العلاقة السوية التي ينبغي أن تحكم بين الانسان ومحيطه الاجتماعي
مبتدءا بالدعاء المروي بسند معتبر عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام : إذا دخلت سوقك فقل : اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها ، اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أُظلم أو أبغي أو يُبغى علي ، أو أعتدي أو يُعتدى علي.
وورد هذا أيضا في دعاء يوم الأربعاء للإمام الكاظم عليه السلام كما نقله الكفعمي في المصباح باختلاف يسير : اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل أو أذل أو أُذل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي أو أجور أو يجار علي .
تحدث سماحة الشيخ عن العلاقة السوية التي ينبغي أن تحكم بين الانسان ومحيطه الاجتماعي فقال : إن العلاقة بحسب الاستقراء هي واحدة من ثلاث :
ـ علاقة الاحتيال والخديعة والاعتداء والإضلال ، وذلك عندما يستثمر المرء قوته الفكرية وقابلياته الذهنية في غير الطريق السليم ، فيخدع غيره ويسخر جهد الآخرين بغير حق لنفسه وهذا ما يصطلح عليه علماء الأخلاق بعنوان ( الجربزة )
ـ الثانية : العلاقة القائمة على كون الشخص مغبونا ، ومخدوعا ، ومظلوما ..
ـ والثالثة : هي تلك التي تتحدث عنها الروايات السابقة أن لا يكون الانسان في موقع الظالم ولا يقبل أن يقع عليه الظلم ، لا هو يذل الآخرين ولا يقبل أن يقع الذل عليه .
سوف نؤجل الحديث عن النمط الأول إلى وقت آخر ، ونشير إلى النمط الثاني من العلاقات وهي وقوع الانسان محلا للغبن ، والظلم ، والخديعة .
وهي التي يتورط فيها كثير من الناس ، وربما يحركهم في ذلك مفهوم ثقافي خاطئ وهو أن ( يكون عبد الله المقتول أو المظلوم لا عبد الله القاتل ) ويتصور هؤلاء أنهم سوف يحصلون على ثواب من الله عندما يكونون كذلك .
غير أن الحديث الذي نقل عن عدد من المعصومين ( عن الرسول صلى الله عليه وآله ، وعن الامام علي u وعن الامام الحسين ، وعن الصادق ، وعن الرضا عليهم السلام ) أن : المغبون لا محمود ولا مأجور ، ينفي هذا الأمر تماما .
فقد رأينا بعض المغبونين والمخدوعين في السوق مثلا ، يأتي بعد أن يضع أمواله في يد شخص ولا يوقع معه اتفاقا ولا يأخذ منه إيصالا ، حتى إذا سرق ذلك الشخص أمواله ، قام ( يتحسب ) قائلا : حسبي الله على فلان ، وأن الله بيني وبينه .الخ هذه المعزوفة غير المفيدة .
إن مثل هذا غير محمود عند الناس وإنما مذموم الفعل ، ما دام لم يستعمل عقله الذي وهبه الله له في مثل هذه الحادثة . ولا هو أيضا مأجور ومثاب من قبل الله يوم القيامة بل ربما تعرض للعتاب والتوبيخ على هذه الغفلة .
ولا ينفع أن يقول أن ذلك في سبيل الله ، فإنه لا يحسب له ذلك .. إن سبيل الله الذي يثاب عليه المرء هو عندما يتخذ قراره بوعي كامل ويخصص جزء من ماله في هذا السبيل يحسب له الثواب ، أما إذا أضاع ماله بسوء تفكيره أو غفلته فلا يثاب عليه
ويقدم لنا المعصومون مثلا طيبا في أن لا يكون الانسان مغبونا في اليسير وإن تصدق بالكثير ، فعن أبي هشام القناد البصري قال : كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسين بن علي فكان يماكسني فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته ( أي كل المتاع الذي اشتراه ) ! فقلت له : أجيئك بالمتاع من البصرة تماكسني فيه فلعلي لا أقوم حتى تهب عامته ! ( يعني تعجب هذا البائع كيف أن الامام يماكس ويساوم ، ثم يقوم بهبة المتاع بكامله وهذان لا يجتمعان ! إذ الأول يشير إلى أن الامام ضنين بماله ، والثاني يشير إلى أنه كريم بلا حدود !
فقال الامام عليه السلام : إن أبي حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله حدثه : المغبون لا محمود ولا مأجور .
إن المغبون يعرب عن أنه لم يستعمل عقله الذي أعطاه الله إياه وأنه يسمح لغيره بأن يستغفله ويستغله ! وهذا ما لا يمكن أن يسمح به الامام لنفسه ، ولا غير الإمام ممن يحترم ذاته . ولهذا قال الامام الصادق عليه السلام لجماعة لما رأوه يساوم على غنم أشد مكاس ، التفت إليهم قائلا : لعلكم تعجبتم من مكاسي ! قالوا : نعم ! قال : إن المغبون لا محمود ولا مأجور ، وما لله من رضى في أن أغبن في مالي !
والغبن قد يكون في السوق ، وقد يكون في الحياة الاجتماعية وقد يكون في عالم السياسة .
وسوف نتحدث عن هذه الجهات في المستقبل ..