ثواب الأعمال (١)
مقدمة عن كتاب الشيخ الصدوق
تفريغ نصي فاضلة مؤمنة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا القاسم المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين.
حديثنا في هذا اليوم هو بداية حديث عن ثواب الأعمال وعقاب الأعمال. سنتاول فيه إن شاء الله ما ورد من الروايات التي تعد بالثواب الكبير على بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان من أذكار ومن أفعال وما يرتبط بذلك. وفي المقابل أيضا، ما يرتبط بعقاب بعض الأعمال والتصرفات والأقوال مما يندرج تحت عنوان عقاب الأعمال.
هناك روايات كثيرة ترتبط بالأذكار والأقوال: مثل قول (لا إله إلا الله) ، (التسبيحات الأربع)، (الصلاة على محمد وآل محمد) و (بعض السور القرآنية). هذه وُعِد الإنسان الذاكر لها والقائل بثواب من عند الله عزّ وجل، كما وُعِد أيضا بالثواب على جملة من الأعمال كعبادة الصلاة، الصلوات المستحبة، الصيام، العمرة. و في مقابلها، وعيد بالعقوبة على أقوال لو قالها الإنسان، وأفعال لو فعلها هذا الإنسان. توعده الله سبحانه وتعالى بماوصل لنا من الأخبار، منها ما هو أخروي وهو الأكثر ومنها بعض العقوبات الدنيوية و الأثار الدنيوية.
غرض هذا البحث كما أشار إليه الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال - أن يكون هناك دلالة على الخير ودعوة إليه ، و أن يكون هناك تحذير ومنع و لو لفظيا للإنسان على أن يجترئ على تلك الأعمال التي توجب العقوبة. تحريض على فعل الأعمال التي توجب الثواب،و حث على ذلك. وفي مقابل ذلك، كمح جماح الإنسان نحو الشهوة و أمثالها. ولاريب ان معرفة الانسان بثواب وجزاء قوله لهذا الكلام، و معرفته بهذا الثواب المترتب تدعوه أكثر للقيام بهذا العمل. مثلاً من قال (لا اله الا الله) فله من الثواب كذا، نتحرك أكثر لهذا الذكر. وهذه طبيعة الإنسان يحب أن يعرف جزاء عمله. وكذلك أيضا في الطرف الآخر، من ظلم غيره كان له من العقوبة كذا وكذا، استحضار الإنسان لهذه العقوبة من الممكن أن يردعه من القيام بظلم غيره وهذه من الفوائد في التحدث عن هذا الموضوع .
من أشهر الكتب التي تناولت هذا الباب: كتاب المرحوم الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، وهو متوفى سنة 381هـ ، يعني بعد فترة الغيبة الصغرى للإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بمقدار يصل إلى 50 سنة تقريبا. وأما ميلاده، فقد كان في زمان الغيبة الصغرى فقد قيل أنه قد ولد في 305 هـ فيكون قد أدرك زمان الغيبة الصغرى للإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف). بل عندنا فيما ورد من الكتب الرجالية أنه ولد بدعاء الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وذلك أن والده قد أبطأ عليه الولد فكتب عن طريق سفير الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) إلى الإمام الحجة (عليه السلام) مسائل وطلب فيها بأن يدعو الله أن يرزقه ولداً أو أولادا. وفعلاً جاءه الجواب على رسالته تلك وفيها أخبار أنه سيلد من جارية ديليمية. ولم يكن قد تزوج في ذلك الوقت من ديليمية. بعد مدة من الزمان تزوج هذه الجارية الديليمة وولد منها أولاد منها الشيخ الصدوق (رض)، وكان كما نقل إذا رأى أستاذه منه هذا الحفظ العظيم للأحاديث كان يقول لا غرابة لأنك ولدت بدعوة من صاحب الأمر - قائم آل محمد (عليه السلام).
الشيخ الصدوق له كتب كثيرة أهمها وأشهرها كتاب (من لا يحضره الفقيه) وهو أحد الكتب الأربعة عند الإمامية التي يستدل بها ويستفيد منها الفقهاء في الاستدلال و هو كتاب قيم من وزان الكافي، وتهذيب الأحكام، والاستبصار، هذه الكتب الأربعة التي يعتمد عليها الفقهاء في الاستدلال والاستنباط. وله كتب عديدة أخرى حول (300) كتاب ورسالة منها كتاب (عيون أخبار الرضا (ع)) وهو كتاب مهم فيما يرتبط بشؤون الإمام الثامن عليه السلام. وله كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) في قضايا العقائد، وله كتب أخرى متنوعة من جملتها هذا الكتاب الذي يصب في منحى أخلاقي وتربوي ودنيوي يُحرّض فيها الإنسان على القيام بتلك الأعمال التي يترتب عليها الثواب الكبير، و يردعه بما ورد فيه من العقاب عن تلك الأعمال التي تسبب عقوبات إلهية، وهو كتاب (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال). البعض يقول أنه كان بالأصل كتابين وقد جمعا في كتاب واحد تحت عنوان واحد. وقد كانت عناية علماؤنا به عناية مهمة قد نقل عنه كثيرا المحدث الحر العاملي (رضي الله عنه) صاحب كتاب (وسائل الشيعة)، ونقل عنه أيضا العلامة المجلسي صاحب (البحار) ، بل تقريبا من تأخر عن الشيخ الصدوق بعد هذا التأليف في هذا الباب أغلبهم نقل عن الشيخ الصدوق باعتبار قربه الى زمان تلك الروايات.
بطبيعة الحال، نظراً لأن هذا الباب (باب الثواب والعقاب) مما يرتبط بأمور المستحبات وما يشبهها والمكروهات، بل والمحرمات لذلك عادة العلماء لا ينظرون للأسانيد. مثلاً: في حديث ثواب الاعمال سواء كان السند سندا عاليا وصحيحا أم لا. يقولون لك: ما المانع أن الإنسان يقدم على عمل محتمل المنفعة ومظنون عدم الثواب. الآن عندما يقول الإنسان مثلا (لا إله إلا الله)، في الحديث الوارد في ثواب الأعمال (لا إله إلا الله ثمن الجنة) أو (كما أن الله لا يعدله شيء كذلك لا اله الا الله لا يعدله شيء. وإذا قالها ابن آدم صعدت في السماء فلا تمر بشيء إلا طمسته حتى تصل الى الحسنات فتستقر عندها). وأمثال ذلك من هذه الروايات. يقول العلماء هذا العمل محتمل المنفعة حتى لو فرضنا أنه لم يكن هناك سند تام له. احتمال المنفعة موجود وقائد، مؤكد ليس هناك ضرر. لا نحتمل أن من قال (لا اله الا الله) سوف يعاقب أو يخسر درجات. والعقلاء عندما يرون شيئا محتمل المنفعة بل مظنون المنفعة وفي الطرف الآخر لا يوجد أي احتمال المضرة أو للعقوبة يقدمون عليه سواء موجود سند أو لم يكن موجوداً. لذلك يعملون بمثل هذه الأحاديث والروايات لان فيها امرا مظنون المنفعة والفائدة ومقطوع بعدم مضرته والعقلاء يقدمون على القيام بمثل هذه الأعمال.
ومن جهة أخرى، لدينا روايات عن النبي المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفت فيما بعد بروايات (من بلغ) وحاصله أنه من بلغه ثواب على عمل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعمله ابتغاء ذلك الثواب وانقيادا لرسول الله أوتي هذا الثواب و إن لم يكن هذا الحديث قد قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وعليه، أسس العلماء قاعدة التسامح في أدلة السنن، يعني في أدلة المستحبات. ومعناها اننا لا ندقق في أسانيد الأمور المستحبة كما ندقق مثلا في الفقه. وهذا موجود أيضا في مدرسة أتباع الخلفاء. فعندهم كما نقلوا عن أحمد بن حنبل - إمام المذهب الحنبلي- أنه إذا كان في الأحكام شددنا في المسانيد وإذا كان في الفضائل يسرّنا وهوّنا. فلذلك استقبل العلماء من بعد الشيخ الصدوق روايات هذا الكتاب بالقبول ونقلوها في كتبهم.
مع ذلك، أحد المشايخ الفضلاء في هذا الزمان (الشيخ الماحوزي) أصدر كتاب بعنوان (أسانيد ثواب الأعمال وعقاب الأعمال) حاول أن يلاحظ أسانيد الكتاب وانتهى أن جملة من هذه الأحاديث هي أيضا معتبرة في المجمل من حيث السند. هذا الكتاب يقع في جزئين مجموع أحاديثه 1116 منها ما ورد في ثواب الأعمال 788 حديثاً والباقي 331 ورد في عقاب الأعمال. واذا كان لنا أن نستنتج من هذين الرقمين قد لا يكون المؤلف قد أستوعب لا كل أحاديث ثواب الأعمال ولا كل أحاديث عقاب الأعمال، لكن بهذا المقدار الذي جمعه الشيخ الصدوق في هذا الكتاب سوف نجد أن نسبة أحاديث العقوبات إلى أحاديث المثوبات هي نسبة النصف. فهذا يعني أن نسبة العقوبة الى نسبة المثوبة هي نسبة النصف. و نحن نجد بشكل عام انه فعلا ما يرتبط بالجانب التربوي التحريض والتشجيع والترغيب ينبغي أن يكون أكثر من التحذير والإنذار والتهديد واذا اردنا ان نصنع نسبة فلا ينبغي أن تكون نسبة التحذير والتهديد اكثر من نسبة النصف بالنسبة الى جانب التبشير والتحريض والوعد بالثواب وهذا أسلوب تربوي يلتفت إليه المربون الاجتماعيون ويشيرون إلى أن اثر التبشير و الوعد بالثواب ربما يكون اكثر من اثر الإنذار والتهديد والتقريع وماشابه ذلك.
سوف يكون لدينا - ان شاء الله تعالى - في الأسابيع القادمة أحاديث من هذا الجانب. علّنا نُذّكر أنفسنا وإخواننا من خلال ما ينقل من ثواب موعود وعقاب متوعد به، أن نُحرّض أنفسنا على سلوك طريق الحسنات واجتناب طريق السيئات.
نسأل الله أن يوفقنا و اياكم والمؤمنين جميعاً إلى هذه الأعمال الصالحة وأن يجنبنا سواها من غير الصالحات، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
والله تعالى أعلم والحمد لله رب العالمين |