التقريب بين المذاهب خيار استراتيجي للأمة
قال الله العظيم في كتابه الكريم ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الانبياء:92) .
التقريب بين المذاهب الاسلامية الموجودة في الأمة ، خيار استراتيجي وليس عملية تكتيكية ، وهو أمر تفرضه الأصول الدينية والاسلامية ، كما تقره أحكام العقل ، وتنتهي إلى ضرورته التجارب البشرية السليمة ، حيث لا طريق آخر سواه يمكن سلوكه .
في البداية لا بد من تحديد هذا المصطلح ، فإن غياب المعنى الواضح لقضية التقريب يجعل قسما من المسلمين يتشككون في فوائدها ، أو إمكانها .
لقد ذكر أحد رواد التقريب بيانا لطيفا للتقريب ، فقال : التقريب ليس فيه تذويب ، ولا تغليب ولا تركيب ولا تسريب.. وإنما هو تقريب بين المذاهب .
وفي بيان تلك الفكرة نقول : التصور بأن التقريب بين المذاهب يعني أن يذوب هذا المذهب في ذاك أو بالعكس ليس صحيحا .. فلا يعني التقريب أن يكون السني شيعيا أو الشيعي سنيا إذ لا يمكن ذلك بعدما انتهى أصحاب كل مذهب بالدليل إلى صحة ما يعتقدونه فكيف يطلب منهم الانتقال مما اعتقدوا صحته ؟
ولهذا ينبغي أن لا يكون هناك تخوف من أن التقارب الناتج عن فكرة التقريب سوف يؤدي إلى ذوبان هذا المذهب أو انتهاء ذاك ..
ولو أردنا أن نأخذ مثالا عرفيا ، فلننظر إلى أخوين متباعدين في مسكنهما ، ونحاول أن نقرب مكانهما من خلال البحث في ما يزعج كل منهما في الآخر حتى رغب عن القرب منه ، ونحاول علاج تلك المزعجات بعدما كانت مشتركات النسب والأخوة والرحم بينهما كبيرة.
وأيضا فإن التقريب لا يقصد منه تغليب مذهب على آخر ، فإذا كنا مثلا في بلد سني نقوم بتغليب المذهب السني على الشيعي وبالعكس لو كنا في بلد شيعي .. كلا .
وأيضا فإن التقريب لا يعني التركيب بأن يتنازل أصحاب هذا المذهب عن بعض عقائدهم الأساسية أو أحكامهم الفقهية ، ويتنازل أصحاب المذهب الآخر عن بعضها في عملية مقايضة بحيث يتركب مذهب جديد من المذهبين .. فهذا غير صحيح وغير ممكن ..
وهكذا لا ينبغي أن يكون الغرض من التقريب تسريب الأفكار من هذا المذهب إلى ذاك أو بالعكس .
وإنما التقريب يهدف إلى نزع فتيل المشكلة المتسببة في التباعد ، من أثر الأوضاع التاريخية غير الصحيحة التي شابت العلاقة بين هذه المذاهب .
أما لماذا التقريب ؟
ـ فإن الأصول الدينية تقضي بالسعي إلى التقريب ، ذلك أن الله يخاطب الأمة ـ مع علمه بتعدد مذهبها في المستقبل ـ بأنها أمة واحدة ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) . ويتكلم النبي صلى الله عليه وآله عن ( المسلمين ) مع أنهم سيختلفون على مذاهب . وأنهم يد واحدة على من سواهم .
ـ كما أن الحكم العقلي يقضي بأن الالتئام والانسجام والتقارب بين الأفراد والجماعات والمذاهب هو خير من التفرق والتباعد والتباغض .
ـ وأخيرا فإن التجربة الإنسانية المتراكمة انتهت بأصحابها إلى أن التقارب بين الديانات والمجتمعات والدول هو طريق الحياة السليمة ، ولذلك فإنهم انتهوا إلى الاتحاد كما في مثال ( الاتحاد الأوربي ) وغيره .