الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع 2
تحرير الأخت الفاضلة أمجاد حسن
جاء في دعاء الإمام الحسين (ع)، في يوم عرفة، ما مفتتحه: "الحمد لله الذي ليس قضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع، جازي كل صانع ورائش كل قانع، وراحم كل ضارع، ومنزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللكربات دافع، وللدرجات رافع وللجبابرة قامع، فلا إله غيره، ولا شيء يعدله وليس كمثله شيء وهو السميع البصير اللطيف الخبير، وهو على كل شيء قدير".
هذه أول فقرة من دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، وقد سبق أن ذكرنا أن هذا الدعاء يشتمل على مناحي مهمة تعطيه قيمة استثنائية. منها: ما هو لجهة القائل، فإن القائل هو سبط رسول الله (ص)، سيد الشهداء، الإمام الثالث، من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة. فليس القائل شخصا عاديا.
وأيضا يكتب قيمة لجهة المكان الذي قيل فيه والزمان الذي ألقي فيه، من كون المكان عرفات، حيث محل الاعتراف من قبل البشر لربهم بذنوبهم، ومعرفتهم أقدارهم ثم معرفتهم ربهم، عرفات: فيها معرفة الله عز وجل وفيها اعتراف بالذنب، معرفة العبد نفسه وحجمه، وهو أيضا في شهر ذي الحجة، غاية التصعيد في الحج: يوم عرفة، وشهر ذو الحجة حيث هو من الأشهر الحرم، التي كانت معظمة فيما أخبر عنه القرآن الكريم، بتشريع إلهي، وقد كانت قبل ذلك أيضا معظمة، إن عدة الشهور اثنا عشر شهرا في كتاب الله منها أربعة حرم، هذا نص شرعي ولكن قبل هذا أيضا، كانت الأشهر الحرم معظمة عند العرب، ولعل هذا من بقايا التوجيهات الدينية الإبراهيمية السابقة التي أخذها العرب عن بقايا الديانة الإبراهيمية.
البعض يحتمل أنه لا، هذا نوع من أنواع التنظيم الاجتماعي، فرضته الظروف حتى الناس يذهبون إلى بيت الله الحرام، حتى قبل الإسلام، والطرق تكون آمنة والحروب تتوقف، هذا رأي، وبالتالي ينتهي إلى أن قضية الأشهر الحرم: هي حاجة اجتماعية، فرضتها تلك الحاجة على الناس.
وهناك تصور آخر يقول: لا، هي من قبل ذلك، مما بقي من الديانات الإلهية، وأوضحها وأبرزها: ديانة نبي الله إبراهيم، على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلان.
الإمام الحسين (ع)، يأتي ويبدأ بهذه الطريقة. الأدعية كما تعلمون لها غايات مختلفة، منها: غايات معرفية، تثقيف، تعريف، فيأتي مثلا دعاء يعرفنا بالله عز وجل، مثل: دعاء الجوشن الكبير. دعاء الجوشن الكبير، فيه 1000 صفة، من صفات الله عز وجل، 1000 اسم من أسماء الله عز وجل، 1000 جانب تعريفي من الله عز وجل. يعني أنت تصور أنه لو أريد كتابة صفحة واحدة عن كل اسم وكل صفة، سيكون هناك كتاب من 1000 صفحة في معرفة الله عز وجل، هذا دعاء الجوشن دعاء جدا عظيم، دورة معرفية في معرفة الله سبحانه وتعالى.
عندنا بعض الأدعية، كما في الصحيفة السجادية، في دعاء الإمام زين العابدين (ع)، في الصلاة على مصدقي الرسل وأتباعهم، تعريف برسول الله محمد (ص)، وجهات جهاده وشرفه وكرامته.
عندنا بعض الأدعية، تعريف بالمعصومين (ع)، مثل: دعاء الافتتاح المعروف في شهر رمضان. وهكذا. فقسم من الأدعية تهدف تعريف الإنسان، تثقيف الإنسان المؤمن. قسم من الأدعية تهدف إلى تربية الأخلاق عنده. تعلمه مكارم الأخلاق، ما هي. مثل: دعاء مكارم الأخلاق، ما الذي ينبغي أن يطمح إليه الإنسان؟ "وبلغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين، وانته بنيتي إلى أحسن النيات"، هذا دعاء كله حول مكارم الأخلاق، تربية الجانب الأخلاقي، تعريف الإنسان بحاجاته الأخلاقية، "اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية"، إلى آخر الدعاء.
وقسم ثالث منها: يهدف فيما يهدف إلى تهذيب النفس، وتنمية الروح، مو فقط يعرفه الأخلاق، يخضِّع هذه النفس، يقعده على مقعد الاعتراف بين يدي الله عز وجل.
دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة يشمل كل هذه الأمور، كما سيتبين لنا، أول ما يبدأ فيه، يبدأ بالحمد. "الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع" الحمد يمكن أشرنا إلها في وقت من الأوقات، كلمة من الكلمات التي يصعب إيجاد معادل لها – كما يظهر - بنفس أبعادها في اللغات الأخرى، يعني هي: أوسع دائرة من الشكر، طيب.
تقدر تترجم الشكر إلى الله الغة الإنجليزية، بس الحمد شيء أوسع، هي أكبر دائرة من المدح، تقدر المدح تترجمه إلى لغة، لكن هذا الحمد شيء أكثر منه. ولذلك بعض أهل اللغة، يشير إلى بعض جهات الحمد، يقول: الحمد من جملة أبعاده أن يلازم التسبيح، ولذلك غالبا يأتي مقترنا به، (فسبح بحمد ربك) اقترن التسبيح بالحمد هنا. التسبيح ما هو؟ التسبيح هو في الواقع نفي الصفات السلبية عن الله عز وجل. عندما تقول: سبحان الله. سبحان الله يعني شنو؟ يعني الله ليس فيه نقص ولا عجز طيب، (سبحان الله عما يصفون) كلما أنت توصف ربك بوصف أنت تخلق شيئا ناقصا، وتعالى الله عن ذلك (سبحانه وتعالى عما يشركون)، لأن هذولا يشركون يقولون، هذول، هؤلاء مثلا الأصنام أو الأشخاص: مع الله، هذا نقص في الله عز وجل، نسبة النقص والعجز إلى الله، (سبحان الله عما يشركون).
فالحمد، فد مفهوم، يشير إلى الشكر، يشير إلى المدح، يشير إلى التسبيح ونفي النقائص عن الله عز وجل، وفي القرآن الكريم، 5 سور عندنا افتتحها ربنا بالحمد، أشهرها وأولها وأعظمها، هي: سورة الحمد، اسمها بعد، الفاتحة: (بسم الله الرحمن الرحيم)، بدايتها شنو: (الحمد لله رب العالمين). ومن عجب أن هذه البداية في هذه السورة، اللي سورة الفاتحة تعتبر خلاصة القرآن، كما يرى العلماء، خلاصة القرآن، أم الكتاب، أم الشيء، مركزه، خلاصته، أصله، فالفاتحة لما تكون أم الكتاب كأنما هي خلاصة القرآن، مركزه، أصله، هذه مبتدؤها ومفتتحها بالحمد.
هذا أيضا الدعاء، يفتتح بالحمد، احنا نمر مرور سريع، الألفاظ الواردة فيه:
ستة عشر وصف، جاءت في هذه الفقرة من فقرات الدعاء، الحمد لله، واحد: "الذي ليس لقضائه دافع". إذا قضى الله سبحانه وتعالى شيئا لا يوجد أحد يدفع قضاء الله، لذلك احنا شنو نقول عادة؟ "وخر لي في قضائك"، تخير لي من القضاء ما هو أحسنه. ليش؟ لأنه إذا قضى الله سبحانه وتعالى على الإنسان قضاء لا يوجد من يدفعه. قضى عليه – أعوذ بالله – بمرض، خلاص، ما كو أحد يقدر يدفعه، لا طبيب ينفع، لا غيره، إلا أن يدعا ربنا فيغير ذلك القضاء. قضى على الإنسان بقصر العمر، إلا أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في أقداره وأن يتخير لنا في قضائه، حتى يخصنا بقضاء حسن. فأولا: هذا ليس لقضائه دافع، من عدا الله وما عدا الله سبحانه وتعالى كل قضاءاته فيها إمكانية الدفع. ملك الملوك، سلطان السلاطين، رئيس الرؤساء، يقرر شيئا، يوقع عليه، يتوقف. ليش؟ لأن قلب هذا من الممكن أن يتوقف، بعد ذلك بلحظات، فلا تنفذ أحكامه، من الممكن أن كل النظام في ذلك البلاد يتغير، فلا تنفذ الأقضية فيه ولا القرارات. فلا يوجد من ليس لقضائه دافع إلا الله سبحانه وتعالى.
"ولا لعطائه مانع"، لا يستثني أحد، بحيث يوقف عطاء الله لشخص من الأشخاص، غير الله ممكن. يقرر لك كذا من العطاء، يتوقف هذا. الرئيس يقرر، نائب الرئيس يغير. لا، أنت تصير غير قادر على الاستفادة من هذا العطاء، لكن إذا أعطاك الله سبحانه وتعالى، فإن هذا العطاء يصل إليك. ولهذا، في بطن هذا، كأن الدعاء يريد أن يقول: ما دام لا شيء يمنع من عطاء الله، ليش تروح لزيد وعبيد! تستعطي. روح إلى الله سبحانه وتعالى واستعط.
"ولا لعطائه مانع ولا كصنعه صنع صانع" من الإتقان والحكمة. أمس جابوا خبر، ما قرأته بالتفصيل ولكن، من إجماله: أن أحد العلماء الكبار، الطبيعيين، كان من أشد المدافعين عن نظرية التطور الداروينية، والتي جزء منها: يعني ينتهي إلى أن هناك اختيارا طبيعيا تختاره الخلائق بنفسها فتتطور من مرحلة إلى مرحلة. مو أن الله سبحانه وتعالى هو خالق هذه القابلية، ولا أن الله هو صانع الخلائق بهذه الطريقة، وإنما المخلوقات هذه، الكائنات، هم ما يستخدموا كلمة المخلوقات، الكائنات لكي تتكيف مع الظروف المحيطة بها، تستحدث إلها أجهزة، تطور من قدراتها، تغير من أشكالها، إذا كانت في البحر، كانت تحتاج إلى طريقة خاصة من التنفس، الآن إذا صارت نصف بحرية ونصف برية، لا، يتغير الحال، إذا صارت برية كاملة، بعد تتخلى عن الخياشيم وما شابه ذلك، حديث مطول.
هذا، أمس، بناء على ما نقل عنه في الأخبار، يقول: أنه هو بحث في أحد الحيوانات، فترة طويلة، وتوصل إلى أنه لا يمكن أن يكون هذا الموجود في أجهزة ذلك الحيوان إلا بصنع صانع حكيم ومدبر وإلا كان الأمر عبثيا. ما ممكن أن يتفسر هذا الحيوان اللي كان يبحث عليه، لا يمكن أن تفسره نظرية التطور كما هي معروضة، لا بد أن يكون هناك مصمم، خالق، صانع حكيم، مدبر هو الذي يرتب هذه الأمور.
"ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع"، الفطر: هو شق الشيء، وأكثر من الخلق، عندنا: أكو صنع، وأكو خلق، وأكو فطر. (فاطر السماوات والأرض)، الصنع: من الممكن أن يكون مربوط بمواد أولية، من الممكن أن يكون عبر معالجات، أنت تقول مثلا: صناعة السيارة، صناعة السيارة تحتاج إلى مواد أولية، من الحديد، من مشتقات بترولية، من البلاستيكيات وكذا وكذا، ويحتاج إلى ما يشبه، ثم تجمع وتصنع بطريقة معينة، هذا صنع، لا يقال له خلق. الخلق: ما لا زم يكون هناك شنو؟ مواد أولية، هذا الخلق. الإنتاج من غير مادة أولية، هو الخلق، وأما إذا كان من مادة أولية ما يسمى خلق، في اللغة العربية، وإنما يسمى صنع.
أكثر من ذلك: موضوع الفطر، الفطر هو شيء دفعي من غير مواد أولية ومن غير معالجات، زين. في دعاء الصباح عندنا، إشارة إلى أنه الله سبحانه وتعالى لم يعاني تعبا ولا لغوبا ولا كذا في خلق السماوات والأرض، هذا يقول: فطر، المرحلة الأعلى، أجناس، مو أفراد، يعني لو أن إنسانا فكر في الأجناس الموجودة في الكون، لأعياه ذلك، كم جنس من الحشرات في العالم، في الكون، لا تستطيع أن تحزر، مو كم فرد، كل جنس، يعني لنفترض: الزنبور، هذا جنس، الجرادة جنس، ما أدري البعوضة جنس، أما إذا رحت إلى ما تحت الأجناس من أفراد فالأمر يصعب حصره، وكلها هذه ابتداع ما إليها خريطة سابقة، لاحظوا التعابير عندنا: فطر أجناس، بدائع: ابتداع، الابتداع أساسا: أن يأتي بشيء لا سابقة له، ولذلك لما يقولون: ابتداع في الدين، يعني هذا ما موجود في الدين أصلا، بدعة، يعني ما موجودة في أصول دينية، كذلك الإبداع: يعني شيء لا سابقة له، بالنسبة إلى الخلائق، الله سبحانه وتعالى، "ابتدع الأشياء" تقول سيدتنا الزهراء (ع) "لا من شيء كان قبلها، ولا احتذاء أمثلة امتثلها"، الآن الاحتذاء بسيط، الصين تأخذ موديل الفورد، طيب، من آخر موديل، وتسوي استرجاع، أكو برنامج يسمونه نظام الاسترجاع الخلفي، فتسترجع هذا، هذه السيارة كاملة، ترجعها إلى نقطة الصفر، ثم تبدأ وياها نقطة نقطة إلى أن تطلعها مثل ما كانت، طيب. وتبيعها بربع القيمة وثلث القيمة. هذا احتذاء أمثلة، قدامه أكو خريطة، قدامه أكو نموذج، هذا سهل بالنسبة للبشر.
ابتداع الأشياء هو شيء صعب، "فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع" في نفس الوقت التي هي: ابتداع، هي: متقنة. عادة ابتداع الأشياء يترافق مع ماذا؟ مع شيء من الخلل، تقول: هذا الإصدار الأول، لكن إن شاء الله بصير في تحسينات، وترتيبات فيما بعد وكذا، مثلا: آدم، أول ما خلق، إيده هالشكل، رجله هالشكل، راسه هالشكل، إن شاء الله النسخة الثانية تصير أحسن، والإصدار الثاني، لا، لا، هو هذا: الابتداع في أول نسخة، ما إله سابقة، ولا يوجد أيضا نسخة مطورة إله، ليش؟ لأنه قد أتقن صنعه، "وأتقن بحكمته الصنائع، ولا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع" يبقى الحديث في باقي هذه الفقرات إن شاء الله إلى وقت آخر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
|