1 مع الامام الحسين من مكة إلى كربلاء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/1/1439 هـ
تعريف:

مع الحسين من مكة إلى كربلاء 

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

روي عن سيدنا ومولانا رسول الله (ص) أنه قال: "إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة". 

حديثنا بإذن الله تعالى يكون في هذه الليلة ضمن الحديث عن سيرة الإمام الحسين (ع)، في تتبع جانب من مسيرته من مكة المكرمة إلى كربلاء. وقد تحدثنا في هذا المكان المبارك، لسنوات خلت، حول مراحل مختلفة من حياة الإمام الحسين وسيرته وقد بدأنا في إحدى السنوات بالحديث عن ما قبل سنة 50 للهجرة، من ولادته إلى سنة 50، وهي شهادة الإمام الحسن المجتبى. ثم تحدثنا في سنة أخرى عن حياته المباركة، ما بين سنة 50 و60، ثم شرعنا في الحديث عن خروجه من المدينة إلى مكة، وفي أجواء خروجه إلى كربلاء، أجواء الخروج من مكة، تحدثنا في السنة الماضية. وهذه السنة نسأل الله أن يوفقنا للحديث في هذه الليلة، عن خروج الإمام الحسين من مكة المكرمة إلى كربلاء. 

بشكل عام، مسيرة الحسين من مكة المكرمة إلى كربلاء، استغرقت من الناحية الزمنية، ثلاثة وعشرين يوما، ومن ناحية المسافة الجغرافية استغرقت 1475 كيلو متر، بحساب الطرق في ذلك الزمان. وهذا يعني أن الإمام (ع)، والركب المرافق له، كانوا يطوون ما معدله 65 كيلو متر في كل يوم، مروا في هذه المسافة بقريب من 38 منزل، بين بئر وحي ومنزل جماعة. بعضها أقاموا فيه برهة زمان وبعضها تجاوزوه، بعضها باتو فيه وبعضها الآخر لم يبيتوا فيه. 

إلى أن وصل الإمام الحسين (ع) إلى كربلاء في اليوم الثاني من محرم، سنة إحدى وستين للهجرة. بداية الخروج كانت في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة سنة 60 للهجرة، وكان الخروج كما يرى باحثون، كان ليلا، مع السحر، وقد كان العرب في تلك الفترات يفضلون السير في الليل، ويسمونه بالسرى. ومنه يأتي المثل المعروف: عند الصباح يحمد القوم السرى، يعني يمدحون أنهم ساروا ليلا، وذلك نظرا لأن الإبل كانت تأخذ راحتها في السير في الليل بخلاف سيرها في النهار، حيث أشعة الشمس المحرقة، والأرض الحارة، فكان سيرها في الليل غالبا هو المفضل. 

فخرجوا في الليل بناء على هذا، مع الصباح، وصلوا إلى التنعيم. التنعيم خارج مكة المكرمة، الآن أصبحت داخل مكة، في السابق كان خارج مكة، وكان يحرم منها، إلى الآن أيضا، في ضمن صور فقهي معينة، يجوز الإحرام من التنعيم، من المسجد المعروف هناك، والآن لا نتعرض إلى الجانب الفقهي في هذا الأمر. 

في التنعيم، هناك رواية تشير إلى أن الإمام الحسين (ع)، رأى قافلة محملة بالأحمال، فعلم أن هذه القافلة هي عبارة عن هدية جاءت من والي اليمن، لكي تصل إلى الشام، هدية من والي اليمن إلى يزيد الخليفة الجديد. عادة هذولا الولاة حتى يبقون في مواقعهم ومناصبهم بالتالي يقدم شيئا، هدية، غير ذلك، فكأنما كانت هذه من هذا القبيل. 

الرواية تقول: أن الإمام الحسين (ع)، استولى على هذه القافلة وقال لأصحاب الإبل، وكانوا قد أجروا إبلهم، مثل ما الآن، أنت تستأجر إلك شاحنة وتحمل فيها، في السابق أيضا كانت هذه الإبل أيضا تكرى. فخير الإمام أصحاب الإبل بين يجوا معاهم ويوفيهم كراءهم، وبين أنه إذا أرادوا أن يرحلوا فليرحلوا، يعطيهم كراءهم ومع السلامة. 

قسم من المؤرخين لم يقبل فكرة أن الإمام الحسين (ع) استولى على هذه القافلة، نظرا لأن الإمام (ع) لم يكن من شأنه مصادرة الأموال، ورأى أن هذا نوع من أنواع تشويه صورة الإمام في أنه يستولي على الأموال وكأنه قاطع طريق. 

فيما ذهب باحثون آخرون، إلى أنه الأمر ليس كذلك، على فرض أن الرواية كانت صحيحة، يمكن توجيهها توجيها واضحا، وذلك: أن هذا المال هو قطعا ليس لوالي اليمن، ليس أموال شخصية، ولا هي من مستحقات يزيد بن معاوية، وإنما هي أموال من أموال المسلمين. الولي في التصرف عليها من هو؟ إما أن يكون واليا من قبل الله منصوبا، وإما أن يكون أميرا منتخبا من قبل الناس. 

يزيد بن معاوية لا يتوفر لا على الأول، ولا على الثاني. لا أنه من قبل الدين هو ولي وإمام مفروض، ولا حتى بالمقاييس الطبيعية والدنيوية، ليش؟ لأن يزيد كانت بيعته على خلاف إرادة الأمة، وأن الأحق في هذا سواء كان بالنظر الديني أو بالنظر الدنيوي، كان الإمام الحسين (ع). 

أما بالنظر الديني فواضح، وأما بالنظر الدنيوي فإن من أساسيات اتفاقية الصلح والهدنة بين الإمام الحسن وبين معاوية، أن الإمام الحسين يترك لمعاوية الحكم في هذه الفترة على أن يكون الحكم بعد معاوية للحسن بن علي، فإن صادف أن مات الحسن أو قتل فيكون الحكم لأخيه الحسين. 

وبالتالي الإمام الحسين بحسب مواثيقهم هو الوالي، وبحسب ولاية الله وإمامته التي نعتقدها هو أيضا الوالي. هذا المال تحت تصرفه، يصرفه حيث يشاء. أما ذهابه مثلا إلى يزيد بن معاوية، فلا يوجد أي مبرر له، ويضيف هؤلاء الباحثون شيئا آخر: أن قسما من هذا المال، ربما استخدم في إنقاذ بعض المسلمين من الأسر في يدي الكافرين. كيف؟ 

يقولون: أنه في يوم عاشوراء، كان أحد أصحاب الحسين واسمه بشر الحضرمي، أخبر في ذلك الوقت أن ابنه عمرا قد أسر في ثغر الري، قريب طهران، الآن الحالية، وكانت هناك اشتباكات مع الديالمة، فأسر ابن هذا، الأسر: إما أن يفتدى وإما أحيانا يقتل، وغالبا ما يقبلون الفدية لأنها بالتالي تؤمن لهم مالا. فقال الإمام الحسين (ع)، لأبيه بشر، وكان من أنصاره، وهو فيما بعد من شهداء كربلاء،  قال له: خذ هذا، وأعطاه حللا بما يعادل 1000 دينار، يعني 1000 دينار ذهب بمقاييس هذا الزمان، حلل، بالتالي كثيرة، ومتنوعة، وجيدة، اذهب وافتد بها ابنك، هو رفض، قال: أنا ما أترك المكان هنا، فقال الإمام الحسين: دع ابنك. عنده ابن خر اسمه محمد، قله: خل ياخذ هذا ويروح يستنقذ ابنه. 

فالإمام الحسين (ع)بناء عل هذه الفكرة، من جهة كان الأولى بها، بل الوالي عليها دون يزيد، ومن جهة أخرى: مصرفها كان في إنقاذ رجل من المسلمين كان في أسر الكافرين، ولو ذهبت هذه الأموال إلى يزيد لصارت تحت أرجل الجواري، وبين كاسات المشروب. 

على أي حال، سواء قلنا أن هذه الرواية غير تامة، نحن في غنى عن توجيهها، ولو فرضنا أن الرواية صحيحة فتوجيهها بما ذكرنا. 

الإمام الحسين (ع) تجاوز التنعيم، وصل إلى منطقة اسمها الصفاح، طبعا احنا ما نقدر الحين نتعرض إلى كل المنازل، وإلا تأخذ الأيام العشرة، 28 منزلا، وكل منزل فيه كلام وفيه حديث. وصل إلى منطقة اسمها الصفاح.

في الصفاح، التقى بالفرزدق بن غالب الشاعر المعروف، صاحب القصيدة في الإمام زين العابدين (ع): هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم. الرواية ينقلها نفسه الفرزدق: يقول: كنت قادما من البصرة إلى الحج مع أمي، فرأينا الحسين بن علي، فجئت إليه، فسألني من الرجل، قلت له: أنا من العرب، يقول: فلا والله ما فتشني أكثر من ذلك، ما سألني أكثر من هذا عن شخصيتي، وهذا فيه تعليم. أحيانا انت تركب وي واحد، مشوار 5 دقايق، يريد يعرفك ويعرف والدتك، ووالدك، وزوجتك، وأسماء أبناءك، وأسماء بناتك، ومواقفك السياسية، وتقلد منهو، ويرتب عليها أثر أيضا، يعني من الممكن، يريد يحددك حتى إما يقاطعك وإما يستمر وياك، على شنو يابا؟!

يقول: فلا والله ما فتشني أكثر من ذلك. أنت تشوف واحد، شالداعي أنك تسأله أنه: أنت شيعي أو سني؟ شالداعي أنت تسأله أنت تقلد منو؟ شالداعي إلى أن تسأله رأيك في فلان واحد ماذا وفي فلتان ماذا؟ كثير ما يكون هناك محاولة لتحديد هالشخص شنو حتى بناء عليه إما أقاطعه وأتجهم في وجهه، وإما لا، يكفيك منه ما اكتفى الحسين (ع) من الفرزدق.

الفرزدق ذاك الوقت، يمكن عمره حدود 23 سنة، بناء على أن ولادته سنة 37 هجرية، كما هو المشهور، بعد ذلك سأله: كيف تركت الناس؟ قال: كذا، سيوفهم عليك، وقلوبهم معك. يذكرون أن هناك لقائين للحسين (ع) بالفرزدق، في ذهابه إلى الحج، وفي انتهائه من الحج. طيب، لكن المشهور أنه التقى به مرة واحدة. يقول: ثم سألته عن شيء من المناسك، ثم مضى ومضيت. 

هنا، يبقى سؤال: أنه كيف أن الفرزدق مثلا لم يعرب عن رغبته بالالتحاق بالإمام الحسن (ع)، وكان يعني هذا أمر مو صعب، لا أقل إعراب من الناحية اللفظية، أو أن يعرف نفسه إله، أنه أنا فلان الفرزدق بن غالب، من شيعتكم، شمعنى أخفى شخصيته. 

ثم ما هو الفرزدق هذا، كيف تقييمه؟ هناك عدة آراء أشير إليه سريعا الآن، هناك رأي سلبي جدا تجاه الفرزدق، يذهب إليه باحثون من غير الشيعة، بل بعض الباحثين أيضا من الشيعة: أنه أساسا الفرزدق لم يكن شيعيا، بحسب هذا التصنيف، ولم يعرف له -بناء على هذه الفكرة - أي موقف في تاريخه الذي امتد حدود 73 سنة، لأن وفاته كانت بثلاثة وسبعين أو حواليها، ووفاته كانت في سنة 110، فلم يعرف عنه موقف مهم في قضية التشيع أو نصرة الأئمة، أو كونه مع المعصومين،إلا قضية هذه القصيدة التي قالها في حق الإمام زين العابدين (ع)، في زمان عبد الملك بن مروان، وإلا في زمان الإمام الحسن، ما كان إله دور واضح، في زمان الإمام الحسين ما كان إله دور واضح، في زمان الإمام الباقر، إلى زمان الإمام الباقر، اللي بعده لم يلحق بإمامة الإمام الصادق، فما إله دور واضح، فكيف تحسبه إنسانا شيعيا، الشيعية هي بالمواقف. هذا رأي. بل يضيف هؤلاء أكثر إلى أنه  لم يكن معروفا بالحالة القيمية والأخلاقية العالية، تنقل عنه قصص، هالسا قد يكون قسم منها غير صحيح، لكنها لا تشير إلى مناقب، هو اسمه الفرزدق فرزد، هالسا هذا الشيء بالشيء يذكر، يقول: رغيف اللي مكور ومفش هالشكل، عادة يصنعه، تصنعه النساء في البيوت، شلون الآن التميز الأفغاني اللي يسمونه، هالشكل شيء مدور وضخم ، ملحوم وفيه هذه المرتفعات، هذا يسمى فرزدق، وفرزدقة. طيب. هذا الفرزدق، يقول لك: هذا الرأي الأول فيه.

الرأي الثاني: أنه لا، الرجل كان عنده موقف، ومدح الإمام زين العابدين (ع) في ذلك المكان المعروف، أمام هشام بن عبدالمالك، اللي كان  ولي العهد في ذاك الوقت، والإمام السجاد أرسل إليه بمبالغمالية وأراد أن يردها لكن الإمام قال له: بحقي عليك إلا قبلتها فإن الله قد عرف نيتك ومكانك، طيب، وهذا مدح وثناء عليه. هذا الرأي الثاني، يقول لك: رجل طيب، ضمن الدائرة الشيعية، وإنسان الكلام اللي قاله في هذه القصيدة كلام عالي وعقائد مستقيمة. 

الرأي الثالث، ولعله الرأي الأوفق، أنه الفرزدق لم يكن شاعرا على مستوى دعبل الخزاعي، أكو قسم من الشعراء، الشعر جزء من جهاده، الشعر جزء من شخصيته، من مواقفه، دعبل يقول: إني أحمل خشبتي على ظهري 40 سنة، لا أجد من يصلبني عليها. يعني أن إنسان الكلمة مالتي موقف، القصيدة مالتي تعبر عن أنني ضد هؤلاء الظلمة، ومع هؤلاء الأولياء والأئمة، وحاضر أتحمل هاي مسؤوليتها. وهناك قسم من الشعراء ليسوا هكذا، هذا إنتاج لا يتعقب موقفا مهما، وبهذا المعنى كان الفرزدق ضمن الدائرة الشيعية، إعجابه بأهل البيت (ع)، محبته لهم، موقفه هذا يقدر، لكن لم يكن من طبقة الأصحاب، أصحاب المواقف، أصحاب القوة في العمل، وإنما شاعر أعرب عن موقف شعري جميل ونبيل، ولا نجد له غير هذا مواقف مهمة في تاريخه. شنو عند الله؟ قد يكون مثل كما يقول الإمام السجاد (ع): لقد عرف الله مقامك، أو مكانك ونيتك. وقد تكون هذه القصيدة طريق نجاة إله، ولكن غير هذا الأمر نحن لا نجد في تاريخه شيئا مهما واستثنائيا. 

بعضهم يقول: أن هذا قال له الإمام علي (ع)، لازم يحفظ القرآن حتى يصير شاعر كبير، يبدو أن هذه الفكرة ليست تامة. إذا تم ما هو المشهور من أنه ولد سنة 37 هجرية،  فمثل هذه الرواية ل يمكن أن تصدق، لأن الإمام أمير المؤمنين، في سنة 40، استشهد، وهذا عمره ذاك الوقت ثلاث سنوات، كيف يقول أبوه: إن ابني لشاعر، فقله الإمام: إذن ألزمه بحفظ القرآن. متى صار؟ متى لحق يصير شاعر وعمره ثلاث سنوات؟! هذا بناء على أن ولادته كانت في سنة 37 للهجرة، كما هو المشهور. على أي حال، هذه فد إلماعة حول الفرزدق، واللي تفيدنا فائدة: أن الإنسان تحسب شخصيته ضمن مواقفه، الحر بن يزيد الرياحي اللي جعله الحر هو موقفه في كربلاء، وأمثال هؤلاء نفس الشيء، قد يكون تاريخه ما كان ذاك التاريخ البديع ولكن موقف تحمله شهادة ووقف موقف صدق، جعله في الدرجة الأولى من الشهداء. 

تجاوز الإمام (ع) هذه المنطقة واستمروا فيها إلى أن وصلوا إلى منطقة زرود، زرود فيها حادثان من الحوادث المهمة. الحادث الأول: لقاء الإمام الحسين (ع) بزهير بن القين، والحادث الثاني: وصول خبر شهادة مسلم بن عقيل. 

بالنسبة إلى الأمر الأول،  زهير بن القين، الواضح أن دوره بعد التحاقه بالإمام الحسين، كان دورا متميزا، يعني يعد من الطبقة الأولى من الأصحاب غير الهاشميين، الطبقة الأولى، يعني على غرار حبيب ومن شابه، كان زهير بن القين. 

زهير في ذاك الوقت لعل عمره حدود 50 سنة، ببعض التقريبات،. أكو فكرة أحيانا تتردد، وربما وجدت في  الكتب وربما رددها مثلا أمثالي من الخطباء، بس تحتاج إلى توقف وتأمل، وهي: أنه أن زهير بن القين، هل كان عثماني الهوى، أو لا؟ 

تعبير: عثماني الهوى، كان تخفيفا لفكرة أموي الهوى. يعني كان هناك من يكون علوي المسلك، ومن يكون أموي المسلك، كانوا يقولون عثمانيا. حتى الجاحظ لما أراد أن يكتب في الافتخار، ما هو ضد العلويين، ذكر في مدح العثمانية بما يشمل بني أمية. 

فلما تقول واحد، عثماني الهوى، يعني كان أموي المواقف ليس علويا. هل كان زهير بن القين هكذا أم لا؟ بعض الباحثين ومن صاحب كتاب الركب الحسيني: من المدينة إلى المدينة، وهو كتاب قيم، في خمسة أجزاء، من أراد أن يطالع في السيرة، يمكن أن يقتني هذا الكتاب النافع، الشيخ محمد رضا الطبسي وإخوانه. كتبوا هذا الكتاب. 

في هذا الكتب، يذكرون أمورا: وهي حرية بالاهتمام، قالوا: أولا، الذي ذكر رواية عثمانية زهير إنما هو الطبري. الطبري أيضا روايته هذه بالذات، رواية ضعيفة، فإذن ما عندنا أي مصدر يثبت هذال الأمر. الوحيد الذي نقل هذا الوصف عنه هو الطبري، رواية الطبري أيضا ضعيفة، إذن ما عندنا مصدر يثبت هذا الأمر، هذا واحد. 

ثانيا: لا يوجد أي قرينة تشير إلى أن مواقفه مثلا كانت عثمانية، شيء قاله ضد أهل البيت، شيء عملهضد أهل البيت، شيء سواه مؤيد للأمويين.لا يوجد في تاريخه. فمن أين جاءت هذه الصفة. بل يوجد شيء مخالف لها. وذلك: أنه يعرف قضية كربلاء، وأخبر عنها، منذ أكثر من 30 سنة، من كان عمره حدود 20، 19، 21، سنة، كان في هذا الإطار. فإنه ينقل: نفس زهير بن القين يتحدث، يقول: فلما انضم إلى الإمام الحسين (ع)، بدأ يتحدث فقال: غزونا بلنجر، بلنجر منطقة في إيران، قريبة من همدان، غزونا بلنجر مع سلمان الفارسي أي المحمدي، صلوا على محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد.. ففتح الله علينا، ، القيادة كانت بيد سلمان، وهذه بين قوسين تشير إلى فكرة أن شيعة أهل البيت (ع) ما كانوا سلبيين في أمر نشر الإسلام. يعني إذا واحد يتبع، قسم غير قليل من الأسماء، ، التي تم نشر الإسلام من خلال الفتوحات، مع وجود ملاحظة على هذا الأمر. إلا أن هناك دور غير خفي، لشيعة أمير المؤمنين (ع)، ومن هذا الحديث عن سلمان. 

سلمان يقول: لما غزونا ففتح الله علينا، ففرحنا فرحا شديدا، كيفنا أنه احنا انتصرنا وفتحنا، فقال لنا سلمان: أفرحتم بما أفاء الله عليكم؟ قلنا: بلى. قال: فكونوا أشد فرحا إذا لقيتم آل محمد في كربلاء. اللهم صل على محمد وآل محمد. 

إذا صرتوا في كربلاء والتقيتوا بل رسول الله (ص)، كونوا أشد فرحا بكونكم معهم، من كونكم الآن، في مثل هذا البعث. فكان يقول هذا، بنوع من الافتخار، وأنه في ذاك الوقت فتح بلنجر، كان سنة 32، هجرية، من ذاك الوقت هو كان عنده خبر عن قضية كربلاء، وترغيب من قبل سلمان. 

أكثر من هذا أيضا، ما نقله بعض المؤرخين، من أن زهير، تحدث مع أبي الفضل العباس، ليلة العاشر، عن قضية زواج أمير المؤمنين بأم البنين، وإذا صح هذا الخبر، أن زهير تحدث مع العباس، عن زواج أبيه بأمه. بزواج علي بأم  البنين. فهذا يعني أن عنده اطلاع أكثر تفصيلي على داخل البيت العلوي. كيف الإمام  راح وطلب من عقيل، وشنو قال إله، وعقيل وين راح، هذه أمور عادة لا يطلع عليها إلا القريبون من العائلة، أي أسرة هالشكل. فهذا يبين أنه مو بس ما كان عثماني الهوى، وإنما أكثر من ذلك، كان عارفا بدواخل الأسرة العلوية. ولذلك يستبعد هؤلاء الباحثون وأظنه هو الحق أن زهيرا كان على خلاف هذا المنهج، والتحق بالإمام وصار واحد من المبرزين. بل يشير إلى ذلك أيضا، حتى زوجة زهير وهي دلهم، كانت ضمن محيط التشيع حيث قال لزهير بعد ما قال لها: انطلقي إلى أهلك، فلا أريد أن ينالك مكروه بسببي. روحي ارجعي إلى الكوفة خلاص. قالت له: اذكرني عند جد الحسين. وهذا يشير إلى أن الأسرة أسرة عارفة بهذا المعنى. 

الخبر الآخر هو قضية مسلم بن عقيل.المؤرخون ينقلون أن الإمام الحسين رأى رجلين أسديين، فجاء إليه،إلى خيمته في زرود، وسألهم: من أين قدمتما؟ قالا: من الكوفة. قال: وما خبر الكوفة؟ فقالوا  له: نخبرك وحدك. فالتفت شاف الحضور بنو هاشم وأصحابه، فقال: ليس دون هؤلاء، سر. تحدثوا. قالوا: ما خرجنا من الكوف حتى رأينا مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة. 

طبعا حل جو من الحزن والبكاء، ودعا الإمام (ع)، فيما بعد، حميدة، أو حميدة، بنت مسلم بن عقيل، وهي ابنة أخته رقية. هو يصير خالها الإمام الحسين وأخذها وضمها إلى صدره، وأغدق عليها من الحنان، هنا يقول بعض المؤرخين: وهو كلام غير صحيح، أن الحسين عندئذ عزم على أن يتراجع، عن دخول الكوفة وعن المسير. لكن آل عقيل رفضوا ذلك وقالوا لا بد أن نمضي حتى نأخذ بثار مسلم، فالإمام راح معاهم. هذا الكلام كلام ناشئ من أن قسما من المؤرخين، لم يلتفتوا إلى طريقة الإمام الحسين، في أجوبته، وقد ذكرنا في وقت سابق هذا المعنى على سبيل الإشارة. الإمام الحسين (ع) تعددت أجوبته بحسب استيعاب وتعقل المخاطبين، وهذا من الحكمة. 

الآن إذا جاءك ثلاثة أشخاص، واحد رجل عمره 60 سنة، حكيم، قد عرك التجارب ، وواحد عمره 25 سنة أو 20 سنة، شاب مندفع متحمس، وجاءك حدث عمره 12 سنة، وأنت تريد تتكلم ليهم حول موضوع واحد، كلامك مع الرجل الناضج لا بد أن يختلف عن كلامك مع هذا الشاب، المتحمس، ولا بد أن يختلف عن كلامك مع ذلك الحدث الصغير وإلا تكون مجانبا للحكمة. 


الإمام الحسين (ع)، بعض الناس كان يقول لهم: أنا خرجت من المدينة ومن مكة، لأنني لو لم أخرج لقتلت، الإمام الحسين كان شارد من القتل، هو يقل: "وخير لي مصرع أنا لاقيه"، طيب، لكن هذا الشخص يحتاج إلى جواب من هذا النوع. 

شخص آخر، يقول ل: ليش تطلع من مكة؟ يقول له: لأن أقتل خارج الحرم بذراع، أحب إلي من أن أقتل داخل الحرم بذراع. هذا صار حشي آخر. 

أغدق عليها الحنان، واصل مشواره، باعتبار أن الإمام (ع) كانت ثورته من أجل الإصلاح، كان عارفا أن نهاية مسلم وغير مسلم أيضا هي ضمن هذا الإطار. 

بعدها بمسافة، وإذا بهم يصلون إلى منطقة  قبل ذو حسم، بعد شراف، شراف منطقة تزود فيها الإمام الحسين (ع) بمياه كثيرة، ولا نفهم سببا واضحا لتزوده بالماء من هذه المنطقة بالذات، دون سائر المناطق، إلا ما كان سيحصل، من أن الحسين (ع) سوف يسقي أعداءه الماء، ويسقي الحيوانا الماء، مجسدا في ذلك أعلى صور النب، والمناقب العالية. 

القضية مو قضية حقد شخصي على هؤلاء، حتى أنا أميتهم ظمأ، هذي أخلاقية بني أمية. أخلاقية الحسين (ع) أنه لو استطاع أن ينقذ من في الأرض جميعا، من الخطيئة والضلال لفعل. ما عنده أعداء شخصيين، هو إمامهم، إمام هؤلاء جميعا. 

فلا نفهم شيئا واضحا للإمام الحسين (ع) إلا ما سيحدث فيما بعد، من أن الإمام لما جاء إليه الحر بن يزيد، معه ألف من المقاتلة، قال بأبي وأمي: اسقوا القوم ورشفوا الخيل ترشيفا. 

الإمام الحسين سقى أعداءه الماء، سقى من جاء يقاتله الماء، هذه أخلاقيته وتلك أخلاقيتهم، ونحن في هذا الموقف نوجه نداءنا للحسين، نقول: 

سيدي سقيت عداك الماء منك تحننا بأرض فلاة 

حيث لا يوجد الماء 


فكيف إذا تلقى محبيك في غد 

عطاشى من الأجداث في دهشة جاؤوا 

أعداؤك سقيتهم الماء، المؤمنون هؤلاء، هؤلاء المؤمنات، هؤلاء المؤمنون، إذا جاؤوا في يوم القيامة هاتفين لبيك يا حسين، لبيك يا أبا عبد الله، أتراك آنئذ تكف عنهم الماء، لا والله، سيسقينا ويسقيكم ويسقي المؤمنين أبو عبد الله الحسين كأسا رويا هنيئة لا تعب  بعدها ولا ظمأ بعدها. هذه عقيدتنا ونفد يوم القيامة على هذا الأمر، وهذه أخلاقية الإمام الحسين (ع). 

وصل الحر الرياحي كما تعلمون، الحر لم تكن لديه عنجهية  القادة، وهذا اللي نجاه، والإمام الحسين أيضا من هذه الجهة، ما دعي رسول الله وما دعي آل رسول الله، إلى خطة فيها الرفق إلا وقدموها، على خطة الخرق. 

إجا الحر الرياحي، الإمام الحسين استقبله وجيشه ذاك الاستقبال، الحر قال له: أنا مأمور ، هذا أصل مأموريتي آخذك إلى الكوفة مغفور، لكن هذا ما أسويه، أن أنت تدخل الكوفة ما تدخل، ترجع إلى المدينة ما يصير، فسوي إلك طريق، خذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة

الإمام الحسين (ع)، مع أنه كان يرى أن هذا الرجل باغ على إمام زمانه، لكن مع ذلك قبل هذا الأمر. قبل ذا الأمر. وقال: بلى، ناخذ هذا الطريق. 

الإمام الحسين كما قلنا وأهل البيت (ع) لم يكونوا كبعض الناس يعبدون العناد، وإنما كانوا يرن ما فيه رضا الله سبحانه وتعالى، وما فيه رفق بمن هو معهم، لذلك الإمام الحسين قال: بلى. الآن خل ياخذ طريق، من يعرف الطريق على غير الجادة، مو الطريق الأصلي، مو الطريق المعبد، مو الطريق الجيد، ،طريق آخر ولكن يتوافق مع الرفق. 

هنا وصل الطرماح بن عدي وعمر خالد الصيداوي. الطرماح هل هو شهيد كربلاء؟ الرأي الراجح: لا. هل هو جريح كربلاء، كما قال  صاحب المستدرك النورd رحمه الله،؟ أيضا الرأي الراجح أنه: لا. الراجح هو أنه كان عازما وكانت نيته أن ينصر الحسين ولكنه كان على طريقة الآن شايف مثلا إنسان، عنده شاحنة فيها مؤونة، فيها ميرة، إلى أهله، لازم يوصلها، فقله أنا أروح أوصل الميرة إلى طي، ولك علي أن لا أنزل، وأرجع. وبالفعل، سوا هكذا، ولكن لما وصل إلى بعض الطريق، سمعي نعي الحسين سلام الله عليه. فلم يدرك المعركة، ولم يصبح من شهداء كربلاءK على ما هو الراجح من الرأي. 

خلص هذا الطرماح وسار الإمام الحسين (ع) بعد ذلك لكي يصلوا إلى قريب نينوى. نينوى، النواويس، كربلاء، هذه مناطق متعددة يفصلها مسافات قصيرة جدا، بين نينوى وبين الطف أو كربلاء، قالوا حوالي، كيلو متر ونصف أو في هالحدود تقريبا، بس وصل الإمام الحسين (ع)، إلى نينوى، أحيانا يصير الوصول ليلا، ويحتاج الركب إلى الاسترخاء، إلى الراحة، إلى النوم، بالتالي هؤلاء عوائل، أطفال، وغير ذل، لذلك وصل الإمام الحسين (ع) إما في أول محرم إلى نينوى، أو قبله بيوم، اللي كان خر ذي الحجة، وكان شهرا ناقصا فيما قال بعض الباحثين، لكي تبدأ مرحلة أخرى في اليوم التالي، عندما سيدخلون في كربلاء، ونتحدث عنها إن شاء الله. 

 


مرات العرض: 3399
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 53844.94 KB
تشغيل:

11 المجتمع بين الرحمة  الذاهبة والقسوة الغالبة
2 يوميات الحسين في كربلاء