3 تقليد الامامية لمراجع الدين .. من اين ؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 3/1/1439 هـ
تعريف:

تقليد الإمامية لمراجع الدين .. من أين؟

 تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي

تصحيح الفاضلة أفراح آل ابراهيم

قال تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم  لا تعلمون )1
حديثنا بإذن الله تعالى يتناول  موضوع تقليد الشيعة الإمامية لمراجع الدين أصل هذا الحكم ومن أين أتى ؟
 يذكر فقهاؤنا مسألة مهمة في رسائلهم العملية حاصلها أنّه يلزم على المكلف ما  لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً أن يقلّد مرجعاً في أحكامه الدينية ، وفي غير هذه الصورة لو لم تنطبق أعماله العبادية على من يجب عليه تقليده فإنّه في بعض الصور قد تكون تلك الأعمال محكومة بالبطلان  .
 موضوع التقليد  كظاهرة شائعة عند الشيعية الإمامية لها مواصفات خاصة   ،  والحديث فيها يمكن أن يقع في أصل معنى التقليد ماهو ؟ و من أين نشأ ؟ ومتى نشأ هذا الأمر؟  وما هي جهات لزومه و  الأدلة التي تشير إلي وجوبه.

معنى التقليد
 1/ التقليد  من الناحية اللغوية   بمعنى وضع القلادة ، و تقليد على وزن تفعيل ، وهو عبارة عن وضع قلادة من قبل شخص على شخصٍ آخر في رقبته  ،  يقولون: زار الرئيس الفلاني البلد الفلاني فقلّده وسام الاستحقاق يعني جعل عليه هذه القلادة أي ألبسه إياها .

2/ التقليد من ناحية الاصطلاح
التقليد في كلمات الفقهاء والذي هو محور حديثنا يقولون بأنّه العمل بفتوى الغير وهو الفقيه من دون مطالبة بالدليل ،  فأنت تقوم بتنفيذ قول الفقيه من دون أن تطالبه ببرهانٍ على ذلك  ، قد يقول لك مثلاً إذا شككت بين الثلاث والأربع   فابني على الأربع ثم إأتي بركعة احتياط  ثم سجدتي سهو ،  وأنت تقوم بهذا العمل من غير مطالبته بالدليل   أي لا تقول له ما هو دليلك على ذلك و على أي رواية استندت ؟ وعلى أي قاعدة اعتمدت؟ ،  وهذا معنى التقليد العمل بقول الخبير وهو هنا الفقيه من دون أن تطالبه بالدليل ، والنقاش يكون  في البحوث العلمية كمناقشة الأدلة وهذا ليس بتقليد .

بعض العلماء يقولون هو الاستناد إلى قول الفقيه ، ولكن هذا حيث أنه بحثٌ علميٌ  تخصصيٌ  ما هو الأثر إذا قلنا هو العمل بفتوى الفقيه أو هو الاستناد وما هي الآثار المترتبة على الاختلاف في التعريفين ؟ ، نقول بأنّ مجال البحث في هذا الموضوع يناقش في بعض الحلقات التخصصية ولا يستوعبها الحديث هنا ، فإذن العمل بفتوى الفقيه من غير مطالبته بدليله أو برهانه هذا ما يسمى  بالتقليد ، وهذا التعريف موجود لدينا في العرف ، كأن تقول مثلاً الولد يقلّد أباه في مشيته  حيث تراه في سن معين ينظر إلى مشية أبيه ويقلده  في طريقته  دون أن يعلم لماذا أبيه يعمل هكذا ، هو فقط هو يقلده في ذلك العمل ، وتلك الفتاة تقلد والدتها في طريقة حديثها دون أن تعلم لماذا تتكلم والدتها بهذه الطريقة ، ولكنها في سن الست أو السبع سنوات تحاكي وتقلد والدتها في كيفية حديثها ، وهذا المعنى العرفي نفسه المعنى الديني حيث العمل  بقول الفقيه وحكمه من غير مطالبته بالدليل .

تاريخ نشأة التقليد
بعض الكتّاب والباحثون يثيرون مسألة بعيدة عن الصحة حول تاريخ التقليد ويقولون بأنّ التقليد عند الشيعة قصير العمر حيث أنّه نشأ في زمن الشيخ الأعظم  الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة ألف ومئتين وثمانين للهجرة  ، بمعنى أنّ التقليد لدى الشيعة عمره قصير أي حوالي مئة وستين سنة فقط ، ولكنّ هذا الكلام بعيدٌ عن التحقيق والحقيقة حيث  نعتقد أنّ قضية التقليد تارة يتحدثون عنها بما هي في الحياة البشرية عامة ، أو بما هي في خصوص الأمر الديني في حياة الناس ،فإذا كان الحديث عنه في الحياة البشرية عموماً  فمنذ بداية البشرية قد ركّز في عقل الإنسان وفي فطرته أن يرجع إذا لم يكن عالماً بشيء إلى من هو أعلم منه ، وفي الزمان الذي كان الإنسان يعيش فيه على صيد الحيوانات في العصور الحجرية كما يقولون إذا تواجد شخص من القبيلة أو الجماعة عالم بفنون الصيد وأساليبه فإنّ بقية أبناء القبيلة يأخذون  بكلامه ويرجعون إليه ويعملون بما يقول ، وكذلك في الزراعة إذا نبغ شخص في معرفته بالأمطار ومواسمها ، وبالبذور وكيفية استنباتها،  وحراثة الأرض وكيفية زراعتها ، فإنّ الناس يرجعون إليه ويستفيدون من خبرته  في هذا المجال .
وكذلك في العصور الحديثة نرى أنّ  نظام الحياة الإنسانية قائمٌ على التقليد ، فإن أصيب أحدهم بمرض لا سمح الله فإنه يذهب مباشرة للطبيب المختص ويشرح له حالته ويسأله ماذا يصنع ويعطيه الدواء المناسب فيأخذه دون أن يسأل عن سبب إعطائه لهذا الدواء  وما هو الدليل على فاعلية هذا الدواء في مرضه ، لأنّ هذا الطبيب خبير في مهنته ، فهذا يسمى تقليد  ، وكذلك لو كان لديك جهاز بحاجة للإصلاح فإنك تذهب به للخبير المختص ولا تسأل عن كيفية إصلاحه بهذه الطريقة أو بتلك الطريقة إذ هو خبير بما يفعل .
وكذلك على المستوى الديني الإنسان يذهب إلى النبي والرسول باعتبار أنّ الرسول دليلٌ على الله سبحانه وتعالى  ، والأئمة أدلاء على صراطه ، هم يعرفون طريق الجنة ويعرفون طريق رضا الله سبحانه وتعالى وهم من يذهب لهم البشر ويأخذون بكلامهم.
المقلّد ليس بحاجة لأن يسأل النبي أو الإمام عن دليل الصلاة وأنّها عمود الدين ، أو عن الصوم وكونه جنة من النار ، أو عن الحج وفلسفة أحكامه.. وهكذا..
وكذلك الحديث بالنسبة للفقيه بحكم خبرته وفقاهته في الدين ومعرفته بأحكامه يأخذ المكلّف أحكامه منه بمجرد ما أن يبلغ سن التكليف وذلك بظهور العلامات المعروفة كإكمال سن الخامسة عشر لدى الذكور وإكمال سن التاسعة لدى الإناث، وظهور الاحتلام لدى الذكور ونزول الدورة الشهرية لدى الإناث ، هذه العلامات تعني البلوغ وبالتالي يتوجّب عليهما مجموعة من التكاليف الشرعية كالصلاة والصوم والحج ، ومجموعة من المحرمات كالغيبة وشرب الخمر والعلاقات المحرمة ، وللعمل بهذه الأحكام الشرعية لابدّ فيها من التقليد والاستناد إلى قول فقيه في كل عمل يريد أن يقوم به المكلف من وضوء وصلاة وغسل
تريد مثلًا أن تغتسل  غسل الجمعة وتذهب للصلاة بدون وضوء أم يلزم أن تتوضأ ، هذه المسألة محل اختلاف،  فهناك من  العلماء من يقول بأنّ غسل الجمعة كسائر الأغسال المستحبة لا يجزئ عن الوضوء فلو صليت بغسل الجمعة بناءً على رأي هذا الفقيه فصلاتك غير صحيحة ، وهناك من الفقهاء  ولعلهم الأكثر  يذهب إلى أنّ الأغسال الواجبة تكفي عن الوضوء وكذلك الأغسال المستحبة التي ثبت استحبابها كغسل الجمعة  يكفي ويغني عن الوضوء ، فأنت قبل أن تغتسل هذا الغسل يجب أن تحدّد الفقيه الذي سترجع إليه في تقليدك ، وكذلك في جميع أحكام الصلاة والصوم والزكاة ينبغي الرجوع إلى الفقيه المجتهد  الجامع للشرائط.

من أين نشأ التقليد
نلاحظ أنّ القرآن الكريم تحدّث عن تقليد الأمم السابقة لبعضهم البعض ، ولذلك  يعجب الإنسان عندما يرى بعض المثقفين الدينين يقولون بأنّ عمر التقليد هو مئة وخمسون سنة فقط.
القرآن الكريم تحدّث عن ظاهرتين من ظواهر التقليد سيئتين ، ومعنى ذلك أنّ باقي الظواهر هي على القاعدة ، حيث يستدلّ العلماء على أنّه إذا نهى القرآن عن جانب ولم ينهى عن الآخر يعني بأنّ هذا الآخر واجب ومطلوب .

 وفي قضية الإتباع و التقليد  نجد أنّ القرآن الكريم نهى عن أمرين أما ما عدا ذلك لم ينه :
 الأمر الأول
جاء في القرآن الكريم  النهي عن تقليد الآباء غير العالمين ، قال تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله  قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا  أولو كان  آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون )2
النقد  هنا ليس موجّه لأصل التقليد إنمّا موجّه لتقليد أبٍ لا يعقل ولا يهتدي ، أما  إن كان يعقل ويهتدي ولديه خبرة فلا  مانع هنا من تقليده  ، قال تعالى ( أفمن يهدي إلى الحق  أحقّ أن يتّبع)3
القرآن الكريم ينهى عن تقليد الآباء خاصة لشدة القرابة هنا وإن كانت تربط الإنسان بهم صلة قوية إلا أنّ ذلك ليس دافعًا لتقليدهم إن كانوا يفتقدون للخبرة وإن كانوا أصحاب حق ، فكيف بالغرباء الذين لا يملكون خبرة ولا تخصصًا ولا دراية بالأمور ولا يملكون سبيلًا من سبل الهدية.
الأمر الثاني
نهى عن المبالغة في إتباع من يقلدونهم إلى  درجة مخالفة الحق ومجانبة الهدى والصواب ، فهذا الأمر ليس مطلوب منهم ، كما حدث في قصة بني إسرائيل ، قال تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً  من دون الله والمسيح بن مريم )4 لقد اتّخذوا من المسيح ربًا ، وفي قصة حدثت بين رسول الله صلى الله عليه وآله  وبين عدي بن حاتم الطائي، كان  عدي  ممن أسلم وآمن وأصبح من خلص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام  وضحى بأولاده الثلاثة بين يدي أمير المؤمنين سلام الله عليه ، حيث كان في سابق عهده على دين المسيح وكان من الأحبار أي أنّه ذو خبرة بالدين المسيحي ، يروى أنّ له أختًا يقال لها سفانة وهي امرأة عاقلة ولبيبة وذات حكمة ، عندما هرب حاتم أتت به ونصحته أن يستمع لحديث رسول الله ويرى إن كان ما يقوله الحق أم لا ، وبالفعل جاء لرسول الله حيث دعاه إلى الإسلام فقال له :أنا لدي دين وأنت أتيت لتدعو هؤلاء الناس الوثنين الذين يعبدون الأصنام ، بينما  أنا لدي نبي وهو نبي الله عيسى ولدي كتاب وهو الإنجيل ولدي دين وهو المسيحية  ، إذن أنا لا أحتاج إلى دينك، فقال له رسول الله أنا أعلم بدينك منك ،  قال أنت أعلم بديني مني!،  قال له بلى أنا أعلم به منك ، فأخذ رسول الله  يسأله في مسائل كثيرة و عجز عن إجابته ، وسأله عن هذه الآية   المباركة ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً  من دون الله )
فقال عدي: يا رسول الله لم نتّخذهم أربابًا ، قال : بلى أليس يحلّون لكم ما حرّم الله فتحلونه ، ويحرّمون عليكم ما أحلّ الله لكم فتحرّمونه ؟ فقلت : بلى ، قال : تلك عبادتهم )5

هذا التقليد المنهي عنه أن يصل لحد المخالفة والعبادة فإن أمر الله بشيء حلال وأتى أحدهم وقال أنّه حرام واتبعه الآخرون فهذا  الاتباع يعتبر عبادة ، لذلك انتقد القرآن الكريم هذا النوع من التقليد ، أما لو كان في إطار الدين  وفي إطار القيم الدينية فأنت مأمورٌ باتباعه والسير خلفه  .

ما الذي يلزمنا في التقليد ؟
يلزم على كل مكلف أن يكون مقلداً  لفقيهٍ جامع الشرائط ، ويلزمنا انتفاع الطرق الأخرى أ ي اتباع الطرق الأخرى ، إن كنت تريد مثلاً أن تذهب  إلى مكان ما و يوجد طريقين أحدهما مغلق ،  فأنت مضطر إلى أن تسلك الطريق الأخر ، كذلك الإنسان المسلم أمامه مجموعة من الواجبات و مجموعة من المحرمات والطريق إلى الجنة أمامه لكي يصل إلى هذه الواجبات ويترك تلك المحرمات ، و أحد طرق الوصول:
 الطريق الأول /  أن   يصبح  الإنسان بنفسه متخصصًا في معرفة هذه الأشياء ، ويكون فقيهًا ، ينظر في روايات الوضوء مثلاً وفي الآيات والقواعد الفقهية إلى أن يصبح  لديه رأي حول الوضوء ويعمل برأيه ، وكذلك بالنسبة للأحكام الأخرى ، ولكن هل يستطيع عامة الناس وأغلب الناس أن يحصلوا على مثل هذا الأمر ؟ ، بالطبع كلا  ،  هذا الأمر كأمر الطب هل نستطيع أن نقول للناس لا تذهبوا للأطباء وكل واحد منكم ليكن طبيب نفسه ويبحث عن علاج أمراضه ، بالطبع لا نستطيع  ، ولو كلفنا كل شخصٍ أن يصبح طبيب نفسه لتعطّلت الحياة الاجتماعية ، لأنّ دراسة الطب تحتاج إلى دراسة طويلة أقلها سبع سنوات ، وكذلك بالنسبة للهندسة والميكانيكا ، وكذلك بالنسبة للفقه ، يقول القرآن الكريم (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة  )6 لو خرج من كل مجتمع عدد من الناس للتفقّه لكان ذلك كافيًا ، لأنهم لو نفروا جميعاً للوصول إلى مستوى الفقاهة لتعطّلت الحياة الاجتماعية ، إذن هذا  الطريق أمر غير متحقّق وليس ممكنًا لعموم الناس ، إذ يؤدي لتعطّل النظام الاجتماعي.

الطريق الثاني
لا يتخصّص الإنسان في الفقه بل يكون محتاطًا ويرى في المسألة الفلانية كم رأيٍ ورد فيها أثنين أم ثلاثة  فيتّبعها كلها ، مثلاً في غسل الجمعة يغتسل ويتوضأ احتياطًا ويعمل بكلا الأمرين فيكون محتاطًا ، وكذلك في مسألة كثير السفر من كان يسافر لا للعمل عشر سفرات فصاعداً يوجد بعض الفقهاء يقولون أنّه يجب عليه التمام في كل أسفاره أو شخص متقاعد مثلًا ويذهب لأصدقائه في الأحساء وبعدها للخبر ثم رأس تنورة وكل هذه الأسفار ليست للعمل أكثر من عشر مرات إذن هو كثير السفر.
وكذلك بالنسبة للصوم بعض الفقهاء يقولون إن كان هذا الشخص مسافرًا للعمل فهو يتم الصلاة ويصوم ، أما إن كان مسافرًا للنزهة فلا يجب عليه الاتمام والصوم ، ومن يعمل بالاحتياط هنا يجمع بين الأمرين يصلي قصرًا وتمامًا ويصوم ثم يقضي أيضًا .
وهكذا في سائر الأعمال المختلف فيها يعمل بالاحتياط ، فلو فرضنا بالنسبة لرؤية هلال العيد نرى بعض العلماء يجوّزون اثبات الهلال بالتلسكوب ، والبعض لا يجوّز ذلك فماذا يصنع هذا المحتاط ؟ ، يجب عليه الإفطار على الرأي الأول ويحرّم عليه الصيام على الرأي الثاني فماذا يفعل في هذه الحالة ؟ الحل أن يقطع مسافة لكي يجوّز لنفسه الإفطار. وهكذا ..
نرى أنّ أمر الاحتياط صعبٌ وقد يصل إلى التعسّر  لا سيما إذا كان بالنسبة إلى عامة الناس  ، قد يكون أحدهم متفرّغًا ويستطيع الجمع بين أمرين ، لكنّ عامة الناس لا يستطيعون ذلك .

الطريق الثالث
  أن تستفتي قلبك ، وترى الشيء الذي يأتي في ذهنك فتعمل به ، البعض من الناس يعملون برأيهم ويفتون حسب أهوائهم وحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، فإن رأوا بأنّ فتوى المقلد الفلاني صعبة تركوها ، وأخذوا برأي آخر أو برأيهم وهكذا بالتدريج حتى يصبحون ممّن قال عنهم تعالى (أفرأيت من أتخذ إلهه هواه )7 وقد يصل الإنسان إلى مرحلة الافتراء على الله ، قال  تعالى ( قل أألله أذن لكم أم على الله تفترون )8
هل أذن لإنسان أن يصلي بتلك الطريقة أم بهذه الطريقة ، ومن أين أتيت بها من نبي أو وصي ، هل تستطيع أن تكون آمناً في يوم القيامة من السؤال هل أذن الله لك أن تصلي بهذه الطريقة ، هل أذن الله لك ان تغتسل بهذه الطريقة ، كلا فأنت لست بوضعٍ تحمد عليه ، ربما يقول أحدهم هذه قضية شائعة استفتي قلبك ، ويستدلّون برواية موجودة  في مصادر غير الإمامية  في مسند أحمد  وفي سنن الدارمي نقلها السيد الطباطبائي صاحب الميزان في الميزان أيضاً عن وابصة أحد أصحاب النبي ( قال : أتيت رسول الله فقال : جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم، فقال : استفت قلبك ، البر ، ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأنّ إليه القلب، والاثم،: ماحاك في النفس ، وتردّد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك )9
الإثم هو الذي يتردّد في صدرك  ويحوك في قلبك ولا يستقر ، أما البر فهو الخير و هو الذي تطمئن إليه النفس وتستقر عنده فأنت استفتي قلبك في الأمور وإن أفتاك الناس .
البعض قد يقول نحن لسنا بحاجة لسؤال العلماء والفقهاء  والمراجع ؛ لأنّ النبي يقول استفتي قلبك فنحن إذا عرض علينا أمرٌ نستفتي قلوبنا  ، هذا فهم غير دقيق لكلام رسول الله حيث أنّ كلامه لا يرتبط بالأحكام الشرعية لأنها لها شروطًا وأحكامًا لا دخل لها بقلب الإنسان ، إنّما قلب الإنسان يرتبط فيما يعرف حكمه لكن لا يعلم كيف يطبّقه، مثلا لو افترضنا أنّ أحدهم عمل حادث سيارة وليس لديه تأمين وقال سأجعل صديقي يكون هو المسؤول عن الحادث لأنّ لديه تأمين ، هنا هل يعتبر هذا الأمر سرقة أم لا ، هنا نقول استفتي قلبك لو كنت أنت صاحب شركة التأمين هل ستقبل بهذا العمل ؟ ، وكذلك لو كنت أمين مستودع مثلاً وتحت تصرفك  وقلت لأحدهم نحن محتاجون فما رأيك أن نقتسم الأغراض هل هذا حلال أم حرام ، هل هو من حقنا أم لا ، هنا ارجع لقلبك واستفته ، أما في قضايا أحكام الشرع فلا استفتاء فيها للقلب ، الأحكام الشرعية إما حلال أو حرام ، إما يجوز أو لا يجوز.

أحد علماء مدرسة الخلفاء أبو حامد  الغزالي يقول حتى لو قبلناه هذا الكلام  في البر والإثم فليس في كل مكان نقبله ،  لماذا ؟ يقول لأنه يوجد  بعض القلوب ذمة أصحابها واسعة جدًا ولا مشكلة لديهم في الحصول على ثروات الآخرين بدون أن يتأثروا أو يشعروا بالذنب ، والبعض على العكس يكون وسواسيًا يشكّك حتى في الماء المباح ، فكيف تقول لهذا  استفتي قلبك وتقول لذاك استفتي قلبك  في موارد   الاشتباه  .
 الحكم معروف في التقليد أنّ المكلّف حين يجهل الحكم يجي أن يعتمد على قول الفقيه الذي يذهب إلى مصادر الأحكام الشرعية  ويستنبطها ، والإنسان لابدّ أن يعتمد على قول الفقيه لأنّ قول غير الفقيه ليس حجة ً ولا يؤمن معه من الهلاك كما هو الحال في سائر الأمور ، فهل مريض القلب يذهب إلى البقال كي يعالجه ،أم يذهب إلى طبيب مختص حاذق فكلما عظم الخطر عظم أيضًا المتخصص ، وكذلك بالنسبة لمصير الإنسان الأخروي جنة ونار ، قبول أو ردّ للعمل هل يلجأ الإنسان إلى شخص عادي غير متخصّص؟؟ فهذا أولى من تلك.
وبعض من هذه الفرق الغريبة العجيبة  من يقول لك نحن نأخذ من الإمام نفسه مباشرةً ولا نأخذ من الفقهاء ، ولكن كيف تأخذ من الإمام والإمام غائب ، وقد يأخذ عن شخص غير معروف الأصل ويدّعي بأنّ له اتصال بالإمام ويأتي بالأحكام وهو فاقد لأوليات الفقه  والمعارف الدينية  فكيف يصبح بابًا للإمام ، لكنّ الصحيح هو ما جرت عليه الإمامية وهو الرجوع للفقهاء والعلماء والمراجع في مسألة التقليد.

أدلة على وجوب التقليد

أولاً قاعدة عقلائية /  رجوع الجاهل للعالم في كل أمرٍ من الأمور من دون حاجة إلى إبداء الأسباب والبراهين ، فالمريض يرجع للطبيب وغير المهندس يرجع للمهندس  وغير العالم بالفقه والدين يرجع إلى عالم فقيه وهكذا .

ثانيًا/ انسداد بقية الطرق لأنّ طريق الاحتياط غير متيسر لعامة الناس ، وكذلك طريق الفقه غير متيسّر لكل شخص ، ولا يمكن الرجوع إلى الفقه الذاتي واستفتاء القلب والعمل  وفق الهوى ، لأنّ هذا طريق غير آمن وغير منجي ، فيبقى ما ذكره القرآن الكريم  ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وقوله تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين )  ، ومن رواية يسأل  أحدهم الإمام الصادق عليه السلام فيقول ( إذا حدث  على الإمام حدثٌ كيف يصنع الناس،  فقال أين قول الله عزّ وجل  ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) قال : هم في عذر ما داموا في الطلب وهؤلاء الذين ينتظروهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم )10
أي يرجعون إلى الفقيه وهو يرشدهم  إن كان هناك إمامٌ حاضر أرشدهم إليه وإن كان  هناك إمامٌ غائب أرشدهم إلى أحكامه  هذه هي الطريقة المعتادة ، وأما الروايات  فيقول عنها المرحوم  السيد الخوئي أعلى  الله في الجنان  مقامه   يقول أنّ الروايات التي تشير إلى لزوم الاستفتاء من الفقيه وإلى حجية قول المفتي على المستفتي بالغة مرتبة التواتر الإجمالي  ،  فهي ليست أخبار آحاد ، بل هي متواترة أي صادرة عن المعصوم الذي اهتمّ بأمر الأحكام أبلغ الاهتمام فلا ينبغي أن يقصّر الإنسان  فيها أو أن يتهاون اتجاهها .

   الأئمة عليهم السلام ضحّوا بنفوسهم الزكية من أجل إقامة الدين  ، وهذا الحسين عليه السلام يقول ( وعلى الإسلام السلام  )11 كان خوف الإمام الحسين على الإسلام ، هذا الإسلام الذي هو عبارة عن عقائد  وأحكام   وأخلاق  ، والبنية الأساسية للإسلام هي العقائد ، وهذه العقائد ترشح الأحكام وتحفظها الأخلاق ، وهذا الذي ثار من أجله الحسين عليه السلام وكان مستحقًا لبذل نفسه وأهل بيته في سبيله.
 

---------------------------------
1 سورة النحل آية 43
2 سورة البقرة آية 170
3 سورة يونس آية 35
4 سورة التوبة آية 31
5 موسوعة الأخلاق
6 سورة التوبة آية 122
7 سورة الجاثية آية 23
8 سورة يونس آية 59
9 المكتبة الاسلامية
10 الكافي للكليني ج1 ص378
11 شبكة المعارف الاسلامية

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2554) حجم الملف: 63831.57 KB
تشغيل:

2 يوميات الحسين في كربلاء
12 مجتمع السنن القرآنية أو الاعتباط ؟