ارتكاب الظلم من كبائر الذنوب
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/9/1433 هـ
تعريف:

 

ارتكاب الظلم من كبائر الذنوب

 

كتابة الأخت الفاضلة رائدة العبيدي

قال تعالى : (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (الآية 44 سورة الأعراف

حديثنا يتناول أحد الذنوب الكبيرة وهو ممارسة الظلم .

فماهو الظلم ؟

الظلم من الذنوب التي تحدث عنها القرآن الكريم متوعدا فاعلها بدخول النار ، وفي آيات أخر وصفه بأنه ملعون ومطرود من رحمة الله عزوجل . وهذا من المقاييس التي ذكرناها فيما سبق عند الحديث عن مقاييس معرفة الكبيرة من الصغيرة من الذنوب.

وقلنا هناك أن الذنب الذي يتوعد فاعله من قبل الله عزوجل في القرآن بالنار يعني أن ذلك الذنب من كبائر الذنوب وكذلك أيضا لو وصفه مقرونا باللعنة وكلا الأمرين تحققا بالنسبة إلى الظلم والظالم .

ففي القرآن الكريم كثيرا مانجد الوعيد بالنار ويعقب ذلك بقوله : ( وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) الأعراف 41– وقوله : (وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ) الحشر 17 – وقال :( إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ) المائدة 29.

بل أكثر من هذا في الآية التي تسبق هذه الآية المباركة في سورة الأعراف نجد توصيفا لهؤلاء اللذين سيلعنهم المؤذن الالهي – (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) الاعراف 41

ثم يستمر في الحديث ليقول : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) الأعراف 44

كلامنا هذه في الآية اللتي سبقت حسب التعبير، الظالم يكون في نار جهنم مثل الشطيرة عندما تدخلها في السخان من فوقها غاشية من نار ومن تحتها مهاد من لهب وهو في الوسط يكبس بينهما.

في هذه الآيه المباركة : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ) مما يفيد أن التواصل بين أهل الجنة وأهل النار قائم في ذلك الزمان مع أن المسافة عظيمة جدا ، لأن الجنة لاحدود لسعتها ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) آل عمران 133 - و هناك أكثر من ذلك.

والنار أيضا لكي تستوعب المجرمين والظالمين لابد أن يكون لها كبر ومساحة ومع ذلك التواصل كأنما الطرفان يشرف كل منها على الآخر ، أهل الجنة يشرفون عليهم من دون أن يتأثروا بأوضاع أهل النار وبالعكس .

نقرأ في آيه أخرى : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) الأعراف50.

يظهر من هذا أن باستطاعتهم أن يتخاطبوا معهم و أن يطلبوا أشياء و يحتمل أنها قد تصل لهم فهذا يبين القرب في التواصل وكذلك في هذا المقام : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ) الأعراف 44.

ثم تأتي التساؤلات والإجابات في ضؤ القرآن الكريم .

ـ ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ) الأنعام160، وجدناه.

ـ (وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) النمل 89 ، الاجابة : وجدناه.

ـ ( قُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، تُفْلِحُوا – ( حديث مرفوع ، الاجابة : وجدناه.

ـ ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) التوبة 111 – الاجابة : وجدنا كل هذه الوعود الإلهية .

وعود الله اللتي صدقناها في الدنيا و عملنا على طبقها، قد لقيناها وجدناها حقاً رؤيا العين (أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ) الأعراف44

فهل أنتم أيضا وجدتم ماوعدكم ربكم حقا؟ هل أنتم أيضا وجدتم نار جهنم ؟ هل أنتم أيضا معذبون؟

ـ ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)) الحاقة 30 - حدثت لكم او لا ؟ لفته جميله هنا – القرآن الكريم يصور لنا حالة أولئك النفر الناريين قالوا : نعم .

هؤلاء أصحاب الجنة حسب التعبير في قمة الراحة ( قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا )

أنتم ماخطبكم ، ماهي أخباركم ، ماذا لديكم ؟

لديهم مجال ليتحدثوا ويتكلموا ويتباهوا بالمكان اللذي هم فيه و يبحثواعن أخبار غيرهم ، لكن ذلك اللذي بالنار ليس لديه القابلية وسعة النفس أن يجيب بأكثر من نعم أولا – قالوا نعم وجدنا ما وعدنا ربنا حقا – ليس لديهم وقت حتى للتعبيرإنا نادمون متأسفون ، لايوجد هذا الكلام فهو يصور الحالة اللتي هم فيها .

وإن كان هناك قسم من أهل الدنيا بنفس الحال تجده حين تسلم عليه مثلا يرد السلام بشكل مزعج يوحي لك بأنه سيضربك ، تقول له صبحك الله بالخير يرد خير ، لماذا ياأخي رد السلام والتحيه بمثلها أو أفضل منها ، هؤلاء يشابهون أولئك ( وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) ، بهذا المقدار نعم فقط وانتهى الحوار .

هنا يجي مؤذن في بعض الروايات ، مؤذن الهي يعلن تلك الكلمة ويبررأن هؤلاء لماذا هم في هذه المكان من النار، وقيل في بعض الروايات أنه أمير المؤمنين عليه السلام اللذ ي هو يستطيع أن يرى أوضاعع أهل الجنة وأهل النار ( َفأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .

هذا المكان الذي هم فيه قرين اللعنة قرين سؤ العاقبه والنتيجة نسأل الله أن يجنبنا هذا المصير وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة.

فالظلم إذن وممارسته يعني ممارسة ذنب من الذنوب الكبيرة التي لو لم يَتُبِ الإنسان ويتدارك أمره فيها يتحقق وعيد الله بالنسبة إليه في دخول النار ( وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ )، هذه قاعدة وهي أمر طبيعي ضمن المقاييس الإعتيادية فالظالمون إلى جهنم .

أنواع الظلم :

فالظلم في القرآن الكريم وفي النصوص الإسلامية المروية عن المعصومين عليهم السلام يمكن أن يلاحظه الإنسان في ثلاثة أقسام تحدث عنها نبنا محمد صلى الله علية وآله وسلم قال : (الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يتركه ) كنز العمال: ٧٥٨٨.

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام : (ألا وإن الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله... وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا ) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦

اذن من أنواع الظلم :

إما الظلم الذي يغفر بإصلاح النفس و إما الظلم الذي لايغفر فهو الشرك بالله .

هنا نجد أن الأمور العقائدية بدئاً من الشرك بالله و الحجود بآيات الله والاستكبار عن الإيمان بالله ومما لايمكن طريقة تغييره ، أن يؤمن الإنسان بالله وأن يخرج من حد الشرك إلى حد التوحيد من حد الإنكار والكفر إلى حد الإعتقاد والإيمان بالله عزوجل ، لايوجد أي شئ آخر يحل له هذه المشكلة مادام هذا الإنسان قد اتخد شريكا لله أو كفر بالله أو جحد آياته لن ينفعه ابدا لا شفاعة ولا الإيتاء بحسنات ولا استغفار.

نحن تكلمنا فيما سبق من الليالي عن ست وسائل لتحصيل العفو الإلهي هذه كلها لاتفيد في أمر الظلم اللذي لايغفره الله وهو الشرك بالله ، هذا الأمر الأول .

القسم الثاني : الظلم المغفور اللذي يمكن أن يغفره الله عزوجل إذا سلك الإنسان الظالم لنفسه أحد الوسائل اللتي تحدثنا عنها.

ظلم الإنسان لنفسه بترك بعض الواجبات الإلهيه أو بارتكاب بعض المحرمات الالهيه ذات الحق الالهي فقط.

الصلاة مثلا : يتركها أحدهم عن تهاون وليس عن انكار ولا جحود ، إنما عن فسق.

أن يشرب الخمر مثلا غير مستحل لها ، و ليس باعتقاده أن يقول لايوجد نبي ولا قرآن ولا كذا وكل شئ حلال زلال حسب رأيه .

هذا الانسان يكون منكر لما ثبت من الدين ضرورة وهو عالم بذلك بحسب الفرض ، فينتقل بحسب الحكم الأول إلى منزلة الكافر والجاحد بآيات الله. يشرب الخمر عن فسق ويمارس الأعمال المحرمة عن ضعف ارادة ، هذا من الممكن أن يغفر الله ذنبه لأن ظلمه على نفسه .

جاء احدهم للامام زين العابدين فقال له: ياسيدي عظني بموعظه فأجابة أن ليس لدي ما أعظك به ، قال له عظني ولو بكلمة قال : (اذا استطعت أن لاتؤذي أحب الناس إليك فافعل ) فتعجب السائل وسأله ماتعني؟ قال هي نفسك اللتي بين جنبيك.

هذه أحب الاشياء إليك ، فإذا أنت ارتكبت عذاب أو معصيه فالعذاب لا يحل على أحد آخر ، العذاب سيحل عليك أنت.

الإنسان عادة يؤذي عدوه ومن علاقته به بعيده أو بسيطه أما أحب الناس إليه فلن يذهب و يؤذيه ، فأنت إن آذيت فقد آذيت نفسك وعذبتها وهي أحبها وأعزها وأقربها إليك يعني لا تؤذي نفسك بالمعصيه .

هذه من الذنوب المغفورة بمعنى يمكن أن يغفرها عزوجل إذا توجه الإنسان بإصلاح حال نفسه .

ماهو الظلم والذنب اللذي لايترك و ما عقابه؟

و هناك ذنب و ظلم لايترك ، وهو ظلم العباد لبعضهم البعض. شخص يظلم الآخرين ، وهو الأكثر شيوعا من شرب الخمر ومن الزنا ومن سائر الأفعال اللتي هي محرمة.

أحيانا نجده من داخل الأسرة عندما يأتي الإخوة على سبيل المثال وهم أقرب الناس نسبا وعلاقة بالإنسان يأتون فيظلمون أخواتهن بمنعهن من الميراث .

الأخ أو الإخوان يجتمعون على أساس حجب الميراث عن هذه الأخت ، إما بزعمهم لماذا تأخد هذه الأخت الإرث و تعطيه لواحد آخر قد يكون الزوج أو الابناء وهم من عائلة أخرى أو لانها لاتحتاج للمال ماذا تصنع به أو غيرها من الأسباب.

وهذا مع الأسف في بعض المناطق والباداية المتأثرة بالأعراف أكثر من غيرها وهي حالة جاهلية أن المرأة لاتدفع ولا تنفع فلماذا تأخد مال أبيها ، فلنحرمها منه و هذا ظلم و هو ظلم لايترك.

نحن نجد أن يوم القيامة الله كتب على نفسه جملة أشياء منها أنه قسم أن لا يجوزه ظلم ظالم - أي لايعبر. فمثلا يكون هذا الإنسان مصلي ، يزكي ، مسبح ، مستغفر، يصلي الليل ولكنه ظالم لغيره هنا لايمشي ملف حسابه ابدا بسبب ظلمه للآخرين .

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( يؤتى بالعبد يوم القيامة ومعه من الحسنات أمثال الجبال الرواسي، فينادي منادٍ: من كان له على فلان مظلمة فليأخذ؛ فيجيء أناس فيأخذونه من حسناته )

وفي الحديث : ( يُؤْتَى بِالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ : هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ ، فَتَفْرِحُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَدُورَ لَهَا الْحَقُّ عَلَى أَبِيهَا أَوْ عَلَى أَخِيهَا أَوْ عَلَى زَوْجِهَا ، فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا شَاءَ وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا ، فَيَنْصِبُ لِلنَّاسِ ، فَيُنَادِي : هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ مَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ ، فَيَقُولُ : فَنِيَتِ الدُّنْيَا مِنْ أَيْنَ أُوتِيهِمْ حُقُوقَهُمْ ؟ قَالَ : خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ ، فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِقَدْرِ طَلَبَتْهِ ، فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ ، فَفَضَلَ لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ضَاعَفَهَا اللَّهُ لَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا : إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ قَالَ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا قَالَ الْمَلَكُ : فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ ، وَبَقَى لَهُ طَالِبُونَ كَثِيرٌ ، قَالَ : خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ ، ثُمَّ صُكُّوا لَهُ صَكًّا مِنَ النَّارِ *)

وفي حديث آخر: ( وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : قُصَّ لَهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، قَالَ : فَيَقُصُّ لَهُمْ ، حَتَّى لَا تَبْقَى لَهُمْ مِنْ حَسَنَةٍ ، وَيَبْقَى لَهُ طُلَّابٌ كَثِيرٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : خُذْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ بِقَدْرِ ظُلَامَتِهِ إِيَّاهُمْ فَرُدَّهَا عَلَى سَيِّئَاتِهِ ، وَصُكَّ لَهُ صَكًّا إِلَى النَّا وَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَظْلِمُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : قُصَّ لَهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، قَالَ : فَيَقُصُّ لَهُمْ ، حَتَّى لَا تَبْقَى لَهُمْ مِنْ حَسَنَةٍ ، وَيَبْقَى لَهُ طُلَّابٌ كَثِيرٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : خُذْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ بِقَدْرِ ظُلَامَتِهِ إِيَّاهُمْ فَرُدَّهَا عَلَى سَيِّئَاتِهِ ، وَصُكَّ لَهُ صَكًّا إِلَى النَّارِ ( "

اذاً في يوم القيامة عندما يأتي هذا الإنسان وله حسنات أمثال الجبال وينتهي حسابه الإيجابي بعدها ينادى في الحشر أن من كان عليه مظلمه فليأتي ويقتص منه ، هل ظلم أحد منكم فيأتون صفوف ، ويبداء أول شخص ينشر ظلامته ، مثلاً فُصِلَ أحدهم من عمله فصلاً تعسفياً يقال له ماتريد؟ يقول الآن أريد بدل الظلم اللذي لحق بي حسنات فيعطى ، ( ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) سورة التغابن 9.

يعني كل واحد يغبن الثاني ويريد حسنة مقابلها والثالث و غيرهم ، حتى ينتهي. هنا انتهت الحسنات فيضعوا بدلها السيئات على ظهره ، ولايجوز عبد بمظلمه .

على سبيل المثال : لدي عامل أعطيه راتبة متأخر أو اخصم عليه ، أعطيه مسئوليا ت أكثر من طاقته ، هنا لايفيده أنه يصلي أو يسبح وغيرها من الأعمال الصالحة والحسنة ، فلايجوز أن يحل هذا محل هذا .

كتب الله على نفسه أنه لايجوزه عبد بمظلمه ، مهما كان هالإنسان عابد صالح فيلزمه أن يحل مشكلته مع الآخرين .

فالله عزوجل كتب على نفسه العدل ورفع الظلم و لتحقيق العدالة ولأنه المثل الأعلى في العدل فإنه لايجوز مرور الظالم بظلمه ، يقول أنا لا أتدخل في مظالم العباد بل أتركهم يتصافوا فيما بينهم إلا أن يرضى المظلوم ويقتص من الظالم .

لذا عندما تقرأ في الدعاء لا تقول يارب حل لي المشكلة وإنما تقول فارضه يارب – يعني أجعله راضياً عني واعرض عليه من عطاياك أن تدخله الجنة أو ترفع درجاته وحسناته و أن يتركني – ارضه عني بما شئت فإنه لاتضرك الموهبة و لاتنقصك الحسنة .

( وَأَسْأَلُكَ فى مَظالِمِ عِبادِكَ عِنْدي، فَاَيَّما عَبْد مِنْ عَبيدِكَ اَوْ اَمَة مِنْ اِمائِكَ كانَتْ لَهُ قِبَلي مَظْلِمَةٌ ظَلَمْتُها اِيّاهُ، في نَفْسِهِ اَوْ في عِرْضِهِ اَوْ في مالِهِ، اَوْ في اَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، اَوْ غيبَةٌ اغْتَبْتُهُ بِها، اَوْ تَحامُلٌ عَلَيْهِ بِمَيْلٍ اَوْ هَوىً، اَوْ اَنَفَة اَوْ حَمِيَّة اَوْ رِياء اَوْ عَصَبِيَّة. غائِباً كانَ اَوْ شاهِداً، وَحَيّاً كانَ اَوْ مَيِّتاً، فَقَصُرَتْ يَدى وَضاقَ وُسْعى عَنْ رَدِّها اِلَيْهِ وَاْلتَحَلُّلِ مِنْهُ، فَأَسْأَلُكَ يا مَنْ يَمْلِكُ الْحاجاتِ، وَهِىَ مُسْتَجيبَةٌ لِمَشِيَّتِهِ وَمُسْرِعَةٌ اِلى اِرادَتِهِ اَنْ تُصَلِيَّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاَنْ تُرْضِيَهُ عَنّي بِما شِئْتْ، وَتَهَبَ لي مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً، اِنَّهُ لا تَنْقُصُكَ الْمَغْفِرَةُ وَلا تَضُرُّكَ الْمَوْهِبَةُ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ) الصحيفة السجادية – دعاء يوم الإثنين.

الظلم وأثره في المجتمع

ومن الظلم اللذي لايترك وإنما يتابع ظلم العباد لبعضهم البعض ، فعلى سبيل المثال : في داخل الأسرة نجد رجلا يأتي ويتعسف ويظلم – تزوج امرأة كان لديها أموال وصادف أن توفي والدها وهو ثري فحدثته نفسه أنها فرصته الآن أن يبتزها ويستولي على أموالها ، وأخد يعذبها ويضربها و يضطهدها ويسئ إليها إلى أن قالت له إذا لاتحبني طلقني، لماذا تبقيني معك ؟ هنا يقول لها : أطلقك مقابل أن تعطيني مبلغ من المال ، فتعطيه من أجل النجاة بنفسها منه .

وفي الحديث من باب الخلع من كتاب وسائل الشيعة للأملي ذكر فيه أيما رجل اضر بامراءة لتختلع منه وتفدي نفسها فإنه لايشم ريحة الجنة.

الحديث: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ).

هنا نجد أن الخلع له قانون ونظام إسلامي ، فهو يحصل إذا كرهت المرأة زوجها لحد أنها لا تقوم بواجباتها تجاهه ، وأحيانا ربما يكون العارض منها هي كأن تقول أنت إنسان جيد و أخلاقك عالية ولكن قلبي لايميل لك أو أنها تنفر منه ، وهذا حصل في زمان رسول الله صلى الله علية و آله وسلم(  أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أتردين عليه حديقته ، قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة . )

وطلقها تطليقة – يعني طلاق خلعي بائن لارجعت فيه ، إلا إذا غيرت الزوجة رأيها ورجعت في البذل وقبل الزوج ، لأن الاشكال ليس من جهة الزوج وإنما من جهة المرأة فهي لاتريد الإستمرار في الحياة الزوجية وأن يكون حد الكراه بهذا المقدار اللذي تقول فيه الزوجة إنها لاتستطيع أن تقوم بواجباتها المفروضة عليها والواجبة عليها شرعا تجاهه أي وصلت لحد كراهته هنا يقع الخلع.

ولابد أن نوضح أنه ليس في حالة اختلاف في الرأي أو كلمة مني ومنها حصل خلع ، هذا لايصح .

ومن باب طرائف قضايا الخلع والتي توضح المعنى لكم ماحصل بمصر – حيث أتت إحداهن للقاضي تطلب الخلع من زوجها وعند سؤال القاضي لها عن السبب قالت لأنني انا أؤيد فلان وهو يؤيدي آخرهنا لايجوزالخلع بمثل هذه الأمور.

أو أن تقول أنا لا أنسجم معه فكريا فهو غير مثقف أو تقول أنه عصبي أو مزاجي فهذا غير شرعي.

أما أن يصبح تعسفاً في استعمال هذا الحق مثلا أنا اشجع فريق رياضي وهو يشجع فريق آخر ، واستخدمت قوة المحكمة لانتزاع هذا الحق فهذه ظالمة لنفسها ظالمة لزوجها و هوغير صحيح شرعا .

يصبح الخلع حقا مشروعا إذا وصل الحال إلى حد الكره اللذي لاتطيقه ولا تقوم بحقوقه وحدود الله معه وتقوم بواجبها الشرعي تجاهه هنا يحصل الخلع وهو طلاق بائن ، أما اذا وصل لحد ظلم الزوج لزوجته هنا يعاقبه الله عزوجل على ظلمه .

وهناك موارد اخرى للظلم ، مثال عندي مبلغ مليون ريال استدنته من أحدهم ولم أرده له و أنا غير مطلوب بشئ وعندي امكانيته ومع ذلك فأنا لم أعطه حقه فهذا ظلم.

عندي عامل تحت يدي أخرت عليه المال وماطلته في راتبه وحقه فهذا ظلم في حق ذلك الطرف ، لذا وجب على الانسان أن يحتاط لنفسه.

ومن أسؤ أنواع الظلم - الظلم السياسي ، ظلم السلطان لرعينه ، هذا ظلم اللذي يتحدث عنه الباقرعليه السلام فيقول: إن والده الإمام زين العابدين(ع) أوصاه و قال : ( أوصاني أبي الحسين بما أوصاه أبوه عند وفاته قال: يا بني ، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله ).

يقول أنا حاكم لدي القدرة والقوة و السجن و القتل ، تخضع لي الرقاب اضطهدك أعاقبك أفعل ما أشاء ،هذه من الذنوب اللتي تعجل النقم.

في دعاء كميل نقرأ : ( اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ ) – ماتلك الذنوب ؟

هي ظلم الضعيف اللذي لايجد ناصراً غير الله عزوجل.

الظلم و نظرية السجن الإصلاحي

هناك بعض المشاهد مثلا شاب اعتقل وزوجته حامل وكبر ابنه وتزوج ولم يره ولم يحضر زواجه ،هل هناك ظلم أكثر من هذا ؟

نجد هنا أن هناك جهة استخدمت الظلم في ما لا يرضي الله ، فكم هوالألم الذي تحمله هذا السجين أو الأهل لإنتظار خروجه ، فهل يوجد أكثر من هذا الظلم .

هل هذا هو الطريق الصحيح لبقاء المجتماعات وبقاء الانظمة ؟ قطعا لا ،لأن هذا الظلم ينتج عنه ردود فعل ، ينتج عنه مقاومة أو تطرف في بعض الأحيان ، لذا جعل الظلم ظلمات يوم القيامة وسبب لإنهيار المجتمعات فالحكم يبقى مع الكفر ولايبقى مع الظلم.

في زمان رسول الله لم يسمع عن شئ اسمه سجن ، وفي زمان أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه بنى سجن من قصب يسجن فيه المعاقب لمدة خمس أيام الغرض منه للتهذيب وليس الإنتقام وتضييع حياة الناس وتدمير مستقبلهم وصنع العقد النفسية في قلوبهم.

نلاحظ أن لفظة السجن كمؤسسة عقابية وكعقوبة قد وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف في ثمانية مواضع، والسجن كعقوبة وإن عرف في زمان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أنه لم يكن هناك مكان يحبس فيه الشخص المجرم، فكان الحبس يتم إما بساحة المسجد النبوي أو في الدهاليز أو في البيوت، وجدير بالذكر أن السجن لم يكن سوى عقوبة من نوع التعازير وليست من نوع الحدود أو القصاص أو الديات.

وحينما تولى الإمام علي (ع) الخلافة اهتم بالسجن أيَّما اهتمام فبنى سجناً في الكوفة من قصب وسماه (نافعاً) ، ثم بنى سجناً آخر من مدر وسماه (مخيساً). وتلاحظ النزعة الإصلاحية لهذين السجنين من اسميهما - فالسجن الأول اسمه (نافع) والنفع ضد الضرر، أما الثاني فقد سماه (ع) مخيس والتخييس يعني التذليل والتليين والمرونة، هذا من حيث الاسم، أما من حيث المعاملة العقابية فقد عمد الإمام (ع) إلى وضع قواعد خاصة في معاملة المسجونين ترمي إلى الحفاظ على كرامة الإنسان بما هو إنسان أولاً وكونه مسلماً ثانياً.

لذا كان أمر الظلم عظيماً جداًعلى مستوى التحذير وجزائهم نار جهنم وأن الله يلعنهم ولايعفى عنهم ولاينبغي معونتهم كما سنتحدث في وقت لاحق ، بل لحد أنه وصل الأمر في بعض التشريعات االدينية أن مجاورة الظلم بؤس وشقاء وعلة في النفس ، للحد اللذي يفضل عليه الموت كما ذكر في قول الإمام الحسين عليه السلام حين قال : ( وإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.).

نسأل الله أن لايجعلنا من الظالمين.

 

مرات العرض: 3471
المدة: 00:49:29
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2581) حجم الملف: 16.9 MB
تشغيل:

الكذب خلل العقيدة والأخلاق والعلاقات
متى تكون إعانة الظالم محرمة ؟