ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
تحرير الاخت الفاضلة تراتيل
قال تعالى ﴿ وَلَن يَجعَلَ اللهُ للكافرينَ عَلَى المُؤمنينَ سبيلاً ﴾ النساء 141 هذه الاية من سورة النساء تتحدث على ان الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا فهل هذا وعد الهي؟ بمعنى انه يتحدث عن واقعة خارجية واخبار عنها ام انها آية ترتبط بالأحكام الشرعية؟ هناك توجهان بين المفسرين في هذه الآية المباركة
1- التوجه الاول يقول بان الآية المباركة لا ترتبط بالأمور التشريعية ولا الاحكام الفقهية وانها تتحدث عن وعد الهي بانه لن يجعل المؤمنين تحت سيطرة الكافرين ولن يجعل السبيل للكافرين على المؤمنين , وهناك الكثير من الاخبارات الإلهية في القران وهذا منها . فمثلا قوله تعالى ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ المائدة:82
فهذا اخبار عن قضية في الخارجي في الواقع اخبر عنها القران وأيضا قوله تعالى ﴿ الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون ﴾َ الروم:1-3 فهذا اخبار الهي عن واقعة ستقع في المستقبل .
فالقران يتحدث عن هذا الوعد الإلهي بان الله لن يجعل للكفار هيمنة و سيطرة على المؤمنين ولذلك لا ربط لهذا التفسير بأمر القضايا التشريعية
يُشْكَلْ على هذا التفسير بان هذا الكلام هو خلاف الكلام المعاين والمشاهد فقد ذكر التاريخ بان هناك فترات زمنية تمت فيها السيطرة والهيمنة من قبل الكافرين على المسلمين كما في فترات الاستعمار التي تعرضت لها بلاد المسلمين فكانت الهيمنة للدول الكافرة المستعمرة وهذا حصل أمام اعين الجميع , فكيف يقال ان الله قد وعد المؤمنين لن يكون للكافرين عليهم سلطة ! بل ان الموازنة بين الدول المؤمنة والكافرة ليست بنحو التساوي وليست بنحو ان يكون للمسلمين هيمنة على الدول الكافرة فكيف تفسرون بان هذه الآية بها وعد للمسلمين بعدم سيطرة الكفار عليهم !
ربما يمكن الجواب على هذا السؤال في بعض النقاط هكذا :
أ) ربما المقصود بالسبيل والسيطرة والغلبة هو في مجال العقائد والأفكار والبراهين وليس في مجال الواقع , بمعنى ان الله لن يجعل للكفار غلبة في مجال العقيدة على المؤمنين فلن تكون لهم حجة على المؤمنين في ميدان التشريعات , لن تكون أفكارهم في مجال الدين اعلى من أفكار المسلمين أي لن تكون لهم الفكرة الغالبة والحجة البالغة فهي للمسلمين على الكفار
ب) ان يقولوا بان القران الكريم يقول بان المسلمين طالما انهم مؤمنين ومتمسكين بتمام الايمان وتمام التمسك بالله عز وجل فلن يكون للكفار عليهم سلطة , فاذا وجدنا فترة للكافرين سلطة على المؤمنين فيتبين لنا ان ايمان هؤلاء المؤمنين ليس تاما كاملا كقوله تعالى ﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين ﴾ال عمران:139َ فانتم دائما متفوقين ان كنتم مؤمنين بالدرجة المطلوبة
2- التوجه الثاني يقول: بان الآية مما يمكن ان يستدل به على الاحكام الشرعية وان كانت الآية بصيغة الخبر بان الله لن يجعل ولكن هي بمثابة الامر أي لا تجعلوا للكفار عليكم سبيلا لان الله لم يجعل ذلك في شرعه , فلا ولاية لكافر على مؤمن , فأي ولاية وهيمنة هي منفية من قبل الشرع . وهناك عدة موارد فمثلا
المورد الأول : فيما يرتبط بعدم جواز زواج المرأة المؤمنة من الكافر حيث لا يحل للمرأة المسلمة ذلك لا زواج دائم ولا منقطع وهذا محل اتفاق بين المسلمين ولو فعلت المرأة ذلك فان العقد باطل و غير صحيح فهذا الحكم يأتي من مصدرين :
المصدر الأول :قوله تعالى ﴿ ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبك﴾َ فالخطاب للأولياء فالله يأمر الولي بان لا تُنْكِح - أي لا تُزَوّج - ابنتك الى المشركين الى ان يؤمنوا فيصبح حالهم حال المؤمنين
فالزواج هو اكبر انحاء السبيل للرجل على المرأة فعادة المرأة عندما تتزوج فإنها في كثير من امورها تكون ملزمة بمتابعة زوجها فلا يكون قرارات الرجل باتجاه وقرارات المرأة في اتجاهات أخرى وكل فرد منهم يتصرف بما يروق له فهذا من الناحية الواقعية غير حاصل وأيضا من الناحية الشرعية أيضا ﴿ الرجال قوامون على النساء ﴾َ النساء 34 وله نحو ولاية وسبيل على زوجته , فاذا كان كذلك فلو تزوج رجلا مسيحي امرأة مسلمة فانه سيصبح له سبيل ويد و هيمنه عليها وعلى حياتها وعلى مستوى العبادة بمقتضى الحقوق التي يجعلها الدين له فالمرأة مثلا في العبادة لا تستطيع ان تتنفل بالصوم مع اخلال ذلك الصوم بحق الزوج الزوجي ولا تستطيع ان تخرج من المنزل مع اخلالها بحق الزوج , فكيف يكون ذلك الحق والولاية للزوج الغير مسلم على الزوجة المسلمة والله يقول في كتابه( لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) هذا لا يمكن فهما لا يجتمعان , اذن لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج بالرجل الكافر لان في الزواج نوع هيمنة وسبيل وقد نفى الله ان يكون لكافر سبيل على مؤمن او مؤمنة
مورد اخر : في قضية القصاص ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأنثى بالأنثى ۚ ﴾َ البقرة 178 ولو ان رجلا مسلما قتل رجلا مسلما اخر فانه يقتص منه الا ان يتصدقوا اهل الدم وينزلون الى الديّة لان الله جعل لأولياء الدم جعل لهم سلطان وولاية وسبيل ﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا َ﴾َ الاسراء 33 . لو ان مسلما قتل مسيحيا, هنا فقهاء الامامية وقسم من فقهاء المذاهب الأخرى يقولون بانه لا يقتل المسلم بالكافر , فقط يعزر ويؤدب من قبل الحاكم وتؤخذ منه الدية لان القصاص من جعل السبيل الى الكافرين على المسلم و الآية تقول ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) , الا اذا تعوّد هذا المسلم على قتل الكافرين بدون سبب اي كان مصرا على قتلهم هنا يقتل
ذهب بعض فقهاء المسلمين الى انه يقتل المسلم بالكافر وينقلون حادثة جرت الى أبو يوسف القاضي وكان في زمن هارون الرشيد العباسي , فقد حدثت حادثة ان مسلما قتل رجلا مسيحيا فجاء قوم المسيحي الى القاضي ليحكم في الامر وكان رأي القاضي ان الرجل المسلم القاتل يقتل اذا قتل رجلا مسيحيا لذا اعطى أبو يوسف صك الحكم الى أولياء الدم لكي ينفذ حكم القتل بعد أيام على ذلك الرجل المسلم , وفي يوم من الأيام كان جالس مع هارون فجاء الحاجب مع مجموعة من الرسائل الى الحاكم وكانت احدى الرسائل بها قصيدة حول ذلك الموضوع وشرح حيثياته وكيف ان باقي الفقهاء لا يحكمون بقتل المسلم اذا قتل مسيحيا وان هذا الحكم الذي حكمة أبو يوسف انما هو بدعه جديده اتي بها حيث قال الشاعر
قد حارب الدين أبو يوسف بقتله مسلم بالكافر
فلما قرأها هارون الرشيد العباسي احس بان هناك ستكون مشكله بسبب هذه القضية ،فما هي الحيلة لاسترجاع الامر فارسل خلف المسيحين أولياء دم القتيل قال لهم هاتوا صك هذا الحكم لأنه سيكون فيه شيء من التصليح والإصلاح , فقال لهم : هل كان هذا القتيل يؤدي الجزية للمسلمين؟؟ أي هاتوا ما يثبت من ورق او شهود لان هذا من شروط الذمة فهو اذا التزم بقوانين بلاد المسلمين و كان يؤدي الضرائب المالية طوال فترة بقائه في بلادهم هنا يكون له حقوقه في بلاد المسلمين , فاخبروه بانهم لا يعلمون بانه يسدد الضرائب ام لا ولا يوجد عندهم ايصالات تثبت ذلك , فقال لهم هارون: طالما انه كذلك اذن لا نقتل المسلم به وهو لم يعمل بعمل اهل الذمة و لم يعمل بالشروط الواجبة لهم . وهذا يدل على ان هذا الحكم لم يكن يفتيه جميع المذاهب والطوائف , المهم ان هارون استرجعها وهذا يعد من المخالفين للراي العام ,فهذا المورد اذن من الموارد التي تنطبق عليه الآية المباركة محل البحث
المورد الثالث : قضية الميراث , نقصد ميراث الكافر من المسلم فان هناك ما يشبه الاتفاق بين الامامية وغيرهم على ان الكافر لا يرث المسلم فلو كان الاب مسلم والابن مسيحي مثلا فعندما يموت الاب لا يرث هذا الابن الكافر من ابيه المسلم لان اخذه المال هو نوع من التسلط على مال المسلمين , فلا يحق له اخذ مال من المسلمين الا بمبرر كأن يشتري المسلم بضاعة من الكافر فيدفع المسلم مال كقيمة للبضاعة للكافر فهذه معاملات تخول الكافر بان يستلم أموال من المسلم , اما انه يرث فهذا لم يجعله الله
المورد الرابع : الاستقلال السياسي لبلاد المسلمين عن سيطرة القوة الكافرة المستكبرة فلا يجوز للحاكم المسلم ان يسلم استقلال البلاد للكفار ليهيمنوا ويسيطروا على المسلمين, ليس له حق . ولا يجوز للمسلم ان يجعل بلاده وشخصيته تحت هيمنة الكافرين وهذه الآية بالتالي تكون من اقوى الآيات الداعية الى استقلال المسلمين و عزة المسلمين وعدم الخضوع لاستعمار الدول الكافرة لذلك وجدنا ان فقهاء الامامية على وجه الخصوص يحاربون و يواجهون الدول الكافرة فهذه ثورة العشرين في العراق عندما ارادت بريطانيا المسيحية ان تحتل العراق نهض في وجهها المراجع وعلماء الدين وفي مقدمتهم المرجع محمد ميرزا الشيرازي تغمده الله بواسع رحمته وقاد هذ ا الجهاد ومعه أسماء لامعة من العلماء لان الاحتلال نوع سبيل للكافرين على المؤمنين
واليوم نرى كيف ان المرجعية تواجه هذا الاحتلال ولا ترضى به , وهناك فرق بين قبول الاحتلال وبين المقاومة الفوضوية , فالمقاومة وعدم قبول الاحتلال تحتاج الى تدبير وتخطيط وتفكير وحساب انحاء الاحتمالات , وليس بان يأتي كل شخص بطريقة فوضوية وبدون تخطيط ويقوم باي عمل من الاعمال حتى لو أدى الى الاضرار بمستقبل المسلمين .فهذا لا يعني انه يقوم بالعمل المناسب
المرجعية الدينية في عالم التشييع لا ترضى بان يكون هناك خضوع من قبل مؤمنين للكافرين بل تواجههم , وان اختلفت طرق وأساليب المواجهة و المقاومة بحسب الظرف لان الانسان مأمور على التخطيط والتدبر والتعقل واما الفوضى فلا تجلب الا الخراب
فمن هذه الآية يمكن ان يستفاد ان الخضوع من قبل المسلمين الى الكفار بحيث يكون هناك هيمنة للكفار على المسلمين فهذا غير جائز
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لفهم احكام ديننا ويعيننا على تطبيقها
|