8 التحرش الجنسي خطورته ومقاومته
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/1/1439 هـ
تعريف:

                  التحرش الجنسي، خطورته، ومقاومته

كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال

تدقيق الفاضلة فاطمة الشيخ منصور

        قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)  

     إن من القضايا والمشاكل الاجتماعية العالمية مشكلة التحرش الجنسي بمختلف أنواعه، فمن مشاكل اللاجئين مثلا مشكلة التحرش الجنسي بهم من قبل بعض أفراد الدول المضيفة لهم أو جنودها، وقد تحدث هذه المشكلة في الأماكن التي تذهب إليها القوات الأممية، بل حتى على مستوى الحالات الشعبية التي يخف فيها الضبط الاجتماعي أو تكون العقوبات غير واضحة للمعتدين.

موجة في الشارع:

     قبل أربع سنوات وفي أحد البلاد العربية حصلت موجة تحرش في الطرقات وحدثت ملاحقة النساء من قبل مجاميع الشباب المنحرف الذين لم يفرقوا بين ملتزمة أو متهتكة، كبيرة كانت أم صغيرة، وفي حينها أثار خبراء التربية والباحثون الاجتماعيون نقطة نظام فكيف يمكن أن يحصل مثل هذا الأمر على العلن في عاصمة مجتمع عربي محافظ بنحو من الأنحاء، فهي مشكلة على مستوى أكثر من مكان في العالم.

     وسنخصص الحديث عن التحرش الذي قد يحدث في داخل بيئة الأسرة باعتبار أن لنا دور مهم على صعيد الوقاية أو العلاج، ولأنه الأولى بالاهتمام فالأقسام الأخرى تعالجها الحكومات والمؤسسات بوضع الروادع، كما في بعض الدول لاسيما الغربية حيث حدت العقوبات إلى درجة كبيرة من قضايا التحرش الخارجي لأن من يتحرش بامرأة يعاقب بالسجن ثلاث سنوات وغرامة ثلاثين ألف يورو وهذا بلا ريب رادع للكثير.

دوافعٌ وأسباب:

     إن انتشار هذه الظاهرة في بعض الأسر يرجع إلى ثلاثة أسباب: أحدها أن هذا التحرش لا تغطيه دائرة القوانين الرادعة من قبل الدولة لأنها تفرض عقوبات على التحرش في مكان العمل وفي الشارع لكنها لا تصل إلى البيوت، وثانيها أن كل من المتحرِش والضحية في داخل الأسرة وكلاهما يفضل أن يُنهي الحادثة بكتمها وسترها حفاظًا على الأسرة والعلاقة بين أفرادها، ولخوف الفضيحة بين الناس، فلا رادع هنا وكثيرًا ما تحصل ولا يُخبر عنها، وهذا ما تشير له إحدى الدراسات في دولة خليجية بان 62% من حوادث التحرش لا يُبلغ عنها وهذا يفاقم الموضوع ويزيده سوءًا.

     وأما ثالث الأسباب فهو يرجع إلى بيئة العائلة وطبيعتها، فهي لا تحتاج إلى تكلف وجهد لأنها مغطاة بغطاء التواصل الأسري ولا تكلف إلا زيارة إلى منزل الضحية، ثم إن حضوره أمر طبيعي ولا يثير السؤال، وقد حصل ذلك فعلًا فقد نشر في أخبار دولة عربية عن جثة فتاة متفسخة عمرها ثمان سنوات وبعد التحقيقات عرفوا أن أحد أبناء عمومتها والذي يتكرر مجيئه إلى منزل الفتاة وعلى السطح بدأت اللعبة بتحسس جسمها وهي ترفض وجرى الأمر بعد إصراره وإجبارها عليه وهنا يقع في ورطة أخرى فيقتلها ليخمد صوتها البريء.

ما هو؟

     يُعرف التحرش بأنه إلقاء كلمات أو ممارسة أفعال وطلب استلذاذ واستمتاع جنسي من طرف آخر على خلاف رغبته وخارج الإطار المشروع، فقد يبدأ بالكلام لاستغواء الطرف الآخر ينتهي إلى نظر وملامسة وهذا كله ضمن إطار الآية المباركة (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).

    وهذه الآية وردت بنفس الكلمات في سياق سورتي المؤمنون والمعارج كإشارة لما يحل للفرد المسلم في الجانب الجنسي، وهذا السياق لا يعدد كل المحرمات في المتعة الجنسية إنما يحدد الحلال فيها ـ وهو الزوجة وملك اليمين ـ وفيما عداه يدخل ضمن (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) أي المعتدون، فالتحرش الجنسي هو من مصاديق (وراء ذلك) لأنه يبدأ بكلام لاستمالة الضحية بغير الطريق المشروع، مع ملاحظة أن الضحية قد تكون طفلًا أو طفلة وربما شابًا أو شابة.

وسائلٌ متعددة وهدفٌ واحد:

    في هذه الأزمان ومع موجة الاتصالات الحديثة اختلفت وتعددت أشكال التحرش لكن نتيجتها واحدة وكلها ضمن إطار (فمن ابتغى وراء ذلك)، منها التشبيب: وهو الوصف المثير لمفاتن ومحاسن امرأة بعينها وشخصها المعروف لأنه يحبها ويتمنى لقاءها ليستخفها فيقال شبب فلان بفلانة ، وهو ما يبحث عادة في باب المكاسب المحرمة وهو محرم بالاتفاق بين مختلف المذاهب الإسلامية إذا كانت المرأة معروفة، كما يحرم  إذا شبب بغلام مثله سواء كان معينًا أو غير معين، أما إذا كانت المرأة غير معروفة ولا مشخصة كصورة خيالية كما يتغزل بعض الشعراء بالأنثى عمومًا فهذا ليس من التشبيب المحرم، والتشبيب أحد الذنوب التي تفرض على مرتكبها عقوبات تعزيرية يقررها الحاكم الشرعي.

    يقال في المثل الشعبي (فلان خف فلانة) يعني تغزل بها فأخفت كأنما ارتفعت عن مكانها بعد أن كانت ثابتة على موقفها وهذه نتيجة حتمية لمثل هذا النوع من الكلام.

    والاستخفاف هو ما يقوم به الطغاة كما ذكر في القرآن الكريم (فاستخف قومه فأطاعوه) أي جعلهم خِفافًا ليسوا ذوي رزانة ومتانة وثقل وحكمة. 

دعوةٌ صريحة:

      هذا ويعد الغناء من أهم وسائل الدعوة الصريحة والواضحة لممارسة الفعل الجنسي المحرم، وهو الغالب لأن المتحرش لا يلقي لضحيته كلامًا صريحًا يفضح رغبته المحرمة، بل يكفي أن يردد لها أغنية معروفة ليحصل على استجابتها سريعًا خصوصًا إذا كان يعرف أو يحفظ تلك الأغنية، وهذا ما أخبرنا عنه الرسول الأكرم بقوله (الغناء رسول الزنى).

ألعابٌ ماجنة:

     وأما الوسيلة الأخرى فهي التصوير وما يرتبط به، فهؤلاء الخاطئون يرسلون المقاطع الماجنة والخليعة وقد يكون ذلك من خلال بعض الألعاب التي يتعدد فيها اللاعبون وفي أروقتها يجتمع الرجال والنساء وتوفر خاصية المحادثة الخاصة أيضًا، فلا يستبعد أن تُروج مثل هذه الألعاب للتحرش والعلاقات المحرمة خصوصًا مع انتشارها السريع في هذه الأيام.

نظرةٌ لك وأخرى عليك:

     وأما ثالث الوسائل فهي النظرة بشهوة واستمتاع جنسي لذا يقال (النظرة الأولى لك والثانية عليك) النظرة الأولى هي النظرة الاتفاقية الناشئة عن المصادفة لا عن قصد ورغبة كأن تمشي في الطريق ويقع نظرك على امرأة فلا تؤاخذ عليها وإلا استدعى الأمر أن يمشي الناس بعيون مغمضة، ولا ينبغي تكرار النظرة والتحديق باستمتاع وإلا كان من النظر المحرم.

     والنظر بشهوة قد يكون للجنس المماثل إذا كانت فطرة الإنسان مشوهة ومختلة فيستثار الفرد بالنظر إلى مثيله دون غيره، فالمدار في النظرة المحرمة إذا صاحبتها الشهوة والاستمتاع الجنسي.

وهذه الوسائل للأسف الشديد منتشرة عند قسم من الناس وهي ضمن (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).

وقايةٌ وعلاج:

       تأتي التوجيهات الدينية وقاية وعلاجًا انطلاقًا من حكمة الله الخالق ـ تبارك وتعالى ـ وتدبيره للإنسان ومعرفته بمآلات الأمور ونتائجها، فتارة يفرض أحكامًا كالحجاب ويحرم أخرى كالغناء، وينظم ثالثةً كالعلاقات بين أفراد المجتمع، لذا نجد كثير من الواجبات والمحرمات في الشريعة نتيجتها منع البيئة الشهوية التي تنتج تحرشًا، كالغناء مثلًا الذي حُرم نظرًا لأنه وسيلة التحرش ورسالة للزنى خصوصًا إذا تحول إلى حالة اجتماعية، فالشارع المقدس ناظر في الصورة بأكملها ولكل المجتمعات لذا يحرم الغناء.

الحجاب الحاجب:

       إن فرض الحجاب يصنع أجواءً رادعة وبيئةً لا تناسب ارتكاب الجريمة، والعفاف يخفف من إشاعة الشهوة وإثارة الغريزة كما يقلل من نشر التحرش، لكن لا يمنعها منعًا كاملًا كما لا يمنع أي قانون كلَ الجريمة، حيث أن أناسًا يرتكبون الجرائم على اختلافها رغم علمهم بالعقوبات المفروضة عليها.

 تنظيمٌ وضبط:

       يصنف الشارع المقدس العلاقات بين الأفراد إلى صنفين، أولهما: المحارم كالأم والأخت والخالة وهؤلاء يمكن النظر إليهن لكن دون شهوة وتلذذ، وثانيهما غير المحارم وهؤلاء لا يجوز النظر إليهن.

    ولو افترضنا أن أحدهم كان منحرف الفطرة لدرجة أن غريزته تستثار بالنظر إلى محارمه كوالدته أو أخته ولا رادع داخلي يردعه فلا يجوز أن ينظر إليها حتى إلى يدها وإن كان هذا جائزًا في العادة، وقد نقل أن النبي المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ منع شخصًا من النظر إلى أخته فقيل له في ذلك فأجاب (لو نظر إليها لكان يعاشرها)  حيث كان منحرف الفطرة، ولكن الفطرة السوية السليمة تمنع الفرد من النظرة الشهوانية للأم والأخت.

      ومن المؤسف اليوم أن بعض المواقع الإعلامية تسعى لتخريب الحالة الأخلاقية في المجتمع وتتعمد إشاعة الزنى بين المحارم وأنه يحصل في كثير من الأماكن ولا مشكلة فيه فالأم والأخت والخالة والعمة أنثى وهي محل للشهوة في العادة، وذلك على العكس تمامًا من موقف الشارع المقدس في التعامل مع المحارم فإنه يفرض حدودًا في التعامل معهن أساسها النظر دون شهوة تلذذ.

(لِيستَأذِنكم)

      وفي توجيه الإسلام للاستئذان على المحارم وقايةٌ من الانحراف، وحفاظ على هيكل القداسة والاحترام للأبوين والمحارم، فمن غير اللائق أن يرى الأبناء تفاصيل جسم الأبوين، عن أُبي أن رجلًا سأل النبي الأكرم ـ عليه الصلاة والسلام ـ يا رسول الله أمي أستأذن عليها؟ فقال له الرسول نعم فقال الرجل ولِما؟ أليست أمي؟ فقال له الرسول أتحب أن تراها عريانة؟ فقال الرجل: لا فقال له الرسول فاستأذن عليها. 

      وهنا يلزم التنبيه لحفظ العفاف في داخل الأسرة، فلا تَبتذل الأم نفسها بثياب النوم الرقيقة والشفافة أمام أبنائها لأن ذلك يحول صورة الأم المقدسة المحترمة إلى أنثى شبه عارية، والأب الكريم المحترم لا يجعل جسده محل نظر وتأمل لأبنائه حين يجلس بلباس داخلي يشوه براءتهم ويخرب حسن سليقتهم، وأما الأخوات الشابات فعليهن الحذر الشديد والانتباه لمسألة لباسهن فلا يلبسن اللباس الذي يظهر أكثر مما يستر، خصوصًا أمام أخوتها الشباب، لئلا يكون ذلك بمثابة فتح باب الشيطان بينهما فتتحول الأخت من محل رعاية واهتمام إلى محل شهوة واعتداء.

 قوانين عامة: 

      وقد وضع الإسلام قوانين وتشريعات عامة من شأنها الحفاظ على عفاف الفرد والمجتمع، ومن ذلك النهي عن جلوس الفتيات في حضن غير المحارم لأن هذا الجلوس قد يكون مدخلًا للشيطان ولا مسوغ له، ومنها التعامل مع الطفل المميز غير البالغ فإن التعامل معه كالبالغ، جاء في حديث عن النبي الأكرم ـ عليه الصلاة والسلام ـ (لا يحل لامرأة أن تدخل بيتها من قد بلغ الحلم، ولا تملأ عينها منه ولا يملأ عينه منها، ولا تأكل معه ولا تشرب إلا أن يكون محرمًا عليها، وذلك بحضرة زوجها). 

     ومن التوجيهات الدينية أيضًا التفريق في المضاجع بين الأطفال ذكورًا وإناثًا، فلا ينام الأطفال متلاصقين متقاربين لا سيما بعد بلوغ العاشرة حيث يبدأ التعرف على الجنس وقد تحصل الإثارة والاحتكاك إن كان معه أخوه الأصغر. 

ضحية ولا يدري:

     في بعض الأحيان تحصل حالات التحرش الجنسي والضحية لا يعلم أن هذا من التحرش، فقد كتبت إحداهن أن أخاها يحتضنها ويقبلها وهو في حالة من الشهوة لكنها تعتقد أن ذلك فيض من العلاقة الأخوية وحنانها، وعلمت أن هذا تحرش من خلال مواقع الانترنيت حين أصبحت في الثانية عشر من عمرها، وكثيرًا ما يحصل ذلك الكبير يلتذ ويستمتع جنسيًا والصغير لا يعلم أنه تحرش، لذلك أرشدت التوجيهات الدينية للفصل في المضاجع وعدم السماح بالخلوات المقفلة وفرض نوع من الرقابة وكل ذلك وقاية من هذه الأفعال التي تؤدي إلى التحرش.

أمانٌ ضائع:

      إن جريمة التحرش تهدم الأمان والطمأنينة في النفس الإنسانية، لا سيما إن كان طفلًا صغيرًا وكان المتحرِش من المحارم، وذلك لإن الأسرة هي مصدر الأمان والطمأنينة والهدوء بالنسبة للطفل، وبهذه الجريمة لا يعود الطفل واثقًا في أحد ولا مطمئنًا آمنًا في دنياه، لأن منبع الأمان والراحة تحولا إلى خوف وقلق، وهذا يحتاج إلى علاجات نفسية لضمان سلامته المستقبلية. 

أخطار على المدى البعيد:

      إن العلاقة الجنسية المحللة التي جعلها الله ـ جلّ وعزّ ـ أوضح مظاهر المودة والسكن بين المرأة والرجل هي بذاتها قد تتحول إلى كابوس يجثم على صدر الفتاة التي تعرضت للتحرش في طفولتها فلا تستطيع التفكير في أمر الزواج، وهي تعيش الموت كل ما تقدم لخطبتها أحد، فإن ذاكرتها تستدعي صور تلك الحادثة التي حطمت حياتها وحرمتها من حلم الأمومة التي تنتظره كل فتاة.

توعية

    ولتجنب هذه المشاكل الخطيرة ينبغي تشجيع ودعم المبادرات التي تقوم بتوعية الأطفال بطرق التحرش وأخطاره مثل لا تلمسني وغيرها.

    وينبغي للوالدين أن يعلموا أطفالهم منذ الصغر أن في جسمك مناطق محرمة لا يجوز أن يراها ويلمسها أحد غيرك، كما ينبغي للأطفال أن يتعلموا الاعتماد على أنفسهم في أمر التطهير والتنظيف بعد قضاء الحاجة ولا ينبغي للأم أن تقوم بذلك إلى سن متأخرة بحجة التأكد من التطهير والنظافة لأن الطفل سيعتاد على ذلك ويشعر أن لمس هذه المناطق أمر طبيعي.

جمع الشتات:

     إن الطفل بعد التحرش سيلجأ إلى أحضان والديه ينشد الأمان والحنان، يحتاج من يلملم حطام ذاته المتناثرة ويجمع شتات روحه، وهذه مسؤولية الوالدين، ومن المؤسف والمؤلم أن يوجه له اللوم والعتاب وقد يضرب بدل أن يعالج ويصنع منه قوامًا جديدًا ثابتًا وقويًا لينهض ويكمل حياته مطمئنًا.



 








مرات العرض: 3403
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2552) حجم الملف: 62743.54 KB
تشغيل:

6 وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها
9 هكذا يهدم الاستبداد الأسرة والمجتمع