حج النبي محمد صلى الله عليه وآله 22
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/9/1439 هـ
تعريف:


حج النبي محمد صلى الله عليه وآله

 

كتابة الفاضلة تراتيل السماء

قال تعالى ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَ عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾‏ سورة الحج :27

هذه الآية بحسب ما اشارت اليه الرواية المعتبرة عن الامام الصادق عليه السلام تفيد ان تشريع الحج على المسلمين كان في المدينة المنورة وان النبي صلى الله عليه وآله اخبر الناس انه سيحج في عامه ذلك فجاء الناس من المدينة والعوالي والاعراب ومن كافة الأماكن حتى يحجوا بحج رسول الله صلى الله عليه وآله , و الاتفاق بين المسلمين قائم بان الرسول بعد قدومه الى المدينة حج مرة واحده فقط وهي الحجة التي تعرف بحجة الوداع والتي كانت في السنة العاشرة للهجرة .

ولكن هل حج النبي قبل قدومه المدينة ام لا ؟ وعلى فرض انه حج فهل كانت حجته قبل بعثته ام بعد ذلك

هناك ثلاثة أقوال بين المسلمين حول ذلك وهي كالتالي :

القول الأول : يذهب اليه الكثير من مدرسة الخلفاء وهو الراي الشائع والرائج بينهم وهو ان النبي حج حجه واحده وهي التي في المدينة واما قبل ذلك فبعضهم يقول لا نعلم بغير ذلك و البعض يقول لا نعلم بانه حج. وربما يستشهدون بالمتقدمين ونسب ذلك الى انس بن مالك .

القول الثاني : ان النبي صلى الله عليه وآله حج قبل حج الفرض - الحج المدني – لكن لا يعلمون كم عدد تلك الحجات فهناك من يقول بانه حج حجتين قبل الفرض وذلك لما ورد في سنن الترمذي بانه حج مرتين في مكة في قومه قبل الهجرة الى المدينة وهذا الراي يتبناه عدد من مدرسة الخلفاء .

القول الثالث: وهذا ما تشير اليه روايات الامامية الاثني عشريه وهو ان النبي بالإضافة الى الحجه المدنية فانه حج قبل البعثة وبعد البعثة فبعض الروايات تقول عشر حجات وبعض الروايات تقول عشرين حجه ونستدل على ذلك بروايات معتبره أوردها الشيخ الكليني في كتابه الكافي – هذا الكتاب من اهم الكتب الحديثية وله منزله عالية ولكن لا يرى العلماء ان كل ما جاء فيه صحيح بل يخضع للتدقيق فما صح سنده و بانت عليه امارات الصحة قُبِل واستدل به وما لم يصح سنده لا يقبل – عن الامام الصادق عليه السلام قال: لم يحج النبي بعد قدومه المدينة الا حجة واحده وقد حج مع قومه بالمدينة "

في رواية أخرى عن الامام الصادق عليه السلام انه قال :" حج النبي عشر حجات مستسر" أي من غير علانية وكان هذا في مكة المكرمة , و في رواية ثالثه عن الامام الصادق عليه السلام انه قال:" حج رسول الله عشرين حجة "

اصل المسألـــة

هل حج النبي قبل الهجرة؟! واذا حج فلماذا مستسرا ؟!! وكيف ان هناك تعارض في الروايات فرواية تقول ان عدد حجات النبي قبل الهجرة هي عشر وأخرى تقول انها عشرين على الرغم من انهما مرويتان عن الامام الصادق نفسه

مناقشة المسالة

بالنسبة الى القول الأول :التي ذهب اليه أصحاب مدرسة الخلفاء فانه لا دليل عليه لأسباب متعددة منها :
•ان هذه الحجة التي حجها النبي في المدينة معروفه بانها حجة الوداع أي ان قبلها حصلت حجات وإلا لما كانت حجة وداع .
•اننا نعلم ان العرب حتى الوثنين منهم فضلا عن الاحناف الذين ورثوا تراث إبراهيم عليه السلام كانوا يهتمون جدا بموضوع الحج فهم يقصدون بيت الله من كل مكان لان منسك الحج مما بقي من مناسك إبراهيم عليه السلام وصار له اهتمام , هم غيروا فيه ولكن اصله باق فمثلا الطواف والسعي كانا موجودين وكانوا يذهبون الى الموقف غاية ما في الامر ان الحمس أي المتشددين فهم يرون انفسهم انهم من قريش من اهل مكة فيخرجون فقط الى نمره فقط– التي بها المسجد المعروف – و لا يدخلون عرفه وقد خالفهم النبي في حجة الوداع عندما وقف قليلا عند نمره ثم اندفع داخلا الى عرفات , وقد كان عندهم العرب القدماء في مراسيم الحج ذبح و ذهاب الى منى . اذن هم عندهم مناسك الحج ولكن عندهم تجاوزات ومخالفات

 1.وقد كان الاحناف و اهل العلم و الاوصياء يعدّلون في هذه التجاوزات التي تصدر منها , ينقل ان عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه و آله وسلم قرر ان يكون الطواف والسعي سبعه و بعض القرشيين عارض ولكن عبدالمطلب اصرّ وقد امضى الإسلام هذا وروي ان عبدالمطلب سن سنن أيام الجاهلية فلما جاء الإسلام اقرها منها مثل قضية الطواف و الديّه ونحن نعتقد ان هذا ليس من عند نفسه بل مما ورثه من العلم باعتبار ان اجداد النبي يتوارثون الحنفية ومبادئ الأنبياء السابقين و لو لم تكن هذه السنن صحيحه وموافقة للحقيقة لما اقرها الإسلام .

وقد كانوا العرب يحبون الحج أيام الربيع فاذا كان موسم الحج في أيام القيض الحار فانهم يؤخرونه حوالي ثلاثة اشهر وهذا يسمى ( نسيء ) وقد جاء الإسلام و رفضه قال تعالى ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾‏ التوبة:37 أيضاً أحيانا يكون لديهم معارك عسكريه يريدون انهاءها فاذا جاءتهم اشهر الحج وهي اشهر حرم – عُرِفَت حرمتها منذ الجاهلية – فكانوا يؤجلون الحج و ينسؤنه لكي لا يتوقفون عن القتال ,وهذا التصرف غير صحيح و هذا يفسر حج النبي مستسراً فالحج له وقت محدد ومكان محدد ولا يخضع النبي لتحديد العرب لوقت الحج .

الشاهد ان قريش والعرب حتى الوثنيين منهم كانوا يهتمون بالحج الذي كان ظاهره اجتماعية , فاذا كان الاهتمام بالحج هكذا بين الجميع حتى من كان غير مهتم بالمناسك الابراهيمية فهل يعقل ان يكون النبي وهو الامتداد لعقيدة التوحيد ان لا يحج منذ بلوغه الى ان وصل عمره الستين سنه – أي خمسة وأربعين سنه لا يحج - ليحج في اخر عمره حجه واحده فقط , هذا بعيد جدا وغير قابل للتصديق

الامر الثالث :ما اثبته التاريخ بشكل يكاد يكون الاتفاق عليه وهو انه بعد البعثة كانت لقاءات النبي صلى الله عليه واله مع من يأتي من خارج مكة للإسلام كانت في موسم الحج لاسيما اهل المدينة – الذي اصبحوا بعد ذلك من الأنصار – و يكون اللقاء معهم عند العقبة لذا سميت بالعقبة الأولى و العقبة الثانية , قيل ان الأولى في سنة احد عشر والثانية في سنة اثنا عشر قبل هجرة الرسول الى المدينة المنورة . فالنبي كان يحج ويلتقي مع من يريد الدخول في الإسلام ومع النفر الذين يقدمون بغرض اللقاء مع رسول الله صلى الله عليه وآله

بالإضافة الى الروايات التي وردت من طريق المدرسة الأخرى من سنن الترمذي و من طريق أئمة اهل البيت عليهم السلام وهم اعرف بسيرة جدهم الرسول صلى الله عليه وآله

هل حج النبي عشرا او عشرين مرة

الشيخ الجليل الفيض الكاشاني -من علمائنا الكبار له كتاب الوافي والصافي والاصفى - يرى انه اذا تحدثنا عن احد الفترتين فهي عشر حجات واذا تحدثنا عن الفترتين فهما عشرون حجه وهكذا فان الروايات تقسم الى اقسام :

بعضها توضح ان النبي حج في قومه عدة مرات ولكن لا تبين العدد .

بعضها توضح ان عدد الحجات التي قام بها نبي الرحمة ما قبل البعثة بعشر و توضح ان عدد الحجات في ما بعد البعثة بعشر ايضا وهذا هو القول الفصل حيث اننا نرى ان أئمة الهدى هم اعرف بسيرة جدهم وهم اخبرونا عن ذلك والطريق الى كلامهم طريق معتبر وصحيح

النبي والعمرة

العمرة لم تكن شائعة في زمان الجاهلية ولكن النبي اعتمر و قد احرم اربع مرات لها وهي بتفصيل كالتالي :

المرة الأولى:- سنه سته هجرية والتي حصل فيها قضية الحديبية حيث احرم الرسول للعمرة فاستنفرت قريش و أرادوا القتال حتى انتهى الامر الى صلح هو صلح الحديبية المعروفة وكان من بنوده ان يرجع النبي و اتباعه بدون ان يعتمروا - و من المعروف ان النبي لم يدعى الى امر فيه الرفق الا واجاب فالنبي والائمه ما كانوا يريدون القتال ولكنهم يدفعون اليه فان اضطروا اليه قاتلوا فان امكن لهم دفعه باي طريقه فهم يستجيبون – بعض أصحاب رسول الله قالوا : السنا على الحق ؟ فقال لهم : نعم . قالوا : لنقاتلهم , فاخبرهم النبي بان عليهم ان يحلوا احرامهم ويذبحوا ويحلقوا و يرجعون بدون عمره في هذه السنه ويعودون السنه القادمة فاحلوا من احرامهم ففعلوا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله . وهذه تسمى( عمرة الحديبية ) وهي التي فيها احرم رسول الله للعمرة ومنع فلم يعتمر .

المرة الثانية :- السنة السابعة للهجرة جاء النبي ومعه المسلمون واعتمروا وهذه تسمى( عمرة القضاء ).

المرة الثالثة:- كانت في سنة فتح مكة حيث فتح رسول الله مكه واعتمر فيها وتسمى هذه العمرة (بعمرة فتح مكه ).

المرة الرابعة:- هي العمرة التي اقترنت بحجة الوداع سنة عشرة للهجرة .

صفة حج رسول الله صلى الله عليه وآله

مدار الحديث في حج النبي ينتهي الى طريق اهل البيت عليهم السلام حتى عند الفريق الاخر فـأهم و اطول واتقن حديث الذي فيه صفة حج النبي هو حديث يرويه جابر بن عبدالله الانصاري عن رسول الله صلى الله عليه واله - وجابر من صحابة النبي وكان يرافق النبي للحج لذا يتحدث عن صفة الحج لحظة بلحظة و كان أيضا من صحابة امير المؤمنين والحسنيين والسجاد كما ادرك الباقر عليه السلام – و ينقله الحديث عن جابر الامام الباقر عليه السلام و ينقله عن الامام الباقر الامام الصادق ثم ينقله عنه وسائط , فقد نقله عنه الامام احمد في مسنده و الدارمي وأبو داوود و البيهقي و مسلم بنفس هذا الترتيب و أيضا النسائي -صاحب السنن و خصائص امير المؤمنين - نقل حديث جابر بوسائط تنتهي الى الصادق عن الباقر عن جابر عن رسول الله , اما مالك فقد نقل أجزاء عن حديث صفة حج رسول الله , باستثناء البخاري في صحيحه الذي لم ينقل عن طريق هذا السند اما باقي العلماء والمحدثون نقلوا بنفس هذا الترتيب

عندما نلاحظ صفة حج رسول الله التي قالها الامام الصادق عليه السلام عن صحيفة معاوية بن عمار هي مشابهه تماما لما نقل عن حج رسول الله برواية جابر بن عبدالله الانصاري , ونحن نعلم ان الامام الباقر اعلم من جابر بن عبدالله الانصاري ولكن فائدة تردد الامام الباقر على جابر بن عبدالله هو ان أصحاب السنن و المجاميع الحديثية لا يعتقدون بإمامة وعصمة الامام الباقر عليه السلام فهم يعتبرونه راوي من الرواة فلو نقل الامام الباقر أفعال رسول الله مباشرة بدون نقل من جابر سيصفون حديث الامام الباقر بالمرسل لأنه لم يعاصر زمن النبي الاكرم لذا كان الامام الباقر يحتاج الى واسطة وكانت هذه الواسطة هو جابر بن عبدالله الانصاري ونتيجة لهذا اعتمد أصحاب السنن والرواية في مدرسة الخلفاء على الرواية التي وصلتهم عن الصادق عن الباقر عن جابر بن عبدالله الانصاري الذي عاصر النبي الاكرم صلى الله عليه وآله حيث يمكنه ان ينقل عنه وهذا سبب رواية الباقر عن جابر بن عبدالله الانصاري رضوان الله عليه

ذلك نجد تشابه كبير بين ما نقل بهذا السند وبين صفة حج رسول الله في روايات اهل البيت كما نقلها معاويه بن عمار عن الامام الباقر عليه السلام وهذا من نعم الله العظمى على المسلمين لان الحج الذي جعل تثبيتا للدين وتوحيدا للمسلمين لو لم يكن متفقا في اعماله كان الامر بالعكس من ذلك

فلو كان على سبيل المثال احدى المدرستين تتطوف على اليمين والأخرى تتجه في طوافها نحو اليسار لأصبحت هناك مشكلة كبيره .وأيضا لو كان الموقف مختلف عند الفريقين فإحداهما تقف في مكان والأخرى في مكان اخر لكان هذا بعيد عن تحقيق أغراض الحج .لهذا نجد ان مناسك الحج عند الفريقين منسجمه متماسكه متوافقة لتحقيق الوحدة واهداف الحج

نص الرواية

أوردها الكليني في الكافي بسند معتبر عن الامام الصادق عليه السلام . قال أبي عبداللَّه ‏عليه السلام : " أنّ رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ، ثمّ أنزل اللَّه عليه: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ‏ رِجَالاً وَعَلَى‏ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، فأمر المؤذّنين أن ‏يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم يحجّ من عامه‏ هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا فحجّ رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون ‏به فيتبعونه، أو يصنع شيئاً فيصنعونه.
فخرج رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم في أربع بقين من ذي القعدة، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل، ثمّ خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه ا لظهر، وعزم‏]أحرم[بالحجّ مفرداً، وخرج حتّى انتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل فصفّ الناس له‏ سماطين، فلبّى بالحجّ مفرداً، وساق الهدي ستّاً وستّين بدنة أو أربعاً وستّين، حتّى انتهى إلى مكّة في سلخ أربع من ذي الحجّة فطاف ‏بالبيت سبعة أشواط، وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثمّ عاد إلى الحجر فاستلمه، و قد كان استلمه في أوّل طوافه.
ثمّ قال: إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه فابدؤوا بما بدأ اللَّه به، وإنّ المسلمين كانوا يظنّون أنّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه‏ المشركون، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، ثمّ أتى الصفا فصعد عليه فاستقبل الركن اليماني فحمد اللَّه وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً، ثمّ انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا، ثمّ انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها، ثمّ انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه، ثمّ أتى جبرئيل وهو على المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلّوا إلّا سائق هدي، فقال رجل: أنحل ولم نفرغ من مناسكنا؟ فقال: نعم.
فلمّا وقف رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم بالمروة بعد فراغه من السعي أقبل على الناس بوجهه فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ هذا جبرئيل‏ وأومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحلّ ولو استقبلت من أمري مثل الذي استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكنّي سقت الهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه. فقال "له" رجل من القوم لنخرجنّ حجّاجاً وشعورنا تقطر؟ فقال له رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم: أمّا إنّك لن تؤمن بعدها أبداً. فقال له سراقة بن مالك بن خثعم الكناني: يا رسول اللَّه علّمنا ديننا كأنّما خلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟ فقال له رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم: بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثمّ‏ شبّك أصابعه بعضها إلى بعض وقال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة.
وقدم عليّ ‏عليه السلام من اليمن على رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكّة، فدخل على فاطمة عليها السلام وهي قد أحلّت فوجد ريحاً طيّبة، ووجد عليها ثياباً مصبوغة. فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج علي ّ‏عليه السلام إلى رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم مستفتياً و محرشاً على فاطمة عليها السلام , فقال: يا رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم، إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت، عليها ثياب مصبوغة، فقال رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أمرت الناس بذلك، وأنت يا عليّ بما أهللت؟ قال: يا رسول اللَّه، إهلالاً كإهلال النبيّ‏ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم: كن على ‏إحرامك مثلي، وأنت شريكي في هديتي.
قال: فنزل رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم بمكّة بالبطحاء هو وأصحابه؛ ولم ينزل الدور، فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن‏ يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ، وهو قول اللَّه الذي أنزله على نبيّه: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ فخرج النبيّ ‏صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى‏ أتوا منى فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ثمّ غدا والناس معه، فكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع، ويمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول اللَّه وقريش ترجو أن يكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل اللَّه على نبيّه: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾، يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم، فلمّا رأت ‏قريش أنّ قبّة رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شيء للذي ‏كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم، حتى انتهوا إلى ‏نمرة وهي بطن عرفة بحيال الأراك فضربت قبّته، وضربت الناس أخبيتهم عندها فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله و سلم‏ ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثمّ صلّى الظهر والعصر بأذان واحد و إقامتين، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقضون‏ [يقفون ] إلى جنبها فنحّاها، ففعلوا مثل ذلك ، فقال: أيّها الناس، إنّه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف، ولكنّ هذا كلّه موقف. وأومأ بيده إلى الموقف، فتفرّق الناس وفعل مثل ‏ذلك بمزدلفة، فوقف حتى وقع القرص (قرص الشمس) ثمّ أفاض وأمر الناس بالدعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة وهي المشعر الحرام‏ فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين، ثمّ أقام حتى صلّى فيها الفجر وعجّل ضعفاء بني هاشم بالليل، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة (جمرة العقبة) حتى تطلع الشمس، فلمّا أضاءله النهار أفاض حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة، وكان الهدي الذي‏ جاء به رسول اللَّه ‏صلى الله عليه و آله وسلم أربعاً وستّين، أو ستّاً وستّين، وجاء علي ّ‏عليه السلام بأربعة وثلاثين، أو ستّ وثلاثين، فنحر رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم‏ ستّاً وستين، ونحر عليّ‏ عليه السلام أربعاً وثلاثين بدنة، وأمر رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤخذ من كلّ بدنة منها حذوة[جذوة] من لحم، ثمّ‏ تطرح في مرقه‏ [برمة]، ثمّ تطبخ فأكل رسول اللَّه ‏صلى الله عليه و آله وسلم منها وعليّ‏ عليه السلام وحسيا من مرقها، ولم يعطوا الجزّارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها، وتصدّق به، وحلق وزار البيت، ورجع إلى منى فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ثمّ رمى الجمار ونفر حتى انتهى إلى الأبطح. فقالت عائشة: يا رسول اللَّه، ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معاً، وأرجع بحجّة؟ فأقام بالأبطح وبعث معها عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأهلّت بعمرة، ثمّ جاءت وطافت بالبيت وصلّت ركعتين عند مقام إبراهيم‏ عليه السلام، وسعت بين‏ الصفا والمروة، ثمّ أتت النبيّ‏ صلى الله عليه وآله وسلم فارتحل من يومه ولم يدخل المسجد الحرام، ولم يطف بالبيت، ودخل من أعلى مكّة من عقبة المدينين، وخرج من أسفل مكّة من ذي طوى."

 نسال الله ان يعرفنا هدي رسول الله وان يعيننا على الاقتداء به وان يحشرنا معه و في زمرته

مرات العرض: 3424
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2557) حجم الملف: 57413.49 KB
تشغيل:

الامام علي واستقرار الأسرة 19
صفة الحج وكيفيته 25