الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين.
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون، أيتها الأخوات المؤمنات، ورحمة الله وبركاته.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45]، آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.
ما هي خريطة الإنسان في الحياة الدنيا؟ تعيش ونعيش بإذن الله تعالى فترة من الزمن (70) سنة (80) أو (90)، أقل من ذلك أو أكثر، هذه فترة زمنية المفروض أنها رحلة سفر، من مرحلة الميلاد إلى مرحلة الوفاة، يقطع الإنسان فيها مسافة معينة لكي ينتقل إلى موضع آخر، هو الحياة الأخرى.
كأي سفر من الأسفار يحتاج إلى خريطة، يحتاج إلى دليل في المسير، أقصر الأسفار أنت الآن تريد أن تذهب إليه مثلا، تفكر أولا ما هو الطريق إليه، ثانيا ما هو الطريق الأقصر، ثالثا ما هو الطريق الأقل ازدحاما والأسلم، مع أن المسافة هي نصف ساعة مثلا، لكنك تفكر أولا في أصل الخريطة، ثم في الطريق الأنسب من حيث قصر المدة، والسلامة، وعدم الازدحام، هذا إذا كان بهذا المقدار نصف ساعة أو ساعة، فكيف إذا كان هناك سفر يمتد لمدة (70) سنة، أنت فيه تارة حدث صغير، وأخرى شاب مراهق، وثالثة مكتهل ناضج، ورابعة شيخ وَهِم كبير، وفي ظروف مختلفة.
أنت هناك أحوج ما تكون إلى خريطة، ما دمت في السفر البسيط، وقليل المدة، وصغير المسافة تحتاج إلى خريطة، فأنت في هذا السفر الطويل من حيث المسافة، والكثير من حيث المدة، والمتغير، أنت في مشوار نصف ساعة عادة لا تتغير قواك، في مشوار النصف ساعة لا تتغير أموالك، عادة هكذا، ولكن في مشوار الـ(70) سنة، قواك تتغير وتتبدل، حالات الصحة والمرض تتوالى، الضعف والقوة، العمر المبكر، والعمر المتأخر، وهكذا، فتحتاج أنت هناك إلى خريطة حتما وجزما.
المشكلة هي أن قسما من الناس يسيرون في حياتهم هذه الـ(70) سنة بلا خريطة، فعلا هذا ليس أمرا كلاميا، وإنما بالفعل هناك من يعيش حياته بلا خريطة إلى أن يصل آخر الأمر إلى جدار العجز والمرض والموت، قد يستيقظ قبل ذلك بشيء من الوقت، ويقول يا أسفاه على ما فرطت، وقد لا يستيقظ، يعني إلى الآخر يصل ويدق برأسه حائط الموت وينتهي.
فالعاقل هو الذي يبادر في التفكير في خريطة حياته أولا، كم قطع منها؟ إلى أين وصل فيها؟ هل هو يسير على المنهاج الصحيح أو لا؟ إذا كان متأخرا يتعجل في المسير، عندك مشوار مسافة (80) كيلومترا مثلا، وعندك مقدار ساعة واحدة، وصلت إلى نصف المسافة وتكاد أن تنتهي هذه الساعة، ماذا تفعل عادة؟ تزيد السرعة حتى تصل في الوقت المناسب.
أيضا هنا نفس الكلام، عمرك الآن مثلا، البعض (40) سنة، (50) سنة، (60) سنة، نقطة النهاية التي ينبغي أن تصل إليها كم وصلت منها؟ العمل الصالح الذي ينجيك وينقذك ويجعلك من أهل الجنة إن شاء الله، كم قدمت فيه من الشهوات والرغبات والتعلقات والدنيويات، وما شابه ذلك من الأمور؟ قياسها إلى الأخرويات ما هو القياس؟ كم المقدار الراجح على الآخر؟ ما هو الراجح منهما على الآخر؟
أول ما ينبغي أن يفكر فيه الإنسان في هذا الموضوع، ما هي الحياة الدنيا؟ كيف هي الحياة الدنيا؟ أي شيء تكون أو أين تكون هذه الحياة الدنيا؟ عند قسم من الناس ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ ...﴾ [الحديد: 20]، وهو صغير يلهو، لا يفكر أصلا في الوقت، ولا في العمر، هل رأيت مثلا ابنك لما يلعب وعمره مثلا (3) أو (4) أو (5) سنوات، ومرتاح في اللعب، هل رأيته بعد ذلك يقول والله ضاع عمري في اللعب؟ بالعكس هو يراه غاية الحياة هي هذه، لا يفكر أبعد من هذا.
(لَعِبٌ وَلَهْوٌ)، بعد ذلك أيضا يلعب على الفرق بين (اللهو واللعب) الآن لسنا في صدده، بعد ذلك تصير في مرحلة الشباب (زِينَةٌ)، دائما يدور على الأشياء التي تزينه بين الناس، (أكشخ) شيء، أجمل شيء، أحسن شيء، في هذه الفترة فترة الشباب، شعره يجب أن يكون بطريقة معينة، لبسه يجب أن يكون بطريقة معينة، سيارته يجب أن تكون بطريقة معينة، هو حاضر أن يهلك نفسه ويتلف نفسه فقط حتى من يراه يقول: (ما شاء الله شقد جميلة هاي السيارة)، ولونها أحمر، ولهذا أيضا تجد مثل هؤلاء حياتهم الحقيقية هي في وسائل التواصل الاجتماعي، اشترى اليوم كذا، وباع كذا، اقتنى هذا، طلع هذه الطلعة، وذهب لهذا المكان وإلى آخره، فهي (زِينَةٌ).
وفي المرحلة الأخرى تكاثر في الأموال والأولاد، أسرة واسعة، بيت كبير، درجات وظيفية متقدمة، أموال بحيث وهذا للأسف يعني يصبح في بعض مجتمعاتنا من أجل الأموال حياته الدينية تذهب، والله شيء مثلا فيه أرباح لكن ربا، لكن حرام، لا توجد مشكلة، (نمشي الحال بعدين الله يفتح)، يبحث له عن مبرر مثلا وغير ذلك، هو يقول الفقهاء ما يفهمون هذه المسائل، ما يعرفون الأحكام بشكل صحيح، أو أنه لا، هذه فيها طرق محللة، لا، هذه القضية قضية تكاثر في الأموال، يتملك الإنسان التكاثر في الأموال، يلتف على القضايا والله أنا أحصل على راتب لكن بدون الذهاب للعمل وأجعل أحدهم يوقع عني مثلا، ولو الآن فعلوا هذه بالبصمة، الآن عسروا هذه العملية، يذهب يبصم ويخرج على سبيل المثال، تكاثر في المال، لكن قضية حلال وحرام غير موجودة.
بل أكثر من هذا وصل الحال إلى أنه بعض الأسر تتهدم على أساس التكاثر في الأموال، الآن مما يؤسف له أن قسما من أسرنا في مجتمعنا المسلم عموما تجد الخيار بين حياتها الزوجية ورعاية أبنائها أو الوظيفة والعمل، بعضهن بشكل واضح وصريح يقول لك الوظيفة والعمل، لو دار الأمر بين أن تحتفظ بزوجها وبأن تربي أبناءها، وبين أن إذا فعل هذا تفقد عملها، بصراحة قسم من النساء يقلن إنه العمل أمان، العمل ضمان، بينما هذا على خلاف ما يُعَرِّفه القرآن الكريم، الحياة الدنيا هذه.
ونفس الكلام أيضا بالنسبة إلى الزوج، الزوج يقال له مثلا إنه أنت يجب أن تنفق على زوجتك وعلى أبنائك يقول لا، يجب عليها أن تنفق من راتبها، هذا ليس واجبا عليها شرعا، وإن كان يستحسن أخلاقا، ما تنفق ما تعطي إيجار الكذا، فلتخرج وليست لي حاجة بها، يا أخي أبناؤك يضيعون، فليضعوا.
التكاثر في الأموال والحرص عليها جر إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية والزوجية، فضلا عن المسائل الدينية، القرآن الكريم لما يأتي ويعرض هذه الصورة يقول أولا لابد أن يعرف الإنسان أن الحياة الدنيا، وإن كانت بهذه الصورة عند البعض (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ) [الحديد: 20]، هذه عند قسم من الناس، ليست حقيقتها، حقيقتها شيء آخر، ما هو؟ يقول: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنعام: 32]، هؤلاء الذين عندهم الحياة الدنيا هكذا، (لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر)، هؤلاء ماذا؟ يقول: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 51]، لعبت عليهم الحياة الدنيا، ما عرفوا حقيقتها، خدعتهم، فاليوم ننساهم، يوم القيامة الله ينساهم.
بين قوسين هناك تعبيرات في القرآن الكريم لا ينبغي أخذها على ظاهرها، مثل النسيان، ﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَاَ﴾، الله هل ينسى؟ الله ينسى؟ الله سبحانه وتعالى لا ينسى، ينسى من هو مثلي وأمثالي الذين تحضر الصورة عنده ثم تغيب، فيصير نسيانا، أما الله سبحانه وتعالى فهو محيط بالأشياء وخالق لها، وإنما هنا بمعنى ننزلهم منزلة المنسيين، وهذا حتى في التعابير العربية موجود، حتى عند الناس، أنت مثلا يحدث بينك وبين شخص زعل، فتقول له بعد (انس ما بيننا وبينك)، هو يتذكر بالأمس فعل لك شيئا، أنت فعلت له شيئا، أكرمته وأكرمك، تقول له انس ذلك، يعني ماذا؟ يعني اعتبره غير موجود، اعتبره منسيا.
ننزلهم منزلة المنسيين الذين لا ولي لهم في يوم القيامة، لا شفيع لهم، لا منعم عليهم، لا من يتولى أمرهم، فيظل تائها إلى أن يدخل النار نعوذ بالله، ﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَاَ﴾، لو يراجع الإخوة والأخوات ما ورد من تمثيل القرآن الكريم للحياة الدنيا يجدون أن القرآن الكريم قد حدد هذه الحياة الدنيا بشكل واضح، من ذلك ما ذكرناه من الآية المباركة أول الحديث: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45]، طريقة القرآن الكريم تقريب الأفكار المجردة بالأشياء المجسدة، فكرة حتى تراها تقول مثل فلان، وهذا أقرب إلى الإنسان الذي يتعامل عادة مع المجسدات، أسرع يَفْتَهِم، هذا عمود، وهذا جدار، وهذه أرض، وما شابه ذلك.
فيقول له شاهد المثل: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) كيف؟ (كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ)، على أثر ذلك شب هذا النبات وطلع وصار أخضر، (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا) [ يونس: 24]، من السماء ينزل الماء، الأرض فيها إمكانية الإنبات فأنبتت، بعد ذلك الإنسان يتصور أن هذا باق ومستمر، لا، بعد مدة (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ )، هذا يعطي موسمه، إذا موسمه شهر، شهر واحد بعد ذلك يصفر، الريح تأتي تذروه وتفرقه يمينا وشمالا، (تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا)، أكثر من مورد وآية بهذا المعنى القرآن الكريم.
حاصل ما يريد أن يقوله القرآن الكريم إنما الحياة الدنيا متاع، متاع شيء مؤقت، تستفيد منه لفترة قصيرة، لا تتعلق به، لأنه ليس من شأنه الدوام، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع، متاع هذا الثوب لا هو يبقى لك ولا أنت تبقى له، الأكل لا هو يبقى لك ولا أنت تبقى له، إما أن تأكله وينتهي، وإما يبقى ويفسد ويخرب، فهو متاع أن تستفيد منه في وقته، المتاع في اللغة العربية عبارة عن استفادة لفترة مؤقتة، ومنهم مثلا نكاح المتعة كما سمي بهذه التسمية باعتباره لفترة مؤقتة، ومنه أيضا إمتاع المرأة عندما يريد الإنسان طلاقها، مستحب أن الإنسان على خلاف ما نجده الآن في أجوائنا الدينية والعامة الاجتماعية استحباب أنه لو أن إنسانا أراد أن يطلق زوجته أن يمتعها ويعطيها شيئا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [ الأحزاب: 49].
نحن ماذا نفعل إذا نريد أن نطلق امرأة؟ بالعكس بعد هذه على قولهم (حداد دق بيننا فذ فاصلة)، كم من المقدار أنتقم منها سأنتقم منها، كم من المقدار تنتقم مني ستنتقم مني، لو أقدر أطلع آخر فلس صرفته عليها سأطلع آخر فلس، إذا هي تقدر تنتزع مني حضانة الأولاد حتى لو بغير الحق أو مصرف حتى لو بغير الحق قد تفعل ذلك بعض النساء إلا المؤمنات، الشرع يقول الآن الطلاق شيء سيء جدا لكن قد يحدث ظرف قد لا يكون حلا إلا هذا الجانب، لا هذا صابر، لا تلك صابرة، صار طلاق هذا (بالراشديات على قولهم) وبالرفسات والركلات، لا، (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) أيضا، أعطي لها شيئا بدل كسرة نفسها مبلغا من المال أو كلمة طيبة تتناسب مع السراح الجميل، إنه بالتالي الله ما قدر أننا نستمر، والله يرزقك من هو يسعدك، والله يرزقني أيضا من يسعدني، ما أحسن الفراق إذا كان بهذه الصورة، فمتعوهن من هذا الباب أعطوهن شيئا معينا، مبلغا من المال على أثر هذا الطلاق.
فالمتعة والإمتاع والمتاع هو عبارة عن شيء من الالتذاذ المؤقت، الدنيا كلها هي متاع، القرآن ماذا يقول؟ ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ [غافر: 38/39]، الآن لو فرضنا هذا الفرض، أنت ستستأجر بيتا لمدة أسبوع، مدة أسبوع تحاول أن ترتبه بمقدار هذا الأسبوع الذي ستبقى فيه، لكن لو هذا البيت ملكك ستبقى فيه إلى آخر العمر، ماذا ستعمل فيه؟ سترتبه أحسن ترتيب، تشتغل عليه بأفضل التشطيبات والأصباغ، لكن ذاك أبو الأسبوع لا تفعل معه هذا العمل، هي كلها أسبوع واحد، والإنسان يمشي عنه، بل لو أن الإنسان فعل في هذا أبو الأسبوع إكسسوارات وأنفق إنفاقات يتهمونه بماذا؟ بعدم الحكمة، بل بالجنون، يقولون له أنت لماذا تضيع أموالك من أجل أسبوع واحد؟
الذي يفعل في الدنيا هكذا فيزينها بكل شيء، ويصرف فيها كل شيء من عمره، وقوته، وماله، وشخصيته، وغيرها، بحيث الحاصل لما تأتي وتقول فلان خلال (70) سنة ماذا يساوي؟ يقول لك يساوي أنه بنى له بيتا، وأكل أكلا جميلا، وخلف أولادا، وتزوج، واستمتع، وارتاح، وكَيَّف ثم ذهب، هذا مثل صاحبنا الذي يزين بيته الذي سيبقى فيه مدة أسبوع، أنت المفروض أن تزين ذاك البيت الذي ستبقى فيه إلى الأخير، (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)، تلك الدار دار القرار المستمرة الدائمة هي التي تحتاج إلى تزيين وتعديل وما شابه.
فأول أمر ينبغي للإنسان أن يفكر فيه أصل الخريطة أن هذه الدنيا متاع، بها تنال الخيرات، بها يحصل على الجنة، ما نعمل فيها لها، وإنما نعمل فيها لغيرها، انظر تعبير القرآن الكريم ولعل أكثر من مرة أنا ذكرت هذا، ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77]، الابتغاء والهدف والغرض، كل شيء الذي أعطاك إياه الله لماذا، وكيف تستخدمه؟ كيف تتصرف فيه؟ ابتغِ به الدار الآخرة، أموالا أعطاك الله إياها، ابتغِ بهذه الأموال الدار الآخرة.
قوة الله أعطاك إياها، ابتغِ بها الدار الآخرة، وجاهة الله أعطاك إياها، ابتغِ بها الدار الآخرة، إلى غير ذلك، نعم لما كنت تعيش في الدنيا لا تنس نصيبك من الدنيا، في الدنيا أيضا تحتاج إلى أمور، تحتاج إلى سيارة، تحتاج إلى لباس، تحتاج إلى منزل، تحتاج إلى كذا، التي كلها أشياء المفروض أن تعينك على طريق الآخرة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يبتغون بما آتاهم الله الدار الآخرة، وأن يجعل الدنيا بالنسبة لنا دار مقر، دار ممر خير لمقرنا، فإن الدار الآخرة هي دار القرار، وإن دار الدنيا هي دار المتاع، نسأل الله آن يلقينا ذلك، وأن يعيننا على ذلك، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.