عن الصفويين والتبشير الشيعي
في خطبته ليوم الجمعة تحدث سماحة الشيخ فوزي آل سيف عما يدور هذه الأيام من حديث في الاعلام عن الصفويين والتبشير الشيعي ، ودعا الاعلام من جهة والعلماء من جهة أخرى إلى التقريب والتركيز عليه ، كخيار نهائي للأمة فقال :
في غمرة التشنج القائم اليوم في عالمنا الاسلامي ، تتكرر في ساحات الانترنت ، وكلمات المصارعين الطائفيين عبارات ، يرددها بعضهم وهم ربما لا يعرفون معناها ، ولكن تتكرر في الألسنة ، وهذا يذكرنا بما كانت بعض الأمهات تصنعه في تخويف أولادهن الصغار من ( أم الخضر والليف ) ، فكان الأطفال ينامون خوفا منها .. ثم تبين لهم بعد أن كبروا أن تلك التي كانوا يخوفون بها لم تكن سوى النخلة !
البعض اليوم يكرر كلمة الصفويين في إطار شتم الطائفة الشيعية ، وأنهم صفويون وما شابه .. فمن هم هؤلاء ؟ وما صنعوا ؟ ثم ماذا عن التبشير الشيعي ؟
الصفويون : ينتمون إلى صفي الدين الاردبيلي ، وقد كان ينتمي إلى إحدى الطرق الصوفية وهي الكيلانية ، وكان سني المذهب ، فانتقل إلى المذهب الشيعي ، وتوفي سنة 735 هـ ..وبعد أقل من مائتي سنة قام أحد أحفاده وهو اسماعيل وعمره في ذلك الوقت ، حوالي 14 سنة ومعه عدد من أصحابه ، وبدؤوا يسيطرون على المناطق القريبة منهم ، وقد كانت السلطة ضعيفة فيها ، إلى أن استطاع أن يؤسس دولة قوية سنة 906 هـ . ثم خلفه ابنه شاه طهماسب ..
خاضت هذه الدولة مع الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على شمال شرق إيران حروبا كثيرة ، لم تكن منطلقات كلا الفريقين فيها بعيدة عن الموضوع السياسي ، ولكنها كانت تلبس رداء التشيع عند الصفويين والتسنن عند الأتراك العثمانيين .. وأصبح المذهب أحد الأسلحة لدى كلا الطرفين .. ففيما وظف الأتراك الفتاوى ضد الشيعة و( الرافضة ) ، وظف الصفويون الممارسات المذهبية ضد السنة ورموزهم واستحضر التاريخ بقوة في الحاضر ، لكي يصور هذا الفريق نفسه على أنه المدافع عن الصحابة وذلك الفريق على أنه المدافع عن أهل البيت !! والقضية كانت سياسية بينما كان سلاحها دينيا !! كما نشاهد اليوم في كثير من هذه الصراعات .
وأما عن التبشير الشيعي : كما عبر عنه الدكتور القرضاوي حيث قال في مؤتمر الدوحة بنحو لم يكن مسبوقا ولا هو منسجم مع ما هو معروف من توجهاته التقريبية ، أن التبشير الشيعي مبرمج وترصد له ميزانيات ، وله برامجه العملية ! واعتبر أنه ( فتنة ومحنة ) تضاف إلى محن الفلسطينيين ! وهدد بأن : فكرة التقريب إما أن تؤتي أكلها وإما أن نفض السيرة !
وبعد حديث القرضاوي ، انطلق سيل من الخطابات والمقالات ، والتصريحات حتى من دعاة التقريب ( سابقا ) ..
ولدينا هنا عدة وقفات :
ـ الأولى في استعمال مصطلح التبشير ، فإننا نتأمل في استخدامه هنا ، ذلك أن التبشير وإن كان في الأصل لفظا قرآنيا تحدث فيه عن طريقة الانبياء وأنهم مبشرون ومنذرون ، لكن المصطلح أصبح اليوم يقترن بعمل المسيحيين في إقناع المسلمين بترك دينهم واتباع المسيحية ، بل لا يحتاج إلى إضافة مثلما هو الحال في عنوان كتاب ( التبشير والاستعمار ) .
ـ ثانية تلك الوقفات : أن نسأل هؤلاء العلماء الأجلاء ، وهم بلا شك صادقون في الحديث الدائم عن حرية الفكر والرأي ، بل وصل الأمر ببعضهم كما في حالة الدكتور القرضاوي إلى أنه لا يرى حدا دنيويا في الردة الخفيفة عن الاسلام ! فما الذي أثارهم بهذا المقدار في قضية تحول بعض الأفراد ضمن قناعة فردية أو جماعية ، إلى المذهب الشيعي ؟ وأين ذهبت أفكار حرية الرأي والاعتقاد ؟
إننا نعتقد أن زمن فرض الممنوعات قد ولى ، ولا يستطيع أحد أن لا من الشيعة ولا من السنة أن يمنع شخصا قد حصلت عنده قناعة معينة تجاه فكرة أو قضية ، وينهاه عن الايمان بها !
ـ ثالثة تلك الوقفات : أنه لا ينبغي ولم يكن متوقعا من أمثال الدكتور القرضاوي ، أن تكون قضية الحوار ، وبالنتيجة التقريب بين فئات الأمة ، قضية مساومة بمعنى إما أن تكونوا هكذا وإما أن ( نفض السيرة ) ! وماذا لو قال بعض علماء الشيعة نفس الكلام ، إما إن تكفوا عن عقد مؤتمرات نصر السنة وإما أن نترك التقريب ؟ إن هذا الأمر ليس بصحيح في كلا الطرفين !
ـ إننا نعتقد أن البعض قد وقع ـ من دون أن يشعر ـ فيما كان يخطط له الأمريكيون من صنع عدو داخلي لأبناء الأمة لكي يستنجد الجميع بالأمريكيين كمخلص لهذا الفريق من ذاك وبالعكس .. فإنهم يصنعون وضعا سيئا في العراق إلى حد يستنجد الشيعة فيه بالأمريكيين حتى ينجو من المشاكل ، ويصنعون وضعا سيئا في لبنان إلى حد يستنجد فيه السنة بالأمريكيين باعتبارهم الطرف القادر على حل المشاكل ، وهكذا يتسابق أبناء الأمة سنة وشيعة إلى نيل رضى الأمريكيين !!
لقد عمل الأمريكيون على تصوير إيران في المجال السياسي على أنها هي العدو الحقيقي للعرب وللخليجيين على وجه الخصوص ، وعملوا على تصوير التشيع في المجال الديني على أنه هو العدو الأول للسنة في العالم فلا بد من الاحتشاد في مواجهته .. ونسي الجميع اسرائيل ونسوا غزو الثقافة الغربية ، وأفكار الانحلال وهكذا ..
إننا نأمل أن يلتفت المسلمون وعلى الخصوص علماؤهم الواعون إلى هذا المخطط الاستعماري الأمريكي ، ويسعوا إلى الألفة والتقارب ..