توقير الكبار
جاء في رسالة الحقوق عن الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام :
وأما حق الكبير فان حقه توقير سنه واجلال اسلامه إذا كان من أهل الفضل في الاسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه في طريق ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت واكرمته بحق إسلامه مع سنه فانما حق السن بقدر الاسلام ولا قوة إلا بالله .
النمط الأخلاقي الذي يريد الاسلام أن يصنعه : أن يبعد الانسان عن محورية الذات ، ويسعى في هذا الشأن إلى صنع التواضع لدى الشخص ، وتعظيم الغير ..
فإذا كان كبيرا بالقياس إلى الصغير ، يقول له : فكر في أن ذنوب هذا الصغير على اثر صغر سنه ، ليست بمقدار ذنوبك ..
وإذا كان صغيرا بالقياس إلى الكبير ، يقول له : فكر في أن هذا قد سبقك بالاسلام ولديه بالتالي رصيد من العمل الصالح أكثر منك !
هذا الأعمى لم يرتكب الذنوب بعينه لعدم إبصاره ، وأنت ربما ارتكبت من ذلك بعينك ، وذاك الأصم لم يرتكب ذنوبا بواسطة استماعه للغيبة بينما ربما تكون قد ارتكبت .. وهكذا ..
إذا كنت كبيرا يقول لك : ارحم الصغير واعف عن زلته ، فإنه لا يفقه ولا يعي ، وإذا كنت صغيرا وهو كبير يقول لك : وقر الكبير .
وفي هذا تمهيد لاجتناب الآثار المدمرة لفكرة صراع الأجيال ..
كيف تتعامل الأحاديث مع كبير السن المسلم ؟
1/ تعظيم ذي الشيبة إجلال لله عز وجل : فعن قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من تعظيم اجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن وإمام العدل "
2/ الشيوخ الركع أمان من العذاب : أمّن الله الأمة من العذاب بعدة تأمينات : بعضها أعظم من بعض ، مثل تأمينها بوجود النبي صلى الله عليه وآله ، وتأمينها من العذاب بالاستغفار وقد جمعتها الآية المباركة من (سورة الأنفال: 33): (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) . ومن التأمين عن العذاب ، ما جاء في الرواية من طريق الفريقين ، الحديث القدسي ، ومن طريقنا عن الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إن لله عز وجل في كل يوم وليلة مناديا ينادي : مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله ، فلو لا بهائم رتع وصبية رضع ، شيوخ ركع ، لصب عليكم العذاب صبا ، ترضون به رضا ..
كيف يتم توقير ذي الشيبة وكبير السن : ( في كلام الامام زين العابدين عليه السلام )
1/ لا تسبقه في طريق ولا تؤمه فيه ، إعطاؤه اعتبارا اجتماعيا بهذا المعنى : ( لا مانع مع بعض الاستئذان ) ..
2/ مساعدته والحنو عليه والعطف : يقول أحدهم واسمه زكريا الأعور قال : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له . فأراد أن يتناولها ، فانحط أبو الحسن ( عليه السلام ) وهو قائم في صلاته ، فناول الرجل العصا ، ثم عاد إلى موضعه من الصلاة .
3/ ترك الخصام معه : يترافق كبر السن أحيانا مع شيء من الحدة والغضب وعدم القدرة على التحمل ، واعتبر في ذلك بحال البدن الذي يغدو غير قابل للتحمل ، بعدما كان قويا ، فتكون النفس أحيانا اضعف ، ولهذا قد يترافق كلامه مع الحدة ، وسلوكه مع الغلظة ، اترك الخصام معه .. حتى وإن جهل عليك !
4/ لا تستجهله : أي لا تعتبره جاهلا ، أو لا تظهر خطأه أمام الآخرين ، فيهان ، واعتبر بما صنعه الامامان الحسنان عليهما السلام كما نقل عنهما ، من رؤيتهما الأعرابي الذي يتوضأ خطأ ، فنبهاه بحسن تدبيرهما في قصة معروفة .
وبطبيعة الحال عندما يكون كبير السن من الأرحام فلا ريب أنه تزداد الأمور المذكورة تأكدا .
بطبيعة الحال هكذا كله على مستوى السلوك ، لا على مستوى الحق والباطل ، أو الصواب والخطأ ، فكبر السن لا يعني بالضرورة الكون على الحق ، والشباب لا يعني الكون على الخطأ ، والتقديم في الامامة مثلا لا يخضع للعمر والسن ( نعم لو تساويا من سائر الجهات كان السن مرجحا ) ولهذا فإن تمسك القرشيين بقضية العمر في إبعاد أمير المؤمنين عليه السلام ، ليس صحيحا ، وكان العلماء منتبهين إلى هذا المعنى فإنه ينقل أن علي بن جعفر الصادق ، وهو عم والد الامام الجواد عليهم السلام إلا أنه كان شديد الاحترام للامام الجواد وهو ابن ابن أخيه ، فكان أن استنكر عليه بعضهم ذلك ، فقال : ماذا أصنع إن كان الله لم ير هذه الشيبة أهلا للامامة .