× اهتمامات المرحوم محمد تقي آل سيف :

 * الشيخ حسن موسى الصفار :

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

حين نستعرض اهتمامات الحاج محمد تقي آل سيف رحمه الله ونقرأ شخصيته ضمن عصره وضمن الشريحة التي ينتمي إليها، نجد أنه من الظواهر الفريدة المتميزة في مجتمعنا القطيفي.

فهو ينتمي إلى شريحة رجال الأعمال، وإلى الوسط الديني التقليدي، حيث كان الركود والجمود سائدًا في تلك الأجواء، ولم يكن هناك فاعلية وحراك اجتماعي.

لكن الحاج محمد تقي تجاوز باهتماماته سقف شريحته ووسطه الديني، وكان يقوم بأدوار نوعية متميزة، ويبشر بأفكار واهتمامات لم تكن متداولة آنذاك.

وأحاول من خلال هذه السطور المتواضعة الإشارة إلى بعض اهتماماته وتوجهاته، وفاءً لذكراه، وأداءً لبعض حقه، ومساهمة في توثيق هذه الحقبة من تاريخ مجتمع المنطقة.

الدعوة إلى العمل والتحرك:

كان الجمود والركود هو الحالة السائدة في الوسط الديني الاجتماعي، وكانت تعززه مجموعة هائلة من الأفكار السلبية التبريرية. كالفهم الخطأ لفكرة انتظار الفرج، والتزام التقية، والتحلي بالصبر، والابتعاد عن السياسة، وأن الله كتب على المؤمنين أن يكونوا مظلومين مستضعفين، واختيار الانكفاء والانطواء حذرًا من حب السمعة والبروز، والتشكيك في جدوائية التحرك، وعدم إلقاء النفس في التهلكة، وأن شروط وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير متوفرة.. إلى ما هنالك من الأفكار السلبية، التي تشكل عائقًا ذاتيًا، يشلّ الحركة، ويبرر التقاعس، ويقمع أي توجه للفاعلية.

إلى جانب ذلك هناك منظومة من الأعراف والتقاليد تحمي نفوذ القوى التقليدية في المجتمع، فلا مجال للتحرك إلا بإذنهم وتحت سقف هيمنتهم، وأي تجاوز لهم يُنظر إليه بشك وريب، ويواجه بمقاطعة وحصار.

في هذا الوسط كان الحاج محمد تقي آل سيف داعية تمرد على هذا الوضع، وكان يصرخ عاليًا ضد الركود والجمود، ويدفع باتجاه الحركة والنشاط.

لم يكن خطيبًا ولا كاتبًا ليوظّف منبره وقلمه في الدعوة إلى الفاعلية، لكنه كان دائم الحديث في مجالسه ولقاءاته حول هذا الموضوع. وكان حريصًا على جمع المعلومات وحفظ القصص والأحداث التي يستشهد بها في مجالسه لتأكيد ضرورة العمل والتحرك، وللتنديد بحالة الجمود والتقاعس، وكثيرًا ما يتكئ في حديثه على ذكر نماذج من عمل الآخرين وفاعليتهم، من أتباع الديانات والمذاهب والتيارات الأخرى، ليرسم أمام مستمعيه سؤاله العريض: لماذا لا نعمل كالآخرين؟

من جانب آخر فإنه يتحدث عن سوء الواقع الاجتماعي، وخطورة التحديات التي تواجه الحالة الدينية، ليستثير الغيرة الدينية في النفوس.

كما يشيد بدور المؤمنين العاملين في الساحات الأخرى، وينقل قصص وأخبار العلماء المصلحين، والفعاليات الاجتماعية في البلدان الأخرى.

وكان أكثر ما يكون جرأة في طرحه هذا أمام المراجع والعلماء، حيث يحملهم القسط الأكبر من المسؤولية، وخاصة حينما يزور بلدًا ويرى ضعف الحالة الدينية فيه، فإنه يشدّ الرحال إلى النجف الأشرف، ويلتقي مع المراجع والعلماء ليحدثهم بالتفصيل عن مشاهداته، ويطلب إليهم بإلحاح أن يتحملوا المسؤولية تجاه ذلك.

ويكاد يكون هذا الموضوع هو الهم الحاضر غالبًا في مجلسه الدائم الانعقاد كل ليلة بتاروت.

وما يعطي المصداقية لطرحه هو مبادراته العملية وفق قدراته وإمكاناته للتحرك من أجل خدمة قضايا الدين والمجتمع.

فهو في طليعة وجهاء البلد المهتمين بالتواصل مع الدولة للمطالبة بتلبية حاجات المواطنين واستكمال الخدمات ومشاريع التنمية.

وهو من المبادرين للمساهمة في إقامة المساجد والحسينيات والمؤسسات الدينية والاجتماعية، ومن الداعمين لمختلف الأنشطة الثقافية والدينية.

التواصل مع العاملين ومساندتهم:

كان التصدي وتحمل المسؤولية هو المعيار الأول لديه لتقويم الشخصيات الدينية والاجتماعية ، فأحبهم إلى نفسه وأفضلهم مكانة عنده هو الأكثر تصديًا لقضايا الدين والمجتمع.

إنه يصنف الشخصيات إلى صنفين:

§       صنف يحترمه الناس لانتمائه العائلي، أو لسمعته العلمية، أو لثروته ومنصبه، وهذه المقاييس لا تعني شيئًا مهمًا عند الحاج محمد تقي آل سيف، ولا تجعله مهتمًا بمثل هذه الشخصيات إلا ضمن مقتضيات المجاملة والعلاقات العامة.

§       أما الصنف الآخر فهم الذين يكابدون عناء العمل والتحرك، ويحملون راية الإصلاح والنهوض، ويجاهدون بألسنتهم وأقلامهم وجاههم ومواقفهم لخدمة قضايا الدين والأمة.

هذا الصنف من الرجال هم الذين يبحث عنهم وينجذب إليهم، ويحبهم من أعماق قلبه، ويدعمهم بكل ما أوتي من قوة، ويقف إلى جانبهم فيما يتعرضون له من ضغوط.

وحين يزور أي بلد يفتش عن هؤلاء الأشخاص، ولا تحول بينه وبينهم الشائعات المغرضة، والإشكالات المصطنعة التي عادة ما يثيرها المتقاعسون ضد العاملين المصلحين.

إنه لا يأبه كثيرًا للخلافات والصراعات الدائرة في مختلف الأوساط الدينية والاجتماعية، بل يرى أنها ربما تكون مفتعلة من قبل الأعداء، أو ناتجة عن الحسد وتضارب المصالح.

وكان رحمه الله يسعى لتطويق بعض هذه الخلافات والصراعات، بنقل الصورة الايجابية عن كل طرف للآخر، ودعوة الجميع لحسن الظن، والتبيّن تجاه الشائعات، والحذر من المندسّين الذين يصطادون في الماء العكر.

لذلك كانت شبكة علاقاته مع المراجع والعلماء والشخصيات الفاعلة تجمع الأضداد والمتناقضات، وقد يشد الرحال ويقطع المسافات البعيدة للتعرف على عالم مصلح سمع عن نشاطه، أو للاطلاع على تجربة مؤسسة دينية اجتماعية بلغه خبر عنها.

ويمكن القول أنه كان على صلة وعلاقة بمعظم مراجع الدين والعلماء المتصدين في العراق وإيران ولبنان والهند وباكستان ودول الخليج.

نشر المعرفة والوعي:

كان له اهتمام كبير بنشر الثقافة والوعي، لإدراكه بأن الجهل هو سبب التخلف الأساس، وأن المعرفة والوعي هو طريق النهوض، ورغم أنه لا ينتمي إلى شريحة  المنتجين للمعرفة، كالعلماء والخطباء والمؤلفين، إلا أنه كان يقوم بدور الجسر والوسيط بين مجتمعه وبين مصادر المعرفة والوعي. حيث كان يقوم بدعوة العلماء والخطباء الواعين إلى المنطقة ويستضيفهم، ويهيئ لهم مجالس الخطابة والإرشاد، كما كان يهتم بالمساهمة في طباعة الكتب ودعم نشرها وتوزيعها.

ومن هذا المنطلق كان يشجع على طلب العلم الديني ويتبنى مساعدة الطلبة، وخاصة من أبناء أسرته حيث كان يتكفل باحتياجاتهم، وكان بوده أن يتوجه كل أبنائه لدراسة العلوم الدينية، ودفعهم إلى ذلك، وهيأ لهم كل الأسباب والظروف المساعدة، وقد أقر الله عينه باستمرار بعضهم في هذا الطريق، وتبوأوا رتبة عالية من العلم والفضل، كنجله الفاضل الدكتور توفيق السيف، الذي قطع شوطاً في الدراسات الدينية الحوزوية، ثم واصل دراسته الأكاديمية، وحصل على ماجستير الفلسفة في الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في لندن، وشهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة وستمنستر في لندن، ودراساته وأبحاثه تدل على مستوى علمي رصين.

ونجله الآخر سماحة الشيخ فوزي آل سيف، وهو في الطليعة من فضلاء المنطقة، حيث أنهى دراسة المقدمات والسطوح العالية، وحضر لسنوات بحوث الخارج في الحوزة العملية بقم، ثم آب إلى وطنه ليرعى أول حوزة علمية في القطيف، أستاذًا للدراسات العليا، إلى جانب كونه خطيباً لامعاً، ومؤلفاً قديراً صدرت له مجموعة من الكتب القيمة.

والنجل الثالث سماحة الشيخ محمود آل سيف الذي جمع بين الاهتمام العلمي، والاجتهاد في التبليغ والتواصل مع المؤسسات والأنشطة الدينية في أنحاء مختلفة من العالم، بالتنسيق مع المرجعية الدينية. إضافة إلى خدمة المنبر الحسيني، وتأليف الكتب النافعة.

لقد كان الحاج محمد تقي آل سيف رحمه الله يعيش هم الخدمة للدين والمجتمع طوال حياته، ومنحه الله تعالى التوفيق لإنجاز خدمات كثيرة، وتقديم جهود كبيرة، ومن أجلى مصاديق هذا التوفيق الإلهي، هو ذريته الصالحة، وأبناؤه الأفاضل الذين يحيون ذكره بدورهم الديني ونشاطهم الاجتماعي، وعطائهم العلمي.

والمصداق الآخر هو الوقف الذي خصصه للإنفاق على طلبة العلوم الدينية، ونشر معارف أهل البيت عليهم السلام ، مما يؤكد تمسكه باهتماماته الإصلاحية، وحرصه على خدمتها في حياته وبعد وفاته.

نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يرفع درجاته في الجنة، وأن يوفق أبناؤه الأفاضل لبذل المزيد من الجهود في خدمة الدين والمجتمع.

× الوجيه الحاج محمد تقي آل سيف :

 * الاستاذ عبد العلي آل سيف :

إن ساحل الخليج الشرقي وبالتحديد المنطقة التي تمثلها القطيف بداية القرن الرابع عشر الهجري وحتى منتصفه كانت ثرية برجالها وبإنتاجها من البر ومن البحر, غير فترات كانت تؤرخ أنها سنين حاجة وضيق.
والقطيف من شمالها إلى جنوبها كما حددها الخطي الشاعر(ره):
والخط من صفواء حازوها فما ابقوا بها شبرا إلى الظهران
كانت بها من البيوتات التي كان لها شأن في وسطها الاجتماعي بسبب رصيدها العلمي الممثل في علمائها ودورهم في الشأن العام أو رصيدها الاقتصادي ومكانتها في النشاط الإنتاجي وقتها في البحراللؤلؤ استخراجا وتجارة أو البر من زراعة وتجارة.
آل سيف من تلكم الأسر التي توزعت بين شطري البر بين تاروت والقطيف رصيدها من العلماء الأعلام عبر أجيال غير منكور سواء في شق القطيف أو شق تاروت وكذلك تصدرها في النشاط الاقتصادي لا سيما شق تاروت, إن سمعة الحاج سلمان بن عبد الله آل سيف في القطيف والبحرين والهند كبيرة وكان نشاطه الرئيسي تجارة اللؤلؤ وكان يعينه على ذلك شقيقه الحاج علي بن عبد الله آل سيف, وكان الجانب العلمي والقيادي يتمثل في شقيقهم الثالث العلامة الشيخ منصور آل سيف رحمهم الله جميعا.
لم يطل العمر بالأخ الأكبر الحاج سلمان ففارق الدنيا ولم يدرك الكهولة بعد وحل شقيقه الحاج علي في العمل ووظف فوائد تجارة اللؤلؤة في توسيع ممتلكات الأسرة من النخيل والأراضي الزراعية, التي كانت الوقود لنشاط مترجمنا الحاج محمد تقي رحمه الله.
الحاج محمد تقي كان في أول دخول شركة أرامكوا ( الشركة العربية الأمريكية للزيت ) المنطقة الشرقية للتنقيب وإنتاج الزيت شابا قويا ذكيا طموحا وظف كل ذلك مع السيولة التي هيأها له والده الحاج علي رحمه الله في وضع اللبنات الأولى لنشاطه مع شركة أرامكو, وكانت له ريادة في نشاطات جديدة لم تكن معهودة من قبل.
كان الناس يستوردون حاجاتهم للغذاء من البحرين ومن ذلك الدقيق (طحين الحنطة ) عن طريق البحر وفي سفن بدائية, فأوجد طاحونة ليوفر هذه المادة الغذائية من غير أن تتعرض للتلوث من البحر والنقل – ولعل الحاجة الى هذا الدقيق في عمله كان دافعاآخرلهذا النشاط - وكان موضعها في المدارس في القطيف وكانت تدار بالحيوان لعدم توفر الكهرباء أو آلات ميكانيكية أخرى لإدارة عجلتها.
كان من أوائل من أسس الأفران الحديثة لتلبية حاجات شركة أرامكو من أصناف الخبز الغربية والتي لم تكن معهودة في بيئتنا, وثنى بتجهيز مخبز حديث آخر لعمل منتجات فائقة الجودة مثل (الكيك) في محل مجهز تحت إشراف الشركة وتوجيهها وكان المخبزان في منطقة رحيمة.
كان من أوائل من أدخل زراعة أصناف الخضار التي تحتاجها شركة أرامكولتقديمها إلى عمالها الأجانب وكانت تمثل جزءا من نظامهم الغذائي ولم تكن معهودة من الأصناف التي تزرع في المنطقة من قبل وكان يقوم بذلك تحت إشراف الشركة ومساعدتها الفنية والمادية, واني أحرر هنا واحدة من أفضاله على جميع المزارعين حيث طلب من شركة أرامكو توسيع اشرافها على من يرغب من المزارعين وإمدادهم بالبذور والأسمدة وحتى الآلات الزراعية حسب مساحة كل حيازة والإشراف الزراعي بواسطة مهندسين أجانب في أول الأمر ثم مهندسين سعوديين بعد أن وفرت لهم التعليم اللازم وقد سبقت بهذا النشاط الدولة بعقود. وكان إنتاجه الزراعي يورد للشركة ما تحتاجه ويطرح الباقي للبيع في السوق.
ولا ينسى الناس أول مشروع لتربية الدواجن في أوائل الثمانينات من القرن الهجري المنصرم وهو المشروع الذي أسسه وكان ذلك بتوصية من شركة أرامكو لتزويدها باللحوم والبيض وبتوجيه فني منها وموضعه كان في صفوى.
تعهد بتوفير الكيروسين لجزيرة تاروت كان يحضره في براميل بواسطة السفن إلى مرسى (الزور) ثم ينقله بالحمير ليوفر للناس وسيلة الإنارة والطبخ. ولعله كان يحصل عليه ضمن تعامله مع الشركة وهو المتعاقد معها في توفير خدمات زراعية وغذائية متعددة.
أما الشأن العام والعمل في ما يوفر للبلد القطيف الخير فقد كان مع أعيان القطيف المعاصرين له رحمهم الله جميعا المحرك لجميع ما توفرللقطيف من سبل العيش الكريم في جميع أوجه الحياة التي تمس حياة الانسان وكانت لهم صلات حميمة بجميع المسئولين في المنطقة والرياض يوظفونها في خدمة وطنهم القطيف.
وتاروت لم يكن الشارع الموصل بينها وبين القطيف سيرى النور ليريح الناس من عناء التنقل منها واليها لولا دعوته لوزير المالية حينها ابن سليمان وكانت وصيته رحمه الله لمن ينقل الوزير على العربة التي يجرها الحمار أن يوطئه كل طريق صعب ليذيقه عناء الطريق فيحس معاناة السالكين لهذا الطريق كلما راموا سفرا للقطيف لعلاج أو عمل أو تجارة أو زيارة أو سفر شاهدت ذلك وأنا في مقتبل صباي وأبى الوزير العودة على نفس الطريق لما لاقاه من عناء في قدومه فوفرت له إمارة القطيف وسيلة النقل البحري عن طريق مرسى السفن بدارين.
والخدمة الصحية هو الذي طلبها بإلحاح ولما وافقت وزارة الصحة تعذرت بعدم توفر محل للمستوصف وسكن للطبيب فقام هو رحمه الله بتوفير هما من ماله الخاص وواصل مطالبته بالمستشفى وتكللت مساعيه بالنجاح وبني المستشفى بالربيعية كل هذا الجهد وغيره كان معه أفاضل من البلد ممن كانت لهم اليد الطولى في ما نحن فيه الآن.
وكثيرة أيادي الحاج محمد تقي رحمه الله مما لم أعيه ولا أحصيه, أما الجانب الروحي من نشاطه فقد تمثل في نشاطات عدة:
كان له رحمه الله حس في الاستفادة من الأوقاف ( أوقاف الأسرة كانت تحت يد الشيخ أحمد الشيخ منصور آل سيف رحمه الله وكان جزء كبير منها أوقافا حسينية ) فقد وظف علاقاته التي بناها في أسفاره للدول الإسلامية والشيعية منها على الخصوص وما كان يجده هناك من تطوير للمنبر والعطاء الحسيني في استقدام الخطباء من العراق منذ نهايات السبعينات من القرن الهجري المنصرم, فاستمع الحاضرون من هؤلاء الخطباء في مجالس العزاء إلى فن جديد من الأداء لم يكن معهودا من قبل إلا في حدود ضيقة وكم هائل من الثقافة والمعارف.
وكان يتحمل جميع مسئولية استقدام الخطيب من العراق تحديدا ويوفر له السكن الملائم ووسيلة التنقل إلى مجالسه في القطيف وسيهات وصفوى وغيرها وحتى في حدود تاروت بين مناطقها المتعددة حتى مغادرته إلى بلده معززا مكرما استمر ذلك إلى بداية القرن الجديد الخامس عشر الهجري.
كانت صلاته بالعلماء والكتاب والمراجع زادا منحه قوة تحمل أعباء إيصال الكتب إلى المنطقة وكان يوزع بعضها مجانا استفاد منها الكثيرون ولعلها في رأيي المتواضع من أحد أسباب الهجرة الجماعية لمجموعات من الشباب بعضه مؤهلاته فوق المتوسط وبعضهم ترك وظيفته وهاجر لطلب العلوم الشرعية في أواخر القرن الهجري الماضي وبالتحديد في العقود الثلاثة الأخيرة منه وبدايات هذا القرن إلى الحوزات العلمية في العراق والكويت وإيران. وأسجل هنا شهادة من العلامة الشيخ علي العصفور حفظه الله – أحد علماء البحرين - أن الحاج محمد تقي رحمه الله كان وراء إنشائه المركز الديني الكبير في (علي كرا) واحدة من حواضر الهند, ولازال المركز يؤدي عمله إلى الآن وان أقعد المرض الشيخ العصفور عن مسيرته فيه فترك خلفه الطريق ممهدا لمن بتابع قيادته لهذا المركز.
كان يلح على المحيطين بمراجع التقليد في العراق وإيران بزيادة جرعة الوقاية من الأفكار الدخيلة حينها الفكر اليساري والقومي العنصري بالإيحاء لمن يكتب الكتب والدراسات وإصدار الدوريات وتوزيع ما يكتب على الشباب يحصنون أنفسهم بها من تلك الأفكار.
والمساهمة في طباعة بعض ما ينفع الشباب من بحوث وكتب كان له في ذلك باع طويل وكلما تحدثت معه تجد مجمل حديثه رحمه الله عن الشباب وما يعانون من تقصير في التوعية وضرورة تحصينهم مما يراد لهم أن يعتنقوه من أفكار لا تتفق وديننا الحنيف سواء كان هذا الشباب في المنطقة أو حتى المبتعثين في الخارج كان يتراسل معهم بالكتب أو يعطيهم ما يحمله معه دائما إذا كانوا في دولة يزورها حينها.
هذه العطاءات الخيرة وفرتها له أرضية أسرية فوالده الحاج علي بن عبد الله آل سيف كان واحدا من اللصيقين بأخيه الشيخ منصور رحمهما الله وهو من أقطاب العلم والعمل الاجتماعي ( أرجو أن أوفق للكتابة عنه إن شاء الله ) وكان مجلسهما مجلس العلماء الأعلام يحطون برحا لهما إذا أتوا تاروت زائرين منذ بداية عودة هؤلاء الأعلام للقطيف في أوائل القرن الرابع عشر الهجري. وكان الحاج محمد تقي غير بعيد عن هذه الأجواء يسمع ويرى عمه وهو ينافح دفاعا عن أهل القطيف حين أصابتهم مصيبة التكفير ويساند الإمام الخنيزي رحمه الله في دعوته الإصلاحية الكبرى في التقليد والعقائد.
والدته السيدة العلوية تاجة السيد مهدي آل درويش سيدة شريفة معلمة خطيبة كانت لها هيبة عظيمة ومكانة سامقة ليس في صفوف الشيعة بل امتدت إلى (الزور) و(دارين) وسكانها ليسوا شيعة لأهل البيت ع مجلسها مجلس ذكر دائم ومأتمها مشهور والمتعلمون على يدها كثيرون ذكرانا( حسب العمر الذي يسمح بالتعلم لدى امرأة ) وإناثا, ويكفي أنها كانت تطبب الكثير ممن يسألونها ذلك وترقيهم بالرقية الشرعية بالقرآن الكريم.
وفي منتصف عمره وجد في القطيف الأصدقاء الذين كانوا يشاركونه العمل العام فرغب أن يقيم قريبا منهم – كان يقضي ليلة في تاروت وأخرى في القطيف - وتزوج ابنة العلامة الشيخ ميرزا حسين البريكي رحمه الله وكان هذا السبب دفعه إلى الحياة قرب من بقي من العلماء الأعلام بعد أن اخترمت يد المنون الحجج العظام بين 1362 وبين 1373 هج وفيها استمرت روافده وثقافته الدينية في التواصل والنمو, كانت مع ما سبقها المؤثرات الكبيرة على شخصيته ومكوناتها الدينية.
إن الوله بالعمل الديني والرغبة في التصدر في كل عطاء يزيد الحالة الإيمانية والانتماء إلى أهل البيت عليهم السلام كان محركه في الدعوة للهجرة لطلب العلم ويكفي أن أولاده ( ستة منهم ) دفعهم لطلب العلم الديني وكلهم في قمة الإيمان والالتزام ومنهم الدكتور الشيخ توفيق ومنهم العلم العلامة الشيخ فوزي ومنهم العلامة الشيخ محمود آل سيف وبقية أنجاله وجوه في المنطقة صالحون.
إن هذا العطاء لم يتوقف وان أبناءه وضعوا لبنات جيدة في العطاء الديني فمنهم المفكر والبحاثة الدكتور توفيق ومنهم الخطيب المتمكن الشيخ فوزي ويشاركه الخطابة أخوه الشيخ محمود وكلهم ورثوا من أبيهم التفاني في الشأن العام والعمل لرفعة البلد وتحقيق ما تصبوا إليه أنفسهم لرفعة وطنهم وهاهم يطبعون الكتب ويوزعونها للاستفادة منها إحياء لذكر والدهم رحمه الله واحياءا لسيرته العطرة.
وفي يوم الثالث والعشرين من شهر جمادى الثانية عام 1415هج ودعه أحبته وأصدقاءه وفقدوا فيه العامل النشيط في الشأن العام والمؤمن العامل بكل ما أوتي من قوة في الدعوة الى الدين حسب طاقته وما أوتي من علم فرحمة الله عليه رحمة واسعة .