والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين.
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون، أيتها الأخوات المؤمنات، ورحمة الله وبركاته.
شيخنا العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في بحار الأنوار نقل عن المحاسن خبرا وصفه بأنه بسند صحيح عن أحدهما، يعني الإمام الباقر أو الصادق عليهما السلام، فقال: (إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ست صور، فيهن صورة أحسنهن وجها، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحا، وأنظفهن صورة، قال: فتقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله، وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه...).
فإذن (6) صور تدخل مع الإنسان المؤمن في القبر، فيهن واحدة هي أجملهن وأبهاهن وأحسنهن، ويتخذون مراكز، هذه عن يمينه، تلك عن شماله، هذه بين يديه، تلك من خلفه، واحدة عند رأسه، وهي الأجمل والأبهى.
فإن (أُتِي عن يمينه)، يعني إذا أراد أحد أن يتناوله في حرب مثلا، تقف أنت وأعداء حولك، فتأتى من اليمين، تأتي الصورة التي على اليمين تدافع، يأتي الأعداء من الشمال، فتأتي الصورة التي على الشمال، وهكذا، فإذا (أُتِي عن يمينه منعته التي عن يمينه)، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست، كأنما هذا مثلا ملائكة يريدون أن يأخذوه إلى تحقيق وإيذاء، فكلما يحاولون من جهة، هناك حماية.
فتقول أحسنهن صورة، الواقفة عند الرأس، كأنما هي الرئيسة، (ومن أنتم جزاكم الله عني خيرا؟) أنتمم هؤلاء الخمس من؟ (فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة)، هناك خط دفاع أساسي عن الإنسان أن لا يهاجم مثلا من قبل ملائكة الحساب أو العذاب التي عن اليمين المقدمة، خط الدفاع الأول هي الصلاة، تقول أنا الصلاة، وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة، بين قوسين الزكاة في التعبير القرآني والأحاديث تشمل كل النفقات المالية الواجبة، مثلما أن الصلاة عبادة بدنية، العبادة المالية من زكاة الفطرة، والزكاة العامة، والخمس، وما شابه، يطلق عليها الزكاة، سواء في القرآن أو في كثير من الروايات.
(وتقول التي بين يديه: أنا الصيام)، (وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة)، (وتقول التي عند رجليه: أنا بر من وصلت من إخوانك)، البر الذي أسديته لأخيك سواء أخيك القريب أو أخيك المؤمن، أخيك القريب فيه بر مضاعف، بر المؤمن وبر الرحم والقرابة، وأما بر المؤمن ففيه صلة المؤمن وبر المؤمن، صار عندنا أولا الصلاة، ثانيا الزكاة، ثالثا الصوم، رابعا الحج والعمرة، شيء واحد مقصد واحد، وخامسا البر.
(ثم يقلن: من أنت؟ فأنت أحسننا وجها، وأطيبنا ريحا، وأبهانا هيئة)، أحسن من الصلاة، أحسن من الزكاة، أحسن من الحج، وجهك أجمل، ريحك أطيب، أبهانا هيئة، (فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين)، رزقنا الله وإياكم ولايتهم وشفاعتهم، ولا فرق الله بيننا وبينهم.
وفي ذيل هذا الحديث، نشير إلى عدة أمور:
الأمر الأول: أن ما يرتبط بعالم الآخرة، إن شاء الله يكون عندنا حديث إذا بلغَّ الله ووفق في شهر رمضان في نافذة على العالم الباقي عالم الآخرة، عالم الآخرة المرجع الوحيد فيه هو الوحي، القرآن وما يشبهه من أحاديث وروايات سليمة وصحيحة عن المعصومين عليهم السلام، هذا الطريق السليم والصحيح، بعض الأمور في الدنيا، لا نحتاج إلى هذه، بعض الأمور ترتبط بالعلم، قضايا الفلك، قضايا الفضاء، المسافات حساب المسافات، أنت يكفيك أن يكون عندك مقياس وتقيس المسافة من هنا إلى مكة، لا تعتمد على رواية أو آية، الموضوعات الخارجية الدنيوية كثير منها هناك وسائل متعددة لمعرفتها.
فيما يرتبط بعالم الآخرة الطريق الوحيد لمعرفتها هو طريق القرآن الكريم، أو عن طريق أحاديث المعصومين، لأن التجربة غير ممكنة، أن يذهب الإنسان إلى هناك أو جماعة يذهبون إلى ذلك العالم، يجربون ماذا فيه، يرون ماذا به، ثم يرجعون، لا يوجد هذا الشيء.
العلم أيضا لا سبيل له إلى ذلك العالم، العلم لا يستطيع أن يكتشف، مثلا بناء على قول إن الجنة والنار موجودة الآن، ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: 54]، في بعض تفاسيرها أنها موجودة في هذه الدنيا، ولكن يوجد حجاب بينهم وبينها، آثارها لا تصل، آثارها موقوفة، بناء على هذا هل يستطيع العلم أن يعين أين مكان جهنم في هذه الدنيا؟ لا يستطيع، بناء على أن الجنة موجودة في هذه الدنيا، ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، ليست ذاك الوقت، موجودة، إن شاء الله بحوثها تأتي في ذلك الوقت، لكن بناء على هذا الرأي هل يستطيع أحد مثلا أن يركب قمرا صناعيا أو صاروخا ويبحث عن الجنة في أين؟
فلا طريق للتجربة، لا طريق للعلم، وإنما الطريق الوحيد هو ما أخبر عنه الله تعالى في كتابه، أو ما أخبر عنه المعصومون عليهم السلام، وليس كل حديث يمكن الاعتماد عليه، وإنما لابد أن يكون حديثا معتبرا من حيث السند، ومنسجما مع المبادئ العامة من حيث المضمون، هذا الحديث يرويه الشيخ المجلسي رضوان الله تعالى عليه، وهو خبير في الأحاديث والروايات، رجل ألف بحار الأنوار، ومصنف، وخبير بالرجال، وعارف بها، فيصفه بأنه بسند صحيح.
النقطة الثانية: في مضمونه أنه يعطينا صورة، فكيف تنزل هذه الصور؟ سيأتي الحديث إن شاء الله أيضا هناك في أنه هل هذه الأمور أمور مادية خارجية، أو أمور رمزية وإشارات، أو خليط بينهما، أو في بعض المواقف هكذا، وفي بعض المواقف بشكل آخر؟ لكن على كل حال ظاهر هذا الحديث يقول إن الإنسان المؤمن...، غير المؤمن لا تسير معه هذه الصور أصلا، لا يوجد بينها وبينه أي تسانخ وتجانس.
الإنسان المؤمن جعلكم الله وإيانا ومن يسمع من هؤلاء إذا ذهب إلى قبره تنزل معه (6) صور، هذه الصور سيظهر فيما بعد في جريان الحديث أن لها مواقع محددة، وأماكن معينة، أيضا فيها تفاضل من حيث الشكل، جمالا، وبهاء، رائحة طيبة، أجملهن وأبهاهن وأطيبهن هي التي تقف عند رأسه، وهذا طبيعي باعتبار أن موضع الرأس من الجسد هو الموضع الأهم، نقطة التوجيه والتعقل والرؤية والسمع وإلى آخره، باقي الأعضاء بدون الرأس لا شيء، أنت تستطيع أن تستغني عن رجلك، ولكن لا تستطيع أن تستغني عن رأسك.
فهذه التي ستكون أبهاهن هي موقع الولاية في حياة الإنسان المؤمن لآل محمد عليه السلام، وهذا أيضا يتطابق مع أحاديث كثيرة جدا، مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، و[عن] شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت)، وفي نصوص أخر (وعن محبتنا أهل البيت)، المحبة طبعا المقيدة بالعمل، لا المحبة التي يخالفها العمل.
فأول خط دفاع من خطوط الدفاع هي الصلاة، تأتي هذه الصورة الإنسان إلى يمينه، وموقع اليمين واضح، إنه أهم المواقع بعد الرأس يمين الإنسان، عن جهته اليمنى تحفظ هذا المكان كله، ما هي تلك؟ هي الصلاة، المحافظة على الصلاة أيها الإخوة أيتها الأخوات، جوهر الدين، يتعجب الإنسان عندما يسمع مثلا أن شخصا في مجتمعات المسلمين تارك للصلاة، ماذا يصنع في هذه الحالة؟ أنت جيء بك لهذا الكون لغرض واحد فقط، هو ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات: 56]، وأوضح أنحاء العبادة هي الصلاة، فأنت إنما جيء بك إلى هذه الدنيا، ما خُلقت إلا لغرض واحد، بقية الأغراض هي تبعية، بقية الأغراض هي هامشية، أنا جئت أحقق شخصيتي في هذه الدنيا، أصبح أكبر كفاءة، أنجب أولادا، أبني بيتا، أتمتع في هذه الحياة، أربي أبنائي، كل هذه الأمور هي تابعة، وأول شيء هو (لِيَعْبُدُونِ) ، وأهم شيء في (يَعْبُدُونِ) هي الصلاة.
أحيانا تتصل البعض من النساء في طلب مشورة في مشكلة اجتماعية، أنا مقيد أن أسأل أن الرجل متدين لو لا؟ تقول يعني ما معنى متدين؟ أنا أقول لها يصلي ويصوم لو لا؟ غالبا غالبا من تكون حياتهم متعثرة متحيرة، الغالب الإجابة فيها بأنه لا أراه يصلي في البيت، طبعا إذا لا يصلي في البيت أيضا هو من باب أولى أكيد لن يذهب الفجر يبحث له على صلاة جماعة في أي مسجد، تظهر على الإنسان بالتالي التزاماته أولا في منزله، باعتبار أن لا أحد يلاحظه ولا يراقبه.
فغالبا وجدت أن هؤلاء الذين تتعثر حياتهم، قسم كبير منهم تاركون للصلاة، لا أن أريد أقول إن كل إنسان يصلي ليست عنده مشاكل، لا، المشاكل في الحياة هي طبيعة هذه الحياة، لها أسباب أخرى أيضا، لكن هذا أيضا ليس بدون ارتباط، أن تجد أن الأكثر من هؤلاء تاركون للصلاة، غير مواظبين عليها.
أول من يدافع عن الشخص بحسب هذه الرواية هي الصلاة عنك، ويكفيك هناك ملف إذا قُبل ينظر فيه الباقي، إذا لم يُقبل انتهى، لو أتيت بأعمال الدنيا كلها لا تُقبل، أنت تذهب وتقدم على وظيفة، يقولون لك الشرط الأول مثلا أن يكون صاحب شهادة جامعية، هذا الشرط الأساسي، ثم أن يكون كذا، ثم أن يكون كذا، فلو ذهبت إليهم بدون هذه الخصلة، الغالب أنه لا ينظر في ملفك، والله (أنا خوش آدمي بار بوالدي)، (أتصدق على الناس وأنا جاي إلى العمل في الطريق)، يقول لك هذا شرطي الأساسي عليك هو أن تكون مثلا خريجا.
في الآخرة نفس الكلام موجود، لكن على الصلاة، لديه صلاة أو لم تكن لديه صلاة، إذا كانت عنده صلاة يمكن أن يُنظر في باقي الملفات وبقية الأمور، إذا ليست عنده صلاة، هذا لا يحتاج أن ينظروا إلى بقية الملفات، (الصلاة أول ما يحاسب به العبد، فإن قُبِلت قُبِل ما سواها، وإن رُدَّت رُدَّ ما سواه).
فيبغي للإنسان إذا هو يصلي والحمد لله فيمن يسمع، يسعى أن تكون صلاته أول الوقت، يسعى قدر الإمكان أن تكون في جماعة، يسعى قدر الإمكان أن تكون في مسجد، لأن الشيطان يأتي ينتقص قليلا قليلا، إذا قدر عليك في أن تؤخر صلاتك من غير عذر عن وقتها، توقع أنه سيقدر عليك في يوم من الأيام أن يفوتها عليك، فهذه أول خط دفاع.
خط الدفاع الثاني الصوم، نحن مقبلون على شهر رمضان، بلغنا الله وإياكم هذا الشهر المبارك، أيضا (الصوم جنة من النار)، الصوم لأنه لله عز وجل، وما يظهر على الإنسان أي شيء، يعني من الممكن أن بعض الحاضرين صائم، لكن لم يتبين عليه، فهو أشد في الإخلاص، الصلاة لا تستطيع أن تصلي في المسجد إلا والناس ينظرون إليك، صحيح أو لا؟ ولكن من الممكن أن تأتي إلى المسجد وأنت صائم، وترجع وأنت صائم، وتأتي صلاة المغرب وأنت صائم، وتخرج وأنت صائم، ولا أحد يعلم عنك ذلك، فهو أقرب إلى الإخلاص، والدافع الإلهي من سائر العبادات، فيتلو الصوم الصلاة في هذا الجانب.
ثم الزكاة بما هي أمور مالية، وألم إعطاء المال ألم شديد، ولذلك قد تجد كثيرا من الناس قد يصلي، ولكنه لا يدفع زكاته، لا يدفع خمسه، لا يدفع دَينه إلى غيره، يأخذ أموال الغير، العبادات المالية صعبة جدا، فالذي يزكي يكون قد تجاوز هذه العقبة.
والحج والعمرة، بلغنا الله وإياكم، الذي لم يحج إلى الآن ليسع قدر الإمكان أن يذهب إلى الحج، وأن يقضي ما عليه إذا كان مستطيعا لذلك، والعمرة لا تكفي عن الحج، إنسان يذهب إلى العمرة ويقول أنا ذهبت إلى العمرة، لا، الحج في مكانه مع الاستطاعة، يجب على الإنسان أن يذهب إلى الحج ولو اعتمر (10) عمرات.
هذه العبادات، هذه كلها مربوطة إذا تلاحظون بالجوارح بالأعضاء بالأفعال، الصلاة: قيام وقعود وركوع وسجود وقراءة، هذه أفعال، الزكاة: أيضا تخرج المال من جيبك، فعل، الصوم: أيضا كذلك تترك الطعام والشراب والشهوات المحللة لك، الحج والعمرة: أيضا كذلك، فهذه كلها أفعال.
لكن الأخير والأهم والأكثر هذا ليس مربوطا بالأفعال وإنما مربوط بالمنهج، مربوط بالاعتقاد، العلماء يقسمون الأمور إلى قسمين: قسم يرتبط بالعقائد التي حسب تعبيرنا اليوم المنهج العام للإنسان، المنهج العام للإنسان موحد أو وثني، المنهج العام للإنسان أن يعبد الله ويعتقد بالله أو لا يعتقد به.
هذا قبل موضوع الصلاة والعبادة، أصل الاعتقاد، أصل المنهج الذي يسير عليه، الفلسفة التي يلتزم بها في الحياة ما هي؟ هذه ترتبط بالإيمان بالله، الإيمان بسيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، هذا ليس مربوطا بعمل، صحيح أن زيارة النبي صلى الله عليه وآله مستحبة استحبابا مؤكدا، التوسل به، السلام عليه، الاستشفاع به، هذه كلها أفعال، ولكن أصل الاعتقاد برسول الله، الإيمان بنبوته ورسالته، هذا يرتبط بالمنهج العام للإنسان.
وكذلك الولاية لآل محمد عليهم السلام، فهي مرتبطة بالمنهج العام لحياة الإنسان، بالعقيدة، بالإيمان، مرتبة المنهج العام، مرتبة العقيدة، مرتبة الإيمان، قرر العلماء حيث أنها ترتبط بالقلب، وتحدد للإنسان مسيرته العامة من بداية بلوغه إلى وقت موته، فهي أكثر أهمية من العبادات التي ترتبط بالأفعال، الإيمان يرتبط بالقلب، الإيمان بالله، الإيمان برسول الله، الإيمان بالمعصومين، الولاية لهم، يرتبط بقلب الإنسان، بعقيدته، وهذه مرتبة أعلى من مرتبة الأعمال العبادية.
نسأل الله سبحانه وتعالى الذي هدانا لولايتهم أن يرزقنا شفاعتهم، وأن يعيننا على إقامة عباداته، وأن يوفقنا للإكثار منها، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.