السخرية مخالفة للحقوق المعنوية للمؤمن
السخرية مخالفة للحقوق المعنوية للمؤمن
تحدث سماحة الشيخ في خطبة الجمعة الثالث من شهر جمادى الأول 1429 عن الاهتمام بالحقوق المعنوية للإخوة المؤمنين ، مبينا أنه يستبشع جدا أن يقوم الانسان المؤمن بضرب أخيه المؤمن من دون سبب واضح ، وهكذا لو سرق أمواله .. فضلا عن قتله .
غير أن الأمر لا يكون بتلك البشاعة عندما يعتدي على شخصيته ، و( يهدم مروته ) كما ذكرت الأحاديث ، مع أن هذا الأمر قد يكون أسوأ آثارا من الضرب أو الجرح .
ولقد ذكرت الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته موضوع الحقوق المعنوية تلك بالنسبة لللانسان المؤمن بمزيد من العناية ، والتركيز .. وكنا قد ذكرنا في وقت سابق جانبا من هذه التوجيهات .
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها ، أولئك لا خلاق لهم .
وعن الامام علي عليه السلام : من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته وشينه أوثقه الله بخطيئته يوم القيامة حتى يأتي بالمخرج مما قال ، ولن يأتي بالمخرج منه أبدا .
ولكي يجعل لتلك الحقوق أرضية دينية ، أعلى من منزلة المؤمن فقال : ـ كما عن النبي صلى الله عليه وآله ـ : إن الله يقول اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا .
وفي الحديث عن الامام الباقر بعد أن نظر إلى الكعبة : قال : ما أعظمك وما أشرفك والله لحرمة المؤمن أعظم منك .
بناء على ذلك فإنه يلزم أن يهتم الانسان بحقوق أخيه المعنوية اهتماما بالغا .. وأن يجتنب ما يخالف تلك الحقوق .. ومن أبرزها :
السخرية والاستهزاء .
فالسخرية قد تم النهي عنها قرآنيا ، فقال الله عز وجل )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11) والسخرية والاستهزاء : تنطلق من الجهل ، سواء الجهل بفضل الطرف المسخور منه ، والمستهزَأ به ، أو الجهل كحالة نفسية .
يشير إلى ذلك قول الله عزوجل ، ( عسى أن يكونوا خيرا منهم ) يعني أن الطرف الساخر والمستهزئ يجهل حقيقة المستهزأ به ، فلعله أفضل منه وأعلى قيمة .. فلماذا يسخر ؟
وقد يكون منطلقا من الجهل كحالة نفسية في مقابل الحكمة والتعقل ، كما في قول الله عزوجل )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (البقرة:67) فجعل الاستهزاء من أمر الجهل ، والقائم به من الجاهلين .
والمنطلق الآخر للسخرية والاستهزاء ، هو اعتبار الشخص نفسه أكبر وأفضل ممن يسخر منه ، ويستهزئ به ، فإذا رأى الانسان نفسه كبيرا وفاهما وعاقلا ، ورأى غيره أقل كفاءة ، أو عقلا سخر منه واستهزأ به ، وحوله إلى أضحوكة ..
وهذا لا يقتصر على الأفراد بأن يسخر رجل من رجل أو امرأة من أخرى ، وإنما يمتد ليشمل المجتمعات ، فيسخر ( قوم من قوم ) ومجتمع من آخر ، وهذا ما نجده اليوم حيث نرى مثلا العرب يسخرون من العجم أو الهنود ، ونرى في داخل العرب يسخرون من بعضهم بحسب المجتمعات ، بل حتى المجتمع الواحد تسخر بعض فئاته من فئات آخر.. وهكذا .
ولا يعود الأمر إلى حقيقة أن هذا أفضل ، فقد يكون من وقعت السخرية عليه أفضل من الناحية الواقعية من الساخر .. ولعلك تنظر إلى أن العرب في مناطقنا يسخرون من الهنود ويستهزؤون بهم ويحولونهم إلى نكته وأضحوكة ، مع أن الهنود متقدمون جدا من الناحية التقنية والعلمية على العرب ، وهذا مما لا يخفى .