب المؤرخ الذي ألف كتاب ( نسب قريش ) فهذا وابن أخيه الزبيربن بكار جنوا جناياتٍ في تحريف التأريخ الإسلامي بالذات فيما يرتبط بأهل البيت لها أول وليس لها آخر ومنها ما أشيع حول السيدة سكينة بنت الحسين عليهما السلام من أنها كانت تجالس الشعراء وتستمع إلى الغناء وتختلط معهم وتقارن فيما بينهم وهذا كله كذبٌ ، ويذكر المؤرخون أن هؤلاء كانوا متحاملين جدًا على عليٍ أمير المؤمنين عليه السلام وعلى ذريته من بعده ويذكرون هذه القصة وهي أن يحيى بن عبدالله بن الحسن كان في زمان هارون العباسي فوشى به والد هذا المؤرخ واسمه عبد الله بن مصعب وشى به إلى هارون كذبًا أن يحيى دعاني إلى الثورة على بني العباس وقال شعرًا قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا إن الخلافة فيكم يا بني حسن وهو كذب وهارون يريد أن يقضي على يحيى لأنه كان شخصية فاستدعاه إليه مع الزبيري حتى إذا أقر عليه وافتضح أمره يقضي عليه ، فقال عبدالله بن مصعب أن يحيى قال لي أنا أنه علينا أن ننهض ضد هارون وأنشد هذا الشعر ، فقال يحيى : هذا كذب . قال: بل هو صحيح . فقال يحيى : يا هارون دعنا نتباهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين . فلما سمع عبدالله بن مصعب هذا الكلام وجل وقال : لا حاجة . فقال له هارون : إن كنت صادقًا فلم لا تقبل ؟ فتقدم وهو متلجلج وقال أقسم بالله الرحمن الرحيم فقال له يحيى : لا ما هكذا تكون المباهلة ، لأنك إذا ذكرت الله بأوصافه الحسنة لم يعاقبك وإنما المباهلة أن تقول وأنا أقول ( خرجت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي إن كان ما يقوله صادقًا ) وأنت تقول ( خرجت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي إن كان ما أقوله كذبًا ) فحوصر وبالفعل أجريا كلاهما صيغة المباهلة فجاء يحيى بن عبد الله وربت على كتفه وقال له : ذهب عمرك وفعلًا ما مضى كلٌ منهما إلى منزله إلا وعبدالله الزبيري دخل بيت الخلاء وظلً يصرخ بطني بطني وهلك في داخل بيت الخلاء ، وهذا عاش عيشةً طبيعيةً وهارون فيما بعد غدر بيحيى وهذا من طبع بني العباس لا أمان لهم ولا وفاء . لكن الشاهد أنه على أثر هذه المباهلة أن ذاك هلك وصيغة المباهلة ( خرجت من حول الله وقوته ولجأت إلى حولي وقوتي ) وهنا نلفت النظر إلى أن المباهلة ليست في كل مكان ولا لكل أحد فلو أن أحد بينه وبين شخصٌ آخر دين يقول تعال نتباهل ، ليس الأمر كذلك لكن هناك موارد خاصة للمباهلة في أماكن معينة ضمن شروطٍ خاصة . فإذا خرج الإنسان كمن حوله وقوته إلى حوله وقوته فذاك الوقت حتى الذبابة والبعوضة تقضي عليه لأن الإنسان لا يملك قوة ذاتية وإنما قوته بالله عز وجل فبحول الله وقوته أقوم وأقعد فحتى القعود يحتاج إلى حول الله فضلًا عن القيام والعلم بالله عز وجل والمال بالله عز وجل والجاه بالله عز وجل وكل شيءٍ تملكه وكل قوةٍ تكون لك هي من حول الله وقوته. وآخر معنى لها هو الاستسلام والتفويض لله عز وجل أنه أنا يارب أنا لا أملك شيئًا ولا أصرف عن نفسي سوءً ولا أجلب لها خيرًا فأنا مستسلمٌ لك ومفوضٌ أمري إليك ففي الحديث عن سيد الأنبياء محمد (ص) : ( إذا قال العبد لا حول ولا قوة إلا بالله فقد فوض أمره إلى الله وحقٌ على الله أن يكفيه ) وفي حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( إذا قال العبد لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل للملائكة استسلم عبدي ) قسمٌ من الناس شعورهم بالأنا يصل إلى مرتبة معارضة الله في ألوهيته وربوبيته فحين يأتي شخصٌ لآخر وهو قوي ويقول له أنا أمسح بك الأرض . هذا الأنا التي عنده ارتقت إلى درجة قد يكفر بالله عز وجل ويصعد هذا الإنسان في مغالاته في رؤية نفسه إلى أن يقول أنا ربكم الأعلى ، فمن يقدر علي ومن يستطيع كما أستطيع وهذا ما يحدث في بعض التحديات وهذا تضخم في الأنا والذات وفي المقابل استسلام العبد على الله فيقول يارب أنا لا أملك قدرة ولا قوة ولا طاقة وإنما أنا عبد لا أملك انفسي نفعًا ولا ضرًا وهذا ورد كثيرًا في الأدعية ( اللهم إني أصبحت لك عبدًا داخرًا فقيرًا لا أملك لنفسي نفعًا ولا أدفع عنها سوءً أعترف بنفسي على ذلك وأشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على من ملكته أمري ) إذا صار هذا القول بتوجه يقول الله عز وجل لملائكته (استسلم عبدي اقضوا حاجته ) فهو قد حقق في نفسه العبودية الحقيقية والاستسلام المطلق وذاك الوقت أنت تقضي حاجتك أم الملائكة فالملائكة بقدرة الله بيدها خزائن السموات والأرض وتسخير الأشياء . نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المستسلمين له الراضين بقضائه المتوكلين عليه واللاجئين إليه إنه على كل شيءٍ قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
مرات العرض: 4194
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 89565.98 KB
تشغيل:

وأسئلة أخرى في الكافي 13
الإمام الصادق الزمن الصعب والدور العظيم